عبد الرزاق الشيخ علي الذي خرج ولم يعد

كان من روّاد الأدب الواقعي العراقي... وجايَلَ عبد الملك نوري وفؤاد التكرلي في الخمسينات

عبد الرزاق الشيخ علي
عبد الرزاق الشيخ علي
TT

عبد الرزاق الشيخ علي الذي خرج ولم يعد

عبد الرزاق الشيخ علي
عبد الرزاق الشيخ علي

كان ذلك في صيف عام 1957، وفي شارع أبي نواس تحديداً، عندما مر بجانبي مسرعاً شخص غريب الأطوار، بملابس رثة ولحية طويلة غير مشذبة، ويبدو مثل درويش صوفي تائه. فصرخت بصورة لا إرادية بصديقي الشاعر عبد المنعم المخزومي الذي كان زميلي في كلية الآداب آنذاك، وكان يسير إلى جانبي: «إنه القاص عبد الرزاق الشيخ علي»، فأجاب متردداً: «ربما». حاولنا اللحاق به، وكنا نعلم بمأساته، ولكنه سرعان ما هرول هارباً، وغاب بين الجموع. لم يكن من اليسير الجزم بأن ملتحياً ما، بملابس رثة ولحية سوداء، يمكن أن يكون هو القاص الذي تعرض إلى نكبة مزدوجة: زجه بالسجن لأفكاره السياسية، وإطلاق سراحه يوم 14 يوليو (تموز) 1957، أي قبل الثورة بعام واحد؛ وخروجه فاقداً للعقل. فهام على وجهه دون أن يعرف أحد من أسرته أو أصدقائه مصيره. وبعد ثورة الرابع عشر من يوليو (تموز)، بذلت مجهودات كبيرة من قبل ذويه وأصدقائه من الأدباء والمثقفين، لمعرفة تفاصيل سجنه واختفائه، لكنها لم تحقق أي نتيجة، وظلت رهن التكهنات والتخمينات.
فما الذي يقوله صندوق الأسرار عن هذا المبدع الذي أضاعته أنظمة الاستبداد، وأشبعته سجناً وترويعاً وجنوناً؟
عبد الرزاق الشيخ علي قاص عراقي خمسيني تقدمي، بدأ بكتابة القصة القصيرة بالتزامن مع القاصين غائب طعمة فرمان ومهدي عيسى الصقر، كما جايل القاصين عبد الملك نوري وفؤاد التكرلي. وكانت قصصه تتسم بنزعة واقعية نقدية، مثل كثير من اتجاهات السرد القصصي آنذاك. وكان مفهوم «الالتزام» ببعده الماركسي، وليس السارتري، هو المهيمن على قناعات معظم كتاب ذلك الجيل، والذي كان يرتب التزامات فكرية وآيديولوجية معينة على الكتاب، من خلال التأكيد المسرف على الوظيفة الاجتماعية للأدب، وقدرته على الإسهام في عملية التغيير الاجتماعي. وقد بدأ القاص النشر لأول مرة في عدد من الصحف والمجلات العراقية والعربية، مثل: «الأديب» اللبنانية، ومجلة «الثقافة الجديدة» العراقية، ومجلة «الرابطة» العراقية، و«الأوقات البغدادية»، وصحيفة «الأهالي» العراقية. وتؤرخ بعض قصصه بالعام 1946، وبعضها الآخر بالعام 1949، وبعضها بالعام 1951. ثم نشر مجموعتين قصصيتين، هما: «حصاد الشوك» من منشورات مطبعة «الرابطة» في بغداد في منتصف الخمسينيات، كما أصدرت له مجلة «الثقافة الجديدة» ضمن منشوراتها مجموعة قصصية أخرى، هي «عباس أفندي» عام 1959، فضلاً عن كتابه الصحافي «أجراس السلام» عام 1951، الذي دون فيه مشاهداته عن مهرجان السلام العالمي في برلين آنذاك، وعدت من أعماله الضائعة مجموعة «آلهة الأرض» ومجموعة «الدنيا بخير».
وربما تشكل حياة القاص عبد الرزاق الشيخ علي مأثرة وسفراً في الكفاح والوطنية والمعاناة. فمن خلال بعض مذكراته التي تركها، ومن رسالة ابنته (سامرة)، وكذلك المناشدة التي نشرها صديقه الشاعر كاظم السماوي للبحث عنه ومعرفة مصيره، والتي نشرها عام 1959 (صحيفة المدى، 13-11-2006)، نكتشف أنه كان عام 1942موظفاً صغيراً بدائرة إجراء بغداد، ونقل إلى وظائف أخرى، منها إلى محكمة تمييز العراق، ثم صدر أمر تعيينه في مديرية الدعاية العامة ببغداد عام 1947. وكان عبد الرزاق يواظب على إغناء تجربته الثقافية والسياسية وعشقه للغات الأجنبية، ويشاهد بعض العروض المسرحية التي كان يقدمها طلبة معهد الفنون الجميلة آنذاك، ومنها مسرحية «تاجر البندقية» لشكسبير، كما التحق بدورة لتعلم اللغة الفرنسية في معهد الآباء الكرمليين، حيث راح يخطط للسفر إلى فرنسا لإكمال دراسته هناك، وفعلاً سافر إلى فرنسا عن طريق بيروت، والتحق بمدرسة «الآليانس فرانسيه»، كما أمضي عامين بجامعة السوربون، لكنه بسبب نفقات الدراسة العالية لم يكن بمقدوره الاستمرار في تحقيق هذا الحلم، فعاد إلى بغداد بعد أن أمضى 3 سنوات في باريس. وعندما تلقى دعوة لحضور مؤتمر أنصار السلام في برلين عام 1951، الذي كان يرأسه البروفسور جوليو كوري، كان مسروراً بتلبيتها، حيث شارك ضمن الوفد العراقي بنشاط، وكتب عن هذه التجربة كتابه المعروف «أجراس السلام». وعند عودته إلى العراق، اعتقل وعذب، وأودع في عدد من السجون، منها سجن بغداد المركزي وسجن بعقوبة وسجن نقرة السلمان. وقد بقي في السجون آنذاك عاماً ونصف، ثم أطلق سراحه. وكان سلوكه داخل السجن مثالاً للمناضل الشجاع الأبي. ويذكر أنه رفض مصافحة مدير سجن بعقوبة بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك، وقال له بصوتٍ عالٍ: «أرفض بقوة مصافحة يدٍ ملطخة بعار تعذيب وقتل المناضلين الشرفاء من أبناء شعبي العظيم». وقد أدى موقفه هذا إلى إيداعه زنزانة السجن الانفرادي، وتعريضه إلى التعذيب الوحشي.
وكان اعتقاله الأخير في عام 1957، من قبل وزير الداخلية آنذاك بهجة العطية، والتحقيقات الجنائية، حيث تعرض إلى أبشع أنواع التعذيب، مما تسبب في فقدانه لعقله، ويبدو أنه نفي بعد ذلك إلى مدينة بدرة الحدودية من لواء الموت على الحدود الإيرانية، وأطلق سراحه يوم 14 يوليو (تموز) 1957، لكنه لم يعد إلى بيته، وتتهم عائلته جهاز الأمن في العراق بالمسؤولية عن تغييبه واختفائه.
ويشير الشاعر العراقي الراحل كاظم السماوي إلى أنه التقى صديقه القاص عبد الرزاق الشيخ علي بعد عودته من باريس عام 1949 حاملاً كثيراً من الأحلام والتفاؤل:
«كان عائداً من باريس بشعره المسترسل وراء عنقه، وكلماته النارية المدوية، وعينيه العميقتين الكبيرتين. تحدث عن تنقله بين أحياء باريس ومتاحفها وميادينها، وإيمانه بالرسالة الاجتماعية التنويرية التي يتعين على الأدب أن يحملها: الأدب يعني الإنسان الشامخ سيد الأرض صانع الحياة. فإذا لم يكن هذا محوره، فإنه ثرثرة حانقة، وصناعة بائرة.
فالأدب دم ودموع، وجراح ونار وأشواق، وهو بعد هذا كله يهندس للغد العملاق».
لقد كان يرى أن الأدب مسؤولية كبيرة، وأن أهل القلم هم بناة الغد المشرق، وهو يفسر إلى حد كبير طبيعة المحتوى الاجتماعي والنضالي الهادف لكثير من تجاربه القصصية التي وثق فيها لحظات مهمة من حياته داخل السجون والمعتقلات، أو سجل فيها معاناة المضطهدين والفقراء في بلاده، لكنه لم يكترث بما فيه الكفاية للارتقاء بمستوى البناء السردي لقصصه، مع أنه يمتلك تجربة دراسية وتعليمية جيدة في فرنسا، وكان يتابع النتاج الأدبي العراقي والعربي والعالمي بصورة مستمرة. ويمكن القول إن عواطفه السياسية، ونظرته الآيديولوجية والإنسانية، ضغطت على الشروط الفنية للسرد القصصي، وحولته إلى رسالة اجتماعية تهدف إلى تحقيق تغيير جذري في المجتمع وفي أفكار الناس. وظلت كثير من المناشدات الحارة للكشف عن مصيره بلا إجابات شافية، ومنها المناشدة التي نشرها الشاعر كاظم السماوي عام 1959، أي بعد الثورة التي حلم بها:
«عام 1959… شارع الرشيد، أتصفح الوجوه، أسال عنه المارة، أقتحم الأبواب، أطرق الصمت على كل شفة، أتوسل الحيرة في كل عين، ووجدتني أجلس في مكتب جريدة لأكتب بتساؤل جريح: أين عبد الرزاق؟ وتحمل الجريدة ذلك التساؤل إلى عشرات من الناس البسطاء الذين أحبهم عبد الرزاق».
ولا يمكن أن ننسى ذلك النداء الحار الذي وجهته ابنة القاص الراحل، السيدة سامرة عبد الرزاق الشيخ علي، عام 1974، من على صفحات إحدى الصحف الوطنية:
«أين أبي؟ أين نصير السلم عبد الرزاق الشيخ علي؟ ومن يعرف عن مخطوطاته الأدبية شيئاً؟ إنني اليوم أرفع صوتي بنداء لكل الناس الشرفاء الطيبين، لكل من يهمه الأمر، أن يعثر على آثار مؤلف (حصاد الشوك) و(أجراس السلام) و(عباس أفندي)؛ ذلك الإنسان الذي ذهب ولَم يعد».
- ناقد عراقي



اكتشاف نوع جديد من النمل الأبيض يُشبه حوت موبي ديك

يتميز هذا النوع من النمل الأبيض برأسه الطويل وفكوك سفلية مخفية (رودولف شيفران - زوكيز)
يتميز هذا النوع من النمل الأبيض برأسه الطويل وفكوك سفلية مخفية (رودولف شيفران - زوكيز)
TT

اكتشاف نوع جديد من النمل الأبيض يُشبه حوت موبي ديك

يتميز هذا النوع من النمل الأبيض برأسه الطويل وفكوك سفلية مخفية (رودولف شيفران - زوكيز)
يتميز هذا النوع من النمل الأبيض برأسه الطويل وفكوك سفلية مخفية (رودولف شيفران - زوكيز)

في أعالي إحدى الغابات المطيرة في أميركا الجنوبية، أذهل نوع جديد من النمل الأبيض صغير الحجم فريقاً من العلماء الدوليين بملامحه التي تُشبه ملامح الحيتان.

ووفق الفريق البحثي الذي قاده عالم من جامعة فلوريدا الأميركية، يشبه هذا النوع الجديد من النمل الأبيض حوت العنبر الشهير في رواية هيرمان ملفيل الكلاسيكية «موبي ديك»، ومن هنا جاء اسمه: «كريبتوترمس موبيديكي».

وحسب الدراسة المنشورة في مجلة «زوكيز» (ZooKeys)، يتميّز هذا النوع برأس طويل وفكوك سفليّة مخفيّة.

وقال رودولف شيفران، أستاذ علم الحشرات في معهد جامعة فلوريدا لعلوم الأغذية والزراعة المتخصص في تصنيف الكائنات الحية: «هذا النمل الأبيض لا يشبه أي شيء رأيناه من قبل». وأضاف في بيان نُشر الجمعة: «كانت العيّنة مميزة إلى حدٍّ دفع فريق علماء الحشرات الدوليين إلى الاعتقاد بأنهم أمام جنس جديد تماماً».

كيف حصل هذا النوع على اسمه؟

قال شيفران: «يشبه المنظر الجانبي للبروز الأمامي ورأسه الممدود رأسَ حوت العنبر، وفي كلا الكائنين يحجب الرأس الفك السفلي».

وأوضح: «تقع عين الحوت وقرون استشعار النمل الأبيض في موقع متقارب وفق تكوين كل منهما. وبعد أن لاحظتُ هذا التشابه، رأى زملائي أن الاسم مناسب بشكل لافت».

يُضيف هذا الاكتشاف نوعاً جديداً إلى قائمة نمل «كريبتوترمس» في أميركا الجنوبية، ليصل عدد أنواع هذا النمل إلى 16 نوعاً. ويُظهر تحليل شجرة العائلة الجينية أن «كريبتوترمس موبيديكي» وثيق الصلة بأنواع أخرى في المناطق الاستوائية الجديدة، موجودة في كولومبيا، وترينيداد، وجمهورية الدومينيكان، مما يمنح العلماء دليلاً جديداً على القصة التطورية لهذا الجنس المنتشر عالمياً على مساحة واسعة من الأرض.

ووجد الباحثون المستعمرة المكتشفة داخل شجرة شبه ميتة، على ارتفاع نحو 8 أمتار من أرضية الغابة.

ووفق نتائج الدراسة، يُبرز تشريح هذا النوع الجديد وغير المعتاد مدى تنوّع تطوّر النمل الأبيض، والمفاجآت التي لا تزال تخبئها النظم البيئية الاستوائية.

وقال شيفران: «يُبرز اكتشاف هذا النوع الجديد والمميّز، العدد الهائل من الكائنات الحية التي لم تُكتشف بعد على كوكبنا».

ويُعدّ هذا الاكتشاف، بالنسبة للعلماء، انتصاراً للتنوّع البيولوجي؛ إذ يضيف كل نوع جديد إلى الفهم العلمي للحياة على الأرض، خصوصاً في مجموعة صغيرة نسبياً مثل النمل الأبيض، التي لا يتجاوز عدد أنواعها 3 آلاف نوع حول العالم.


محمد عبده يفتح خزائن الذاكرة على مسرح الرياض

محمد عبده يقدّم اختيارات لم يسمعها الجمهور منذ سنوات (روتانا)
محمد عبده يقدّم اختيارات لم يسمعها الجمهور منذ سنوات (روتانا)
TT

محمد عبده يفتح خزائن الذاكرة على مسرح الرياض

محمد عبده يقدّم اختيارات لم يسمعها الجمهور منذ سنوات (روتانا)
محمد عبده يقدّم اختيارات لم يسمعها الجمهور منذ سنوات (روتانا)

منح فنان العرب محمد عبده، الجمعة، شتاء العاصمة السعودية الرياض الدفء، في ليلة طربية ساحرة امتدَّت حتى ساعات الصباح الأولى من يوم السبت، وسط حضور جماهيري كبير من محبيه وعشّاقه من السعودية والعالم العربي.

واكتظَّ المسرح الذي يحمل اسمه في المجمع الترفيهي «بوليفارد سيتي» في حيّ حطين بالرياض بالحضور، في حين تابع آلاف المشاهدين الحفل عبر نقله المباشر على قنوات فضائية ومنصات رقمية.

وفي ثاني حفلاته بـ«موسم الرياض» 2025، وبجلسة شعبية طال انتظارها بعد أيام من التمارين والتحضيرات وساعات من الإبداع، التي تقدّمها الهيئة العامة للترفيه» في السعودية، وبإشراف مباشر من ‏رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه المستشار تركي آل الشيخ، وبتنظيم من «روتانا»، قدَّم محمد عبده لعشّاق الفن الأصيل أمسية استثنائية بعنوان «جلسة شعبيات فنان العرب»، استعرض فيها على العود عدداً من الاختيارات التي نالت إعجاب الحضور، وسط إشادات متواصلة بنوعية الأغنيات المُختارة نظير ندرة طرح عدد منها مسرحيّاً، أو استحضار بعضها بعد سنوات من المرة الأخيرة التي قدّمها.

محمد عبده يطلّ بسهرة مختلفة تُعيد جمهور الرياض إلى بداياته (روتانا)

وأضيفت هذه الأمسية إلى مسيرة محمد عبده العريقة الممتدة لأكثر من 5 عقود، مزج فيها بين الإحساس العالي وروعة الألحان والأداء المميّز الذي أسر قلوب الملايين، وسط حضور متناغم مع الفرقة الموسيقية بقيادة المايسترو هاني فرحات.

«أهلاً هلا بك يا دَوى كل علّه» مروراً بـ«يا حبيب الروح» التي يؤديها الفنان السعودي الكبير للمرة الأولى على المسرح، و«أوحشتنا يا حبيب» قبل «لي 3 أيام ما جاني خبر»، ثم «أنا وخلي كل دار وطنّا»، إلى «كنت مانيب ناوي أقرب الحب لله»، وغيرها من الخيارات النادرة والاستثنائية، عاش جمهور «فنان العرب» ليلة لا تُنسى في الرياض، وخلف الشاشات.

وامتدَّت الأمسية نحو 4 ساعات، استمرَّ خلالها الفنان في نثر إبداعاته وسط استمتاع الحضور، ثم تخلّلته استراحة امتدت نحو نصف ساعة، قبل أن يعاود عبده الوصلة الثانية من الخيارات الفنية الشعبية التي انتظرها الحضور الكبير، ويختمها بأداء الأغنية الوطنية الخالدة «فوق هام السحب» من كلمات الراحل الأمير بدر بن عبد المحسن وألحان «فنان العرب».

الفنان محمد عبده والمايسترو هاني فرحات في ختام الأمسية (روتانا)

وجاءت هذه الأمسية إثر الإقبال الكبير الذي شهده حفل «فنان العرب» ضمن «موسم الرياض» في 28 من الشهر الماضي، بعد نفاد التذاكر في وقت مبكر جداً من موعد الحفل، ليعلن رئيس «الهيئة العامة للترفيه» في السعودية، المستشار تركي آل الشيخ، عن تنظيم حفل جديد للفنان محمد عبده، الجمعة 5 ديسمبر (كانون الأول)، وذلك عبر حسابه الشخصي على منصة «إكس»، حيث نشر بوستر الحفل وعلّق: «عشانكم».

ويواصل الموسم الترفيهي الأضخم إقليمياً وعالمياً «موسم الرياض 2025»، الذي بات إحدى أهم المنصّات الفنية في العالم، تنظيم الحفلات الغنائية ضمن سلسلة من الفعاليات الموسيقية الكبرى.

ومن المقرّر أن يطلّ عبده مجدّداً على جمهوره، في 18 ديسمبر، على خشبة مسرح «صدى الوادي» في موسم الدرعية.


«البحر الأحمر السينمائي» يحتفي بأم كلثوم في الذكرى الـ50 لرحيلها

أم كلثوم في مشهد من فيلم «عايدة» (مهرجان البحر الأحمر)
أم كلثوم في مشهد من فيلم «عايدة» (مهرجان البحر الأحمر)
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يحتفي بأم كلثوم في الذكرى الـ50 لرحيلها

أم كلثوم في مشهد من فيلم «عايدة» (مهرجان البحر الأحمر)
أم كلثوم في مشهد من فيلم «عايدة» (مهرجان البحر الأحمر)

يواصل مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» في دورته الـ5 ترميم أفلام مصرية قديمة وإعادتها إلى الحياة بنسخ جديدة صالحة للعرض وفق أحدث التقنيات. وفي إطار الاحتفال بمرور 50 عاماً على رحيل سيدة الغناء العربي، أم كلثوم، اختار المهرجان ترميم فيلمَين من بطولتها، هما «نشيد الأمل» (1937) و«عايدة» (1942)، وكلاهما من إخراج أحمد بدرخان.

وعرض المهرجان، الجمعة، فيلم «نشيد الأمل» في «متحف طارق عبد الحكيم» بالحديقة الثقافية في منطقة جدة التاريخية، في حين قُدّم فيلم «عايدة» في مدينة الثقافة، بعد ترميمهما ضمن اتفاقية بين المهرجان ومدينة الإنتاج الإعلامي في مصر، وبمشاركة قناة «إيه آر تي» المالكة لحقوق الفيلمَين.

وقدّمت مريم عبد الله، عضو لجنة اختيار الأفلام العربية في المهرجان، فيلم «عايدة»، مشيرة إلى أن «مهرجان البحر الأحمر دأب في كل دورة على ترميم أفلام مصرية عدّة لتُعرَض للمرة الأولى بنسخ مُرمَّمة بتقنية (4 k) عالية الجودة عبر الشاشة الكبيرة، وتزامناً مع الذكرى الـ50 لوفاة أم كلثوم التي شاركت في بطولة 6 أفلام، فإن اللجنة الفنية اختارت هذين الفيلمين تحديداً لهذه المناسبة».

من جهتها، رحّبت أسماء السراج، المديرة التجارية لقنوات «إيه آر تي»، بالحضور، موجّهة شكرها للمهرجان على اهتمامه بترميم الأفلام المصرية. في حين قالت المهندسة ندى حسام الدين، مسؤولة الترميم بمدينة الإنتاج الإعلامي، إن فيلم «عايدة» شكَّل «حالة خاصة»، موضحة أن عملية ترميمه كانت «ملحمة حقيقية»، إذ «لم يُرمَّم الفيلم فحسب، بل كان علينا أيضاً إنقاذ (النيغاتيف) من التحلل. هناك أجزاء ستبدو مختلفةً لأنها استُنقذت قبل أن تتحلَّل تماماً، كما بُذل جهد كبير في ترميم الصوت، كونه فيلماً غنائياً، وخضع لعملية ترميم رقمية دقيقة للحفاظ على قيمته التاريخية». وأشادت بدور المهرجان في حماية التراث السينمائي.

ملصق عرض الفيلمين المُرمَّمين لأم كلثوم بالمهرجان (مهرجان البحر الأحمر)

وجاء عرض «عايدة» العام الحالي متزامناً أيضاً مع مرور 83 عاماً على عرضه الأول في 28 ديسمبر (كانون الأول) عام 1942 في سينما «استوديو مصر» بالقاهرة، وهو من إنتاج الاستوديو نفسه. ويشارك في بطولته، إلى جانب أم كلثوم، كل من المطرب إبراهيم حمودة، وسليمان نجيب، وعباس فارس، وماري منيب، وعبد الوارث عسر الذي كتب السيناريو بمشاركة فتحي نشاطي وعباس يونس.

يقدّم الفيلم مزيجاً آسراً من الرومانسية والقضايا الاجتماعية والتألق الموسيقي، وتتمحور قصته حول «عايدة» الطالبة في مرحلة «البكالوريا» (أم كلثوم) التي تتمتع بموهبة غنائية منذ طفولتها. وبعد وفاة والدها المزارع البسيط، تدعوها أسرة الباشا الذي كان والدها يعمل لديه للإقامة في القصر كي لا تبقى وحيدة. تلتحق عايدة بمعهد الموسيقى الداخلي للبنات، فيتعلق بها سامي نجل الباشا الذي يهوى الموسيقى أيضاً رغم رفض والده، كما يرفض زواجه منها؛ بسبب الفوارق الطبقية. لكن موقفه يتغيَّر بعد حضوره عرضاً موسيقياً تقدمه عايدة، لينتصر الحب في النهاية على تلك الفوارق.

وكعادة الأفلام التي تعكس روح زمنها، يُظهِر الفيلم شوارع القاهرة الهادئة في أربعينات القرن الماضي، وموديلات السيارات، والتقاليد الاجتماعية، والأزياء الكلاسيكية، إضافة إلى أغنيات الحب التي جمعت أم كلثوم بإبراهيم حمودة، مع إبراز تطور شخصية أم كلثوم وأدائها الغنائي.

وشهد الفيلم حضوراً لافتاً من جمهور المهرجان والجمهور السعودي، رغم ازدحام جدول العروض بأفلام عالمية وعربية حديثة الإنتاج. ويُفسر أنطوان خليفة، مدير البرامج العربية وكلاسيكيات الأفلام في المهرجان، هذا الإقبال بقوله: «هذه أفلام لم تُعرَض سابقاً في صالات كبيرة، ولم يشاهدها أغلب الجمهور السعودي من قبل، كما أنها تُقدَّم بتقنيات حديثة». وأضاف في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن عرض الفيلمين «لن يقتصر على المهرجان، بل سيستمر خلال احتفاليات عدّة تقام على مدار العام في مدن سعودية مختلفة»، موضحاً أن «المهرجان لا يشتري حقوق عرض هذه الأفلام، بل يحصل من الجهات المالكة على موافقتها لعرضها في المهرجان والاحتفاليات».

ويؤكد خليفة أن المهرجان، منذ دورته الأولى، يولي اهتماماً خاصاً بترميم الأفلام المصرية، حيث بلغ عدد ما رُمِّم حتى اليوم 22 فيلماً على مدى 5 سنوات.

ملصق فيلم «نشيد الأمل» (مهرجان البحر الأحمر)

ويشير إلى أن اختيار الأفلام المُرمَّمة يرتبط غالباً بمناسبات محددة، موضحاً: «أفلام يوسف شاهين رُمِّمت جميعها في فرنسا، لكننا اكتشفنا أن فيلم (الاختيار) لم يُرمَّم، فقمنا بذلك. كما ارتبط الترميم بتكريم شخصيات مصرية مثل الفنانة منى زكي في الدورة الماضية، حيث طلبت عرض فيلم (شفيقة ومتولي)، فرمَّمناه، وكذلك فيلم (اضحك الصورة تطلع حلوة) في إطار تكريمها. أما فيلم (خلي بالك من زوزو)، فجرى ترميمه بمناسبة مرور 50 عاماً على إنتاجه. واخترنا العام الحالي فيلمَي (نشيد الأمل) و(عايدة) في ذكرى مرور نصف قرن على رحيل أم كلثوم».

ويقدم برنامج «كنوز البحر الأحمر» في دورته الـ5 عروضاً مميزة لعدد من كلاسيكيات السينما العالمية، بينها 3 أفلام قصيرة صامتة: «المهاجر» لشارلي شابلن، و«ليبرتي» للوريل وهاردي، و«أسبوع واحد» لباستر كيتون، مع عزف موسيقي حي يقدمه المؤلف البريطاني نيل براند المتخصص في الموسيقى التصويرية. كما يتضمَّن البرنامج عرض فيلم الإثارة «مسحور» لألفريد هيتشكوك، وفيلم «الأزرق الكبير» الملحمي للمخرج لوك بيسون.