مجدداً، عاد موضوع «الانفصالية الإسلاموية» إلى واجهة الجدل في فرنسا، مربوطاً بالملف الأمني من جهة، وبما يسمى «انطوائية دينية أو إثنية». ورغم أن أولوية الحكومة الجديدة التي يقودها جان كاستيكس عنوانها التصدي لتبعات وباء «كوفيد-19»، والعمل على تنشيط الدورة الاقتصادية، ومواجهة الأزمات الاجتماعية الحادة المرتبطة بها، فإن ملف الأصوليين وموقعه في الجمهورية الفرنسية يطرحان بقوة منذ التصريحات الأولى لـكاستيكس، ووزير داخليته جيرالد درامانان.
وفي خطابه أمام البرلمان لنيل الثقة بحكومته يوم الـ15 من الشهر الحالي، أكد كاستيكس أن الحكومة سوف تعمد في الأسابيع المقبلة إلى تقديم مشروع قانون إلى مجلس النواب لمحاربة «الانفصالية الإسلاموية» التي يتعين فهمها على أنها محاولات لفرض قيم مختلفة عن قيم الجمهورية، وإقامة تجمعات على أساس ديني أو عرقي، وممارسات ليست جزءاً من الثقافة أو «أسلوب العيش الفرنسي».
وبعد تقرير بالغ التشدد صدر عن لجنة من مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه اليمين الفرنسي، كرت السبحة، فأدلى اليمين المتطرف الذي شكل الدفاع عن الهوية والحضارة الغربية أحد أبرز أسسه الآيديولوجية بدلوه، وانضم إليه اليمين التقليدي الذي يجد في هذا الملف باباً لمهاجمة الحكومة واتهامها بالضعف والميوعة. ومن هنا، يمكن فهم حرص الرئيس إيمانويل ماكرون وحكومته على رفض التخلي عن موضوع سيادي لليمين بوجهيه، اعتقاداً منه أنه سيكون أحد أبرز محاور الحملة الانتخابية الرئاسية ربيع عام 2022 التي ينوي قطعاً خوضها.
وثمة اعتقاد قوامه أن هذه الانتخابات سوف تكون إعادة لانتخابات 2017، حيث تواجه ماكرون مع مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن. ومن هنا، تأتي حاجته لإبراز الحزم في التعاطي مع مكلف بالغ الحساسية سياسياً وآيديولوجياً.
وآخر ما استجد تصريحات كاستيكس ودارمانان أمس. إلا أن الأساس يعود لـماكرون شخصياً الذي كان أول من استخدم مصطلح «الانفصالية الإسلاموية» في 8 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عند حديثه عقب عملية إرهابية ضربت مديرية الشرطة في باريس عن «الانفصالية الإسلاموية»، وعن رفضه لوجود «الإسلام السياسي المتطرف في الجمهورية» الفرنسية. وبحسب كاستيكس، فإن محاربة هذا التوجه يشكل أحد أولويات الحكومة للعامين المتبقيين من عمر العهد، رافعاً لواء «العلمانية» التي تظلل الجميع، والتي تفصل بين الدين والدولة «وتشكل القيمة الأساسية التي تضمن انسجام المجتمع».
وأمس، كان كاستيكس في مدينة نيس التي زارها وبمعيته وزيري الداخلية والعدل. ومجدداً، أكد أن «الكلمة النهائية يجب أن تكون للجمهورية، وليس لأي أحد آخر»، معتبراً أن أمن المواطنين اليومي ستكون له الأفضلية. واختيار نيس لم يكن صدفة، بل لأنها عرفت في الأيام الأخيرة عمليات عنف وإطلاق نار واشتباكات مع رجال الأمن، إضافة لتفشي تجارة المخدرات في الأحياء الفقيرة، حيث تسكن غالبية الأجانب.
وثمة فرق بين كلام كاستيكس وكلام ماكرون حول «الانفصالية». فرئيس الجمهورية يتحدث عنها بصيغة المفرد، بينما رئيس الحكومة يستخدم صيغة الجمع «انفصاليات». وأمس، في حديث لصحيفة «لو فيغارو» اليمينية، شرح دارمانان المقصود بها. وبحسب قوله، فإنه إلى جانب الانفصالية الإسلاموية التي عدها «الرئيسية والأخطر والأكثر إضراراً»، هناك «انفصالية اليمين المتطرف الفوضوي»، كما أن هناك «الانفصالية العنفية الراديكالية»، الممثلة بمجموعة من اليمين المتطرف، على غرار ما تعرفه بعض دول شمال أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، إلا أن الخطر الداهم والأكثر بروزاً يبقى، بحسب وزير الداخلية، «الانفصالية الإسلاموية».
يعد دارمانان أصغر وزير داخلية شغل منصباً بهذه الحساسية. وإذا كان قد تحدث عن الإسلام المتطرف في أولى تصريحاته في منصبه الجديد، فلأن من صلاحياته «شؤون العبادة» التابعة لوزراته، وبالتالي فإن كل ما يتعلق بالأديان يعود إليه.
ويرى كثيرون أنه يسير على الدرب التي سار قبله عليها الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي الذي كان مدير حملته الانتخابية في عام 2016، قبل أن يلتحق بـماكرون.
وفي حديثه الصحافي أمس، ركز دارمانان على ضرورة «وضع حد لتوحش جزء من المجتمع، وفرض هيبة الدولة». أما في ملف التطرف الإسلامي، فقد شدد على الحاجة للابتعاد عن «السذاجة» بشأنه، إذ إن «الراديكالية الإسلاموية هي الخطر الأكبر الذي ينخر الجمهورية». وقال: «إنني أشعر بالقلق عندما أرى أناساً يعيشون على أراضينا يسعون للعيش في مجتمع آخر غير مجتمع الأمة الفرنسية». وسبق لوزير الداخلية أن نبه في عام 2016 من احتمال قيام «حرب أهلية» في فرنسا بسبب توافر بذورها في المجتمع. وعاد أمس ليقول إنه «قلق» عندما يرى أن فرنسا «بمواجهة تيار راديكالي، تمثله أقلية نشطة تسعى بوضوح إلى الدوس على القيم الأساسية للدولة.
وأضاف درامانان: «أشعر بالقلق على بلدي لأن القانون والسلطة يضعف احترامهما يوماً بعد يوم، والصعوبات الاقتصادية تولد الصعوبات الاجتماعية والمؤسساتية».
ومن بين التيارات التي يستشعر دارمانان خطرها، شدد على تنظيم «الإخوان المسلمين» الذي حث تقرير لجنة مجلس الشيوخ المشار إليه سابقاً على منع دعواته من المجيء إلى فرنسا. وقال دارمانان في حديثه الصحافي إن التيار السياسي الممثل «بالإخوان المسلمين يعتمد مبدأ التقية» للترويج لآرائه. وما زال الفرنسيون ينتظرون أن يكشف الرئيس ماكرون عن «خطته» التي تأجل الإعلان عنها أكثر من مرة، حول كيفية تنظيم شؤون المسلمين في فرنسا عبر الهيكلية التي يتعين أن تكون صلة الوصل بينهم وبينها، بصفة أن «المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية» الذي يرأسه حالياً محمد الموسوي، مغربي الأصل، بحاجة إلى إعادة نظر حتى يكون حقيقة ممثلاً لمسلمي فرنسا ومصالحهم.
الحكومة الفرنسية تنوي مواجهة «الانفصالية الإسلاموية» بقانون
وزير الداخلية: «الإخوان» يمثلون خطراً على بلدنا
الحكومة الفرنسية تنوي مواجهة «الانفصالية الإسلاموية» بقانون
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة