لويس أبي ناضر... فرصة جديدة لتعزيز العلاقات العربية ـ اللاتينية

رئيس الدومينيكان تعود أصوله إلى بلدة بسكنتا اللبنانية

لويس أبي ناضر... فرصة جديدة لتعزيز العلاقات العربية ـ اللاتينية
TT

لويس أبي ناضر... فرصة جديدة لتعزيز العلاقات العربية ـ اللاتينية

لويس أبي ناضر... فرصة جديدة لتعزيز العلاقات العربية ـ اللاتينية

في السادس عشر من أغسطس (آب) المقبل تنتقل مقاليد الحكم في جمهورية الدومينيكان إلى الرئيس الجديد لويس أبي ناضر الذي انتخب في الخامس من هذا الشهر فاتحاً بذلك صفحة جديدة في سجلّ الرؤساء المتحدّرين من أصول عربية في أميركا اللاتينية، إذ تجدر الإشارة إلى أن والده يوسف أبي ناضر مولود في بلدة بسكنتا (قضاء المتن بلبنان)، مسقط رأس المفكّر والكاتب اللبناني المعروف ميخائيل نعيمة.

جمهورية الدومينيكان تتقاسم مع جارتها هاييتي جزيرة هسبانيولا، إحدى الجزر الـ13 في البحر الكاريبي والثانية من حيث المساحة بعد كوبا. ولقد كانت هسبانيولا أوّل موئل ثابت في القارة الأميركية للفاتحين الإسبان الذين نزلوا فيها بقيادة الإيطالي كريستوف كولومبوس عام 1492 بعد أشهر من سقوط مملكة غرناطة آخر الممالك العربية في الأندلس. ورغم أن اقتصاد الدومينيكان يسجّل أعلى مستويات النمو في أميركا اللاتينية منذ خمس سنوات معتمداً بشكل أساسي على قطاع السياحة، ما زالت نسبة الفقر فيها تتجاوز 45 في المائة من مجموع السكّان، ما يجعل منها واحدة من أكثر الدول تفاوتاً في مستوى الدخل بين مواطنيها.
من ناحية ثانية، لويس أبي ناضر ليس الرئيس الأول المتحدّر من أصول لبنانية في جمهورية الدومينيكان التي كان للمتحدّرين من هذا البلد حضور بارز في تاريخها السياسي منذ أن نالت استقلالها عن التاج الإسباني في أواخر القرن الميلادي الـ19. ثم تحررت من الاحتلال الأميركي مطالع العقد الثالث من القرن الماضي.
بطاقة هوية

ولد لويس يوسف أبي ناضر عام 1967 في عائلة ميسورة تتعاطى التجارة منذ أن هاجرت من لبنان في أعقاب الحرب العالمية الأولى. وكان والده يوسف ناشطاً في المعترك السياسي، فتولّى منصب نائب رئيس الحزب الثوري الذي كان من مؤسّسيه ومنظّره الأول قبل أن ينصرف إلى تأسيس جامعة معهد سانتو دومينغو للتكنولوجيا التي كان أوّل رئيس لها. وقد أطلق على قاعة المحاضرات الرئيسية فيها اسم مواطنه ميخائيل نعيمة الذي نقل أعماله إلى الإسبانية.
وتخرّج لويس من كليّة الاقتصاد في الجامعة التي أسسها والده. ثم سافر إلى الولايات المتحدة حيث تابع تخصصه في جامعة هارفارد العريقة، قبل أن يعود ليتولّى إدارة المؤسسات العائلية في مجالات السياحة وإنتاج مواد البناء، ويغدو رئيساً لمجموعة «آبيكور» السياحية التي تعتبر من أكبر شركات هذا القطاع في عموم أميركا اللاتينية.
وسار أبي ناضر الابن على خطى والده في السياسة فانضمّ إلى الحزب الثوري حتى العام 2014، عندما بدأ الحزب ينحرف عن الخط الذي رسمه والده. وعندها انشقّ عنه وأسس حزباً جديداً سماه «الحزب الثوري الجديد» (يسار الوسط) وترشّح عنه لرئاسة الجمهورية في العام 2016 حين نال 36 في المائة من الأصوات، معزّزاً موقعه وحظوظه استعداداً للانتخابات التالية.
وبالفعل، في الانتخابات التي أجريت يوم 5 يوليو (تموز) الجاري نال أبي ناضر نسبة 52.2 في المائة من الأصوات ليصبح الرئيس الأول الذي يخرج من صفوف المعارضة منذ 16 سنة، والأول في زمن جائحة «كوفيد - 19» التي أصيب بفيروسها هو وزوجته إستير عربجي... المتحدّرة هي أيضا من أصول لبنانية.

فوزه الانتخابي

من العوامل الرئيسية التي ساعدت على فوز أبي ناضر في الانتخابات الرئاسية ضد مرشح حزب التحرير الحاكم، الفساد الذي تراكم طوال 16 سنة احتفظ خلالها هذا الحزب بالحكم. وفي أول تصريح لأبي ناضر بعد انتخابه قال: «كان من الأسهل لو اقتصرت الأمور على معالجة إرث الفساد الذي تراكم طوال سنوات في المؤسسات الضعيفة والقضاء، لكن جائحة (كوفيد - 19) تفرض علينا تحديات لها الأولوية المطلقة في برنامج عمل الحكومة الجديدة». وللعلم، كان الرئيس الجديد قد وعد بإيجاد 600 ألف فرصة عمل جديدة خلال ولايته.
عودة، لمسألة أصل أبي ناضر، نشير إلى أنه في العام 1982 وصل متحدر آخر من أصول لبنانية إلى رئاسة جمهورية الدومينيكان هو يعقوب مخلوطة عازار، الذي كان رئيساً لمجلس الشيوخ، ثم صار نائباً لرئيس الجمهورية عندما توفّي الرئيس أنطونيو غوزمان، وتولّى مكانه لفترة 42 يوماً. وعاد ليترشّح في العام 1986 لكن الحظ لم يحالفه بسبب «انقلاب» عليه داخل الحزب الثوري الذي كان قد انضمّ إليه بعيد اغتيال الديكتاتور رافاييل تروخيّو عام 1961 وأصبح أصغر وزير في تاريخ الجمهورية عندما كان لا يزال في الثامنة والعشرين من عمره. ولقد أمضى مخلوطة آخر سنوات حياته في ولاية فلوريدا الأميركية حيث كان يعالج من مرض عضال. وظل رغم ابتعاده عن بلاده يتمتع بشعبية واسعة بين مواطنيه بدليل إطلاق اسمه بعد وفاته على أكبر شارع في العاصمة سانتو دومينغو.

جولة مع الماضي

جدير بالذكر أن حضور المتحدرين من أصول لبنانية في المشهد السياسي لجمهورية الدومينيكان يعود إلى أواسط القرن الماضي إبّان حكم الديكتاتور رافاييل تروخيّو الذي ارتبط اسمه بتاريخ الجزيرة ومنطقة حوض البحر الكاريبي بكاملها، إذ هيمن على الحياة السياسية طوال 32 سنة حتى اغتياله في العام 1961. حتى أن العاصمة سانتو دومينغو عرفت لفترة باسم سيوداد تروخيّو (أي مدينة تروخيّو). هذا، وكان تروخيّو جندياً في قوات مشاة البحرية الأميركية «المارينز» عندما اجتاحت الجزيرة عام 1916، ثم التحق بالكليّة الحربيّة التي أسستها الولايات المتحدة في الجزيرة ليتخرّج منها ويصبح قائداً للشرطة. ومن ثم، يتولّى قيادة الجيش ويحكم سيطرته على البلاد بعد رحيل الأميركيين. ولقد اتسمت فترة حكم تروخيّو الديكتاتور التي امتدت لخمس ولايات رئاسية ببطش موصوف، خلّده الكاتب والأديب البيروفي - الإسباني ماريو فارغاس يوسا في روايته الشهيرة «عيد التيس». وبالمناسبة، كان الديكتاتور تروخيّو هو الذي يختار الرؤساء في الفترات التي لم يكن يتولّى فيها الرئاسة شخصياً.
أما بالنسبة لظهور المتحدرين من أصول عربية، وبالذات اللبنانية، في المشهد السياسي للدومينيكان، فبدأ مع عام 1961 عندما اغتيل الديكتاتور الذي روّع الجمهورية ومنطقة الكاريبي على يد مهاجر لبناني اسمه سالفادور سعد الله. ولقد قال سعد الله بشجاعة أمام المحققين عندما ألقي القبض عليه «لم يعد بإمكاني أن أتحمّل رؤية هذه المظالم، فقرّرت القضاء على رأس التنّين». ومع أن أسرته حاولت إقناعه بالانتحار، خاصة أن والده كان من الموالين لتروخيّو وكان مقرّباً منه، فإنه رفض وأُعدم على يد ابن الديكتاتور الذي فرّ بعد ذلك إلى الخارج.

25 مليوناً يتحدرون من أصول عربية

يقدَّر عدد المهاجرين العرب أو المتحدرين من أصول عربية في دول أميركا اللاتينية بحوالي 25 مليون نسمة، جاء معظمهم من لبنان وسوريا وفلسطين، ولقد نزحت عائلاتهم في نهايات القرن الـ19 الميلادي ومطع القرن العشرين هرباً من الاضطهاد الذي كانوا يعانون منه تحت السيطرة العثمانية، وسعياً وراء سبل الرزق التي كانت تضيق في بلادهم. وما زال هؤلاء إلى اليوم يُعرفون بلقب «الأتراك» Turcos لكونهم وصلوا تلك البلاد حاملين وثائق سفر تركية إبان العهد العثماني.
ومنذ بداية تلك الهجرة، كانت البرازيل الوجهة الرئيسية التي قصدها أبناء بلاد الشام الذين يقدَّر عدد المتحدرين منهم هناك بما يزيد على 12 مليون نسمة، منهم حوالي تسعة ملايين من أصول لبنانية. وتأتي الأرجنتين في المرتبة الثانية حيث يشكّل المتحدرون من أصول عربية ما يقارب 10 في المائة من مجموع سكانها، ثم تشيلي التي كانت الوجهة المفضّلة للمهاجرين من فلسطين... وبالذات من رام الله وبيت لحم والقدس.
ورغم بروز العديد من أبناء الجاليات العربية في أميركا اللاتينية في عالم التجارة والاقتصاد، وتأثيرهم المباشر على نموّ المبادلات التجارية بين بلدان المنطقة والعالم العربي التي بلغت في بعض الحالات مثل البرازيل 12 في المائة من إجمالي حركة الاستيراد والتصدير، فإنهم برزوا أيضاً في المعترك السياسي، حيث يشكل الآن انتخاب أبي ناضر رئيساً للدومينيكان فرصة جديدة لتعزيز العلاقات بين أميركا اللاتينية والعالم العربي.
وحقاً، لعب كثرة من اللاتينيين العرب أدواراً مؤثرة وتولوا مناصب سياسية ودبلوماسية مرموقة، ووصل عدد كبير منهم إلى سدّة الرئاسة في أكثر من بلد على امتداد القارة من الدومينيكان إلى الأرجنتين جنوباً.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)
مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)
TT

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)
مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا، كما أيّد تصدي المملكة العربية السعودية للمتمردين الحوثيين في اليمن.

في المقابل، أدان روبيو هجوم حركة «حماس» في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على غلاف قطاع غزة، وأعرب بقوة عن دعمه لإسرائيل و«عن حقها في الدفاع عن النفس»، داعياً إلى القضاء التام على «حماس» في القطاع الفلسطيني المحتل.

وعندما سُئل عما إذا كانت هناك طريقة ما لوقف «حماس» من دون التسبّب في خسائر بشرية جسيمة في صفوف مدنيي غزة، قال روبيو - بالحرف - إن إسرائيل لا تستطيع التعايش «مع هؤلاء المتوحشين... يجب القضاء عليهم». وتابع في الاتجاه نفسه ليقول: «إن (حماس) مسؤولة بنسبة 100 في المائة» عن الخسائر البشرية الفلسطينية في غزة.

أما فيما يتعلق بإيران فالمعروف عن روبيو أنه يدعم العقوبات الصارمة وإلغاء الاتفاق النووي معها. وإزاء هذه الخلفية يرى محللون أن اختياره لمنصب وزير الخارجية ربما يعني تطبيقاً أكثر صرامة للعقوبات النفطية على كلّ من إيران وفنزويلا.

ومن جهة ثانية، بصفة ماركو روبيو نائباً لرئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ وعضواً في لجنة العلاقات الخارجية، فإنه يناقش في الكثير من الأحيان التهديدات العسكرية والاقتصادية الأجنبية، ولعل من أبرزها ما تعدّه واشنطن تهديد الصين. وهو يحذّر بشدّة من أن كلاً من الصين وإيران وكوريا الشمالية وروسيا تتعاون بشكل متزايد ضد الولايات المتحدة. وسبق له أن قال في خطاب ألقاه خلال مارس (آذار) الماضي: «إنهم جميعاً يشتركون في هدف واحد. إنهم يريدون إضعاف أميركا، وإضعاف تحالفاتنا، وإضعاف مكانتنا وقدراتنا وإرادتنا».

وحول الصين بالذات، فيما يتعلق بالأمن القومي وحقوق الإنسان، فإنه يحذر من الصين. وفي حين يأمل روبيو بنمو اقتصادي أكبر نتيجة للتجارة معها، فإنه يعتقد أن على واشنطن دعم الديمقراطية والحرية والاستقلال الحقيقي لشعب هونغ كونغ.

أما بالنسبة لروسيا، فقد أدان روبيو غزو روسيا لأوكرانيا، خلال فبراير (شباط) 2022، بيد أنه صوّت مع 15 جمهورياً في مجلس الشيوخ ضد حزمة مساعدات عسكرية بقيمة 95 مليار دولار لأوكرانيا وإسرائيل وشركاء آخرين جرى تمريرها في أبريل (نيسان).

ثم في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وصف الأوكرانيين بأنهم «شجعان وأقوياء بشكل لا يصدق»، لكنه قال إن الحرب في أوكرانيا وصلت إلى «طريق مسدود»، و«يجب إنهاؤها» عبر التفاوض لتجنب المزيد من الضحايا، بدلاً من التركيز على استعادة كل الأراضي التي استولت عليها موسكو.

في المقابل، يدعم وزير الخارجية المرشّح الشراكةَ التجارية والتعاون مع الحلفاء عبر المحيط الهادئ، ويدعو إلى تعزيز الوجود العسكري الأميركي في تلك المنطقة، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة «تخاطر بالاستبعاد من التجارة العالمية ما لم تكن أكثر انفتاحاً على التجارة».