الحريات الإعلامية على المحك في المجر وبولندا... والاتحاد الأوروبي يحذّر

استقالات جماعية في الأولى... وصحافيو الثانية مقيّدون منذ الانتخابات الأخيرة

الرئيس البولندي اندريه دودا خلال إعلان نتائج الانتخابات الشهر الجاري (رويترز)
الرئيس البولندي اندريه دودا خلال إعلان نتائج الانتخابات الشهر الجاري (رويترز)
TT

الحريات الإعلامية على المحك في المجر وبولندا... والاتحاد الأوروبي يحذّر

الرئيس البولندي اندريه دودا خلال إعلان نتائج الانتخابات الشهر الجاري (رويترز)
الرئيس البولندي اندريه دودا خلال إعلان نتائج الانتخابات الشهر الجاري (رويترز)

دخل أكثر المنافذ الإخبارية شهرة في المجر في حالة من الفوضى العارمة خلال الأسبوع الجاري إثر قرار حكومي بفصل رئيس تحرير الموقع مع استقالة العشرات من الصحافيين في الموقع احتجاجاً على الممارسات الحكومية التي تضاهي فرض السيطرة شبه الكاملة على المشهد الإعلامي في البلاد.
وبعد مرور عشر سنوات على مساعي رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان الحثيثة من أجل تحويل المجر إلى أمة غير ليبرالية، حيث يبسط سيطرته المنفردة على كل أذرع الدولة تقريباً مع الاستعانة بها في تعزيز قبضته الحديدية على مقاليد السلطة في البلاد، جاء الاستحواذ على وحدة «Index.hu» الإعلامية من قبل حليف فيكتور أوربان، كجزء من جهود أوسع تهدف للحد من وإخماد أصوات المعارضة وإسكات النقاد في البلاد تماماً.
جاءت الخسارة المحتملة للمنفذ الإعلامي –الذي كان يرصد ممارسات حكومة البلاد– بمثابة ضربة شديدة الإيلام موجّهة ضد فئة صغيرة من الصحافيين الشجعان الذين ما زالوا يعملون في البلاد. إذ كان الموقع الإخباري المذكور واحداً من العديد من وسائل الإعلام التي تعمل على نحو مستقل في وسط أوروبا من التي تتعرض وبصورة مستمرة للضغوط المالية والسياسية الكثيرة من الحكومات التي تعتزم فرض السيطرة الكاملة على الخطاب السياسي العام.
ولقد أعلن أكثر من نصف العاملين في موقع «إندكس»، وهم نحو 70 موظفاً، التقدم باستقالتهم، الجمعة، في أعقاب القرار الحكومي بفصل زابولكس دول، رئيس تحرير الموقع، من منصبه.
وقال الصحافيون في بيان الاستقالة: «لقد أكدنا منذ سنوات أن هناك مطلبين أساسيين لدينا لمواصلة العمل في موقع (إندكس) بصورة مستقلة: ألا يكون هناك أي تدخل خارجي في محتوى الموقع أو في تشكيل أو هيكل موظفي الموقع. ويأتي قرار فصل الزميل زابولكس دول بمثابة انتهاك صارخ للمطلب الثاني. كما يعد قرار فصله من العمل تدخلاً واضحاً في هيكل موظفي الموقع».
ويعد التراجع المطرد في وسائل الإعلام المستقلة جزءاً من الانزلاق إلى مهاوي الحكم الاستبدادي السلطوي في المجر، وبدرجة أدنى في بولندا. وكانت تلك الشواغل من بين نقاط الخلاف الرئيسية المثيرة للكثير من الجدل بشأن خطة الاتحاد الأوروبي للتعافي من وباء «كورونا المستجد» والتي تبلغ قيمتها 857 مليار دولار، وما إذا كان ينبغي معاقبة المجر وبولندا مالياً.
وفي خاتمة المطاف، لم تكن أموال خطة التعافي الأوروبية ترتبط بصورة كبيرة بسلوكيات حكومات الدول الأعضاء في الاتحاد، الأمر الذي يبعث الارتياح لدى المجر وبولندا، ولكنه يثير حالة من الصدام المحتمل مع انتقال خطة التعافي إلى عتبات البرلمان الأوروبي من أجل الموافقة النهائية عليها.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، تمكن الرئيس البولندي أندريه دودا، من الفوز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة بفارق ضئيل للغاية بعد حملة انتخابية مريرة كانت وسائل الإعلام المحلية من الأهداف المتكررة خلالها.
ووجه الرئيس البولندي الاتهامات ضد ألمانيا بمحاولة التأثير على نتائج الانتخابات من خلال الاستعانة بوسائل الإعلام المحلية المملوكة لشركات ألمانية. وبلغ الأمر أن استدعت الحكومة البولندية القائم بالأعمال الألماني في البلاد للشكوى الرسمية من الممارسات في الوقت الذي لم تتخذ الحكومة البولندية قراراها الأخير بشأن السفير الألماني المقبل لدى وارسو.
ولقد تعهد جاروسلاف كاتشينسكي – زعيم حزب القانون والعدالة الحاكم – بالمضي قدماً في تنفيذ مخططات الحد من الملكية الأجنبية لوسائل الإعلام والصحافة المحلية في البلاد. وصرح زعيم الحزب الحاكم في أعقاب الفوز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة قائلاً: «لا بد لوسائل الإعلام في بلادنا أن تكون ذات هوية بولندية خالصة».
ومنذ توليه السلطة في بولندا في عام 2015، عكف حزب القانون والعدالة على تحويل التلفزيون الحكومي إلى ذراع دعائية وإعلامية خاصة بالحكومة دون غيرها، فضلاً عن ممارسة الضغوط المالية على مختلف وسائل الإعلام البولندية من خلال منع جميع الكيانات ذات الصلة بالدولة من الإعلان لدى المنافذ الإعلامية والصحافية التي تنتقد الحكومة، مع شن الحملات العدائية ضد الصحافيين الذي يتعرضون بالانتقادات للحكومة والنظام.
ولقد تراجع مركز بولندا إلى المرتبة 62 من أصل 180 مركزاً على المؤشر العالمي لحرية الصحافة في عام 2020، بعد انخفاض مركزها من المرتبة 18 في عام 2015.
ولقد رُفعت الطعون في نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة أمام المحكمة العليا في بولندا، مع أحد الاتهامات التي تفيد بسيطرة حزب القانون والعدالة على التلفزيون الحكومي طيلة فترة الانتخابات، مما أسفر عن خلق مجال غير منصف بين مختلف المرشحين.
كانت الحكومة البولندية تتبع الخطوات التي يتخذها السيد فيكتور أوربان في المجر في غالب الأحيان، والذي تعمد إلى تغيير المشهد الإعلامي في بلاده على الرغم من الضغوط المستمرة من الاتحاد الأوروبي والمعنية بتغيير مساره.
وعندما عاد أوربان إلى السلطة في المجر عام 2010، انطلق رفقة حلفائه على الفور صوب إصلاح الإطار الديمقراطي في البلاد. ولقد سمح الانتصار الساحق في انتخابات عام 2010 لهم بإعادة صياغة الدستور الهنغاري من جانب واحد مع تغيير قوانين الانتخابات لصالح حزبهم الحاكم. ومنذ ذلك الحين، تمكنوا من تأمين الأغلبية الدستورية الكاسحة في جولتين انتخابيتين متتاليتين، على الرغم من حصولهم على أقل من نسبة 50% من أصوات الناخبين.
- خدمة «نيويورك تايمز»



كيف تؤثر زيادة الإنفاق على إعلانات الفيديو في اتجاهات الناشرين؟

شعار «يوتيوب» (د. ب. آ.)
شعار «يوتيوب» (د. ب. آ.)
TT

كيف تؤثر زيادة الإنفاق على إعلانات الفيديو في اتجاهات الناشرين؟

شعار «يوتيوب» (د. ب. آ.)
شعار «يوتيوب» (د. ب. آ.)

أثارت بيانات عن ارتفاع الإنفاق الإعلاني على محتوى الفيديو عبر الإنترنت خلال الربع الأول من العام الحالي، تساؤلات حول اتجاهات الناشرين في المرحلة المقبلة، لا سيما فيما يتعلق بتوجيه الطاقات نحو المحتوى المرئي بغرض تحقيق الاستقرار المالي للمؤسسات، عقب تراجع العوائد المادية التي كانت تحققها منصات الأخبار من مواقع التواصل الاجتماعي.

مؤسسة «لاب» LAB، وهي هيئة بريطانية معنية بالإعلانات عبر الإنترنت، كانت قد نشرت بيانات تشير إلى ارتفاع الإنفاق الإعلاني على الفيديو في بريطانيا خلال الربع الأول من عام 2024، وقدّر هذا النمو بنحو 26 في المائة مقارنة بالتوقيت عينه خلال العام الماضي، حين حققت الإعلانات عبر الفيديو عوائد مالية وصلت إلى 4.12 مليار جنيه إسترليني داخل المملكة المتحدة وحدها. وتتوقّع بيانات الهيئة استمرار النمو في عوائد الإعلانات في الفيديو حتى نهاية 2024، وقد يمتد إلى النصف الأول من 2025.

مراقبون التقتهم «الشرق الأوسط» يرون أن هذا الاتجاه قد ينعكس على خطط الناشرين المستقبلية، من خلال الدفع نحو استثمارات أوسع في المحتوى المرئي سواءً للنشر على المواقع الإخبارية أو على «يوتيوب» وغيره من منصّات «التواصل».

إذ أرجع الدكتور أنس النجداوي، مدير جامعة أبوظبي ومستشار التكنولوجيا لقناتي «العربية» و«الحدث»، أهمية الفيديو إلى أنه بات مرتكزاً أصيلاً لنجاح التسويق الرقمي. وحدّد من جانبه طرق الاستفادة من الفيديو لتحقيق عوائد مالية مثل «برامج شركاء (اليوتيوب) التي يمكن للناشرين من خلالها تحقيق أرباح من الإعلانات المعروضة في فيديوهاتهم».

وعدّد النجداوي مسالك الربح بقوله: «أيضاً التسويق بالعمولة عن طريق ترويج منتجات أو خدمات من خلال الفيديوهات والحصول على عمولة مقابل كل عملية بيع عبر الروابط التي تُدرج في هذه الفيديوهات... أما الطريقة الأخرى - وهي الأبرز بالنسبة للناشرين - فهي أن يكون المحتوى نفسه حصرياً، ويٌقدم من قبل مختصين، وكذلك قد تقدم المنصة اشتراكات شهرية أو رسوم مشاهدة، ما يوفر دخلاً مباشراً».

ومن ثم حدد النجداوي شروطاً يجب توافرها في الفيديو لتحقيق أرباح، شارحاً: «هناك معايير وضعتها منصات التواصل الاجتماعي لعملية (المونتايزيشن)؛ منها أن يكون المحتوى عالي الجودة من حيث التصوير والصوت، بحيث يكون جاذباً للمشاهدين، أيضاً مدى توفير خدمات تفاعلية على الفيديو تشجع على المشاركة والتفاعل المستمر. بالإضافة إلى ذلك، الالتزام بسياسات المنصة».

ورهن نجاح اتجاه الناشرين إلى الفيديو بعدة معايير يجب توفرها، وأردف: «أتوقع أن الجمهور يتوق إلى معلومات وقصص إخبارية وأفلام وثائقية وتحليلات مرئية تلتزم بالمصداقية والدقة والسرد العميق المفصل للأحداث، ومن هنا يمكن للناشرين تحقيق أرباح مستدامة سواء من خلال الإعلانات أو الاشتراكات».

في هذا السياق، أشارت شركة الاستشارات الإعلامية العالمية «ميديا سينس» إلى أن العام الماضي شهد ارتفاعاً في استثمارات الناشرين البارزين في إنتاج محتوى الفيديو، سواء عبر مواقعهم الخاصة أو منصّات التواصل الاجتماعي، بينما وجد تقرير الأخبار الرقمية من «معهد رويترز لدراسة الصحافة» - الذي نشر مطلع العام - أن الفيديو سيصبح منتجاً رئيسياً لغرف الأخبار عبر الإنترنت، وحدد التقرير الشباب بأنهم الفئة الأكثر استهلاكاً للمحتوى المرئي.

من جهة ثانية، عن استراتيجيات الاستقرار المالي للناشرين، أوضح أحمد سعيد العلوي، رئيس تحرير «العين الإخبارية» وشبكة «سي إن إن» الاقتصادية، أن العوائد المالية المستدامة لن تتحقق بمسلك واحد، بل إن ثمة استراتيجيات يجب أن تتضافر في هذا الشأن، وأوضح أن «قطاع الإعلام يواجه تغيّرات سريعة مع تزايد المنافسة بين المنصّات الرقمية وشركات التكنولوجيا الكبرى مثل (ميتا) و(غوغل) وغيرهما، كما تواجه هذه السوق تحدّيات كبيرة تتعلق بالاستقرار المالي واستقطاب المستخدمين، فلم يعد الاعتماد على نماذج الدخل التقليدية (سائداً)... وهو ما يفرض على وسائل الإعلام البحث عن طرق جديدة لتوفير الإيرادات وتقديم محتوى متميز يجذب الجمهور».

كذلك، أشار العلوي إلى أهمية الاعتماد على عدة استراتيجيات لضمان الاستقرار المالي لمنصات الأخبار. وعدّ المحتوى المرئي والمسموع إحدى استراتيجيات تحقيق الاستقرار المالي للناشرين، قائلاً: «لا بد من الاستثمار في المحتوى المرئي والمسموع، سواءً من خلال الإعلانات المُدمجة داخل المحتوى، أو الاشتراكات المخصصة للبودكاست والبرامج الحصرية، لكن التكيّف مع التغيرات السريعة في سوق الإعلام يدفع وسائل الإعلام لتطوير وتنويع مصادر دخلها، لتشمل عدة مسارات من بينها الفيديو».