ديون تركيا القصيرة الأجل تقفز إلى 169.5 مليار دولار

زيادة المدفوعات ببطاقات الائتمان في النصف الأول من العام

قفزت الديون الخارجية التركية القصيرة الأجل المستحقة بشكل كبير في مايو الماضي (أ.ف.ب)
قفزت الديون الخارجية التركية القصيرة الأجل المستحقة بشكل كبير في مايو الماضي (أ.ف.ب)
TT

ديون تركيا القصيرة الأجل تقفز إلى 169.5 مليار دولار

قفزت الديون الخارجية التركية القصيرة الأجل المستحقة بشكل كبير في مايو الماضي (أ.ف.ب)
قفزت الديون الخارجية التركية القصيرة الأجل المستحقة بشكل كبير في مايو الماضي (أ.ف.ب)

ارتفعت الديون الخارجية قصيرة الأجل المستحقة على تركيا في غضون عام أو أقل 169.5 مليار دولار في نهاية مايو (أيار) الماضي، بزيادة نحو 5 مليارات دولار عن شهر أبريل (نيسان) السابق عليه.
وبحسب بيان للبنك المركزي التركي، أمس الاثنين، شكلت ديون القطاع العام 23.2 في المائة من الإجمالي والقطاع الخاص 65.4 في المائة وديون البنك المركزي 11.4 في المائة.
وإجمالا، بلغ حجم الديون الخارجية لتركيا 431 مليار دولار في مارس (آذار) الماضي، بحسب ما أعلنت وزارة الخزانة والمالية مطلع شهر يوليو (تموز) الجاري. وذكرت الوزارة أن نسبة الديون الخارجية إلى الناتج الإجمالي المحلي بلغت في مارس 56.9 في المائة مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، وبلغ صافي الدين الخارجي للبلاد 256.5 مليار دولار بما نسبته 33.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
وبحسب البيانات الصادرة عن الوزارة بلغ إجمالي الديون الخارجية المضمونة بالخزانة 14.2 مليار دولار حتى نهاية مارس. وبلغ رصيد الدين الحكومي العام الذي حدده الاتحاد الأوروبي نحو 1.55 تريليون ليرة تركية (235 مليار دولار) أو 35.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغ صافي الدين العام 782.2 مليار ليرة تركية (118 مليار دولار) في نهاية مارس الماضي.
وأظهرت بيانات البنك المركزي التركي ارتفاع العجز في الحساب الجاري لتركيا خلال الربع الأول من العام الحالي إلى 12.9 مليار دولار، ومن المتوقع أن يصل إلى 30 مليار دولار بنهاية العام، وهو ما يعني، بحسب الخبراء، أن تركيا ستحتاج إلى 195 مليار دولار من التمويل الخارجي.
وبلغ إجمالي ديون تركيا الخارجية 1.4 تريليون ليرة تركية (225.8 مليار دولار) في نهاية فبراير (شباط) الماضي، ولجأت الحكومة التركية إلى الاستدانة من الداخل عبر طرح سندات حكومية لدعم الليرة التركية المتراجعة بقوة أمام العملات الأجنبية، والتي تعاني تدهورا منذ أغسطس (آب) 2018.
ونجحت تركيا، بصعوبة بالغة، في توفير 10 مليارات دولار من مفاوضات التبادل ومقايضة العملة مع حليفتها الوحيدة قطر، وسعت إلى تحقيق خطوات مشابهة مع الصين وبريطانيا واليابان؛ لكن محاولاتها لم تجد صدى حتى الآن، لا سيما بعد رفض البنك المركزي الأوروبي وبنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إدراجها في نظام المقايضة، لعدم الثقة في مؤسساتها الاقتصادية، وخضوع البنك المركزي لضغوط الرئيس رجب طيب إردوغان وتدخلاته المستمرة في القرار الاقتصادي.
وتراجعت الاحتياطيات الرسمية للبنك المركزي التركي في مايو الماضي بنسبة 1.3 في المائة على أساس سنوي، منخفضة من 95.6 مليار دولار في نهاية مايو 2019 وأعلن البنك أن احتياطياته الرسمية من النقد الأجنبي بلغت 90.9 مليار دولار حتى نهاية مايو الماضي.
وكانت الاحتياطيات سجلت أعلى ذروة لها على الإطلاق عند 136 مليار دولار، بما في ذلك نحو 21 مليار دولار من احتياطيات الذهب في ديسمبر (كانون الأول) 2013 وتسببت المخاوف من عدم استقلالية البنك المركزي والقرار الاقتصادي في تركيا، في تصاعد الخسائر الاقتصادية لتركيا، وعزوف المستثمرين الأجانب عن ضخ أموال إلى البلاد، وبيع الليرة بأحجام كبيرة، مع استنفاد احتياطي النقد الأجنبي الذي خسر أكثر من 85 مليار دولار استخدمها لدعم الليرة في أقل من عام ونصف العام، حسبما ذكرت وكالة «بلومبرغ» الأميركية في تقرير لها مطلع الشهر الحالي.
من ناحية أخرى، زادت المدفوعات عن طريق بطاقات الخصم والائتمان في تركيا بنسبة 10 في المائة على أساس سنوي في النصف الأول من العام الحالي وسط مخاوف بشأن فيروس «كورونا».
وذكر مركز مراقبة بطاقات الائتمان، في بيان أمس، أنه «في حين يستمر سلوك الدفع في التغير مع فترة الوباء، تم دفع ما مجموعه 500 مليار ليرة تركية (77 مليار دولار) عبر بطاقات الائتمان، في الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى يونيو (حزيران) الماضيين».
واستحوذ قطاعا الإلكترونيات والمواد الغذائية على أعلى قسم من المدفوعات ببطاقات الائتمان بنسبة 43 في المائة و33 في المائة على التوالي مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وتبع ذلك المدفوعات العامة، مثل الضرائب والغرامات بنسبة 20 في المائة، ومواد البناء بنسبة 16 في المائة، والتأمين بنسبة 14 في المائة.
وأشار البيان إلى أنه مع استمرار التحول الرقمي السريع، ارتفعت مدفوعات البطاقات عبر الإنترنت بشكل متزايد خلال فترة الإغلاق بسبب تفشي وباء «كورونا»، وزادت القيمة الإجمالية للمدفوعات عبر الإنترنت بنسبة 24 في المائة على أساس سنوي إلى 107 مليارات ليرة تركية (16.5 مليار دولار) في الأشهر الستة الأولى من العام.
وشكلت المدفوعات عبر الإنترنت 21 في المائة من إجمالي مدفوعات بطاقة الائتمان في النصف الأول من العام، ارتفاعاً من 18 في المائة في الفترة ذاتها من العام الماضي.



الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
TT

الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)

منذ عام 2019، يشهد لبنان واحدة من أشد الأزمات الاقتصادية والمالية في تاريخه الحديث... أزمة تجاوزت نطاق الاقتصاد لتؤثر بشكل حاد في جميع جوانب الحياة، فقد أثقلت هذه الأزمة كاهل المواطن اللبناني، وأغرقت البلاد في دوامة من انهيار شامل للنظامين المالي والاقتصادي، بعد أن فقدت العملة المحلية أكثر من 95 في المائة من قيمتها. ونتيجة لذلك، تفشى التضخم بشكل غير مسبوق مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات إلى مستويات قياسية، في حين قفزت معدلات الفقر والبطالة بشكل دراماتيكي.

وفي خضم هذا الواقع المأساوي، شلّت الصراعات السياسية الحادة مؤسسات الدولة، فقد تعمقت الانقسامات إلى حد أن الحكومة أصبحت عاجزة عن اتخاذ خطوات حاسمة لمعالجة الأزمة جذرياً. ومع تفاقم الأوضاع، أضافت الحرب الأخيرة مع إسرائيل عبئاً جديداً على لبنان، مخلّفة خسائر بشرية ومادية هائلة قدّرها «البنك الدولي» بنحو 8.5 مليار دولار، وزادت من تعقيد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، فقد بات من الصعب تصور أي إمكانية لاحتواء أعبائها في غياب انتخاب رئيس للجمهورية.

المنصب الرئاسي والمأزق الاقتصادي

المنصب الرئاسي، الذي لا يزال شاغراً منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، يحمل للفائز به قائمة طويلة من التحديات الاقتصادية والمالية المتراكمة، التي باتت تهدد بنية الدولة وكيانها. فقد أدى غياب هذا المنصب إلى تعطيل عملية تشكيل الحكومة، مما جعل الدولة غير قادرة على التفاوض بجدية مع الجهات الدولية المانحة التي يحتاج إليها لبنان بقوة لإعادة إحياء اقتصاده، مثل «صندوق النقد الدولي» الذي يشترط إصلاحات اقتصادية ومالية جذرية مقابل أي دعم مالي يمكن أن يوفره.

وعليه؛ فإن انتخاب رئيس جديد للجمهورية يمثل أولوية ملحة ليس فقط لاستعادة الثقة المحلية والدولية، بل أيضاً ليكون مدخلاً أساسياً لبدء مسار الإصلاحات التي طال انتظارها.

ومن بين أبرز هذه التحديات، ملف إعادة الإعمار، الذي تُقدر تكلفته بأكثر من 6 مليارات دولار، وفق موقع «الدولية للمعلومات»، وهو عبء مالي ضخم يتطلب موارد هائلة وجهوداً استثنائية لتأمين التمويل اللازم.

لكن عملية إعادة الإعمار ليست مجرد عملية تقنية لإصلاح البنية التحتية أو ترميم الأضرار، بل هي اختبار حقيقي لقدرة الدولة على استعادة مكانتها وتفعيل دورها الإقليمي والدولي. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة الملحة إلى رئيس يتمتع برؤية استراتيجية وشبكة واسعة من العلاقات الدولية، وقادر على استخدام مفاتيح التواصل الفعّال مع الدول المانحة والمؤسسات المالية الكبرى. فمن دون قيادة سياسية موحدة تتمتع بالصدقية، فستبقى فرص استقطاب الدعم الخارجي محدودة، خصوصاً أن الثقة الدولية بالسلطات اللبنانية تعرضت لاهتزاز كبير في السنوات الأخيرة بسبب سوء الإدارة وغياب الإصلاحات الهيكلية.

مواطنون وسط جانب من الدمار الناجم عن الغارات الجوية الإسرائيلية بمنطقة الشويفات (رويترز)

فرصة محورية لإحداث التغيير

كما يأتي انتخاب رئيس للجمهورية يوم الخميس بوصفه فرصة محورية لإحداث تغيير في مسار الأزمات المتراكمة التي يعاني منها لبنان، والتي تفاقمت بشكل حاد خلال عام 2024؛ بسبب الصراعات المتصاعدة والأزمة الاقتصادية الممتدة.

ومع انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة -5.7 في المائة خلال الربع الرابع من 2024، انعكست التداعيات السلبية بوضوح على الاقتصاد، فقد تراجعت معدلات النمو بشكل كبير منذ عام 2019، ليصل الانخفاض التراكمي إلى أكثر من 38 في المائة عام 2024، مقارنة بـ34 في المائة خلال العام السابق عليه. وتزامن هذا التدهور مع تصعيد الصراع في الربع الأخير من 2024، مما أضاف آثاراً إنسانية مدمرة، مثل النزوح الجماعي والدمار واسع النطاق، وبالتالي أدى إلى خفض إضافي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 6.6 في المائة بحلول منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2024. وكان قطاع السياحة، الذي يمثل أحد أعمدة الاقتصاد اللبناني، من بين الأشد تضرراً، فقد تراجعت عائداته لتتحول من فائض إلى عجز بنسبة -1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2024.

منصب حاكم «المصرف المركزي»

كذلك يمثل هذا الحدث محطة مهمة لإصلاح المؤسسات اللبنانية، بما في ذلك معالجة الشغور في المناصب القيادية التي تُعد ركيزة أساسية لاستقرار البلاد. ومن بين هذه المناصب، حاكم «مصرف لبنان» الذي بقي شاغراً منذ انتهاء ولاية رياض سلامة في 31 يوليو (تموز) 2023، على الرغم من تعيين وسيم منصوري حاكماً بالإنابة. لذا، فإن تعيين خَلَفٍ أصيل لحاكم «المصرف المركزي» يُعدّ خطوة حاسمة لضمان استقرار النظامين المالي والنقدي، خصوصاً أن «مصرف لبنان» يشكل محوراً رئيسياً في استعادة الثقة بالنظامين المصرفي والمالي للبلاد.

مقر «مصرف لبنان المركزي» في بيروت (رويترز)

علاوة على ذلك، سيجد الرئيس الجديد نفسه أمام تحدي إصلاح «القطاع المصرفي» الذي يُعدّ جوهر الأزمة الاقتصادية. فملف المصارف والمودعين يتطلب رؤية شاملة لإعادة هيكلة القطاع بطريقة شفافة وعادلة، تُعيد ثقة المودعين وتوزع الخسائر بشكل منصف بين المصارف والحكومة والمودعين. ومع إدراج لبنان على «اللائحة الرمادية» وتخلفه عن سداد ديونه السيادية، تصبح هذه الإصلاحات ضرورية لاستعادة العلاقات بالمؤسسات المالية الدولية، واستقطاب التمويل اللازم، ومنع إدراج لبنان على «اللائحة السوداء». ناهيك بورشة إصلاح القطاع العام وترشيده وتفعيله، فتكلفة مرتَّبات القطاع العام مرتفعة جداً نسبةً إلى المعايير الدولية. فعلى مرّ السنين، شكّل مجموع رواتب وتعويضات القطاع العام لموظفي الخدمة الفعلية والمتقاعدين (وعددهم نحو 340 ألفاً) نحو 40 في المائة من إجمالي نفقات الموازنة، الأمر الذي شكّل عبئاً فادحاً على مالية الدولة والاقتصاد عموماً.

آمال اللبنانيين في قيادة جديدة

وسط هذه الأزمات المتشابكة، يعوّل اللبنانيون على انتخاب رئيس جديد للجمهورية لفتح نافذة أمل على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. فمن المأمول أن يسعى الرئيس المقبل، بدعم من حكومة فاعلة، إلى إعادة بناء الثقة الدولية والمحلية، واستعادة الاستقرار السياسي، وهما شرطان أساسيان لوقف التدهور الاقتصادي وتحفيز النمو. فاستعادة قطاع السياحة؛ الرافعة الأساسية للاقتصاد اللبناني، على سبيل المثال، تتطلب تحسين الأوضاع الأمنية وتعزيز الثقة بلبنان بوصفه وجهة آمنة وجاذبة للاستثمارات. وهذه الأمور لن تتحقق إلا بوجود قيادة سياسية قادرة على تقديم رؤية استراتيجية واضحة لإعادة الإعمار وتحقيق الإصلاحات الضرورية. وبالنظر إلى العجز المستمر في الحساب الجاري والانخفاض الكبير في الناتج المحلي الإجمالي، يصبح نجاح الرئيس الجديد في معالجة هذه الملفات عاملاً حاسماً لإنقاذ لبنان من أزمته العميقة، وإعادة توجيه الاقتصاد نحو التعافي والنمو المستدام.