وزارة الثقافة العراقية خارج المحاصصة!

وزارة الثقافة العراقية خارج المحاصصة!
TT

وزارة الثقافة العراقية خارج المحاصصة!

وزارة الثقافة العراقية خارج المحاصصة!

في عام 2007 نظمت مؤسسة المدى، التي كانت الوزارة الحقيقية للمثقفين العراقيين في تلك الأوقات العصيبة، مهرجانا في أربيل، شكل أول وأكبر تجمع لهم، إذ حضره العشرات من الكتاب والشعراء والمسرحيين والتشكيليين من الداخل والخارج، بالإضافة إلى حضور مثقفين عرب. وقبيل انتهاء المهرجان بأيام، دعانا رئيس المؤسسة فخري كريم للقاء مع جلال الطالباني، رئيس جمهورية العراق آنذاك.
في ذلك اللقاء، كان لنا مطلب واحد من رئيس الجمهورية، أو سموه رجاء، لأننا كنا ندرك كالجميع استحالة تحقيق شيء في نظام مستند منذ تشكيله الكارتوني على يد بريمر إلى توازنات طائفية وحزبية هي أسباب وجوده واستمراريته. وضعنا طلبنا الثقيل على لسان الراحل يوسف العاني، الرمز المسرحي والسينمائي، وأحد أساطين الثقافة العراقية المعروفة طوال تاريخها بانفتاحها والتزامها ودورها التنويري، ودفع المثقفون العراقيون ثمناً باهظاً للمحافظة على هذه القيم، سجناً وقمعاً ومنفى... وموتاً منذ أربعينيات القرن الماضي ولحد هذه اللحظة.
ارتفع أصبع يوسف العاني، طالباً الإذن بالحديث:
- سيادة الرئيس كاكا جلال... نحن المثقفين العراقيين المجتمعين هنا، وباسم الغائبين أيضاً، عندنا إليكم التماس واحد: استثنوا وزارة الثقافة من المحاصصة!
لم يحدث شيء بالطبع. مات ذلك الالتماس في القاعة نفسها. لم يكن طالباني، ولا غيره، قادراً على فعل أي شيء.
فمنذ 2003 تقاسمت المحاصصة البغيضة الدولة... والبلد كله. وفي الحقيقة، كلمة المحاصصة هي صفة مخففة. إنها في الحقيقة عملية تقاسم كبرى متفق عليها ليس في الغرف المظلمة، وإنما في وضح النار، وعلى رؤوس الأشهاد، في صفاقة قل نظيرها في تاريخنا المعاصر.
وضمن عملية التقاسم هذه، كانت وزارة الثقافة هي الدجاجة التي لا تبيض... غنيمة معنوية صغيرة لا يفتخر بها أحد. «ماذا نفعل بهذه الوزارة التافهة»، قالها يوماً قائد حزب طائفي، وهو يفاوض على غنيمة أكبر بكثير.
ولكن كان لا بد من شخص ما يشغل كرسيها الفارغ، فشغلها مرة متهم بجريمة قتل، ومرة أخرى وزير دفاع يديرها بعدما يتفرغ من مهمة «الدفاع عن الوطن». وآخر المهازل أن عادل عبد المهدي، وضمن «إنجازاته العظيمة»، كان قد رشح لها عنصراً من «عصائب الحق».
بكلمة واحدة، وإذا استثنينا أول وزير للثقافة بعد 2003. وهو مفيد الجزائري، وربما وزيرين آخرين على مدى 17 عاماً - رغم أنهم اختيروا أيضاً حسب المحاصصة - يتبين لنا كم أهينت الثقافة العراقية، ارتباطاً بإهانة بلد كله شهد واحدة من أكبر عمليات الفساد في التاريخ على مستوى العالم، وخرابا جماعيا على يد عقليات لا يمكن أن تستوعب أن الثقافة هي بناء قيم، ووعي، وارتقاء بالإنسان، وليس كواتم صوت، وخطفا، وقتلا على الهوية.
ومع ذلك، لا يزال هناك أمل، فهناك شيء يتحرك في العراق بفعل شباب انتفاضة تشرين، التي شكلت مفصلاً مهماً في تاريخ البلد الحديث، ونجحت إلى حد كبير في تفكيك المنظومة السياسية التي كانت تبدو عصية على ذلك من قبل، من السطح على الأقل.
ومن هنا نعتقد، أن عملية رأب ما حصل لا تزال ممكنة. وهذا ما نستشفه من الحوار الذي نشرته «الشرق الأوسط» يوم أمس الأحد مع وزير الثقافة د. حسن ناظم، القادم من خارج المحاصصة الطائفية والحزبية. إننا نلمس في حواره صدقاً ولوعة على واقع مزرٍ بحاجة إلى عملية قيصرية سريعة. والأهم، إشارته إلى ضرورة تغيير الأساس الذي تعمل عليه وزارة الثقافة، والنظر إليها كعمود أساس في خلق البيئة الصالحة والرأي العام.
فلننتظرونرَ.
نحن محكومون بالأمل.



الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
TT

الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)

دعا الشاعر السوري أدونيس من منفاه في فرنسا الأربعاء إلى "تغيير المجتمع" في بلده وعدم الاكتفاء بتغيير النظام السياسي فيه بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.

وقال أدونيس (94 عاما) خلال مؤتمر صحافي في باريس قبيل تسلّمه جائزة أدبية "أودّ أولا أن أبدي تحفّظات: لقد غادرتُ سوريا منذ العام 1956. لذلك أنا لا أعرف سوريا إذا ما تحدّثنا بعمق". وأضاف "لقد كنت ضدّ، كنت دوما ضدّ هذا النظام" الذي سقط فجر الأحد عندما دخلت الفصائل المسلّحة المعارضة إلى دمشق بعد فرار الأسد إلى موسكو وانتهاء سنوات حكمه التي استمرت 24 عاما تخلّلتها منذ 2011 حرب أهلية طاحنة.

لكنّ أدونيس الذي يقيم قرب باريس تساءل خلال المؤتمر الصحافي عن حقيقة التغيير الذي سيحدث في سوريا الآن. وقال "أولئك الذين حلّوا محلّه (الأسد)، ماذا سيفعلون؟ المسألة ليست تغيير النظام، بل تغيير المجتمع". وأوضح أنّ التغيير المطلوب هو "تحرير المرأة. تأسيس المجتمع على الحقوق والحريات، وعلى الانفتاح، وعلى الاستقلال الداخلي".

واعتبر أدونيس أنّ "العرب - ليس العرب فحسب، لكنّني هنا أتحدّث عن العرب - لا يغيّرون المجتمع. إنّهم يغيّرون النظام والسلطة. إذا لم نغيّر المجتمع، فلن نحقّق شيئا. استبدال نظام بآخر هو مجرد أمر سطحي". وأدلى الشاعر السوري بتصريحه هذا على هامش تسلّمه جائزة عن مجمل أعماله المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية.

ونال أدونيس جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس وتحمل اسم شاعر كتب باللغتين الكتالونية والإسبانية.