«الوطني الليبي» يتهم تركيا بمواصلة «التحشيد» حول سرت

حكومة «الوفاق» تنتقد زيارة وفد القبائل الليبية إلى القاهرة

قوات موالية لحكومة {الوفاق} تستعد للتوجه إلى سرت بعد حصولها على تعزيزات من تركيا (رويترز)
قوات موالية لحكومة {الوفاق} تستعد للتوجه إلى سرت بعد حصولها على تعزيزات من تركيا (رويترز)
TT

«الوطني الليبي» يتهم تركيا بمواصلة «التحشيد» حول سرت

قوات موالية لحكومة {الوفاق} تستعد للتوجه إلى سرت بعد حصولها على تعزيزات من تركيا (رويترز)
قوات موالية لحكومة {الوفاق} تستعد للتوجه إلى سرت بعد حصولها على تعزيزات من تركيا (رويترز)

رغم التزام فائز السراج، رئيس حكومة «الوفاق» الليبية الصمت، إلا أن وزارتي داخليته وخارجيته انتقدتا زيارة وفد من «شيوخ وأعيان قبائل ليبيا» إلى القاهرة، وفي غضون ذلك أكدت قوات «الجيش الوطني» استعدادها لـ«ردع أي محاولة» لمهاجمة مواقعها في محور سرت، رداً على قيام تركيا بمواصلة التحشيد العسكري هناك.
ومن المقرر أن يبدأ اليوم رئيس مجلس النواب الليبي المستشار، عقيلة صالح، زيارة عمل إلى الجزائر تستغرق يومين، تعد الثانية من نوعها خلال شهر واحد، بهدف إجراء محادثات مع رئيسها عبد المجيد تبون، تتناول مستجدات الوضع على الساحة الليبية، ودور الجزائر في حل الأزمة. وقال حميد الصافي، المستشار الإعلامي لصالح، إنهما سيناقشان نتائج زيارات صالح مؤخرا إلى عدة عواصم بهدف إنجاح المساعي، الرامية لحل الأزمة الليبية دون تدخلات خارجية.
وسجل فتحي باشاغا، وزير الداخلية بحكومة «الوفاق»، تحفظه على ذهاب مشايخ وأعيان ليبيا إلى القاهرة، مما قال إنهم «يدعون بأنهم يمثلون القبائل الليبية»، وأضاف في تغريدة له عبر موقع «تويتر» في ساعة مبكرة من صباح أمس: «لا نقبل بالانتقاص من السيادة الليبية، أو بتجاوز الحكومة الشرعية».
معتبرا «أنه على القيادة في الشقيقة مصر إدراك أن مصالحها هي مع الحكومة الشرعية في ليبيا، فاستقرار ليبيا من استقرار مصر».
وقال الناطق باسم وزارة الخارجية بحكومة السراج إنها هي من تحدد الوضع على الأرض، وجدد حديثه السابق برغبتها في دخول سرت «دون سفك دماء»، منتقداً اجتماع رؤساء القبائل في القاهرة.
في المقابل، أكد اللواء أحمد المسماري، الناطق باسم «الجيش الوطني»، أن تركيا لا تزال تدفع بمزيد من عناصر جيشها والمرتزقة، والأسلحة المتطورة إلى منطقة غرب ليبيا، مشيراً إلى أن مدينة مصراتة (غرب) لا تزال بمطارها ومينائها قاعدة رئيسية لهذه الإمدادات، بالإضافة إلى اتخاذ المنشآت المدنية والعسكرية، بما فيها الكلية الجوية، كمناطق تمركز للتواجد العسكري التركي.
ولفت المسماري في مؤتمر صحافي، عقده مساء أول من أمس، إلى تزويد مطار الكلية العسكرية بمصراتة بمعدات عسكرية، ومحاولة استغلال محور منطقة غريان للتقدم نحو قاعدة الجفرة، لافتا إلى أن «الجيش الوطني» رصد عمليات تلغيم الميلشيات عدة مناطق شرق مصراتة. وأضاف موضحا: «قواتنا في مواقعها ترصد كل التحركات حولها، بما في ذلك البوارج الحربية التركية»، لافتا إلى أن «العدو روج خلال الـ48 ساعة الماضية شائعات كثيرة، وغير صحيحة عن انسحاب قوات الجيش من محاورها في شرق مصراتة... لكن على العكس من ذلك، فإن قيادة الجيش عززت مواقعها بقوات مؤهلة غرب مصراتة للتعامل مع أي تطور عاجل وطارئ»، مشيرا إلى جاهزية سلاح الجو والدفاع الجوي، مع عشرات الآلاف من الضباط والجنود على الأرض.
في سياق ذلك، أوضح المسماري أن ما وصفه بـ«الغازي التركي» يحاول تحويل قاعدة عقبة بن نافع في منطقة الوطية إلى قاعدة ارتكاز، وانطلاق لبقية العمليات الإرهابية، من خلال تركيب منظومات دفاع جوي، ومنظومات تشويش، وإنشاء مخازن للذخائر والمعدات.
كما شن المسماري هجوما لاذعا ضد تنظيم الإخوان، الذين قال إنهم «يخسرون مواقعهم في الأردن وتونس»، لافتاً إلى أن الدول العربية والإسلامية توجه رسائل للمجتمع الدولي بأن هذه الجماعة «مهددة للسلم والاستقرار الدولي مثل تنظيمات القاعدة وداعش»، وقال إن تركيا «أصبحت بدعم قطري ملاذا آمنا للجماعات الإرهابية والتكفيرية».
ونقلت وكالة الأنباء الليبية، الموالية للجيش الوطني، عن مدير مكتبه الإعلامي أن كافة الوحدات العسكرية بالجيش «مُستمرة في تمركزاتها المُكلفة بها، وهي في أقصى حالات التأهب والاستعداد لتنفيذ أوامر القيادة العامة»، لافتا إلى أن هذه الأوامر لم تصدر حتى هذه الساعات في أي من محاور القتال المختلفة. وبعدما أكد «لليبيين أصحاب القرار والسيادة» أن القيادة العامة «لن تتاجر بدماء أبنائها وتضحيات الشعب، وستظل الحصن الحصين الذي يحافظ على سيادة واستقلال الدولة، وصون كرامتها وهيبتها والحفاظ على مقدراتها»، نفى أيضا «حدوث اجتماع بين المشير حفتر ووفد أميركي رفيع المستوى».
وكان السفير بسام راضي، المتحدث باسم الرئاسة المصرية، قد أعلن في مداخلة هاتفية في برنامج «يحدث في مصر»، على شاشة «mbc مصر»، مساء أول من أمس، أن القوات المسلحة المصرية تمكنت من تدمير نحو 10 آلاف سيارة دفع رباعي على الحدود مع ليبيا، كانت «محملة بإرهابيين ومقاتلين أجانب» خلال السنوات الستة الماضية.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.