رحلة بصرية مشوّقة بين لوحات ومنحوتات 44 فناناً مصرياً

65 لوحة تنتمي إلى مدارس متنوعة في «الزمالك»

العفوية والرمزية في أعمال شعبان الحسيني (الشرق الأوسط)  -  عمل للفنانة زينب السجيني (الشرق الأوسط)
العفوية والرمزية في أعمال شعبان الحسيني (الشرق الأوسط) - عمل للفنانة زينب السجيني (الشرق الأوسط)
TT

رحلة بصرية مشوّقة بين لوحات ومنحوتات 44 فناناً مصرياً

العفوية والرمزية في أعمال شعبان الحسيني (الشرق الأوسط)  -  عمل للفنانة زينب السجيني (الشرق الأوسط)
العفوية والرمزية في أعمال شعبان الحسيني (الشرق الأوسط) - عمل للفنانة زينب السجيني (الشرق الأوسط)

في إطلالة جديدة على مشهد الفن التشكيلي الحديث والمعاصر في القاهرة تواصل قاعة «الزمالك للفن» (ZAG) معرضها السنوي الجماعي في نسخته التاسعة عشرة «أعمال مميزة»، والذي يضم 65 عملاً لـ44 فناناً من أجيال مختلفة منهم جاذبية سري، وعبد الرحمن النشار، وفرغلي عبد الحفيظ، وجمال السجيني، وخالد سرور وزينب السجيني، ومصطفى عبد المعطي، ورباب نمر ومحمد صبري وحسن كامل، وسعاد مردم بك، وشعبان الحسيني، وياسمين الحاذق ومصطفي ربيع، ليتدفق عبر أعمالهم نهر من الإبداع تفيض منه جماليات الفنون التشكيلية لمختلف الأساليب والمدارس الفنية.
يتيح المعرض أمام المتلقي فرصة حقيقية للتجول بين مجموعة ممتعة ومتنوعة من اللوحات والمنحوتات «الحصرية» التي لم يسبق عرض معظمها من قبل لفنانين بارزين يتميز كل منهم بتفرد الشخصية والطابع ويجمعهم الإبداع والشغف بالفن.
ومن أهم ما يتضمنه المعرض لوحات لرواد الفن المصري الحديث ومنهم الفنانة القديرة جاذبية سري، فنلتقي على مسطح أعمالها بانفعالات داخلية تبحث عن الجمال والجذور العتيقة الأصيلة، وتسرد الحواديت والنوادر دون التقيد بقوانين أو قواعد فنية جامدة، لتواصل إثارة دهشتنا عبر حميمية بيوتها المزدحمة دوماً بناسها، وعفوية فرشاتها وقوة ألوانها وما تطرحه من قضايا اجتماعية وإنسانية.
بينما تستكمل الفنانة الرائدة زينب السجيني مشروعها الذي بدأته منذ خمسينات القرن الماضي، والذي تقدم من خلاله عالم الأمومة والطفولة والصبا، ونلتقي على مسطح اللوحات ببطلات من أعمار مختلفة، يجمع بينهن البشرة السمراء والملامح الأفريقية والشعر المجعد، ونتتبعهن أثناء لحظات مختلفة من حياتهن اليومية، في حركة دائمة تتراوح بين تناول الطعام والتجمل وتصفيف الشعر والركض واللعب وهن يرتدين فساتين ذات ألوان مبهجة تتوافق مع عالمهن الذي يتميز بالمرح والحنان والعطاء، وخلال ذلك كله تأسر طلتهن ونظراتهن وعفويتهن المشاهد الذي يتمنى أن يشاركهن لحظاتهن السعيدة.
ويقود الأسلوب الفني الحداثي لمنحوتات الفنان ناثان دوس المتلقي بسلاسة إلى معان فلسفية عميقة، ويساعد على ذلك تعظيمه لمساحة الفراغ فيها، ما يجعل من النفاذ إلى المعني أمراً يسيراً وممتعاً، برغم تشابك أفكاره وتعدد أبعادها الفكرية، ليبقى نحاتاً محرضاً على تحرر العقول من الدرجة الأولى، لا سيما أن الحركة في أعماله ليست مجرد حركة عادية للجسد أو الكتلة إنما هي دفع متعمد للمشاهد نحو التغيير والحراك الفكري، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «منحوتاتي ليست قطعاً لتزيين المكان، إنما هي لغة بصرية تنطق بالتفاعل والتحاور مع ما يحيط بنا من مفردات وثقافات وتغيرات».
وفي تجربته الفنية الخاصة نلتقي بثنائية المكان والإنسان التي ألهمته منحوتاته بالمعرض فيقدم لنا الفنان خالد الأباصيري شخوصاً من قلب حي الجمالية العريق فنستشعر بين تفاصيل منحوتاته الملامح التاريخية والتراثية للحي الذي يُعد مجمعاً لتراث القاهرة ومفرداتها العتيقة مثل الأزهر، وأسوار القاهرة وخان الخليلي والصاغة والنحاسين، معبراً عن هموم الإنسان، بأسلوب النحت التكعيبي.
وننتقل مع الفنان عادل مصطفى إلى عالم الكولاج، لكن بمفهوم جديد لا يعتمد على تجميع صور الصحف المتاحة أصلاً، حيث يقوم بتصوير الأماكن التي يريد تجسيدها ليوظفها في لوحاته، وفي احتفاء خاص بمشاهد مأخوذة من مدينة الإسكندرية التي تُمثل محور مشروع فني له بدأه منذ نحو 6 سنوات يقدم رؤية نقدية جمالية للمدينة كنموذج مصغر للمجتمع المصري على حد تعبيره.
ومثلما كانت «فتاة البرتقال» للمؤلف العالمي جوستاين جاردر ملهتمه وعنوان إبداعه في رواية حملت الاسم نفسه، فإن التشكيلي عماد إبراهيم قد استلهمها أيضاً في لوحات يضمها المعرض، ويحكي فيها عن أحلام فتاة ريفية مجسداً جمالها وشرودها ومعاناتها وإصرارها، ليذكرنا برواية جوستاين جاردر الرومانسية التي لا تغيب عن ذهن ومخيلة من قرأها، تماماً مثل لوحاته، وهو حكي تسكنه ذكرياته وموروثه الثقافي والاجتماعي لنشأته في الريف، ويستند إلى معايشته عن قرب للواقع، لذلك جاءت تكويناته متمتعة بدراما الشكل واللون معاً.
وتأثراً بمدرسة «أرت ديكو» تتميز شخوص الفنان أيمن السعداوي بحركات قوية ومرحة ونراه يطعم القطعة النحتية الواحدة بخامتين مختلفتين في اللون والملمس والقيمة مثل البرونز والحجر امتدادا ً لهذه المدرسة الفنية أيضاً، كما قد يلعب بالألوان ليحدث تبايناً ما بين لون الجسم أو بشرة وجهه والملابس التي ترتديها شخوصه، والتي قد تكون مزجاً ما بين الواقع والخيال.
وفي لوحات شعبان الحسيني التي تستدعي أياماً من الطفولة السعيدة الممتزجة بالدلالات الرمزية نلتقي بمواقف عفوية ولحظات من البهجة المتحررة من القواعد الفنية الصارمة زاد من ثراها الإنساني وتدفق المشاعر فيها أسطحها الناعمة، التي ألقى عليها الفنان ذرات من مادة «القلافونية»، وحتى في استخدامه للألوان القوية نجده برع في تطويعها، لتخرج من دائرة الصراخ اللوني إلى لمسات من الأناقة والرصانة والدفء، في تأكيد على الإحساس الجارف بالحنين للطفولة والجذور، وظهر ذلك واضحاً على وجه الخصوص في اللون الأحمر ببعض اللوحات، فجاء «أحمر مصفر» بتأثيرات الزمن، ليذكرنا بأعمال فنان النهضة تيتسانو فيتشيليو والذي ينسب إليه هذا اللون حتى عرف باسم «أحمر تيتسيانو».



حضور تشكيلي سعودي بارز في مهرجان «ضي للشباب العربي» بمصر

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
TT

حضور تشكيلي سعودي بارز في مهرجان «ضي للشباب العربي» بمصر

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)

يُشكّل «مهرجان ضي للشباب العربي» الذي يُطلقه «أتيليه العرب للثقافة والفنون» في مصر كل عامين، تظاهرة ثقافية تحتفي بالمواهب العربية الشابة في الفنون التشكيلية، وتعكس عمق التعبير وتنوعه بين الفنانين المشاركين عن القضايا الجماعية والتجارب الذاتية.

وتشهد نسخته الخامسة التي انطلقت تحت شعار «بلا قيود»، وتستمر لشهر كامل في قاعات غاليري «ضي» بالقاهرة، مشاركة 320 فناناً من الشباب، يمثلون 11 دولة عربية هي مصر، والسعودية، والسودان، وسوريا، وفلسطين، والعراق، والأردن، واليمن، ولبنان، والعراق، وتونس.

تُقدم سلمى طلعت محروس لوحة بعنوان «روح» (الشرق الأوسط)

وبين أرجاء الغاليري وجدرانه تبرز مختلف أنواع الفنون البصرية، من الرسم والتصوير والحفر والطباعة والخزف والنحت. ومن خلال 500 عملٍ فني تتنوع موضوعاتها وتقنياتها وأساليبها واتجاهاتها.

ويحفل المهرجان في دورته الحالية بأعمال متنوعة ومميزة للشباب السعودي، تعكس إبداعهم في جميع ألوان الفن التشكيلي؛ ومنها عمل نحتي للفنان السعودي أنس حسن علوي عنوانه «السقوط».

«السقوط» عمل نحتي للتشكيلي السعودي أنس علوي (الشرق الأوسط)

يقول علوي لـ«الشرق الأوسط»: «استلهمت العمل من فكرة أن كلمَتي (حرام) و(حلال)، تبدآن بحرف الحاء، وهما كلمتان متضادتان، وبينهما مساحات شاسعة من الاختلاف».

ويتابع: «يُبرز العمل ما يقوم به الإنسان في وقتنا الراهن، فقد يُحرّم الحلال، ويُحلّل الحرام، من دون أن يكون مُدركاً أن ما يقوم به هو أمر خطير، وضد الدين».

ويضيف الفنان الشاب: «لكنه بعد الانتهاء من فعله هذا، قد يقع في دائرة الشكّ تجاه تصرّفه. وفي هذه المرحلة أردت أن أُجسّد تلك اللحظة التي يدخل إليها الإنسان في مرحلة التفكير والتشكيك في نفسه وفي أعماله، فيكون في مرحلة السقوط، أو مراجعة حكمه على الأمور».

وتأتي مشاركة الفنانة السعودية سمية سمير عشماوي في المهرجان من خلال لوحة تعبيرية من الأكريلك بعنوان «اجتماع العائلة»، لتعكس عبرها دفء المشاعر والروابط الأسرية في المجتمع السعودي.

عمل للتشكيلية السعودية سمية عشماوي (الشرق الأوسط)

وتقول سمية لـ«الشرق الأوسط»: «تُعدّ اللوحة تجسيداً لتجربة شخصية عزيزة على قلبي، وهي لقاء أسبوعي يجمع كل أفراد أسرتي، يلفّه الحب والمودة، ونحرص جميعاً على حضوره مهما كانت ظروف الدراسة والعمل، لنتبادل الأحاديث، ونتشاور في أمورنا، ونطمئن على بعضنا رغم انشغالنا».

ويُمثّل العمل النحتي «حزن» أول مشاركة للتشكيلية السعودية رويدا علي عبيد في معرض فني، والتمثال مصنوع من خامة البوليستر، ويستند على رخام. وعن العمل تقول لـ«الشرق الأوسط»: «يُعبّر التمثال عن لحظة حزن دفينة داخل الإنسان».

عمل نحتي للفنانة السعودية رويدا علي عبيد في الملتقى (الشرق الأوسط)

وتتابع رويدا: «لا أحد يفهم معنى أن تقابل الصدمات بصمت تام، وأن تستدرجك المواقف إلى البكاء، فتُخفي دموعك، وتبقى في حالة ثبات، هكذا يُعبّر عملي عن هذه الأحاسيس، وتلك اللحظات التي يعيشها المرء وحده، حتى يُشفى من ألمه وأوجاعه النفسية».

من جهته قال الناقد هشام قنديل، رئيس مجلس إدارة «أتيليه العرب للثقافة والفنون»، لـ«الشرق الأوسط»، إن «مهرجان الشباب العربي يمثّل خطوة مهمة في تشجيع الفنانين الشباب ودفعهم إلى الابتكار، وتقديم أفكارهم بلا قيود؛ وانطلاقاً من هذا الفكر قرّرت اللجنة المنظمة أن يكون موضوع المهرجان 2025 مفتوحاً من دون تحديد ثيمة معينة».

وأضاف قنديل: «اختارت لجنتا الفرز والتحكيم أكثر من ثلاثمائة عملٍ فني من بين ألفي عمل تقدّمت للمشاركة؛ لذا جاءت الأعمال حافلة بالتنوع والتميز، ووقع الاختيار على الإبداع الفني الأصيل والموهبة العالية».

ولفت قنديل إلى أن الجوائز ستُوزّع على فروع الفن التشكيلي من تصوير، ونحت، وغرافيك، وخزف، وتصوير فوتوغرافي وغيرها، وستُعلن خلال حفل خاص في موعد لاحق يحدده الأتيليه. مشيراً إلى أن هذه النسخة تتميّز بزخم كبير في المشاركة، وتطوّر مهم في المستوى الفني للشباب. ومن اللافت أيضاً في هذه النسخة، تناول الفنانين للقضية الفلسطينية ومعاناة سكان غزة من خلال أعمالهم، من دون اتفاق مسبق.

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)

وبرؤية رومانسية قدّمت الفنانة المصرية الشابة نورهان إبراهيم علاجاً لصراعات العالم وأزماته الطاحنة، وهي التمسك بالحب وتوفير الطفولة السعيدة للأبناء، وذلك من خلال لوحتها الزيتية المشاركة بها في المهرجان، التي تغلب عليها أجواء السحر والدهشة وعالم الطفولة.

وتقول نورهان، لـ«الشرق الأوسط»، إن «براءة الأطفال هي بذرة الإبداع التي ستعالج العالم كله»، وتتابع: «أحب الأطفال، وأتعلم كثيراً منهم. وأدركت أن معظم المشكلات التي تواجه العالم اليوم من الجرائم الصغيرة إلى الحروب الكبيرة والإرهاب والسجون الممتلئة لدينا، إنما هي نتيجة أن صانعي هذه الأحداث كانوا ذات يومٍ أطفالاً سُرقت منهم طفولتهم».

«بين أنياب الأحزان» هو عنوان لوحة التشكيلي الشاب أدهم محمد السيد، الذي يبرز تأثر الإنسان بالأجواء المحيطة به، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «حين يشعر المرء بالحزن، يبدأ في الاندماج مع الطبيعة الصامتة، ويتحوّلان إلى كيان واحد حزين. وحين يسيطر الاكتئاب على الإنسان ينجح في إخفائه تدريجياً».

لوحة للتشكيلية المصرية مروة جمال (الشرق الأوسط)

وتقدم مروة جمال 4 لوحات من الوسائط المتعددة، من أبرزها لوحة لبناية قديمة في حي شعبي بالقاهرة، كما تشارك مارلين ميشيل فخري المُعيدة في المعهد العالي للفنون التطبيقية بعملٍ خزفي، وتشارك عنان حسني كمال بعمل نحت خزفي ملون، في حين تقدّم سلمى طلعت محروس لوحة عنوانها «روح» تناقش فلسفة الحياة والرحيل وفق رؤيتها.