الحكومة السودانية تقر بصعوبات في اختيار حكام الولايات

«الأمة» يعلن انسحابه من المشاركة في هياكل التسيير المحلي

TT

الحكومة السودانية تقر بصعوبات في اختيار حكام الولايات

قال المتحدث باسم الحكومة السودانية، وزير الإعلام والثقافة فيصل محمد صالح، إن تعيين حكام الولايات «ربما لا يرضي البعض، لكن اختيارهم صاحبته الكثير من تعقيدات الأوضاع في الولايات». وفي غضون ذلك أعلن حزب الأمة القومي انسحابه من المشاركة في الحكم على المستوى الولائي، بعد أن حصل على خمس ولايات.
وبرر حزب الأمة، الذي يرأسه الصادق المهدي، آخر رئيس وزراء منتخب في عام 1986. رفضه للمشاركة في هياكل الحكم المحلي بعملية اختيار حكام الولايات، وفقا للأسس والمعايير التي دفع بها الحزب لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك.
وأضاف صالح على صفحته الشخصية بــ(الفيسبوك) أن مرحلة اختيار الولاة كانت شاقة وصعبة بسبب لتعقيدات كثيرة في بعض الولايات. وقال إنه «لا يمكن الادعاء بأن هنالك إجماعا على كل أسماء المرشحين، بل هي عملية توافق ربما لا ترضي البعض».
وفي موازاة ذلك، خرج العشرات من مواطني ولايتي كسلا وشمال كردفان للشوارع، وأحرقوا إطارات السيارات للتعبير عن رفضهم لتعيين الولاة الجدد.
وانتقد نائب رئيس الحزب، صديق إسماعيل، النهج الذي تم به اختيار الولاة، ووصفها بأنها تمت على «طريقة الشلة».
وكان رئيس الوزراء عبد الله حمدوك قد أصدر أول من أمس قرارات بتعيين حكام 18 ولاية، تقاسمتها الكتل الرئيسية في تحالف قوى التغيير، التي تمثل الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية. وفي هذا السياق أوضح إسماعيل أن مستشار رئيس الوزراء، الشيخ خضر، عرض عليهم خمس ولايات، وطالبهم بقبول هذا العرض.
وأضاف إسماعيل في مؤتمر صحافي أمس بدار الحزب في الخرطوم: «أبلغنا مكتب رئيس الوزراء بضرورة الاتفاق على المعايير، وإقرار قانون للحكم الولائي قبل تعيين الولاة المدنيين المكلفين خلال الفترة الانتقالية». موضحا أن بعض منسوبي حزب الأمة، الذين تم تعيينهم حكاما لبعض الولايات، لم يتم ترشيحهم من قبل مؤسسات الحزب، ووجه عضويته المكلفين بالاعتذار عن المناصب.
من جانبها، اعترضت نائبة رئيس الحزب، مريم المهدي، على تعيين أيمن خالد، مرشح التجمع الاتحادي، أحد أبرز فصائل قوى (التغيير) لمنصب حاكم العاصمة الخرطوم. وقالت إن ولاية الخرطوم التي تمثل العاصمة السياسية والإدارية للحكومة والثقل السكاني، «ليس من المناسب أن تخضع للمحاصصات الحزبية». مبرزة أن رؤية حزبها تتمثل في أن يتم التوافق على مرشح من كل القوى السياسية، وأن يكون من أصحاب المؤهلات العالية.
بيد أنها عادت لتؤكد أن حزب الأمة «لا يقدح في شخص مرشح حاكم الخرطوم، وليس في معرض المواجهة مع شركائه في قوى التغيير».
وأكدت المهدي موقف حزب الأمة الداعم للحكومة الانتقالية، مشيرة إلى أن هنالك حاجة ماسة وملحة للإسراع في تكوين هياكل السلطة في الفترة الانتقالية.
وبررت رفض الحزب للمشاركة في بناء مؤسسات الحكم الولائي بتجاوز المبادي المتفق عليها، وافتقارها لمقومات البقاء والقبول الجماهيري.
وأعلن حزب الأمة عن قيادة حملة تعبوية ضد ما أسماه بالتصنيع (الشللي)، الذي تم به اختيار الحكام، وحذر من المخاطر التي تحدق بالبلاد جراء التعيين الأخير لبعض الولايات التي تواجه تعقيدات أمنية ونزاعات قبلية قد تعيد الحروب لتلك المناطق.
وأوضح أنه دفع بمقترح لرئيس الوزراء بتعيين ولاة في ولايات كسلا والقضارف شرق البلاد، وغرب وشرق دارفور لضباط بالمعاش من الجيش والشرطة.
واستغرق تعيين حكام الولايات عدة أشهر بسبب تباين وجهات النظر بين رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وفصائل قوى إعلان الحرية والتغيير في اختيار المرشحين. ومن أكبر التعقيدات التي تواجه تعيين الحكام في ولايات السودان الثقل القبلي والإثني الذي يؤثر في اختيار المرشحين.
ودعا المتحدث باسم الحكومة إلى الالتفاف حول الولاة، والوقوف معهم للعبور بالفترة الانتقالية بسلام، والوصول لمعايير الاختيار من خلال انتخابات حرة ونزيهة.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.