ماذا يريد الكتّاب الشباب والقراء من الصفحات الثقافية؟ (2-2) : كُتاب مغاربة: احذروا النخبوية وانفتحوا أكثر على التجارب الشبابية

ماذا يريد الكتّاب الشباب والقراء من الصفحات الثقافية؟  (2-2) : كُتاب مغاربة: احذروا النخبوية وانفتحوا أكثر على التجارب الشبابية
TT

ماذا يريد الكتّاب الشباب والقراء من الصفحات الثقافية؟ (2-2) : كُتاب مغاربة: احذروا النخبوية وانفتحوا أكثر على التجارب الشبابية

ماذا يريد الكتّاب الشباب والقراء من الصفحات الثقافية؟  (2-2) : كُتاب مغاربة: احذروا النخبوية وانفتحوا أكثر على التجارب الشبابية

نشرنا في عدد أمس آراء عدد من الكتاب والقراء حول الصفحات الثقافية، وماذا يريدون منها، وما اقتراحاتهم لتطويرها، وهل يقرأون هذه الصفحات أساساً، ونعني هنا الصفحات الثقافية الورقية.
وفي هذه الحلقة، يتحدث عدد من الكتاب الشباب المغاربة عن المحاور نفسها، مع إشادة بالدور الذي لعبته هذه الصفحات على مدى العقود الماضية، في «تطور الحركة الأدبية العربية، وإثراءِ الحقول المعرفية بتعدُّدِيَّةٍ خِصْبَة»، مع دعوة للانفتاح أكثر على التجارب الشبابية:
طارق بكاري: فسح المجال للشباب
يميز بكاري بين المنابر الورقية والإلكترونية، ملاحظاً أنه «إذا كانت الأولى تعيش اليوم أكثر من أي وقت مضى حالة موت بطيء»، فإن الصفحات الثقافية الإلكترونية تعيش «انتعاشاً»، وذلك «انسجاماً وروح العصر».
ويبدو بكاري، الذي توج في 2016 بجائزة المغرب للكتاب في صنف «السرد» عن روايته «نوميديا» التي اختيرت، في السنة نفسها، ضمن القائمة القصيرة لجائزة «بوكر»، وكان سنه وقتها دون الثلاثين، قاسياً في تعاطيه مع الصفحات الثقافية، وهو يستعرض تجربته الخاصة، حيث يقول: «شخصياً علاقتي بالصفحات الثقافية سيئة جداً، وأكاد لا أزورها إلا إذا نشر لي فيها حوار أو تضمنت قراءة في أحد أعمالي، كثير مما ينشر فيها اليوم إما مكرور وإما يغرد في آفاق لا تتصل بواقع كاتبها ولا واقع الثقافة».
ويقول بكاري إنه يريد من الصفحات الثقافية عموماً «أن تكون مرنة أكثر، عملية أكثر، والأهم أن تنتصر للقلم الحر، وللكتابات الحقيقية، وأن تتخلص من عقد التبعية السياسية لجهات ما، من أمراض الشللية، وأن تفسح المجال للأقلام الشابة، لأن هناك أقلاماً تستحق التشجيع».
ويطلب أيضاً من الصفحات الثقافية أن «تقرب الجمهور من الأدب»، لأن «كثيراً مما ينشر الآن»، حسب قوله، «ينفّره»، متحدثاً في هذا الصدد عن «نصوص تنشر من دون تحرير ولا مراجعة، وأخرى توغل في التنظير وتلتهم من هذه المجلة أو تلك صفحات بحالها دون أن يعتقها قارئ من جب النسيان».
محمد بشكار: هموم جيل جديد
ينطلق بشكار من وضعية المقارنة بين قيمة الصفحة الثقافية ضمن الجريدة وقيمة الشباب ضمن باقي الفئات العمرية، مشيراً إلى أنه «كما أن الصفحة الثقافية حِلْيةٌ تزْدان بِجمالها الجريدة، كذلك الشباب زينة كل الأعمار وذِرْوتها»؛ قبل أن يذكر باللحظة التي أمسك فيها بزِمام مسؤولية الصفحة الثقافية بجريدة «العلم» منذ أكثر من عقدين، حيث وجد من سبقوه من المُؤسسين الرواد، وتحديداً الأديبين عبد الكريم غلاب وعبد الجبار السحيمي، قد «أوْسعوا من الأفق الثقافي لهذه الصفحة، ووسَمُوها تيمُّناً بترتيبها الأخير في الجريدة بـ(الأخيرة)، فجعلوها بهذا الاسم غير الخاضع لتجنيسٍ صحفي، أكثر انفتاحاً على أشكال إعلامية مُتعددة حتى لا تكون حكْراً على الجنس الأدبي، وما ذلك إلا لأنَّ الثقافة في سِعتها الوثيقة الصلة بأنماط الفكر والحياة، تشمل كل الممارسات الإنسانية».
ويقارن بشكار بين مرحلة شبابه وطريقة تفكير شباب اليوم، فيقول: «لكأني نسيت نفسي فانفلتتْ تتسكع بحنينها في دروب الزمن الجميل، حين كان شبابنا وهو ليس ببعيد، لا يعزف على نفْس وتر الشباب اليوم، حين كان شبابنا في حاملاته الثقافية من ورقٍ ولكنه في تعطشه للمعرفة من حديد، وأصبح اليوم في محمولاته المعرفية أو الترفيهية من معدن هاتفاً وحاسوباً، ولست أقول ما أقول تفضيلاً لجيل على جيل، فقط أنبِّه إلى أن التَّطور التكنولوجي والرقمي لم يأْتِ لإعدام الصفحات الثقافية للجرائد، ولكنه أضاف لصيغتها الورقية نُسخة إلكترونية لتواكب روح العصر من حيث السرعة، وهي تسْتجيبُ أيضاً لنداءات القارئ الذي يستهلك في كل دقيقة سيلاً عارماً من المعلومات الثقافية، ويختلف المُبحر في هذا السيل بين موثِرٍ للأعماق في اختياره للمادة المقروءة التي تفضي به لأكثر من مرجع، وبين مُكتَفٍ بالزبد فلا يستهلك إلا الفلين ليبقى طافياً على السطح!».
يربط بشكار الماضي بالحاضر بقوله: «أذكر، هنا، دون أن أفرِّق بين مرحلة شبابي وبين الذين يعيشون اليوم ميْعة الشباب في كهولتي، أنِّي كنت أتربص في كل أسبوع باليوم الذي يكتب فيه أحد الكُتاب الذي يوافق تفكيره هواي الثقافي، فأقتني الجريدة لأتوارى خلف صفحاتها عن الأنظار، كطفل يزدرد بنهم حلواه، حتى أكمل قراءة عمود هذا الكاتب الذي يصبح مع الزمن وفضول المعرفة واستكشاف الأساليب، أكثر من كاتب وكاتبة، ثمة الساخر والواقعي والفاضح، وثمة الغامض والرمزي والواضح!».
يشدد بشكار على أنه ليس من الصِّنْف الذي تعْتريه العصبيَّة لجيله، بل هو موقنٌ أنَّ «ثمة اليوم كثيراً من الشباب يكتنف نفْس هوسي لقراءة ما يُحِب، ولا يأْلو جهداً في البحث عن البضاعة الثقافية التي توافق تطلُّعاته الفكرية، وأفظع ما قد يتسبَّب في كساد بعض الصفحات الثقافية، أن تنغمس في نُخبويتها فكأنها تُخاطب عقولاً أعلى من تفكير المجتمع، أو تُضيِّق من شريحة مُخاطبيها بالتأدْلُج في لون سياسي، ذلك أن عدم الالتزام بمسافة الحِياد يجعل المادة المنشورة تصل بتوزيع الجريدة إلى كل المدن دون أنْ تصل إلى أحد!».

عبد اللطيف السخيري: العلاقة
بين الصحافة والثقافة
ينطلق السخيري، الذي توج في 2015 بجائزة القناة المغربية الثانية للإبداع في مجال الشعر، عن باكورة أعماله «تراتيل السراب وأقوال نبي الصلصال الأعمى»، من وَضْعِ الكلام عن الصفحات الثقافية في سياقه العام؛ وهو سِياقٌ قال إنه «يَحكُمه سُؤال العلاقة بين الصحافة والثقافة عُموماً، والأَدب على وجه التَّخصيص»، وإن كانت علاقة تلازُم أم تعارُض. والإجابة عن سؤال العلاقة بين الصحافة والثقافة، هي التي «تُحدِّد أَيَّ موقفٍ من الصفحات الثقافية، وآفاقِ المُتوقَّع منها»؛ مشيراً إلى أن «المفاهيم المؤسِّسة للتَّساؤل أعلاهُ هي في ذاتها إشكالية (الثقافة والأدب خاصةً). ولهذا فأي اختلاف في تحديدها، وبيان أُسُسها، وطبيعة وظائفها سيؤدي - دون ريب - إلى اختلاف المواقف، إن لم يكن إلى تضاربها».
يؤكد السخيري أنه يرى «اصطلاحَ الثقافة - بزئبقيَّته المعهودة - شاملاً للفِعلين الصحفي والأدبي. فهما معاً خادمان للثقافة، كلٌّ حسب خصائصه المائزة، وآليات اشتغاله. ولذا لن نختلف في الدور الجوهري الذي تؤديه الصحافة في (التثقيف) بما تُتيحه من تنوُّعٍ في موضوعاتها، ومن انفتاحٍ على مجالات متعددة. فقد كان ميلاد الصحافة في عصر النهضة مُؤذِناً بشيوع فعلٍ ثقافيٍّ كان حكراً على مؤسسات معينة، وبآليات محدودة نظراً لضعف انتشار الكتاب، والبدايات المتعثرة للطباعة»؛ حيث «كانت الصفحات الثقافية، والأعمدة المُخصَّصة لأقلام كبار الكُتاب والمفكرين بمثابة المشاعل التي تنير سُبُل القُراء. وغالباً ما تكون الحرائق الناجمة عن لَهَب النَّقد، والآراء المُخالِفة دواعيَ لتجديد الأسئلة، وإثراءِ الحقول المعرفية بتعدُّدِيَّةٍ خِصْبَة. ونُشير في هذا الباب إلى خصومات الرافعي وطه حسين والعقاد في مصر، ومحمد بن العباس القباج، وعبد الكريم ثابت وغيرهما في المغرب».
ويشير السخيري إلى أن «تلك العهود وَلَّتْ، أمامَ طُغيان حقول ثقافية على أخرى» من قبيل السياسة والمجتمع والرياضة وأخبار مشاهير الغناء والتمثيل، وذلك مقابل «تَراجُعِ الاهتمام بحقول الأدب، والفكر، والفنِّ الهادف البعيد عن الطابع الاستهلاكي، ومنطق البوز الذي لا منطق له إلا عدد القراء، والمشاهدات، وما ينجُم عنهما من ربح استشهاري. وهكذا وَلَّتْ الصَّفحات الثقافية في الصَّحافة المكتوبة، لأنها - في الأغلب - الأقلُّ تأثيراً من وجهة نظر تسويقية».
داخل هذه الإكراهات العامة، يرى السخيري أن أزمة الصفحات الثقافية تتفاقم بــ«خضوعها للمزاجِيَّة»، و«عدم توفر خطٍّ تحريري يُحدِّد مفهومَ الثقافة، والأهدافَ والغاياتِ البعيدة من ورائها. إذ لا يكفي أن يتمَّ إرضاءُ (دفاتر التحملات) فقط؛ بل لا بد لهذه الصفحات - من خلال المسؤولين عنها - الإجابة عن التساؤل الذي افتتحنا به حديثنا هذا، لكي يكون الخط التحريري واضحاً، له ثوابته وأعمدته الراسخة، وله متغيِّراتُه المنفتحة على الجديد من الأشكال، ومن أقلام الفكر والأدب، مع خلق أَنْوِيَةٍ للحوار بين الأجناس، والفنون، وبين الأجيال والحساسيات المختلفة، دون تحيُّزٍ أو علاقاتٍ يَطغى فيها ما هو شخصي على ما هو ثقافي فكري».
يختم السخيري بأن غياب كثير من النقط المذكورة، يبقى من بين «دواعي تراجُع الصفحات الثقافية في أداء دورها المتمثل في رَجِّ الراكد من الظواهر والأسئلة والأشكال الفنية، وفي فَتْح آفاق جديدة للممارسة الثقافية، واكتشاف الأقلام الشابة الواعدة القادرة على حمل مِشعل الإبداع والثقافة، في الآتي».



قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب
TT

قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب

(١)

حين تركنا الأوراق البيضاء

ورحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

لم يظهر ماذا يعني أن يرتبك الشاعر فوق الكلمات

أن يشطب مفردةً ويعيد صياغتها

ويعود إليها ثانيةً

ويحاول ثالثةً

ويخطَّ الخطَّ المائل فوق الكلمة

أو يرسم دائرة

ويشخبط فوق الأسطر ممتلئاً بالحزن وبالعبرات

مذ رحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

جفَّتْ أنهارٌ كثرٌ

وانسحبت من أقدام الشعراء الطرقات

الحاسوب صديق كهولتنا

جفف ما كنا نحمله من نزق العشاق المنسيين

على الشرفات

لا نعرف من أين نعود إلينا

نحن القديسين بلا صلوات

(٢)

قبل ثلاثين سنة

قالوا إن الحاسوب سيدخل قريتكم

وسيكفينا نزق الطباعين على الآلات

صفقنا للحاسوب القادم نحو منازلنا

وبدأنا نتحسسه

ونصادقه

ونبوح له بالأسرارْ

من يفتح هذا الغيب الغامض في شغفٍ

ويميط السر عن الأزرارْ؟

كيف سندخل هذا الصندوق الأسود؟

كيف نبوح له؟

وبماذا نكتب حيرتنا؟

ونشد العمر على الأسوارْ

يا حاسوب الدنيا حاول أن تأخذنا في رفقٍ

لتدلَّ عليك

حاول أن تفتح في هذي الظلمة عينيك

نحن البدو الرُحَّل منذ سنينَ عجافٍ

ننطر في هذا البرد القارس

دفء يديك

يا حاسوب الدنيا

ماذا يجري؟؟؟

بايعناك

ورافقناك

وضعنا فيك طويلاً

ضعنا فيك

لكنا حين أردنا أن نوقف حيرتنا المرة

ضعنا ثانيةً

وصرخنا خلفك

يا حاسوب الدنيا انتظر الناس قليلاً

فلقد جفَّ العمر على الشاشة

منكسراً وخجولا

ما عاد لنا في هذا العالم إلاك رسولا

لكنا يا حاسوب العمر

ذبلنا فوق الشاشات طويلا

وستأكلنا الوحشة

تأكلنا الوحشة

والتيه يمد يديه دليلا

ونعود من الحاسوب ضحايا منفردين

قتيلاً في الصحراء يدلُّ قتيلا

(٣)

بعد ثلاثين مضت

شاخ الحاسوب

وأنجب أطفالاً في حجم الكف

الحاسوب الآن يشيخ ويترك للناس صغاره

الحاسوب انتصر اليوم علينا

وقريباً جداً سوف يزفُّ لكل العالم

أجراس بشاره

الكل سيترك مخدعه ودياره

لا عائلةٌ تبقى

لا أطفال

الكل يقول ابتعد الآن

فقط الوحشة تطبق فكيها

وتصيح

تعالْ

المنزل ممتلئٌ بالأطفالْ

لكنَّ الأدغالْ

تمتد على الشرفات وفوق الأسطح

بين السكَّر في أقداح الشاي

وحدي أشربه ممتلئاً بالغربة

حتى حوَّلني الحاسوب

لبحِّة ناي

(٤)

لستُ وحيداً

لكني ممتلئٌ بالغربة يا الله

البيت الدافئ ممتلئٌ بالأولاد

صبيانٌ وبناتْ

ومعي امرأتي أيضاً

لكنا منفيون بهذا البيت الدافئ

* النص الكامل على الانترنتمنفيون

الكلمات تشحُّ علينا

اصرخ يومياً

يا أولاد تعالوا

لكنَّ الأولاد بعيدون

بعيدون

البيتُ الضيِّقُ يجمعنا

لكنَّا منفيِّون

ومنعزلون

جزرٌ تتباعد عن أخرى

وقلوبٌ ليس لهنَّ عيون

(٥)

ما أسعدني

يوم ذهبتُ إلى السوق وحيداً

أبتاع الحاسوب

وأرقص في فرحٍ

منتشياً بشراء صديقٍ

يتقاسم أفكاري وحياتي

هيأتُ له منضدةً في زاوية البيت

وبقيتُ أداريه مساءً وصباحا

حتى صار فتىً من فتيان البيت

أخاف عليه من الحمى

وأجسُّ حرارته

وأعدُّ له أكواب القهوة والشاي إذا صاحا

ماذا يحتاج الحاسوب صديقي أو ولدي؟

الشحن بطيء...؟

غيّرتُ الشاحن في غمضة عين

الحاسوب مريض...؟

رحتُ سريعاً أركض فيه إلى الجيران أو المستشفى

حيث الخبراء

يتلمس كلٌّ منهم زراً من أزرار الحاسوب المتعبْ

قالوا يا مجنون

خففْ عن كاهله الكلمات

أثقلتَ الحائط بالصرخات

وملأتَ السطح الأزرق

دمعاً ودماً وعويلَ محطات

(٦)

ماذا نصنع؟

هذا الحاسوب مريضٌ جداً

لا بدَّ له من وقتٍ كي يرتاح

لا بدَّ لهذي الجُملِ الملغومةِ أنْ تنزاح

عن صدر الحاسوب

لكي يغفو مبتهحاً

بفراغ الحائط

مكتفياً بالغابات المحروقة

في صدر الشاعر

أو بالحزن النابت في الأرواح

الحاسوب مريضٌ هذي الليلة يا أشباح

ماذا نفعل والروح معلقةٌ

بالشاحن والمفتاح

ولهذا رحنا نمسحُ آلاف الكلمات

ونزيح برفقٍ عن كاهله

ما تركته الروح من الكدمات

كي يرتاح الحاسوب

مسحنا ذاكرة كاملة

وغناءً عذباً

وبكاء أميرات

كي يرتاح الكلب ابن الكلب

ويضحك منتصراً

رحنا نصرخ مهزومين ومندحرين

الحاسوب سيعلن دولته الكبرى

وسنأتيه سبايا منكسرين

(٧)

مسح الحاسوب بضغطة زر واحدة

آلاف الكلمات

الذاكرة انطفأت هذي الليلة

كي يغفو الحاسوب بلا صرخات

ماذا يعني

أن تشطب أياماً

وتحيل قصائد للنسيان

هذا العالم محكومٌ في ضغط زرٍ

والإنسان بلا إنسان

(٨)

كتب الأجداد على الطين حكايتهم

وكتبنا نحن على الحاسوب حكايتنا

ومضوا

ومضينا

واختلف الدرب علينا

لا نحن حفظنا

ما كتب الأجداد

ولا الحاسوب الأخرس

ردَّ العمر إلينا

يا ضيعتنا

يوم نسينا

في عمق البحر يدينا

(٩)

أعلنا نحن المسبيين هزيمتنا

وكسرنا آخر أقلام الليل

والمسودَّات انهزمت

ومزاج الأوراق تغير

من يقنع هذي الشاشة

أني أكتب شعراً

وبأني أبكي فوق الأوراق طويلاً

كي يخرج سطرٌ

ممتلئٌ بالأطفال

والآن كما تبصر

آلاف الكلمات تجيء وتذهب

فوق الشاشة

والأطفال الموتى

يختبئون وراء الشاشة

أيقوناتٍ

وينامون على الأدغال

هذا عصرك يا ابن رغال

فاستعجل

من أبطأ خطوك؟

والكل يصيح عليك

تعال

(١٠)

كنا حين يموت لنا رجلٌ

نتوشح بالأسود أعواماً أعواما

لا نفتح مذياعاً

أو نسمع أغنيةً

أو حتى نعلك في السرِّ

فقد صرنا نحن الفتيان

فتيان القرية

أشباحاً ويتامى

نبكي ونصيح ونحزن

نقطع آلاف الأمتار

لنبكي هذا الرجل الراحل عنا

أما اليوم

والفضل يعود إلى الحاسوب

فقد حولهم أرقاماً أرقاما

لن نبكي

فهنالك وجه في الشاشة يبكي بدلاً عني

لن أحزن

الشاشة فيها وجه مرسوم للحزن

سيحزن قبلي في ضغطة زر واحدة

وسيكتب تعزيةً قبلي

وسيرسلها بدلاً عني

وأنا متكئٌ منسيٌّ

كنكاتٍ مرَّ عليها زمنٌ

فاهترأتْ

وبقيت أعاتب أياماً هرمت

وأشيل على ظهريَ أياما

(١١)

ما الذي يصنعه الحاسوب فينا يا إلهي

نحن أولادك ساعدنا

فقد بعثرنا ليل المتاه

ونسينا العمر مشحوناً ومربوطاً مع النقال

فيما نحن منفيون بين الأهل

ملقاةٌ أغانينا القديمات على الدرب

وهذا العمر مشرورٌ على حبل الغوايات

وساهِ

دلنا يا رب

نحن أبناؤك تهنا

والعلامات التي توصلنا للبيت ضاعت

واختفت كل المواعيد الأغاني

الضحك الحلو النكات السير في الليل

ولم يبق سوى

حسرةٍ تنسل من فوق الشفاه

(١٢)

كل شيءٍ قد تغير

كل شي

صالة البيت التي نأوي إليها

ذبلت فينا ونامت دون ضي

جرس البيت اختفى أيضاً

وباب البيت ملقى في يدي

لم يعد يطرقه جارٌ

ولا صحبٌ

وحتى لم يعد يعبث في لحيته

أطفالنا في الحي

بدأت تذبل فينا الكلمات

مثلاً جار لنا قد مات

جارٌ طيبٌ كانت تناغيه المنازل

ما الذي نفعله

والجار هذا الجار راحل

غير أن نبعث وجهاً باكياً

نرسله بين الرسائل

كيف يا رب اختصرنا ذلك الحزن

ومن أطفأ بركان المشاعل

(١٣)

لم يعد للحب معنى

لم يعد كانوا وكنا

هبط الليل علينا ثم لم ترجع

إلى القلب المنازل

لم يعد يبكي المحبون

ولم يطرق جدار القلب سائل

كل ما يفعله الآن المحبون القلائل

صورة جاهزة يرسلها النقال صمتاً

ثم تنسى بين آلاف الرسائل

صورة كررها قبلك آلاف وآلاف

إلى أن بهت اللون

وتاه الحب منسياً

على الشاشات

منسياً وذابلْ.