تعابير عفوية تجتذب جمهور «اسكتشات» بالقاهرة

رغم أن إقامة معرض نوعي بشأن فن «الاسكتش» أمر غير معتاد في المشهد التشكيلي المصري، يطالعنا الآن غاليري «لمسات» بمعرض افتراضي متخصص في هذا الفن بمشاركة 30 فناناً من مصر والسعودية وإريتريا وفلسطين يقدمون نحو 250 اسكتشاً بصياغات فنية جديدة تعكس الهوية الداخلية لكل منهم.
أكثر ما يميز الاسكتش أنّه مسكون بانفعالات طازجة وتعابير عفوية وليدة اللحظة يمر بها الفنان، ويضعها على الورق بحركة يد تلقائية، ومن هنا يُعد، وفق دكتورة نيرمين شمس، مديرة الغاليري، «من أكثر أشكال الفن قيمة في حد ذاته، فذلك الرسم التخطيطي الذي يسبق مرحلة العمل الفني هو بمثابة جواز مرور لأي فنان إلى التكوين المستهدف قبل الشروع فيه، سواء كان نحتاً أو تصويراً، ويُنفّذ بأقلام الرّصاص أو الفحم، أو أي أداة أخرى يسهل توظيفها عند الحذف أو الإضافة».
شارك في افتتاح المعرض الذي اجتذب الجمهور في مصر وبعض الدول العربية، وتناول أعماله بالنقد (أون لاين) نخبة من الفنانين المصريين والعرب، منهم وحيد البلقاسي، ودكتورة فيروز سمير، وشعبان عيد، وعصام طه، من مصر، وغدير حافظ من السعودية، وباسل المقوسي من فلسطين.
ويضم المعرض مجموعة من «الاسكتشات» لمبان ذات طرز معمارية مختلفة تقدمها دكتورة رانيا فؤاد إسماعيل، أستاذ مساعد في قسم العمارة، بكلية الهندسة جامعة حلوان، التي ساعدها تخصصها الأكاديمي وتعمقها في دراسة أسس رسم المناظير ودراسة الألوان والدلالات الحسية لكل لون، وتأثيرها في النفس على زيادة شغفها برسم المباني، ورصد تفاصيلها، سواء كانت تنتمي إلى العمارة الكلاسيكية أو الإسلامية الحديثة وغير ذلك، تقول: «يتمتع كل طراز بتفاصيل جميلة مغايرة تثير اهتمامي وتشدني لرسمها»، وعبر أعمالها بالمعرض التي تجسد فيها مداخل وتصاميم خارجية لقصور وبيوت فخمة تثير شغف المتلقي، وتترك لخياله العنان عن رفاهية محتويات هذه المباني وتصميمها الداخلي: «يروقني أن أدفع المشاهد إلى التساؤل إذا كانت البوابة والمدخل بمثل هذه الأناقة والاعتناء بالتفاصيل فماذا عن الداخل، ومن يقطنه، وماذا يدور في الداخل من حكايات؟ وفي الواقع وجدت نفسي أثناء الرسم وبعده أطرح الأسئلة ذاتها»، على حد تعبيرها.
وتعتبر إسماعيل الاسكتش وسيلة لبث الطاقة الإيجابية في روح الفنان والتخلص من أي مشاعر سلبية، لأنّه على حد قولها: «بين خطوطه يكمن الإحساس الحقيقي للعمل، وتسكنه انفعالات الفنان وخفايا نفسيته، إلى جانب الجماليات التي لا يمكن أن تظهر إلّا لحظة تحرك القلم بانفعال صادق على الورق».
وفي تضافر بين الموضوعات الاجتماعية والحروف العربية والزخارف الإسلامية، تقدم التشكيلية السعودية بدور اليافعي، مجموعة من الرّسوم التّخطيطية بأسلوب ناعم عذب انطلاقاً من رؤيتها للفن القائمة على أنّه «مغزى في الحياة ورسالة لها بالغ الأثر في النفس»، وتعد بدور التي اعتادت التنقل بين مدارس الفن ومجالاته، الاسكتش بداية لفكر الفنان ومخزناً لأفكاره، حتى يتمكن من إضافة وتغيير وتطوير فكرته الأساسية، وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «من خلال الاسكتش لا يحتاج الفنان إلى الأدوات واللوحات حتى يعبر ويصف الفكرة أو الشعور الذي كان وليد اللحظة».
إلى ذلك تعد بدور الاسكتش أيضاً الطريق إلى اكتشاف العيوب ومناطق الضعف في العمل، كالتشريح والنسب والأبعاد وتوزيع العناصر، ومراعاة علاقات الكتلة بالفراغ عبر اختيار الزاوية الجيدة عند رسم الاسكتش، فيستطيع بذلك الفنان تدارك ذلك كله في عمله أو مشروعه الذي خطط له.
وتعكس مشاركة التشكيلية الإريترية رغد عبد الغني، ولعها برسم البورتريه كاملاً، أو اختيار جزء من الوجه كالعين لتجسيدها في اسكتش فني، وترى أنّه يتمتع بدور وظيفي مهم، وهو يختصر الكثير من مجهود الفنان ووقته، حيث يساعد في تكوين الأفكار في أي مكان من دون الحاجة لأدوات كثيرة، ويأخذ الفنان المصري تامر رأفت الاتجاه نفسه، حيث يقدم مجموعة متنوعة من الاسكتشات التي تحمل بعضها وجوه مشاهير، وبعضها الآخر لشخوص غير معروفة، لكنّها مسكونة بالانفعالات والصراعات الداخلية، يقول: «يمثل المعرض لي تجربة فنية مهمة؛ لأن الاسكتش بالنسبة لي له مكانة لا تقل عن أي عمل مكتمل باعتباره المحك الحقيقي لكشف قدرات الفنان وتمكنه من التحكم بأدواته».
وعبر خطوط «خفيفة» تعكس الحضور الباهت لأصحابها، تعبر الفنانة فاطمة الزهراء محمد، عن أحاسيس متباينة لشخوص، وإن كانت غير معروفة، لكنها مألوفة للمشاهد الذي ينجذب إلى نظراتها الموحية الناطقة بـ«كلمات صامتة» عبر لغة العيون، بينما تغوص الفنانة مروة محمد عبر أعمالها في عالم المراهقة وأحلام الصغيرات بنعومة لافتة.