لبنان: ارتفاع معدّلات السرقة... وحليب الأطفال هدف أول

مطعم يملكه وليد عطايا في بيروت (أ.ب)
مطعم يملكه وليد عطايا في بيروت (أ.ب)
TT

لبنان: ارتفاع معدّلات السرقة... وحليب الأطفال هدف أول

مطعم يملكه وليد عطايا في بيروت (أ.ب)
مطعم يملكه وليد عطايا في بيروت (أ.ب)

كان زكريا يسير في شارع مظلم عندما اعترضه رجل على دراجة نارية شهر سكيناً في وجهه طالباً منه المال أو مرافقته لشراء طعام لأطفاله، في حادث يتكرر مع ارتفاع معدل السرقات بكل أشكالها على وقع انهيار اقتصادي متواصل في لبنان.
وتؤكد أرقام قوى الأمن الداخلي ارتفاع معدل الجرائم بشكل عام في العام 2020، خصوصاً القتل والسرقة، مقارنة بالسنوات الماضية. وتربط ذلك بتدهور الوضع الاقتصادي وارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
يستعيد زكريا العمر (37 عاماً) تفاصيل ليلة الخامس من يوليو (تموز)، حين كان يسير ليلاً في شارع مظلم في محلة الحمرا ببيروت. ويوضح أن الشارع كان خالياً إلا من بضع سيارات، حين توقفت دراجة نارية إلى جانبه قبل أن يقترب منه شخص من الخلف موجهاً السكين نحوه، مردداً: «لا تقل أي كلمة، لست هنا لأؤذيك، أريد منك أن تعطيني النقود أو أن تأتي معي إلى أي محل لتشتري لي بعض الأغراض، تركت أولادي في المنزل يبكون من دون طعام». بتوتر شديد، أخرج زكريا نقوداً من محفظته وأعطاها للرجل الأربعيني الذي ركض باتجاه دراجته، قبل أن يتوقف ويعود باتجاه زكريا الذي تسمّر في مكانه خوفاً.
يروي زكريا: «خفت كثيراً حين رأيته يعود نحوي، لكنه بدأ البكاء والاعتذار مني، وأراد أن يعيد لي النقود. قال لي: أنا لست بسارق، لكنني جائع وأولادي أيضاً جياع».
رفض زكريا استعادة نقوده من الرجل الذي قال إنه فقد عمله ولم يعد يقوى حتى على دفع الإيجار... «قلت له إنني أسامحه، ثم غادر... خفت كثيراً، كان الموقف صعباً اختلط فيه شعور الرعب بالحزن على رجل ينهار أمام عينيّ».
ويشير مصدر أمني لوكالة الصحافة الفرنسية إلى «نوع جديد من عمليات السلب يستهدف حليب الأطفال والطعام والأدوية»، كاشفاً أنّ «أكثر من ضحية كشفوا في إفاداتهم عن اعتذار المشتبه فيهم منهم أثناء سرقتهم».
وعلى وقع الانهيار الاقتصادي الأسوأ في تاريخ لبنان الحديث، خسر عشرات الآلاف وظائفهم أو جزءاً من رواتبهم. وبات نصف اللبنانيين تقريباً يعيشون تحت خط الفقر، ولامس معدل البطالة 35 في المائة.
ولم توفر تداعيات الانهيار أي طبقة اجتماعية، خصوصاً مع خسارة الليرة أكثر من 80 في المائة من قيمتها أمام الدولار، ما سبب تآكل القدرة الشرائية للمواطنين.
وانطلاقاً من كون لبنان بلداً يعتمد على الاستيراد إلى حد كبير، ارتفعت أسعار السلع بشكل جنوني خصوصاً حليب الأطفال والحفاضات. وثمة أمهات يقايضن عبر مواقع التواصل الاجتماعي ثيابهن أو مقتنيات منازلهن بحليب وحفاضات.
وارتفع سعر أرخص كيس حفاضات من 15 ألف ليرة إلى 34 ألفاً، وفق صاحبة إحدى الصيدليات. كما ارتفع سعر حليب الأطفال الذين يتخطى عمرهم العام الواحد، وبلغ سعر أحد الأصناف 35 ألفاً، وارتفع سعر صنف آخر من 15 ألفاً إلى 45 ألف ليرة.
وأحصت قوى الأمن ارتفاع معدل السرقات الموصوفة بواسطة الكسر والخلع لمنازل ومحالّ وصيدليات، إذ بلغت 863 عملية، (معدل وسطي 173 شهرياً) مقابل 650 العام الماضي بأكمله.
وأظهر شريط فيديو التقطته كاميرا مراقبة، وتداوله مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي في لبنان، ثلاثة أشخاص يسيرون في شارع وهم ينقلون خزنة كبيرة سرقوها من أحد مطاعم بيروت بعد منتصف الليل.
ويقول صاحب المطعم وليد عطايا: «خلعوا الباب ومكثوا لساعة ونصف الساعة في المطعم، أخدوا الأموال من الصندوق وحتى العملات المعدنية، ثم بحثوا جيداً إلى أن وجدوا الخزنة التي لم يتمكنوا من فتحها».
وبعدما فشلوا في فتحها، أقدموا على تفكيك الخزنة من الجدار وذهبوا بها.
ولم يفصح عطايا عن المبلغ الذي سُرق، لكنه يقول «أخذوا عامين من العمل معهم... لا أستطيع أن أضع النقود في المصارف، وأخاف أن أضعها في المنزل»، فكانت النتيجة خسارتها.
خلال الأشهر الماضية التي شهدت شحاً في السيولة، ونتيجة تشديد المصارف القيود على العمليات النقدية وسحب الأموال خصوصاً بالدولار، بات كثر يعمدون إلى وضع نقودهم في منازلهم. وفضل البعض أن يشتري بها عقارات أو سيارات بدلاً من تركها في المنازل عرضة للسرقة.
وارتفعت كذلك سرقة السيارات، إذا سُرقت 303 سيارة العام الحالي مقابل 273 سيارة خلال النصف الثاني من العام 2019 وفق إحصاءات قوى الأمن الداخلي. ويوضح المصدر الأمني: «لا يمكن فصل نوعية الجرائم وطبيعتها عن تردّي الوضع الاقتصادي وارتفاع معدّلات البطالة بشكل كبير بين الشباب».



الحوثيون يعسكرون قرى حول الحديدة ويهجرون سكانها

الحوثيون حولوا التجمعات السكانية إلى مواقع لإطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة (إعلام محلي)
الحوثيون حولوا التجمعات السكانية إلى مواقع لإطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة (إعلام محلي)
TT

الحوثيون يعسكرون قرى حول الحديدة ويهجرون سكانها

الحوثيون حولوا التجمعات السكانية إلى مواقع لإطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة (إعلام محلي)
الحوثيون حولوا التجمعات السكانية إلى مواقع لإطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة (إعلام محلي)

كشفت مصادر حكومية يمنية عن تهجير الحوثيين الآلاف من السكان في ريف محافظة الحديدة الساحلية لاستخدام قراهم مواقع عسكرية ولتخزين الأسلحة واستهداف سفن الشحن التجاري في جنوب البحر الأحمر.

وأدانت السلطة المحلية التابعة للحكومة الشرعية في محافظة الحديدة ما سمته عمليات التهجير القسري التي تقوم بها «ميليشيات الحوثي» لسكان عدد من القرى في المديريات الساحلية، جنوب وشمال المحافظة، منذ نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ضمن مسلسل جرائمها وانتهاكاتها اليومية الجسيمة لحقوق الإنسان.

ميناء اصطياد سمكي في الحديدة حوله الحوثيون إلى منطقة عسكرية مغلقة (إعلام حكومي)

ونقل الإعلام الرسمي عن بيان السلطة المحلية القول إن الحوثيين أجبروا خلال اليومين الماضيين سكان 5 قرى جنوب مديرية الجراحي، تضم 350 أسرة، أي نحو 1750 نسمة، على إخلاء منازلهم تحت تهديد السلاح، للشروع في حفر أنفاق وبناء تحصينات عسكرية في تلك المناطق السكنية.

ووفقاً للبيان، فإن سكان تلك القرى باتوا يعيشون في العراء بعد أن هجّروا بالقوة من منازلهم ومزارعهم ومصادر عيشهم، في ظل تجاهل وصمت مطبق من قبل المنظمات الحقوقية المحلية والدولية تجاه هذه الممارسات والانتهاكات السافرة.

ويعتمد سكان هذه القرى -بحسب السلطات المحلية- على الزراعة بوصفها مصدر دخل رئيسياً، وسيؤدي هذا التهجير إلى حرمان أبناء هذه القرى من مصدر رزقهم ويعمّق معاناتهم الإنسانية، فضلاً عن إلحاق الخراب بمئات الأراضي والحيازات الزراعية.

تهجير مماثل

بحسب بيان السلطة المحلية في الحديدة، فإن عمليات التهجير القسري لسكان مناطق وقرى مديريات الجراحي جاءت بعد أيام من عمليات تهجير مماثلة طالت المئات من سكان بلدة المنظر الساحلية التابعة لمديرية الحوك والواقعة في الأطراف الجنوبية لمدينة الحديدة، حيث قام الحوثيون ببناء سور حول البلدة التي يبلغ عدد سكانها 4500 نسمة تقريباً، وأغلقوا جميع المنافذ والطرقات المؤدية إليها، وأجبروا قاطنيها على النزوح.

ونبّه بيان السلطة المحلية إلى أن الحوثيين كانوا قد أقدموا في وقت سابق هذا العام على تهجير سكان قرية الدُّقاوِنة الواقعة على الخط الرئيس الرابط بين مديرية حرض والحديدة، التابعة لمديرية باجل، التي يبلغ عدد سكانها 70 أسرة، أي ما يقارب 350 نسمة.

السلطة المحلية اليمنية في الحديدة انتقدت صمت المجتمع الدولي على عملية التهجير (إعلام حكومي)

كما قامت الجماعة بتحويل ميناء الخوبة السمكي في مديرية اللحية شمالي المحافظة إلى منطقة عسكرية مغلقة بعد منع الصيادين من إرساء قواربهم وممارسة نشاطهم السمكي.

وناشدت السلطة المحلية المجتمع الإقليمي والدولي وهيئة الأمم المتحدة وكل المنظمات الدولية والإنسانية والحقوقية بالوقوف أمام هذه الانتهاكات التي يرتكبها الحوثيون بحق سكان محافظة الحديدة، التي تتعارض مع القانون الدولي الإنساني ومبادئ واتفاقيات حقوق الإنسان، والمبادئ العالمية الخاصة بحماية المدنيين أثناء النزاعات.

وأكد البيان أن هذه الانتهاكات وما سبقها من استهداف للمدنيين تعد «جرائم حرب»، داعية الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ومجلس حقوق الإنسان إلى إدانة هذه الجرائم.

من جهته أكد العميد محمد الكميم، مستشار لوزير الدفاع اليمني، أن الحوثيين هجّروا نحو 6 آلاف مدني من قراهم في محافظة الحديدة خلال الأيام الماضية، من بينهم سكان 5 قرى في جنوب مديرية الجراحي وبلدة منظر في أطراف مدينة الحديدة، وقرية الدُّقاوِنة التابعة لمديرية باجل.

وأوضح الكميم أن الغرض الواضح من هذه العملية هو حفر الخنادق والأنفاق لمعارك الجماعة الوهمية، لكنه جزم بأن الغرض الحقيقي لهذه العملية هو نهب أراضي السكان في تلك القرى.