الدراجات الهوائية تزاحم السيارات في باريس

عمدة باريس تقود حملة لحث المواطنين على استخدام الدراجة الهوائية (إ.ب.أ)
عمدة باريس تقود حملة لحث المواطنين على استخدام الدراجة الهوائية (إ.ب.أ)
TT

الدراجات الهوائية تزاحم السيارات في باريس

عمدة باريس تقود حملة لحث المواطنين على استخدام الدراجة الهوائية (إ.ب.أ)
عمدة باريس تقود حملة لحث المواطنين على استخدام الدراجة الهوائية (إ.ب.أ)

ساهمت أزمة «كورونا» وتوقف وسائط النقل العام في انتشار الدراجات الهوائية واجتياحها لشوارع العاصمة الفرنسية بشكل ملحوظ. صحيح أنّ باريس لم تتحول إلى بكين في أعداد الملايين الذين يديرون العجلات بسيقانهم، لكنّها مؤهلة لأن تنافس أمستردام في اللجوء إلى هذه الوسيلة العملية والرخيصة والنظيفة في التنقل.
تقود عمدة باريس، آن هيدالغو، حملة كبرى لحث المواطنين على أن يستبدلوا بالمركبات العاملة بالوقود الدراجة. وقد بلغ من حماستها لهذا التوجه أنها أصبحت العدو رقم واحد لأصحاب السيارات ممن لا يستطيعون الاستغناء عنها في بلوغ مكاتبهم وقضاء احتياجاتهم. فقد بدأت الحملة بمنع الحافلات السياحية من التوقف بشكل مكثف عند الصروح الشهيرة كبرج «إيفل» أو متحف «اللوفر» أو «جادة «الشانزليزيه» أو حي «الأوبرا». ثم بدأت خطة واسعة لتخصيص ممرات خاصة بأصحاب الدراجات في الطرقات الرئيسية والفرعية، لا سيما في الأحياء السكنية وحول المدارس والجامعات. ورغم تصاعد الاحتجاجات عليها فإن هيدالغو مضت في مشروعها ومنعت مرور السيارات في الشوارع السفلية المحاذية لنهر «السين» في باريس. وهو أمر تسبب في اختناقات مرورية كثيرة. تحاول هيدالغو أن تجعل من التجربة الهولندية نموذجاً لها لأنّها الأكثر أماناً. فالهولنديون يستخدمون الدراجات الكهربائية التي توفرها الدولة في محطات منتشرة في كافة الأحياء وبأسعار زهيدة. وكان آخر «إنجازات» العمدة أنّها منعت مرور السيارات الخاصة في شارع «ريفولي»، الذي يعتبر شرياناً تجارياً مهماً يخترق وسط باريس ويمر بمنطقة «اللوفر» وحدائق «التويلري» وعدد من الفنادق والمتاجر الكبرى. وبهذا صار المرور فيه مقتصراً على الدراجات وحافلات النقل العام وسيارات الإسعاف والأجرة.
في الربيع الماضي، حصلت هيدالغو على ميزانية إضافية قدرها 20 مليون يورو للمضي في هذا التوجه الذي يلاقي ترحيباً من أنصار البيئة. وكانت وزيرة التحول البيئي قد وعدت بمضاعفة هذه المخصصات لتبلغ 60 مليوناً. لكن عمدة باريس تسعى لأن تبلغ ميزانية تطوير شوارع العاصمة لكي تبلغ 350 مليون يورو وتصبح آمنة للدراجين. وهناك منحة قدرها 50 يورو لكل من يريد تصليح دراجته الهوائية الخاصة التي قبعت في المخزن لسنوات. وحسب مجلة «باري ماتش» فإنّ 62400 دراج استفاد من هذه المنحة حتى الآن. كان من نتائج هذه الحملة أن زاد عدد مستخدمي الدراجات في باريس بنسبة 50 في المائة. وهو ارتفاع ساهم فيه انتشار فيروس «كوفيد - 19» بحيث صار المواطنون يطلقون على الممرات الجديدة للدراجات تسمية «ممرات كورونا». ورغم تحسن مناخ العاصمة بسبب التقليص الممنهج لاستخدام السيارات فيها والتشجيع على اقتناء تلك التي تعمل بالكهرباء، فإن الأمر تسبب في ارتفاع أعداد الحوادث التي يتعرض لها الدراجون. فمن مجموع ضحايا الطرقات والبالغ 3498 قتيل في العام الماضي، هناك 187 من مستخدمي الدراجات، أي بزيادة 5 في المائة عن 2018. هناك اليوم شركات لتأجير الدراجات الكهربائية تتنافس على للفوز بعقود مع بلدية باريس لوضع دراجات قيد الاستخدام العام في مئات المحطات داخل العاصمة وضواحيها. وبعد «فيليبرتيه» أي دراجات الحرية، هناك اليوم شركة أخرى هي «بولت» تسعى لإطلاق دراجاتها الكهربائية في العاصمة. ويمكن للراكب الاشتراك بمبلغ سنوي قدره 40 يورو، ثم يدفع مبلغاً زهيداً حسب الوقت الذي يستأجر فيه الدراجة، لا يتجاوز 10 سنتيمات للدقيقة. فهل تنجح مدام هيدالغو في طرد أصحاب السيارات من وسط العاصمة، نهائياً، وحجزه للمارة والدراجات ووسائط النقل العام على غرار العاصمة البريطانية؟
هناك عبارة شهيرة للممثل الفرنسي الراحل جان غابان، قال فيها إن المسرح كبير بحيث إنه يحتاج لدراجة لبلوغ الخشبة. ويبدو أن الباريسيين سيحتاجون لدراجات لبلوغ مدارسهم وجامعاتهم ومعاملهم وأماكن أعمالهم طالما أن الجو مهيأ لهذه التجربة التي تطرد الغيوم الملبدة بعوادم السيارات عن مدينتهم. لكن ما يناسب الصيف قد لا يناسب الشتاء، حين تهطل الأمطار الغزيرة وتنخفض درجات الحرارة إلى ما يعادل الصفر.



مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية وعدد من المقابر تعود للعصر البطلمي، مزينة بنقوش وكتابات ملونة، بداخلها مجموعة من المومياوات والهياكل العظمية والتوابيت، وغيرها من اللقى الأثرية.

وتوصلت البعثة المشتركة بين مصر وإسبانيا من خلال جامعة برشلونة ومعهد الشرق الأدنى القديم، إلى هذا الكشف الأثري أثناء عمليات التنقيب بمنطقة البهنسا في محافظة المنيا (251 كيلومتراً جنوب القاهرة).

وأكد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار بمصر الدكتور محمد إسماعيل خالد، أهمية هذا الكشف، واعتبره سابقة في الاكتشافات الأثرية، قائلاً: «للمرة الأولى يتم العثور بمنطقة البهنسا الأثرية على بقايا آدمية بداخلها 13 لساناً وأظافر آدمية ذهبية لمومياوات من العصر البطلمي، بالإضافة إلى عدد من النصوص والمناظر ذات الطابع المصري القديم، والتي يظهر بعضها لأول مرة في منطقة البهنسا؛ مما يُمثل إضافة كبيرة لتاريخ المنطقة، ويسلط الضوء على الممارسات الدينية السائدة في العصر البطلمي»، وفق بيان لوزارة السياحة والآثار.

لوحات ومناظر تظهر لأول مرة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وأوضح أستاذ الآثار بجامعة القاهرة ومدير حفائر البعثة المشتركة الدكتور حسان إبراهيم عامر، أنه تم العثور على جعران القلب موجود في مكانه داخل المومياء، في إحدى المقابر المكتشفة، بالإضافة إلى العثور على 29 تميمة لـ«عمود جد»، وجعارين وتمائم لمعبودات مثل «حورس» و«جحوتي» و«إيزيس». في حين ذكر رئيس البعثة من الجانب الإسباني الدكتور أستر بونس ميلادو، أنه خلال أعمال الحفائر عثرت البعثة على بئر للدفن من الحجر المستطيل، تؤدي إلى مقبرة من العصر البطلمي تحتوي على صالة رئيسة تؤدي إلى ثلاث حجرات بداخلها عشرات المومياوات متراصّة جنباً إلى جنب؛ مما يشير إلى أن هذه الحجرات كانت قد استُخدمت كمقبرة جماعية.

وأضاف رئيس البعثة أنه «إلى جانب هذه البئر تم العثور على بئر أخرى للدفن تؤدي إلى ثلاث حجرات، ووجدوا جدران إحدى هذه الحجرات مزينة برسوم وكتابات ملونة، تمثل صاحب المقبرة الذي يُدعى (ون نفر) وأفراد أسرته أمام المعبودات (أنوبيس) و(أوزوريس) و(آتوم) و(حورس) و(جحوتي)».

إلى جانب ذلك، تم تزيين السقف برسم للمعبودة «نوت» (ربة السماء)، باللون الأبيض على خلفية زرقاء تحيط بها النجوم والمراكب المقدسة التي تحمل بعض المعبودات مثل «خبري» و«رع» و«آتوم»، حسب البيان.

مناظر عن العالم الآخر في مقابر البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وكان اللافت للانتباه، وفق ما ذكرته البعثة، هو «وجود طبقة رقيقة من الذهب شديدة اللمعان على وجه المومياء التي يقوم بتحنيطها (أنوبيس)، وكذلك على وجه (أوزوريس) و(إيزيس) و(نفتيس) أمام وخلف المتوفى». وأوضحت أن «هذه المناظر والنصوص تمثل صاحب المقبرة وأفراد أسرته في حضرة معبودات مختلفة، وهي تظهر لأول مرة في منطقة البهنسا».

وقال الخبير الأثري المصري الدكتور خالد سعد إن «محتويات المقبرة توضح مدى أهمية الشخص ومستواه الوظيفي أو المادي»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر وجدت الكثير من الدفنات المماثلة من العصرين اليوناني والروماني، وكانت الدفنة سليمة؛ لم يتم نبشها أو العبث بها».

ويوضح الخبير الأثري أن «الفكر الديني في ذلك الوقت كان يقول بوضع ألسنة ذهبية في فم المومياوات حتى يستطيع المتوفى أن يتكلم كلاماً صادقاً أمام مجمع الآلهة».

ألسنة ذهبية تم اكتشافها في المنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أما بالنسبة لتلابيس الأصابع (الأظافر الذهبية)، فهذا تقليد كان ينتهجه معظم ملوك الدولة الحديثة، وتم اكتشافها من قبل في مقبرة «توت عنخ آمون»، وكانت مومياؤه بها تلابيس في أصابع اليد والقدم، وفي البهنسا تدل التلابيس والألسنة الذهبية على ثراء المتوفى.

وتعدّ قرية البهنسا (شمال المنيا) من المناطق الأثرية الثرية التي تضم آثاراً تعود للعصور المختلفة من المصري القديم إلى اليوناني والروماني والقبطي والإسلامي، وقد عثرت فيها البعثة نفسها في يناير (كانون الثاني) الماضي على عدد كبير من القطع الأثرية والمومياوات، من بينها 23 مومياء محنطة خارج التوابيت، و4 توابيت ذات شكل آدمي.

مناظر طقوسية في مقابر منطقة البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وفسّر الخبير الأثري العثور على مجموعة من الأواني الكانوبية في المقابر بأنها «تحفظ أحشاء المتوفى، وهي أربعة أوانٍ تمثل أربعة من أولاد (حورس) يرفعون أطراف الكون الأربعة، وفقاً لعقيدة الأشمونيين، ويتمثلون في ابن آوى والقرد والإنسان والصقر، ويوضع في هذه الأواني المعدة والأمعاء والقلب والكبد، وكانت على درجة عالية من الحفظ، نظراً للخبرة التي اكتسبها المحنّطون في السنوات السابقة».

وأشار إلى أن «اللقى الأثرية الأخرى الموجودة بالكشف الأثري مثل الأواني الفخارية والمناظر من الجداريات... تشير إلى أركان طقوسية مرتبطة بالعالم الآخر عند المصري القديم مثل الحساب ووزن القلب أمام ريشة (ماعت)؛ مما يشير إلى استمرارية الديانة المصرية بكافة أركانها خلال العصر اليوناني والروماني، بما يؤكد أن الحضارة المصرية استطاعت تمصير العصر اليوناني والروماني».

بدورها، أشارت عميدة كلية الآثار بجامعة أسوان سابقاً الدكتورة أماني كرورة، إلى أهمية منطقة البهنسا، واعتبرت أن الكشف الجديد يرسخ لأهمية هذه المنطقة التي كانت مكاناً لعبادة «الإله ست» في العصور المصرية القديمة، وفق قولها، وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «هذه المنطقة كانت تضم العديد من المعابد والمنشآت العامة، فهناك برديات تشير إلى وجود عمال مكلفين بحراسة المنشآت العامة بها؛ مما يشير إلى أهميتها».