«كورونا»... أول جائحة في عصر وسائل التواصل والأخبار الكاذبة

«كورونا»... أول جائحة في عصر وسائل التواصل والأخبار الكاذبة
TT

«كورونا»... أول جائحة في عصر وسائل التواصل والأخبار الكاذبة

«كورونا»... أول جائحة في عصر وسائل التواصل والأخبار الكاذبة

في عصر التواصل الاجتماعي وحالة الارتباك في نشر ما يتعلق بانتشار فيروس «كوفيد - 19»، يتعين على وسائل الإعلام المحترفة أن تنشر الحقائق حول تطورات الوضع في توازن دقيق بين تحري الدقة حول ما تنشر مع عدم إثارة الفزع والكآبة بين جمهورها.
وتقول شبكة الإعلام العالمية «أي جي نت» إن جانب الحفاظ على الصحة العقلية للقراء أصبح من المهام المنوطة بالإعلام الرصين، خصوصاً عند التعرض لأخبار فيروس أصاب أكثر من 13 مليوناً حول العالم في أقل من أربعة أشهر. وتشير الشبكة إلى أن «نشر أخبار يومية عن الوباء يمكن أن يعرض القراء إلى ضغوط نفسية هائلة ينتج عنها التوتر وتدهور في سلامة نظام المناعة لديهم وزيادة عدد الإصابات».
وترى شبكة الإعلام العالمية أن المبالغة في تغطية أخبار «كوفيد - 19» والتهكم على أساليب الحماية منه يعد من عوامل الجهل وعدم الاعتداد بالنصائح العلمية. ولا بد للإعلام الرصين أن يقوم بتقييم أخبار الوباء من أجل التأكد أولاً من صحتها، خصوصاً أنه ينافس بهذه المعلومات ما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي من مواطنين عاديين ليس لديهم خبرات طبية ولا مهارات صحافية.
وعلقت منظمة الصحة العالمية على الوضع الحالي بأنها لا تكافح فقط الوباء المرضي، بل أيضاً الوباء المعلوماتي (Infodemic). وهو وباء يشمل معلومات كاذبة ووهمية ومبالغ فيها عن إبعاد الوباء وكيفية الوقاية منه. وتأتي معظم جوانب هذا الوباء المعلوماتي من مواقع التواصل الاجتماعي.
وأجرت المطبوعة الطبية (The Lancet) دراسة حول الأكاذيب المعلوماتية التي اكتسبت نوعاً من القبول، وكان أهمها انتقال العدوى من الأم إلى الجنين أثناء فترة الحمل مع الإشارة إلى مصادر صينية. وهي أخبار كاذبة صدقها كثيرون لجهلهم باللغة الصينية التي نقل عنها الخبر.
وكشفت المطبوعة أن البحث الذي جرى في مدينة ووهان الصينية، منبع الوباء، كشف عدم انتقال العدوى من الأم إلى الجنين. ورغم أن الدراسة الصينية شملت عينة صغيرة من تسع نساء فإن إشارة جيدة إلى أن ما نشر عن انتشار العدوى من الأم للجنين هو في الأساس أخبار كاذبة.
من النماذج الأخرى التي تثبت أن المعلومات الكاذبة قد تمثل خطراً على حياة المتلقي، الشائعة التي ظهرت في إيران أن تناول الكحول من شأنه أن يشفي من عدوى «كوفيد - 19»، ونتج عن انتشار الشائعة وفاة 27 شخصاً بالتسمم الكحولي. ونتج أيضاً عن الاستخفاف بالمرض وعدم اتباع الإجراءات الصحية السليمة للوقاية منه مثل العزل الطبي وغسل اليدين وارتداء الأقنعة في انتشار العدوى بشكل وبائي.
ويعتبر «كوفيد - 19» هو أول وباء في عصر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اجتاز العالم أوبئة سابقة مثل «سارس» من الصين في عام 2003 وإنفلونزا الخنازير من المكسيك في عام 2009 ولم تكن هناك حاجة لمكافحة الأخبار الكاذبة، حيث لم تكن مواقع التواصل قد تطورت بعد لما هي عليه الآن.
هذه المرة اضطرت منظمة الصحة العالمية إلى دخول منصات التواصل من أجل مكافحة المعلومات الكاذبة والتحديات التي تمثلها للصحة العامة. وكانت المنظمة قد رصدت أكثر من 1400 وباء محلي حول العالم بين عام 2011 و2018 في 172 دولة ولكن أيها لم يصل في حجم التغطية الإعلامية ما بلغه «كوفيد - 19». وما زاد من معالم التوتر والخوف حول العالم أن كل شخص لديه الآن إمكانية نشر الأخبار على نطاق عالمي كما اعتاد العالم على المشاركة في الأخبار بسرعة من دون التأكد من صحتها. ويتلقى آخرون هذه المعلومات على أنها موثوق منها مما يزيد من القلق والتوتر العصبي.
ومع ذلك تعتقد شبكة الإعلام الدولية أن مواقع التواصل الاجتماعي لديها دور مهم في التوعية بأعراض «كوفيد - 19» وطرق الوقاية منه، وذلك بتعزيز التواصل بين السلطات الصحية والجمهور والمساهمة في نشر المعلومات الصحيحة وتسهيل مهام إنجاز الأعمال من المنازل.
من ناحية أخرى، لا يجب الوثوق الأعمى في كل ما تنشره وسائل الإعلام الرسمية، نظراً لسيل المعلومات الغزير وتغير الوضع بسرعة على نحو يومي.
ويقول عميد كلية الإعلام في جامعة كاليفورنيا – باركلي، إيدي واسرمان، أن هناك عناصر سلبية وأخرى إيجابية فيما ينشره الإعلام عن «كوفيد - 19» مما يجعل مصداقية الإعلام على المحك. وهو يرى أن أخبار هذا الوباء فاقت كل ما سبق نشره عن الأزمات العالمية من حيث تعدد جوانب الأزمة ومستوى الاهتمام بها.
من عوامل عدم الثقة أيضاً أن السياسة تدخل أحياناً في تحليل وتفسير الأخبار الطبية التي يجب أن تكون محايدة. فهناك عدم ثقة في أرقام العدوى والوفيات المعلنة وطرق نقل العدوى وهناك من يعتقد أن الأمر كله لعبة سياسية اخترعها الساسة للهروب من المحاسبة.
من ناحية أخرى، تفتقر وسائل الإعلام إلى المتخصصين في مجال الصحة العامة بعد سنوات طويلة من تقليص التكاليف وفصل الصحافيين من العمل. وتهتم معظم وسائل الإعلام حالياً بأحدث أخبار «كوفيد - 19» بدلاً من البحث العميق في أسلوب التغطية وإبعاد الوباء. ويقدر واسرمان أن قدرة وسائل الإعلام الآن لا تزيد عن 40 في المائة عما كانت عليه منذ جيل مضى. ومع ذلك فهو يعتقد أن الإعلام يقوم بمهام جيدة في تغطية إبعاد الوباء، ويرى أن المسألة أكبر من إغلاق مدن أو إعادة فتحها وأن علاقة الإعلام يجب أن تتعزز أكثر مع مختبرات الأبحاث ذات السجل الجيد في بث المعلومات الصحيحة. ويختتم بالقول إن الوضع الحالي يشمل الجميع ويمثل تحديات جمة في المدى القصير، ولكنه على المدى الطويل سوف يجعل المجتمعات أفضل في التعامل مع مواقف مشابهة.



كيف تؤثر زيادة الإنفاق على إعلانات الفيديو في اتجاهات الناشرين؟

شعار «يوتيوب» (د. ب. آ.)
شعار «يوتيوب» (د. ب. آ.)
TT

كيف تؤثر زيادة الإنفاق على إعلانات الفيديو في اتجاهات الناشرين؟

شعار «يوتيوب» (د. ب. آ.)
شعار «يوتيوب» (د. ب. آ.)

أثارت بيانات عن ارتفاع الإنفاق الإعلاني على محتوى الفيديو عبر الإنترنت خلال الربع الأول من العام الحالي، تساؤلات حول اتجاهات الناشرين في المرحلة المقبلة، لا سيما فيما يتعلق بتوجيه الطاقات نحو المحتوى المرئي بغرض تحقيق الاستقرار المالي للمؤسسات، عقب تراجع العوائد المادية التي كانت تحققها منصات الأخبار من مواقع التواصل الاجتماعي.

مؤسسة «لاب» LAB، وهي هيئة بريطانية معنية بالإعلانات عبر الإنترنت، كانت قد نشرت بيانات تشير إلى ارتفاع الإنفاق الإعلاني على الفيديو في بريطانيا خلال الربع الأول من عام 2024، وقدّر هذا النمو بنحو 26 في المائة مقارنة بالتوقيت عينه خلال العام الماضي، حين حققت الإعلانات عبر الفيديو عوائد مالية وصلت إلى 4.12 مليار جنيه إسترليني داخل المملكة المتحدة وحدها. وتتوقّع بيانات الهيئة استمرار النمو في عوائد الإعلانات في الفيديو حتى نهاية 2024، وقد يمتد إلى النصف الأول من 2025.

مراقبون التقتهم «الشرق الأوسط» يرون أن هذا الاتجاه قد ينعكس على خطط الناشرين المستقبلية، من خلال الدفع نحو استثمارات أوسع في المحتوى المرئي سواءً للنشر على المواقع الإخبارية أو على «يوتيوب» وغيره من منصّات «التواصل».

إذ أرجع الدكتور أنس النجداوي، مدير جامعة أبوظبي ومستشار التكنولوجيا لقناتي «العربية» و«الحدث»، أهمية الفيديو إلى أنه بات مرتكزاً أصيلاً لنجاح التسويق الرقمي. وحدّد من جانبه طرق الاستفادة من الفيديو لتحقيق عوائد مالية مثل «برامج شركاء (اليوتيوب) التي يمكن للناشرين من خلالها تحقيق أرباح من الإعلانات المعروضة في فيديوهاتهم».

وعدّد النجداوي مسالك الربح بقوله: «أيضاً التسويق بالعمولة عن طريق ترويج منتجات أو خدمات من خلال الفيديوهات والحصول على عمولة مقابل كل عملية بيع عبر الروابط التي تُدرج في هذه الفيديوهات... أما الطريقة الأخرى - وهي الأبرز بالنسبة للناشرين - فهي أن يكون المحتوى نفسه حصرياً، ويٌقدم من قبل مختصين، وكذلك قد تقدم المنصة اشتراكات شهرية أو رسوم مشاهدة، ما يوفر دخلاً مباشراً».

ومن ثم حدد النجداوي شروطاً يجب توافرها في الفيديو لتحقيق أرباح، شارحاً: «هناك معايير وضعتها منصات التواصل الاجتماعي لعملية (المونتايزيشن)؛ منها أن يكون المحتوى عالي الجودة من حيث التصوير والصوت، بحيث يكون جاذباً للمشاهدين، أيضاً مدى توفير خدمات تفاعلية على الفيديو تشجع على المشاركة والتفاعل المستمر. بالإضافة إلى ذلك، الالتزام بسياسات المنصة».

ورهن نجاح اتجاه الناشرين إلى الفيديو بعدة معايير يجب توفرها، وأردف: «أتوقع أن الجمهور يتوق إلى معلومات وقصص إخبارية وأفلام وثائقية وتحليلات مرئية تلتزم بالمصداقية والدقة والسرد العميق المفصل للأحداث، ومن هنا يمكن للناشرين تحقيق أرباح مستدامة سواء من خلال الإعلانات أو الاشتراكات».

في هذا السياق، أشارت شركة الاستشارات الإعلامية العالمية «ميديا سينس» إلى أن العام الماضي شهد ارتفاعاً في استثمارات الناشرين البارزين في إنتاج محتوى الفيديو، سواء عبر مواقعهم الخاصة أو منصّات التواصل الاجتماعي، بينما وجد تقرير الأخبار الرقمية من «معهد رويترز لدراسة الصحافة» - الذي نشر مطلع العام - أن الفيديو سيصبح منتجاً رئيسياً لغرف الأخبار عبر الإنترنت، وحدد التقرير الشباب بأنهم الفئة الأكثر استهلاكاً للمحتوى المرئي.

من جهة ثانية، عن استراتيجيات الاستقرار المالي للناشرين، أوضح أحمد سعيد العلوي، رئيس تحرير «العين الإخبارية» وشبكة «سي إن إن» الاقتصادية، أن العوائد المالية المستدامة لن تتحقق بمسلك واحد، بل إن ثمة استراتيجيات يجب أن تتضافر في هذا الشأن، وأوضح أن «قطاع الإعلام يواجه تغيّرات سريعة مع تزايد المنافسة بين المنصّات الرقمية وشركات التكنولوجيا الكبرى مثل (ميتا) و(غوغل) وغيرهما، كما تواجه هذه السوق تحدّيات كبيرة تتعلق بالاستقرار المالي واستقطاب المستخدمين، فلم يعد الاعتماد على نماذج الدخل التقليدية (سائداً)... وهو ما يفرض على وسائل الإعلام البحث عن طرق جديدة لتوفير الإيرادات وتقديم محتوى متميز يجذب الجمهور».

كذلك، أشار العلوي إلى أهمية الاعتماد على عدة استراتيجيات لضمان الاستقرار المالي لمنصات الأخبار. وعدّ المحتوى المرئي والمسموع إحدى استراتيجيات تحقيق الاستقرار المالي للناشرين، قائلاً: «لا بد من الاستثمار في المحتوى المرئي والمسموع، سواءً من خلال الإعلانات المُدمجة داخل المحتوى، أو الاشتراكات المخصصة للبودكاست والبرامج الحصرية، لكن التكيّف مع التغيرات السريعة في سوق الإعلام يدفع وسائل الإعلام لتطوير وتنويع مصادر دخلها، لتشمل عدة مسارات من بينها الفيديو».