لماذا انسحب «رجل إيران» من الانتخابات السورية؟

رجل الأعمال السوري محمد حمشو خلال الترويج لقائمته البرلمانية (العربية)
رجل الأعمال السوري محمد حمشو خلال الترويج لقائمته البرلمانية (العربية)
TT

لماذا انسحب «رجل إيران» من الانتخابات السورية؟

رجل الأعمال السوري محمد حمشو خلال الترويج لقائمته البرلمانية (العربية)
رجل الأعمال السوري محمد حمشو خلال الترويج لقائمته البرلمانية (العربية)

أعلن اليوم رجل الأعمال السوري محمد حمشو، الذي يعتبره البعض «رجل إيران»، انسحابه من الترشيح لانتخابات مجلس الشعب (البرلمان) قبل يومين من الانتخابات، في خطوة فاجأت الكثيرين، وسط مؤشرات أن حزب «البعث» الحاكم تولى عملية إخراجه من المشهد الانتخابي، وتصاعد الصراع بين أركان النظام.
وقالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، إن الأمين القطري المساعد للحزب هلال الهلال «قطع زيارته إلى حلب بشكل مفاجئ، حيث كان يتولى إدارة الماكينة الانتخابية لـ«قائمة الوحدة الوطنية» البعثية في عاصمة الشمال، وعاد غاضبا إلى دمشق متوعدا حمشو وفي ذهنه شيء واحد هو معاقبة الرفاق البعثيين المتواطئين مع «قائمة شام» التي يقودها. وأشارت المصادر إلى أنه فور عودته إلى دمشق، عقد الهلال اجتماعا لـ«القيادة المركزية» لـ«البعث» التي أصدرت قرارات بمعاقبة خمسة من القيادات «البعثية» في فرع دمشق بسبب تنسيقها مع حمشو، حيث تم الاعتراض من قبل أعضاء في «المركزية» بأن قيادات «بعثية» تدعم رجل الأعمال بلال النعال».
وبحسب المصادر، التقط حمشو المقرب من إيران واللواء ماهر الأسد قائد الفرقة الرابعة شقيق الرئيس بشار الأسد الرسالة من قرارات «القيادة المركزية» وقرر الانسحاب، ونشر بيانا على صفحته الشخصية جاء فيه: «أعلن انسحابي من الترشيح لعضوية مجلس الشعب عن الدور التشريعي الثالث». وأضاف «أينما يكن موقعي سأخدم بكل إخلاص ووفاء للوطن والمواطن وقائدي الرئيس المفدى بشار الأسد».
وأشارت المصادر إلى أن حمشو أقدم على ترشيح نفسه متأخراً، إذ كان اسمه بين أواخر الأسماء التي تقدمت بطلبات ترشيح عن مدينة دمشق. وذكرت أنه قدم ترشيحه بعد أن «جاءته رسالة من الدوائر العليا للنظام بأن الرئيس الأسد ليس لديه ملاحظات على أدائه بالبرلمان وأن دوره هناك جيد لكنه غير راض عن تهم الفساد التي تورط بها».
وكان حمشو قد تورط في فضيحة فساد بوزارة التربية اضطرته إلى دفع مبلغ تسوية 90 مليار ليرة سورية (حوالي 100 مليون دولار أميركي في حينه) بموجب قرار صادر عن الهيئة العليا للرقابة والتفتيش، وتندر كثيرون على «قائمة شام» التي شكلها وسموها بـ«قائمة التسعين مليار».
وقد أبدى رئيس غرفة صناعة دمشق وريفها سامر الدبس رفضا قاطعا الانضمام إلى «قائمة شام»، وأصر على البقاء ضمن «قائمة دمشق» وعدم التحالف مع حمشو، رغم كل محاولات الأخير وطلباته.
ووصل الأمر إلى حد تشكيل الدبس وهمام مسوتي قائمة مشتركة وصل عدد أعضائها إلى ثمانية مرشحين نافست «قائمة شام» المؤلفة من سبعة أعضاء يتنافسون على اثني عشر مقعداً مستقلاً عن مدينة دمشق في المجلس، وسط توقعات بارتفاع عدد أعضاء «قائمة دمشق» أكثر بعد انفراط عقد «قائمة شام» بانسحاب حمشو.
واللافت أن حمشو رعى بشكل سري حملة «قائمة الوحدة الوطنية» في دمشق، وذكرت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، أنه نظم جلسات تصوير لأعضاء من القائمة بينهم عارف الطويل ومحمد خير عكام ونبيل طعمة، وأمر بنشر لافتات في أنحاء دمشق لهم على نفقته الشخصية في محاولة لنيل رضا قيادة «البعث» عن ترشيحه والفوز بأصوات البعثيين».
ولاحظت مصادر متابعة للعملية الانتخابية أن حمشو غاب عن الجولات الانتخابية يومي الثلاثاء والأربعاء والخميس بشكل لافت ومن دون سابق إنذار، وأنه لم يكن مرتاحاً خلال الجولات التي نفذها وبينها اللقاء الكبير لقوائم المرشحين المستقلين عن مدينة دمشق في حي الميدان الدمشقي العريق.
وكان لافتا خلال اليومين الماضيين أن حمشو كتب عدة مرات منشورات على صفحته بموقع «فيسبوك» تعلن انسحابه ثم حذفها، فيما رأى مراقبون في الأمر «تكتيكا للعب بأعصاب «قائمة دمشق»، قبل أن يتبين أن الرجل كان يطلق بالونات اختبار ليرى ردود فعل النظام عليها، إلا أن النظام لم يعط أي رد فعل خاص على إعلانات حمشو المحذوفة ما أكد للأخير أن النظام لا يدعم استمرار ترشيحه وأن المطلوب الانسحاب».
بعد تأكيد حمشو لانسحابه، انقسمت الآراء حول الدوافع وراء هذه الخطوة. هناك من اعتبر أن «النظام استجاب لطلب روسي بعدم استفزاز واشنطن بترشيح رجل أعمال معاقب بموجب قانون قيصر»، وبعضهم رأى أن «النظام لا يريد للعملية الانتخابية أن ترتبط بفساد حمشو أو أن يستغل الأخير العملية للتغطية على فساده»، في حين اعتبر آخرون أن انسحابه «مؤشر جديد على تصاعد الصراع ما بين الرئيس الأسد وشقيقه اللواء ماهر».
وقللت المصادر من السبب الأول، وأكدت أن النظام لم يقبل بأي نصيحة روسية حول الانتخابات البرلمانية، فضلاً عن أن النظام وافق على ترشيح رجل الأعمال خالد زبيدي كمستقل في ريف دمشق علما بأنه من أبناء حي الميدان الدمشقي العريق وشملته قائمة العقوبات التي أصدرتها الإدارة الأميركية مؤخراً.
وقضى قرار حمشو الانسحاب من السباق الانتخابي على فرص بقية المرشحين على قائمته في الفوز بالانتخابات، وسط توقعات بانتعاش «قائمة دمشق» ومحاولتها استقطاب بعض المرشحين الأقوياء في «قائمة شام» والقوائم الأخرى التي كانت مدعومة من قبل حمشو، مثل «قائمة الياسمين».
وتوقعت مصادر «بعثية» أن يقوم الهلال بإعادة هيكلة «قائمة الوحدة الوطنية» في دمشق وإلغاء ترشيح عكام وطويل نظراً لتلقيهم الدعم من حمشو، واستبدالهما بأشخاص آخرين.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.