الغرب يبحث عن سبل للتعامل مع بكين

فشلت سياساته إلى حد كبير في إبطاء صعود الصين كقوة اقتصادية

الرئيس الصيني مع نظيره الأميركي خلال قمة العشرين في اليابان العام الماضي (أ.ب)
الرئيس الصيني مع نظيره الأميركي خلال قمة العشرين في اليابان العام الماضي (أ.ب)
TT

الغرب يبحث عن سبل للتعامل مع بكين

الرئيس الصيني مع نظيره الأميركي خلال قمة العشرين في اليابان العام الماضي (أ.ب)
الرئيس الصيني مع نظيره الأميركي خلال قمة العشرين في اليابان العام الماضي (أ.ب)

الرئيس الأميركي دونالد ترمب «لا يستبعد أي شيء» فيما يتعلق بالتعامل مع الصين، رافضاً في الوقت نفسه تأكيد إذا ما كانت هناك إمكانية لفرض حظر على دخول أعضاء الحزب الشيوعي الصيني إلى الولايات المتحدة. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كايلي ماكناني: «ليس هناك شيء مستبعد فيما يتعلق بالصين». وطوال مدة كبيرة من فترة رئاسته، تجنب ترمب انتقاد الصين فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، وهو يتأرجح بين إعلان حرب تجارية والإعراب علانية عن إعجابه بالرئيس الصيني تشي.
وردت بكين، أمس (الجمعة)، على واشنطن تقول إن أي حظر سفر تفرضه الولايات المتحدة على أعضاء الحزب الشيوعي الحاكم في الصين سيكون عبثياً، وإن مثل هذه الخطوة سترقى إلى معارضة واشنطن لجميع سكان الصين.
ووفقاً لصحيفة «نيويورك تايمز»، فإن هذا الإجراء سيواجه عقبات كبيرة، خصوصاً قيود عملية، ذلك أن الحزب الشيوعي الصيني يضم 92 مليون عضو. وقال وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، إن هناك «أفكاراً كثيرة» قيد الدرس. وردت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، هوا تشون يينغ، على الصحافيين خلال إفادة صحافية يومية بأنه لا يمكن لأي دولة أو فرد منع الصين من المضي في طريقها.
ويعد التعامل مع الصين أمراً معقداً للغاية. فالقيادة في عهد تشي جينبينغ ترى أن الصين قوية الآن لدرجة أنها تستطيع أن تفرض بعزم أجندتها في الداخل والخارج، وأصبحت قادرة على الصمود أمام أي عقوبات تقف في طريقها. فقد فرض تشي قانون أمن قومي على هونغ كونغ، رغم الغضب العالمي، ووقوع اشتباك عسكري مميت على الحدود مع الهند، ودبلوماسية بكين الشرسة في أثناء جائحة كورونا تعد مجرد أحدث الأمثلة على كيفية فشل السياسات الغربية إلى حد كبير في إبطاء تحرك الصين أو وقفه.
وقال شي ينهونغ، مستشار الحكومة الصينية أستاذ العلاقات الدولية بجامعة رينمين في بكين، إنه «بالنسبة للصين، يعد التزامها بأولوياتها الداخلية -على سبيل المثال، قرار المضي قدماً في فرض التشريع الأمني في هونغ كونغ، والتأكيد على بناء الاعتماد على النفس في قطاع التكنولوجيا المتقدمة، والالتزام بالنظام السياسي الخاص بالصين، بغض النظر عن الهجمات الأميركية- هو في حد ذاته أكبر رد على الولايات المتحدة وإدارة ترمب».
وقال فيرناندو شيونغ، وهو نائب برلماني من دعاة الديمقراطية في هونغ كونغ، كما نقلت عنه الوكالة الألمانية: «إن السياسات المفتوحة تجاه الصين من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كانت ذات هدف جيد ونفع متبادل، على أمل أن تنضم الصين إلى نظام العالم الحر، أو على الأقل تتعلم التوافق معه... ولكن في ظل قوة اقتصادية وقوة عسكرية متزايدة، أصبح من الواضح أن تشي يعتقد أن النظام في ظل الحزب الشيوعي الصيني أفضل».
وقال بيتس جيل، وهو أستاذ لدراسات أمن آسيا - الباسفيكي بجامعة ماكواير في سيدني، الذي يقدم استشاراته للشركات والأجهزة الحكومية، إنه بينما أدت جائحة كورونا إلى تسريع النقاش بشأن الصين «تتمثل المشكلة في الافتقار إلى اتفاق حول الشكل الذي ينبغي أن يكون عليه العمل كفريق، فليست كل الحكومات متماثلة الآراء عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع التحديات التي تمثلها الصين». كما أن التصدعات التي تسبب فيها ترمب مع حلفاء الولايات المتحدة القدامى تعوق أيضاً تحقيق موقف موحد. ويضيف جيل: «إن الأسس الرئيسية لإرساء مثل هذه الاستراتيجية -وهي العمل على أساس متعدد الأطراف، واحترام الحلفاء، والالتزام بمجموعة من السياسات المدروسة التي يمكن الاعتماد عليها والتنبؤ بها، والتي توحد الوسائل والأهداف- ليست جزءاً من برنامج هذه الإدارة (الأميركية)».
ومع إعطاء الولايات المتحدة لمبدأ «أميركا أولاً» الأولوية، وضعف الهيكل متعدد الأطراف القائم على أساس احترام القيم، بدأت الدول الآن تدرك بصورة متزايدة أنها تحتاج إلى إعادة تفكير. وحتى الآن، تتركز الاستراتيجيات حول: انتظار تحول الصين إلى دولة تتصرف بشكل أفضل من خلال جذبها إلى النظام العالمي بقواعده ومؤسساته، أو محاولة وقف تحركها في مساراتها من خلال الضغط الاقتصادي أو العسكري. وفي الوقت الحالي، تقوم الولايات المتحدة بتصعيد تصرفاتها، من إجراءات أكثر قوة ضد عملاق الاتصالات «هواوي» إلى مطالبة وسائل الإعلام الصينية الرسمية بتسجيل نفسها بصفتهم وكلاء أجانب، إلى فرض عقوبات على كبار المسؤولين الصينيين.
ويشير تقرير لـ«بلومبرغ» إلى أن مسؤولين من دول متعددة يقولون إن الحل الوحيد للتعامل مع الصين هو التكاتف معاً بصورة أفضل، مع أميركا أو من دونها. وقد بدأوا يفعلون ذلك بطرق جديدة مهمة، خاصة الدول الوسطى مثل أستراليا وكندا والهند والمملكة المتحدة، التي طالما سعت للموازنة بين اعتمادها الاقتصادي على الصين ومخاوفها الاستراتيجية بالنسبة لتصرفاتها.
وحاولت الولايات المتحدة مؤخراً إصلاح بعض علاقاتها: وقال مسؤول كبير في إدارة ترمب، واثنان من كبار الدبلوماسيين الغربيين في الصين، إن الدبلوماسيين يسعون لحشد حلفاء في آسيا وغيرها من المناطق. ويتمثل جزء من الدعوة الواضحة لذلك في الحد من الاعتماد الاقتصادي على الصين عن طريق فك الارتباط بسلسلة الإمدادات، مع زيادة الاستثمارات المحلية في التكنولوجيا المتقدمة والتصنيع. وتقول «بلومبرغ» إن الأمر لن يكون سهلاً. وقال مسؤول أميركي إن بعض الصقور في الدائرة المقربة لترمب ما زالوا يريدون محاولة تحقيق انهيار للحزب الشيوعي على غرار ما حدث في الاتحاد السوفياتي، وهو موقف لن تؤيده الدول الأخرى. وفي اجتماع جرى مؤخراً مع وزير الخارجية الأميركي، مايكل بومبيو، اقترح جوزيب بوريل، مفوض الأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، إجراء حوار خاص مع الولايات المتحدة يركز فقط على الصين. ولكن مسؤولاً قريباً من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حذر من أنه لا يجب أن يصبح الاتحاد الأوروبي وسيطاً بين واشنطن وبكين، وذلك لأن أوروبا لها أجندتها ومقترحاتها الخاصة.
وقال تشارلز ليو، وهو دبلوماسي سابق مؤسس شركة «هاو كابيتال» (وهي شركة أسهم خاصة)، إن دور الصين في التصنيع العالمي، ومصالح الحلفاء الغربيين المكتسبة، تجعل من الصعب على ترمب أن يدعو بصورة مقنعة إلى انفصال كامل عن ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وقال شين شيشون، وهو أحد كبار الباحثين بمعهد الصين للدراسات الدولية التابع لوزارة الخارجية الصينية: «إن الولايات المتحدة لم تُعد نفسها عقلياً لصعود نجم الصين، لذلك فإنها تبحث عن سبل لخلق المشكلات بالنسبة للصين، والحد من صعودها».


مقالات ذات صلة

المحكمة العليا ترفض طلب ترمب تعليق نطق الحكم بحقه في نيويورك

الولايات المتحدة​ رسم توضيحي لجلسة محاكمة ترمب، في نيويورك 7 مايو 2024 (رويترز)

المحكمة العليا ترفض طلب ترمب تعليق نطق الحكم بحقه في نيويورك

رفضت المحكمة العليا الأميركية الخميس محاولة الرئيس المنتخب دونالد ترمب في اللحظة الأخيرة وقف نطق الحكم بحقه في قضية شراء سكوت ممثلة الأفلام الإباحية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا رئيس الاتحاد الأوروبي أنطونيو كوستا ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين (حساب كوستا عبر منصة «إكس»)

الاتحاد الأوروبي رداً على ترمب: «نحن أقوى معاً»

شدّد رئيس الاتحاد الأوروبي أنطونيو كوستا، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، على أنّ الولايات المتحدة وأوروبا «هما أقوى معاً».

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال جنازة الرئيس الراحل جيمي كارتر (أ.ب)

المحكمة العليا الأميركية تنظر طلب ترمب تأجيل الحكم في قضية «شراء الصمت»

رفضت محكمة الاستئناف في نيويورك طلب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب تأجيل النطق بالحكم بشأن إدانته بتهم جنائية تتعلق بدفع أموال لشراء صمت ممثلة إباحية.

«الشرق الأوسط» (نيويورك )
الولايات المتحدة​ ترمب يتحدث وبجانبه السيناتور الجمهوري جون باراسو بعد اجتماع مع المشرعين الجمهوريين بمبنى الكابيتول في 8 يناير (رويترز)

ترمب بـ«الكابيتول» منفتحاً على خيارات جمهورية لتحقيق أولوياته

عبّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب عن انفتاحه على استراتيجيات مختلفة لإقرار أولوياته التشريعية، داعياً الجمهوريين إلى تجاوز خلافاتهم حول الحدود والطاقة.

علي بردى (واشنطن)
الولايات المتحدة​ حضر الرؤساء الخمسة مراسم جنازة كارتر في واشنطن الخميس (أ.ف.ب)

أميركا تودّع كارتر في جنازة وطنية يحضرها 5 رؤساء

أقامت الولايات المتحدة، الخميس، جنازة وطنية للرئيس السابق جيمي كارتر، لتتوّج بذلك تكريماً استمر أياماً عدة للحائز جائزة نوبل للسلام.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

رئيس الوزراء الكندي يقول إنه سيستقيل من رئاسة الحزب الحاكم

رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو يلقي كلمة في أوتاوا، 6 يناير 2025 (أ.ب)
رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو يلقي كلمة في أوتاوا، 6 يناير 2025 (أ.ب)
TT

رئيس الوزراء الكندي يقول إنه سيستقيل من رئاسة الحزب الحاكم

رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو يلقي كلمة في أوتاوا، 6 يناير 2025 (أ.ب)
رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو يلقي كلمة في أوتاوا، 6 يناير 2025 (أ.ب)

قال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو خلال خطاب جرى بثه على الهواء مباشرة اليوم الاثنين إنه يعتزم الاستقالة من رئاسة الحزب الليبرالي الحاكم، لكنه أوضح أنه سيبقى في منصبه حتى يختار الحزب بديلاً له.

وقال ترودو أمام في أوتاوا «أعتزم الاستقالة من منصبي كرئيس للحزب والحكومة، بمجرّد أن يختار الحزب رئيسه المقبل».

وأتت الخطوة بعدما واجه ترودو في الأسابيع الأخيرة ضغوطا كثيرة، مع اقتراب الانتخابات التشريعية وتراجع حزبه إلى أدنى مستوياته في استطلاعات الرأي.

وكانت صحيفة «غلوب آند ميل» أفادت الأحد، أنه من المرجح أن يعلن ترودو استقالته هذا الأسبوع، في ظل معارضة متزايدة له داخل حزبه الليبرالي.

رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو متحدثا أمام مؤتمر للحزب الليبرالي الوطني 16 ديسمبر الماضي (أرشيفية - رويترز)

ونقلت الصحيفة عن ثلاثة مصادر لم تسمها لكنها وصفتها بأنها مطلعة على شؤون الحزب الداخلية، أن إعلان ترودو قد يأتي في وقت مبكر الاثنين. كما رجحت الصحيفة وفقا لمصادرها أن يكون الإعلان أمام مؤتمر للحزب الليبرالي الوطني الأربعاء. وذكرت الصحيفة أنه في حال حدثت الاستقالة، لم يتضح ما إذا كان ترودو سيستمر في منصبه بشكل مؤقت ريثما يتمكن الحزب الليبرالي من اختيار قيادة جديدة.

ووصل ترودو إلى السلطة عام 2015 قبل ان يقود الليبراليين إلى انتصارين آخرين في انتخابات عامي 2019 و2021.

لكنه الآن يتخلف عن منافسه الرئيسي، المحافظ بيار بواليافر، بفارق 20 نقطة في استطلاعات الرأي.