تجربة في عالم الزراعة المائية تُنفّذها المهندسة إرادة بغزة

بدأت بمشروعها قبل نحو عامين فور تخرجها

المهندسة إرادة تتفقد مشروعها (الشرق الأوسط)  -   دراسة إرادة للهندسة الزراعية دفعتها للبدء بالمشروع (الشرق الأوسط)
المهندسة إرادة تتفقد مشروعها (الشرق الأوسط) - دراسة إرادة للهندسة الزراعية دفعتها للبدء بالمشروع (الشرق الأوسط)
TT

تجربة في عالم الزراعة المائية تُنفّذها المهندسة إرادة بغزة

المهندسة إرادة تتفقد مشروعها (الشرق الأوسط)  -   دراسة إرادة للهندسة الزراعية دفعتها للبدء بالمشروع (الشرق الأوسط)
المهندسة إرادة تتفقد مشروعها (الشرق الأوسط) - دراسة إرادة للهندسة الزراعية دفعتها للبدء بالمشروع (الشرق الأوسط)

وجدت المهندسة الزراعية إرادة الزعانين، دعماً كبيراً من أسرتها ومحيطها، حينما قررت البدء بتنفيذ مشروعها الزراعي، الذي يختص بإنتاج الثمار الطازجة، عن طريق الزراعة المائية الآمنة، القائمة على استعمال المياه وبعض المغذيات الطبيعية، التي تُركّب باستعمال بعض أنواع السماد العضوي والعناصر الأخرى، وتقول: إنّ «عائلتها منحتها قطعة أرضٍ صغيرة بجانب المنزل، لصالح مشروعها الحاصل على دعمٍ من إحدى المؤسسات الدولية العاملة في مدينة غزة، وساهمت معها في تنفيذه وتطويره والإشراف على كافّة مراحل إنجازه».
في بلدة بيت حانون التي تقع أقصى شمال قطاع غزة، تقطن الشابّة البالغة من العمر (25 سنة)، وتشير إلى أنّ الزراعة المائية بشكلٍ عام تُعطي إنتاجاً يزيد ضعفاً عن الذي تنتجه الزراعة التقليدية، كما أنّها توفر ما نسبته 90 في المائة من المياه، وهو الأمر الأهم بالنسبة لإرادة، التي ترى أنّ مشكلة المياه من بين أخطر المشكلات التي تواجه الوجود السكاني، في القطاع المحاصر إسرائيلياً منذ أكثر من 14 سنة.
ويُعتبر نظام الزراعة المائية، من أكثر الأنظمة الزراعية الصديقة للبيئة بالعالم، الذي تخصص الكثير من دوله مساحات واسعة للاستثمار به، لما فيه من فائدة غذائية وجسدية كبيرة، كما تذكر الشابّة لـ«الشرق الأوسط»، وتلفت إلى أنّ أولى تجارب استعمال النظام في غزة كانت عام 2016. على يد مجموعة من المهندسين، حيث نجحوا في استنبات نباتٍ ورقي من دون ثمر، متابعة: «فكرة الزراعة المائية، بدأت تخطر في بالي، خلال دراستي الجامعية قبل نحو أربع سنوات، وقد أنجزت تخرجي بذات الموضوع بمساعدة أحد أستاذتي، ونجحتُ خلال فترة قصيرة، في إنتاج عدد من الثمار».
ومن بين ميزات الزراعة المائية التي تسردها إرادة، هو أنها تحد من مشكلة انحسار الأراضي الزراعية، إضافة لأن الثمار الناتجة عنها، تعتبر خالية بشكلٍ كامل، من المبيدات الكيماوية والهرمونات الصناعية التي يحتاجها المزارعون في معالجة التربة وتخصيبها ولتسريع نمو النبات، وتلفت إلى أنّ دفيئتها الزراعية، تُنتج البندورة، والخيار، والفلفل بأنواعه المختلفة، والشمام، والبطيخ، والباذنجان، والنباتات الورقية، إضافة لعدد كبير من أنواع الفواكه والخضراوات الأخرى، بنسبة نجاح عالية جداً، بجميع مواسم العام.
إرادة التي لها من اسمها نصيب، وجدت في تجربة زراعة الكركدية داخل الدفيئة، التي خاضتها قبل نحو عام تقريباً، نقطة تحوّل لمشروعها وقفزة فيه، كونه من أكثر النباتات التي تحتاج ظروفاً خاصّة للنمو، شارحة أن أكثر العقبات التي تواجهها في العمل، هي توفير المضخات الكهربائية التي تستعمل في تحريك المياه، إضافة للمغذيات والمحاليل، حيث بدأت في تركيبها ذاتياً، باستخدام بعض المركبات الطبيعية والسماد.
الدفيئة الزراعية تبلغ مساحتها نحو 60 متراً مربعاً، أنشأتها المهندسة الزراعية بعد الحصول على تمويل من منظمة التعاون الألماني، بإشرافٍ مباشر من مؤسسة إنقاذ الطفل والمستقبل الشبابي في غزة، وتضيف: «الزراعة المائية، تحتاج لأحواض كبيرة وحبال متينة، إضافة لمحركات كهربائية تستعمل لتحريك المياه المليئة بالمغذيات النباتية والمحلول الخاص، الذي تُغمر به الأحواض، إضافة للحاجة لقطع الفلين الكبيرة المُجهزة، المستخدمة لغرس الشتلات الصغيرة التي يُحافظ عليها، من خلال تعليقها في سقف الدفيئة، وتُغذّى من الأحواض مباشرة».
في المستقبل، تطمح الشابّة التي عملت خلال الفترة الماضية، على تسويق بعض الفائض عن احتياج عائلتها من منتجاتها عبر منصات التواصل الاجتماعي، وفي بعض المحلات التجارية المركزية، ووجدت قبولاً عالياً بها، - تطمح - لتوسيع مشروعها الزراعي الذي أطلقت عليه اسم «تنفس» على مساحة أكبر، لتكون قادرة على إنتاج كميات جيدة، ولتشغل أيادٍ عاملة متخصصة برفقتها، منوهة إلى أنّها تسعى لاستكمال دراستها العليا بمجال الزراعة، لتتمكن من تطوير أبحاث وتجارب علمية، تساعد في خدمة الفكرة التي تعمل لأجلها.
وترشد إرادة في نهاية حديثها أهالي قطاع غزة، لضرورة اللجوء لتبني مشاريع أسرية صغيرة تقوم على الزراعة المائية، يكون هدفها توفير منتجات غذائية آمنة لهم، بعيداً عن تلك المليئة بالمبيدات والمواد الكيماوية التي تُباع في الأسواق، مشيرة إلى أنّه بالإمكان استعمال المساحات المفتوحة أمام المنازل، وفوق الأسطح لإنشاء الدفيئات، مع العلم أنّ تكلفة الواحدة منها، قد لا تتجاوز الألف دولار، إذا ما صُممت بالشكل الصحيح، على يد أصحاب الاختصاص والخبرة.
وبشكلٍ عام فالزراعة المائية داخل قطاع غزة، بدأت تنشط خلال السنوات الماضية، في ظلّ تقلص مساحة الأراضي الزراعية لصالح المشاريع السكانية، إضافة لأنّ المؤسسات الإغاثية والتنموية، أبدت اهتماماً بتلك المشاريع، وقدّمت دعماً لعدد من المهندسين الزراعيين حديثي التخرج، يمكنهم من الشروع في إنشاء تلك المزارع، ليستطيعوا توفير فرصة لأنفسهم، لا سيما أنّ مؤشر البطالة بين أصحاب ذلك التخصص بات مرتفعاً، كغيره من المجالات الأخرى، وفقاً للإحصاءات الصادرة عن الجهات الرسمية.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)