لم يكن حال العاصمة دمشق بعد تسع سنوات حرب وانهيار اقتصادي، بحاجة أيضاً لاندلاع حريق في سوق البزورية، إحدى أعرق الأسواق الدمشقية المتفرعة عن سوق الحميدية التاريخي، وسط دمشق القديم. وقد تلقى الدمشقيون قبيل عيد الأضحى، الخبر بقلوب منكسرة، وهي السوق التي تمنح العيد نكهته المعطرة بروائح التوابل وطعم السكاكر الشهية.
دمار كبير في البضائع والمحلات خلّفها الحريق الذي اندلع مساء السبت في أحد محلات سوق البروزية. وقالت «وكالة الأنباء الرسمية» (سانا)، إن حريقاً اندلع في مستودعات للسكاكر والمواد الأولية الخاصة بها. ونقلت عن آمر زمرة إطفاء منطقة الأمين بدمشق، عمار الجاسم، قوله إنه «تمت محاصرة الحريق وإخماده وتأمين منع وصوله إلى المحلات المجاورة». وبين الجاسم أن سبب الحريق غير معروف حتى الآن، والأضرار اقتصرت على الماديات، ولا وجود لأضرار بشرية.
حريق البزورية أعاد إلى الأذهان الحريق الهائل الذي شهدته سوق العصرونية جانب قلعة دمشق، في أبريل (نيسان) 2016، الذي التهمت نيرانه أكثر من 80 محلاً تجارياً، وردّ النظام السوري أسبابه إلى ماس كهربائي، فيما شكك معارضون بافتعال الحريق لرفض بعض أصحاب المحلات بيع ممتلكاتهم لجهات إيرانية. واعتادت دمشق في ظل الحرب وبرامج التقنين الجائرة للتيار الكهربائي على حرائق ناجمة عن ماس كهربائي خلال فترات الضغط على استجرار الكهرباء في فصلي الشتاء والصيف، مع تدني الحرارة وارتفاعها. إذ تلجأ الحكومة إلى برنامج تقنين ترددي، يؤدي إلى قطع التيار الكهربائي أوتوماتيكياً، مع تجاوز كمية الاستجرار الحد المسموح به خلال التقنين، فينقطع ويعود بشكل متواتر ما يتسبب تماس بالأسلاك المتهالكة. وشهد العام الماضي أكثر من خمسين حريقاً في مختلف أنحاء البلاد، أفظعها كان حريق في حي المناخلية بدمشق، شتاء 2019. راح ضحيته سبعة أطفال من عائلة واحدة.
حريق سوق «البزورية»، أول من أمس، حصل في وقت تشهد فيه الأسواق ركوداً غير مسبوق، إذ لم يظهر بعد تأثير تحسن قيمة الليرة السورية خلال الأيام القليلة الماضية على الأسعار التي ظلت تحلق بعيداً عن القدرة الشرائية، وسجل سعر صرف الدولار الأميركي يوم أمس الأحد انخفاضاً ملموساً تجاوز الـ80 ليرة خلال أربعة أيام ليبلغ (1770 ليرة للدولار الواحد).
مصادر اقتصادية غير رسمية في دمشق، عزت أسباب تحسن قيمة الليرة إلى تزايد الحوالات من الخارج بمناسبة العيد. وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن التحسن في قيمة الليرة هو «تحسُّن وهمي ناجم عن ظرف طارئ لا عن تحسّن اقتصادي»، لافتة إلى أن «معظم الأضاحي التي تُذبح في البلاد يدفع ثمنها السوريون في الخارج بسبب ارتفاع أسعارها محلياً». وارتبط سعر اللحوم في سوريا مع سعر الصرف، بسبب اعتماد المربين على الأعلاف المستوردة لتسمين مواشيهم بعد تضرر الغطاء النباتي والمساحات الخضراء في سوريا خلال الحرب.
وأدى ازدياد تكاليف تربية المواشي، إلى انخفاض الأرباح في السوق المحلية، في الوقت الذي تتآكل فيه بشكل متسارع القدرة الشرائية لدى الغالبية العظمى من السوريين، إذ يتجاوز سعر كيلو لحم الضان المذبوح 15 ألف ليرة سورية، بينما يترواح معدل الدخل الشهري للعاملين في الدولة عند الخمسين ألف ليرة سورية. الأمر الذي شجع على ازدهار تهريب المواشي إلى دول الجوار، حيث تشي الأرقام الرسمية إلى تهريب من ألف إلى ألفَي رأس غنم يومياً، خارج سوريا، وفي بعض الأيام تتضاعف الكمية إلى أربعة آلاف رأس «في حال كان الطريق مؤمّناً»، بحسب تصريح رئيس «الجمعية الحرفية للحّامين» بدمشق، أدمون قطيش، لوسائل إعلام محلية، الذي أشار إلى انخفاض أسعار اللحوم في دمشق مقارنة بالمحافظات الحدودية، بسبب تهريب رؤوس المواشي إلى العراق وأربيل، لافتاً إلى أن عمليات التهريب باتجاه لبنان، أكبر، وتجري من خلال حصول المربي على بيان جمركي لبيعها في مدينة حمص، ثم تُهرب باتجاه لبنان من هناك، خاصة خلال الفترات التي تمنع فيها عمليات التصدير.
غير أن ضعف سوق الأضاحي لم يمنع محافظة دمشق من فرض دفع أربعين ليرة سورية تحت اسم، «بدل منفعة»، على القصابين المرخص لهم، لصالح صندوق محافظة دمشق، عن فترة العيد فقط. وكان المكتب التنفيذي لمحافظة دمشق قد أصدر قراراً الأسبوع الماضي بمنح رخصة ذبح الأضاحي للقصّابين المرخّصين ضمن محلاتهم في مدينة دمشق خلال فترة العيد للعام الحالي، بعد توقيع تعهد خطي. ويصل سعر عجل الأضحية إلى نحو ثلاثة ملايين ليرة، وهو ما يُعتبَر سعراً خيالياً لغالبية السوريين، تجاوزت نسبة الذين يعيشون منهم تحت خط الفقر الـ85 في المائة، أي أنهمم ممن يجوز توزيع الأضاحي عليهم، بحسب العرف الإسلامي.
دمشق قبيل الأضحى... حرائق في سوق قديمة وارتفاع الأسعار
اللحوم في سوريا ترتبط بسعر الصرف
دمشق قبيل الأضحى... حرائق في سوق قديمة وارتفاع الأسعار
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة