مصر تطالب إثيوبيا بإيضاحات بعد بدء ملء خزان «سد النهضة»

الخرطوم تلاحظ تراجعاً في مياه النيل الأزرق وترفض أي «إجراءات أحادية»

صورة مقربة لـ«سد النهضة» الإثيوبي عبر الأقمار الصناعية التقطت الأحد الماضي وتظهر بدء ملء خزانه (رويترز)
صورة مقربة لـ«سد النهضة» الإثيوبي عبر الأقمار الصناعية التقطت الأحد الماضي وتظهر بدء ملء خزانه (رويترز)
TT

مصر تطالب إثيوبيا بإيضاحات بعد بدء ملء خزان «سد النهضة»

صورة مقربة لـ«سد النهضة» الإثيوبي عبر الأقمار الصناعية التقطت الأحد الماضي وتظهر بدء ملء خزانه (رويترز)
صورة مقربة لـ«سد النهضة» الإثيوبي عبر الأقمار الصناعية التقطت الأحد الماضي وتظهر بدء ملء خزانه (رويترز)

سعت مصر إلى استجلاء حقيقة إعلان إثيوبيا بدء ملء خزان «سد النهضة»، بعد أنباء متضاربة بشأنه.
وقالت إثيوبيا، أمس، إنها بدأت ملء خزان سد النهضة على النيل الأزرق، بعد يوم من فشل محادثات مع السودان ومصر بشأن السد وتشغيله. وقال وزير الري الإثيوبي سيليشي بيكيلي، في تصريحات بثّها التلفزيون: «بناء السد وملء الخزان يسيران جنباً إلى جنب... ملء خزان السد لا يحتاج الانتظار لحين اكتمال بنائه». وأضاف: «منسوب المياه ارتفع من 525 متراً إلى 560 متراً»، لكن الوزير نفسه، عاد موضحاً عبر حسابه في «تويتر»، أن «المياه الموجودة في الخزان هي تجمعات طبيعية لمياه الأمطار».
وقالت وزارة الخارجية المصرية، في بيان مقتضب، أمس، إنها «طلبت إيضاحاً رسمياً عاجلاً من الحكومة الإثيوبية بشأن مدى صحة هذا الأمر»، وإنها «تواصل متابعة تطورات ما تتم إثارته حول هذا الموضوع».
وقال محمد السباعي، المتحدث باسم وزارة الموارد المائية والري، لـ«الشرق الأوسط»، إن الإجراء التالي لمصر حال التأكد من إعلان إثيوبيا بدء ملء خزان السد «سيكون سياسياً».
ونقلت وسائل إعلام إثيوبية، عن سيليشي بيكيلي، قوله: «إن تعبئة مياه سد النهضة تتم بما يتماشى مع عملية بناء السد الطبيعية». لكنه لم يذكر ما إذا كانت إثيوبيا قد اتخذت خطوات لتجميع المياه في الخزان الذي تبلغ طاقته 74 مليار متر مكعب.
وإثيوبيا حالياً في منتصف موسم المطر، وصرّح مسؤول في موقع السد لوكالة الصحافة الفرنسية، لم تكشف هويته، أن هطول الأمطار الغزيرة يعني أن تدفق النيل الأزرق يتجاوز قدرة قنوات السد لدفع المياه في اتجاه مجرى النهر.
وقال المسؤول: «لم نغلق، ولم يُنجز شيء. يبدو أنه عندما ترى بعض الصور، يبدو أن النهر يعلو أكثر فأكثر بسبب كمية المياه القادمة من المنابع، والتي هي فوق قدرة المجاري المائية على التصريف».
وقال مستشار في وزارة المياه، لم تكشف هويته أيضاً، إن تدفق المياه مستمر في اتجاه المصب.
وقال المستشار: «مع تقدم البناء، سيرتفع مستوى المياه خلف السد أيضاً، هذا ما يحدث، ولا شيء أكثر من ذلك».
وتصرّ إثيوبيا على ضرورة البدء بملء خزان السد هذا العام كجزء من عملية البناء، على أن تتم تعبئته على مراحل. وكرّر رئيس الوزراء آبي أحمد على هذه النقطة، في خطاب أمام البرلمان في وقت سابق من هذا الشهر.
وقال رئيس الوزراء: «إذا لم تقم إثيوبيا بملء السد، فهذا يعني أن إثيوبيا وافقت على هدم السد. بشأن نقاط أخرى، يمكننا التوصل إلى اتفاق ببطء مع مرور الوقت، ولكن بشأن ملء السد يمكننا التوصل وتوقيع اتفاق هذا العام».
ويمثل السد الذي تبلغ تكلفته 4 مليارات دولار، وستبلغ طاقته الإنتاجية من الكهرباء 6450 ميغاواط، حجر الأساس الذي تبني عليه إثيوبيا طموحها في أن تصبح أكبر دولة مصدرة للكهرباء في أفريقيا، لكنه في الوقت نفسه يثير قلقاً مصرياً من تراجع إمدادات المياه الشحيحة أصلاً من النيل، والتي يعتمد عليها أكثر من 100 مليون نسمة، بنسبة تفوق 90 في المائة.
ويقام السد على بعد نحو 15 كيلومتراً فقط من الحدود مع السودان على النيل الأزرق مصدر أغلب مياه النيل.
وكانت مصر والسودان تسعيان للتوصل إلى اتفاق ملزم قانونياً قبل البدء في ملء خزان السد. وقالت وزارة الري والموارد المائية في السودان، أمس، إن صوراً التقطتها الأقمار الصناعية دفعتها للتحقق من ملء خزان السد. وأضافت الوزارة، في بيان: «اتضح جلياً من خلال مقاييس تدفق المياه في محطة ديم النور الحدودية مع إثيوبيا أن هناك تراجعاً في مستويات المياه بما يعادل 90 مليون متر مكعب يومياً، ما يؤكد إغلاق بوابات سد النهضة».
وأضافت الوزارة، في البيان، أن السودان يرفض أي «إجراءات أحادية الجانب يتخذها أي طرف خصوصاً مع استمرار جهود» التفاوض بين الدولتين ومصر.
وبحسب البيان، وجّهت الوزارة السودانية أجهزتها المختصة بقياس مناسيب النيل الأزرق، إثر تداول وسائل الإعلام المحلية والدولية، لمعلومات وصور ملتقطة بالأقمار الصناعية، تشير إلى بدء إثيوبيا في ملء سد النهضة بالمياه قبل التوصل لاتفاق حول الملء الأول والتشغيل.
وفشلت، أول من أمس (الثلاثاء)، المحادثات بين إثيوبيا ومصر والسودان في التوصل لاتفاق بشأن تنظيم تدفق المياه من السد. وأرسل السودان، أول من أمس، تقريره النهائي بشأن مفاوضات سد النهضة للاتحاد الأفريقي، وأشار فيه إلى «تقدم محدود» أحرز في الجوانب القانونية والفنية، فضلاً عن مقترحاته لحل القضايا العالقة، الممثلة في «مسودة اتفاق» محدثة، وصفها بأنها «تصلح أساساً لاتفاق شامل ومقبول بين الدول الثلاث».
وينتظر بحسب التوقعات السودانية أن يدعو رئيس الاتحاد الأفريقي رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، إلى قمة مصغرة لرؤساء دول وحكومات السودان وإثيوبيا ومصر، للنظر في الخطوة القادمة باتجاه توقيع اتفاق شامل. وكانت وكالة «أسوشيتد برس» الأميركية، نشرت أول من أمس، صوراً بدقة عالية للسد، أظهرت زيادة في مياه الخزان، مع بدء موسم هطول الأمطار.
ومن المتوقع أن يُحيي التوتر الراهن، الطلب المصري بتدخل مجلس الأمن الدولي لوضع حد للنزاع. وقال السفير محمد مرسي، مساعد وزير الخارجية المصري السابق، رداً على أنباء ملء الخزان: «على مصر الآن أن تخطر الاتحاد الأفريقي بهذا التطور الجديد، وتسجل رفضها له بوصفه عملاً من أعمال الحرب، وأن تعلن انسحابها من هذه المفاوضات بعد أن أفشلتها إثيوبيا، وأن تطالب باستئناف الجلسة الطارئة لمجلس الأمن لبحث القضية».
ورعى الاتحاد الأفريقي، بوجود مراقبين من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي مفاوضات، دامت أسبوعين، بين الدول الثلاث للوصول لصيغة توافقية للنقاط الخلافية العالقة بشأن سد النهضة، خاصة ما يتعلق بالملء والتشغيل. لكن لم تتوصل إلى نتيجة حتى الآن.
ونفى محمد عبد العاطي، وزير الموارد المائية والري المصري، أمس، المزاعم التي يتم ترديدها بأن مصر تأخذ حصة الأسد في مياه نهر النيل، مضيفاً: «هذا كلام خاطئ، لأننا نحصل على الحد الأدنى من مياه النيل».
وتابع أن «الثروة الحيوانية في إثيوبيا، والبالغة 100 مليون رأس من الماشية، تستهلك مياهاً أكثر من حصة مصر والسودان من مياه النيل، وأديس أبابا لديها كثير من الموارد المائية التي تتجاوز أضعاف ما يصل مصر من مياه النيل».



غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

بعد غياب عن صنعاء دام أكثر من 18 شهراً وصل المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى العاصمة اليمنية المختطفة، الاثنين، في سياق جهوده لحض الحوثيين على السلام وإطلاق سراح الموظفين الأمميين والعاملين الإنسانيين في المنظمات الدولية والمحلية.

وجاءت الزيارة بعد أن اختتم المبعوث الأممي نقاشات في مسقط، مع مسؤولين عمانيين، وشملت محمد عبد السلام المتحدث الرسمي باسم الجماعة الحوثية وكبير مفاوضيها، أملاً في إحداث اختراق في جدار الأزمة اليمنية التي تجمدت المساعي لحلها عقب انخراط الجماعة في التصعيد الإقليمي المرتبط بالحرب في غزة ومهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي بيان صادر عن مكتب غروندبرغ، أفاد بأنه وصل إلى صنعاء عقب اجتماعاته في مسقط، في إطار جهوده المستمرة لحث الحوثيين على اتخاذ إجراءات ملموسة وجوهرية لدفع عملية السلام إلى الأمام.

وأضاف البيان أن الزيارة جزء من جهود المبعوث لدعم إطلاق سراح المعتقلين تعسفياً من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية.

صورة خلال زيارة غروندبرغ إلى صنعاء قبل أكثر من 18 شهراً (الأمم المتحدة)

وأوضح غروندبرغ أنه يخطط «لعقد سلسلة من الاجتماعات الوطنية والإقليمية في الأيام المقبلة في إطار جهود الوساطة التي يبذلها».

وكان المبعوث الأممي اختتم زيارة إلى مسقط، التقى خلالها بوكيل وزارة الخارجية وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، وناقش معهم «الجهود المتضافرة لتعزيز السلام في اليمن».

كما التقى المتحدث باسم الحوثيين، وحضه (بحسب ما صدر عن مكتبه) على «اتخاذ إجراءات ملموسة لتمهيد الطريق لعملية سياسية»، مع تشديده على أهمية «خفض التصعيد، بما في ذلك الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية باعتباره أمراً ضرورياً لإظهار الالتزام بجهود السلام».

قناعة أممية

وعلى الرغم من التحديات العديدة التي يواجهها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، فإنه لا يزال متمسكاً بقناعته بأن تحقيق السلام الدائم في اليمن لا يمكن أن يتم إلا من خلال المشاركة المستمرة والمركزة في القضايا الجوهرية مثل الاقتصاد، ووقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وعملية سياسية شاملة.

وكانت أحدث إحاطة للمبعوث أمام مجلس الأمن ركزت على اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، مع التأكيد على أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام ليس أمراً مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وأشار غروندبرغ في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

الحوثيون اعتقلوا عشرات الموظفين الأمميين والعاملين في المنظمات الدولية والمحلية بتهم التجسس (إ.ب.أ)

وقال إن العشرات بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

يشار إلى أن اليمنيين كانوا يتطلعون في آخر 2023 إلى حدوث انفراجة في مسار السلام بعد موافقة الحوثيين والحكومة الشرعية على خريطة طريق توسطت فيها السعودية وعمان، إلا أن هذه الآمال تبددت مع تصعيد الحوثيين وشن هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

ويحّمل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الجماعة المدعومة من إيران مسؤولية تعطيل مسار السلام ويقول رئيس المجلس رشاد العليمي إنه ليس لدى الجماعة سوى «الحرب والدمار بوصفهما خياراً صفرياً».