عرب أميركا اللاتينية ونجاحاتهم السياسية

معظمهم من سوريا ولبنان وفلسطين

كارلوس منعم - ميشال تامر - إلياس السقا
كارلوس منعم - ميشال تامر - إلياس السقا
TT

عرب أميركا اللاتينية ونجاحاتهم السياسية

كارلوس منعم - ميشال تامر - إلياس السقا
كارلوس منعم - ميشال تامر - إلياس السقا

من أوائل المتحدرين من أصول عربية الذين تولّوا رئاسة الجمهورية في أميركا اللاتينية خوليو طربية، الذي هاجر مع أهله وهو في الثانية من العمر إلى كولومبيا من بلدة تنّورين (شمال لبنان) في عشرينات القرن الماضي. وبعدما جمع والده ثروة طائلة من التجارة وخسرها خلال النزاعات الأهلية التي عرفت هناك بـ«حرب الألف يوم»، اضطر خوليو للعمل باكراً لمساعدة عائلته وترك الدراسة في المرحلة الثانوية، الأمر الذي كان خصومه السياسيون يعيبونه عليه دائماً. وبعدما تمكنّت العائلة من استعادة بحبوحتها انصرف طربية للعمل السياسي في صفوف الحزب الليبرالي. وعُيّن وزيراً للخارجية بعد توليه منصب سفير في الأمم المتحدة ولدى بريطانيا والولايات المتحدة، ثم تولّى رئاسة الجمهورية بشكل مؤقت في العام 1967 قبل أن يُنتخب رئيسا في العام 1978 وقبل وفاته بعامين زار طربية وعائلته مسقط رأسه في لبنان عام 2003.
وفي الأرجنتين، وصل كارلوس منعم إلى الرئاسة في العام 1989عن الحزب البيروني بعدما كان حاكماً لولاية لا ريوخا، التي تعيش فيها جالية كبيرة متحدّرة من أصول عربية. وكانت أسرة منعم قد هاجرت من بلدة يبرود غرب سوريا أواخر القرن الـ19 واستقرّت في تلك الولاية التي أصبحت لاحقاً المعقل الرئيسي لحزب العدالة الذي أسسه خوان دومينغو بيرون، ومنه الرئيس الحالي للأرجنتين. وكان منعم قد اعتقل لفترة قصيرة في أعقاب الانقلاب العسكري الذي أطاح ببيرون قبل نهاية ولايته الرئاسية الثانية. إبان رئاسته تولّى شقيقه إدواردو منعم رئاسة مجلس الشيوخ.
وما يستحق الذكر أن كارلوس منعم، المولود في عائلة مسلمة، قد اعتنق المسيحية عندما قرّر خوض معركة رئاسة الجمهورية التي كان الدستور الأرجنتيني يشترط الانتماء إلى الديانة المسيحية لتولّيها. غير أنه قبل أشهر من الانتخابات جرى تعديل الدستور بحيث لم يعد ذلك شرطاً لتولّي الرئاسة.

البرازيل حيث الجالية الأكبر

في البرازيل، حيث تعيش الجالية المتحدرة من أصول عربية الأكثر عدداً، تولّى ميشال تامر رئاسة الجمهورية في العام 2016 بعد عزل الرئيسة ديلما روسّيف بسبب فضائح فساد مالي وتلاعب بموازنة الدولة. وكان تامر رئيساً لمجلس النواب الذي صوّت لعزلها، وكان هو أيضا ملاحقاً بتهم فساد ما زالت أمام المحاكم البرازيلية. وتامر متحدر من أسرة لبنانية هاجرت إلى البرازيل في عام 1925 من بلدة بتعبورة الصغيرة في ريف لبنان الشمالي.
وفي عام 2018 كان مرشّح حزب العمّال لرئاسة جمهورية البرازيل يتحدر هو الآخر من أصول لبنانية وهو فرناندو حداد، لكنه خسر أمام الرئيس الحالي اليميني جاير بولسونارو. هذا، وسبق لمتحدّر آخر من أصول لبنانية أن ترشـّح لرئاسة البرازيل هو باولو معلوف الذي لم يحالفه الحظ في انتخابات عام 1985، وهو كان حاكماً لولاية ساو باولو التي سعى لنقل عاصمة البلاد إليها باعتبارها المدينة الأكبر وعاصمة الولاية الأغنى.
في أميركا الوسطى، انتخبت السلفادور أول رئيس لها يتحدّر من أصول عربية في عام 2004 هو إلياس السقّا المولود في أسرة هاجرت من مدينة بيت لحم في فلسطين، والطريف أن منافسه في انتخابات الرئاسة متحدر آخر من أصول فلسطينية هو شفيق حنضل الأمين العام للحزب الشيوعي وأحد القادة التاريخيين لحركة تحرير السلفادور «فارابوندو مارتي». ويتولّى رئاسة جمهورية السلفادور حالياً نجيب بو كيلة... المتحدر هو أيضا من أصول فلسطينية.
الوجود الفلسطيني فرض وجوده في بوليفيا عام 1978 عندما انتخب أوّل رئيس لها متحدر من أصول عربية هو خوان حزبون، الذي هاجرت عائلته من فلسطين (بيت لحم) في العقد الثالث من القرن الماضي، وكان قد تدرّج في مناصب عسكرية رفيعة بينها قيادة سلاح الجو قبل أن يتولّى وزارة الداخلية في حكومة الرئيس هوغو بانزير أشهر الرؤساء الذين تعاقبوا على بوليفيا. لكن وصول حزبون إلى الرئاسة بقي لسنوات مثار جدل عميق في الأوساط السياسية، إذ إن المحكمة العليا قررت إلغاء تلك الانتخابات بعد يومين من إجرائها عندما تبيّن أن هناك عملية تزوير ضخمة لصالح حزبون الذي قام بتدبير انقلاب عسكري ضد خصمه ورئيسه السابق الجنرال بانزير. وبعد أربعة أشهر من توليّه الرئاسة أطاحه انقلاب عسكري آخر.
حالة بروز المتحدرين من أصل لبناني في المشهد السياسي للإكوادور، أيضاً تستحق التوقف عندها. إذ من الظواهر الأساسية في هذا المشهد خلال العقود الخمسة الأخيرة عائلة المهاجر أسعد بوكرم، الذي كان يسيطر على مقاليد الحياة الاقتصادية والسياسية في مدينة غواياكيل، كبرى مدن الإكوادور وعاصمتها الاقتصادية. ولقد جمع أسعد بوكرم ثروة طائلة من خلال أنشطته التجارية المتعددة في غواياكيل التي يعيش فيها أكثر من نصف مليون متحدّر من أصول عربية، معظمهم من المهاجرين اللبنانيين. فكان رئيسا لغرفة التجارة والصناعة فيها، ثم رئيساً للبلدية قبل أن يصبح رئيساً للبرلمان الوطني ولاعباً رئيسياً في الحياة السياسية.
وكان بوكرم موصوفا ببلاغته الخطابية وجرأته التي دفعته إلى الوقوف بوجه النظام العسكري ما اضطره لسلوك طريق المنفى إلى بنما بين 1970 و1972، وعندما قرّر الترشّح لرئاسة الجمهورية عام 1978 منعه العسكر بحجة أن والديه ليسا من مواليد الإكوادور، فاتجه إلى ترشيح زوج ابنة أخيه خايمي رولدوس الذي انتخب رئيساً في العام التالي. لكن بعد انتخابه بسنتين مات رولدوس في حادث طائرة مع زوجته مرتا بوكرم وعدد من معاونيه. وأشارت تحقيقات لاحقة أن الحادثة كانت مدبّرة ربما من جهات استخباراتية بسبب اتجاه رولدوس إلى تأميم قطاع النفط، أو أنه صفّي ضمن «خطة كوندور» التي كانت تهدف إلى احتواء تمدد اليسار والشيوعيين في أميركا اللاتينية. وفي عام 1996 انتخب عبد الله بوكرم رئيساً للجمهورية - وهو ابن شقيق أسعد ورئيس سابق لبلدية غواياكيل وشقيق مرتا زوجة خايمي رولدوس. إلا أن البرلمان قرّر عزله بعد سنة ونصف على انتخابه بحجة «اختلال وضعه النفسي» إذ كان يمضي وقته بإحياء الحفلات الموسيقية والمهرجانات ويطلق على نفسه لقب «المجنون» El Loco. وفعلاً، نُفي إلى بنما حيث عاش حتى عام 2017 قبل أن يعود إلى الإكوادور.
خلال هذه الفترة، تحديداً عام 1988 ترشّح متحدر آخر من أصل لبناني هو جميل معوّض لرئاسة جمهورية الإكوادور لكنه حلّ في المرتبة الخامسة بين منافسيه، ثم ترشّح مجدداً بعد عشر سنوات وفاز بأغلبية تجاوزت 60 في المائة من الأصوات. وعلى عهده وقّعت الإكوادور معاهدة السلام التاريخية مع جارتها البيرو منهية بذلك عقوداً من الحروب والنزاعات بين البلدين.
ويجدر التذكير بأن الظهور الأول للمتحدرين من أصل لبناني في صدارة المشهد السياسي للإكوادور كان في عام 1944 عندما تولّى خوليو سالم منصب رئيس الجمهورية لثلاثة أيام فقط في نهاية شهر مايو (أيار) بعد خلع الرئيس كارلوس آرّويو الذي كان نائباً له.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو
TT

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا، إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. «عناد» الرئيس الجديد قاده، وعلى نحو مذهل، لإزاحة خصمه الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه حزب قويّ هيمن على السلطة قرابة 6 عقود مرّت على استقلال بوتسوانا. ويبدو أن وعورة طريق بوكو إلى الانتصار لن تحجب حقيقة أن وديعة الفقر والفساد والبطالة و«تمرّد الاستخبارات»، التي خلفها سلفه ماسيسي، ستكون أخطر الألغام التي تعترض مهمة بوكو، الذي دشّن مع بلاده تداولاً غير مسبوق للسلطة، في بلد حبيسة جغرافياً، اقترن فيها الفقر مع إنتاج الماس.

إلى جانب «العناد في ساحة القتال» والتواضع المُقترن بالثقة في النفس، يبدو أن رهان الانتصار للفقراء والطبقات الدنيا هو المحرّك الرئيسي في المسارات المتوقعة للرئيس البوتسواني الجديد دوما بوكو. وبالفعل، لم يبالغ الرئيس المنتخب في أول تصريحاته لوسائل الإعلام عندما خاطب شعبه قائلاً: «أتعهد بأنني سأبذل قصارى جهدي وعندما أفشل وأخطئ، سأتطلع إليكم للحصول على التوجيه».

هذه الكلمات قوبلت باهتمام واسع من جانب مراقبين، بعد أداء بوكو (54 سنة) اليمين الدستورية أمام حشد من آلاف من الأشخاص في الاستاد الوطني بالعاصمة خابوروني، في مراسم حضرها قادة مدغشقر، وناميبيا، وزامبيا وزيمبابوي، وبدأت معها التساؤلات عن مستقبل بوتسوانا.

من هو دوما بوكو؟

وُلد دوما جديون بوكو عام 1969، في قرية ماهالابي الصغيرة التي تبعد 200 كلم عن العاصمة خابوروني، وترعرع وسط أسرة متواضعة، لكن اللافت أنه كان «يتمتع بثقة عالية في النفس واحترام أهله وذويه في طفولته وصباه»، وفق كلام لأقاربه لوسائل إعلام محلية. وهذه الصفات الإيجابية المبكرة، اقترنت لدى الرئيس الجديد بـ«إيمان عميق بالعدالة»، وفق عمته، وربما أكسبته هذه الصفات ثقة زملاء الدراسة الذين انتخبوه رئيساً لاتحاد الطلاب في المدرسة الثانوية.

أكاديمياً، درس بوكو القانون في جامعة بوتسوانا، لكنه - بعكس أقرانه اليساريين في العالم - كان منفتحاً على إكمال دراسته القانونية في الولايات المتحدة، وبالذات في كلية الحقوق بجامعة هارفارد العريقة، حيث تشربت ميوله اليسارية بـ«أفكار ديمقراطية» انعكست على مستقبله السياسي. أما عن المشوار المهني، فقد ذاع صيت بوكو بوصفه أحد ألمع محامين بوتسوانا.

مشوار التغيير

نقطة التحول في رحلة الرئيس الجديد باتجاه القصر الرئاسي، بدأت بتوليه زعامة حزب «جبهة بوتسوانا الوطنية» عام 2010.

يومذاك، كانت «الجبهة» تتمسك بأفكار شيوعية تلاشت مع أفول شمس الإمبراطورية السوفياتية، إلا أن بوكو بحنكته وواقعيته، مال بها نحو اشتراكية «يسار الوسط». ولم يتوقف طموح بوكو عند هذه النقطة، بل خطا خطوة غير مسبوقة بتشكيله ائتلاف «مظلة التغيير الديمقراطي» عام 2012، وهو تحالف من الأحزاب المعارضة للحكومة بينها «الجبهة». وأطلق بهذا الائتلاف عملياً «شرارة» التغيير بعد إحباط طويل من هزائم المعارضة أمام الحزب الديمقراطي البوتسواني، المحافظ،، الذي حكم البلاد منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1966.

طوال 12 سنة، لعب المحامي اليساري الديمقراطي بوكو دوراً حاسماً في قيادة الائتلاف، ولم ييأس أو يستسلم أو يقدم تنازلات على الرغم من الهزائم التي لحقت بالائتلاف.

وفي غمار حملة الدعاية بانتخابات الرئاسة البوتسوانية الأخيرة، كان المحللون ووسائل الإعلام منشغلين بانعكاسات خلاف قديم بين الرئيس (السابق) ماسيسي وسلفه الرئيس الأسبق إيان خاما، في حين ركّز بوكو طوال حملته على استقطاب شرائح من الطبقات الدُّنيا في بلد يفترسه الفقر والبطالة، وشدّدت تعهدات حملته الانتخابية عن دفاع قوي عن الطبقات الاقتصادية الدنيا في المجتمع وتعاطف بالغ معها.

ووفق كلام الصحافي إنوسنت سيلاتلهوا لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) كان بوكو «يناشد أنصاره الاقتراب من الناس والاستماع إلى شكاواهم». وبجانب أن أسلوب الرئيس الجديد - الذي استبعد الترشح لعضوية البرلمان) - كان «جذاباً وودوداً دائماً» مع الفقراء وطبقات الشباب، حسب سيلاتلهوا، فإن عاملاً آخر رجَّح كفّته وأوصله إلى سدة السلطة هو عودة الرئيس الأسبق خاما إلى بوتسوانا خلال سبتمبر (أيلول) الماضي من منفاه في جنوب أفريقيا، ليقود حملة إزاحة غريمه ماسيسي عبر صناديق الاقتراع.

انتصار مفاجئ

مع انقشاع غبار الحملات الانتخابية، لم يتوقع أكثر المتفائلين فوز ائتلاف بوكو اليساري «مظلة التغيير الديمقراطي» بالغالبية المطلقة في صناديق الاقتراع، وحصوله على 36 مقعداً برلماناً في انتخابات 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقارنة بأربعة مقاعد فقط للحزب الديمقراطي. وبالتالي، وفق دستور بوتسوانا، يحق للحزب الذي يسيطر على البرلمان اختيار الرئيس وتشكيل حكومة جديدة. ولقد خاضت 6 أحزاب الانتخابات، وتقدم أربعة منها بمرشحين لرئاسة الجمهورية، في حين سعى ماسيسي لإعادة انتخابه لولاية ثانية رئيساً للدولة.

تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة

مستويات عالية جداً من البطالة نسبتها 27.6 % فضلاً

عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 %

وبقدر ما كانت هذه الهزيمة صادمة للحزب الديمقراطي والرئيس السابق ماسيسي - الذي سارع بالاعتراف بالهزيمة في حفل التنصيب - فإنها فاجأت أيضاً بوكو نفسه، الذي اعترف بأنه فوجئ بالأرقام.

تعزيز العدالة الاجتماعية

لعل بين «أسرار» نجاح بوكو، التي رصدها ديفيد سيبودوبودو، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة بوتسوانا، «بروزه زعيماً حريصة على تعزيز العدالة الاجتماعية». وفي مسار موازٍ رفعت أسهمه خبرته الحقوقية وخاصة حقوق قبيلة الباساروا (السان)، وهم السكان الأصليون في بوتسوانا، وفق موقع «أول أفريكا». هذا الأسبوع، دخلت وعود الرئيس الجديد محك التجربة في مواجهة مرحلة بلد يعاني مرحلة «شكوك اقتصادية»؛ إذ تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة، مستويات عالية جداً من البطالة تبلغ 27.6 في المائة، فضلاً عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 في المائة، وفق أرقام رسمية واستطلاعات رأي. وخلص استطلاع حديث أجرته مؤسسة «أفروباروميتر» إلى أن البطالة هي مصدر القلق «الأكثر إلحاحاً» للمواطنين مقارنة بالقضايا الأخرى.

الأرقام السابقة تصطدم بوعود أعلنها بوكو برفع الراتب الأساسي وعلاوات الطلاب ومعاشات الشيخوخة، والاهتمام بشريحة الشباب، علماً بأن نحو 70 في المائة من سكان البلاد دون سن الـ35 سنة. ويتمثل التحدي الأكبر بتعهد الرئيس بـ«تنويع الاقتصاد» الذي يعتمد في 90 في المائة من صادراته على الماس. لذا؛ قال الباحث سيبودوبودو لموقع «أول أفريكا» شارحاً: «حكومة بوكو في حاجة إلى تحويل الاقتصاد بحيث يخلق فرص العمل، وهذا أمر صعب في خضم ركود سوق الماس، أكبر مصدر للدخل في البلاد». في المقابل، يرى المحلل السياسي ليسولي ماتشاشا أن الرئيس بوكو «شغوف بالمعرفة والتعليم، ولديه دائماً فهم جيد للشؤون والقضايا الداخلية الجارية في بوتسوانا... وكذلك فهو جاد في إصلاح البلاد».

... الدافع الحقوقي

وفي موازاة الهاجس الاقتصادي، يبدو أن الدافع الحقوقي سيشكل عنصراً مهماً في أجندة بوكو الرئاسية؛ إذ عبر في مقابلة مع «بي بي سي» عن عزمه منح إقامة مؤقَّتة وتصاريح عمل لآلاف المهاجرين الذين وصلوا خلال السنوات الأخيرة بشكل غير نظامي إلى البلاد من الجارة زيمبابوي. وفي معرض تبريره هذا القرار، أوضح بوكو: «إن المهاجرين يأتون من دون وثائق؛ ولذا فإنَّ حصولهم على الخدمات محدود، وما يفعلونه بعد ذلك هو العيش خارج القانون وارتكاب الجرائم». ثم تابع مستدركاً: «ما يجب علينا فعله هو تسوية أوضاعهم».

ترويض مديرية الاستخبارات

لكن، ربما تكون المهمة الأصعب للرئيس الجديد هي ترويض «مديرية الاستخبارات والأمن»، التي يرى البعض أنها تتعامل وكأنها «فوق القانون أو هي قانون في حد ذاتها».

وهنا يشير الباحث سيبودوبودو إلى تقارير تفيد بأن الاستخبارات عرقلت التحقيقات التي تجريها «مديرية مكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية» في قضايا فساد، تتمثل في تربّح بعض أقارب الرئيس السابق من المناقصات الحكومية، وأنباء عن انخراط الجهاز الاستخباراتي في أدوار خارج نطاق صلاحياته، وتضارب عمله مع الشرطة ومديرية الفساد. «وبناءً على ذلك قد تبدو مهمة بوكو صعبة في إعادة ترتيب مؤسسات الدولية السيادية، علماً بأن (مديرية الاستخبارات والأمن) كانت مركز تناحر بين الرئيس السابق وسلفه إيان خاما، كما أن المؤسسات التي كان من المفترض أن توفر المساءلة، مثل (مديرية مكافحة الفساد) والسلطة القضائية، جرى إضعافها أو تعريضها للخطر في ظل صمت الرئيس السابق».أخيراً، من غير المستبعد أن يفرض سؤال محاكمات النظام السابق نفسه على أجندة أولويات الرئيس الجديد، وفق متابعين جيدي الاطلاع، مع الرئيس السابق الذي لم يتردد في الإقرار بهزيمته. بل، وأعلن، أثناء تسليم السلطة، مجدداً أن على حزبه «التعلم الآن كيف يكون أقلية معارضة».