فرنسا تستبعد مواجهة عسكرية مباشرة مع تركيا في المتوسط

ماكرون: استقرار ليبيا أساسي لأمن أوروبا ومنطقة الساحل

الرئيس ماكرون شدد في كلمته بمناسبة العيد الوطني أمس على «التحديات» التي تواجهها فرنسا ومنها زعزعة استقرار ليبيا (أ.ب)
الرئيس ماكرون شدد في كلمته بمناسبة العيد الوطني أمس على «التحديات» التي تواجهها فرنسا ومنها زعزعة استقرار ليبيا (أ.ب)
TT

فرنسا تستبعد مواجهة عسكرية مباشرة مع تركيا في المتوسط

الرئيس ماكرون شدد في كلمته بمناسبة العيد الوطني أمس على «التحديات» التي تواجهها فرنسا ومنها زعزعة استقرار ليبيا (أ.ب)
الرئيس ماكرون شدد في كلمته بمناسبة العيد الوطني أمس على «التحديات» التي تواجهها فرنسا ومنها زعزعة استقرار ليبيا (أ.ب)

فيما دخل النزاع في ليبيا منعطفا جديدا مع الدعوة المفتوحة، التي وجهها برلمان طبرق لمصر من أجل التدخل المباشر في الحرب الدائرة هناك «لحماية الأمن القومي الليبي والمصري، في حال وجود تهديد له»، التزمت باريس، رغم الخلافات العديدة التي تتواجه فيها مع أنقرة، موقفا حذرا، مستبعدة أي مواجهة مسلحة مباشرة بين قواتها والقوات التركية. وجاء هذا التأكيد على لسان رئيس أركان القوات الفرنسية المسلحة، الجنرال فرنسوا لوكوانتر، في حديث صدر أمس في صحيفة «لوموند» المستقلة. وقال لوكوانتر إن «مخاطر الانزلاق (إلى مواجهة) مع الأتراك غير موجودة. لكن يوجد هناك بكل وضوح تصعيد سببه الخلافات العديدة» بين الطرفين، مركزا على الاحتكاك البحري الذي حدث بين قطع تركية والفرقاطة الفرنسية «لو كوربيه» في 10 من يونيو (حزيران) الماضي، والذي كاد يفضي إلى مواجهة.
وأضاف لوكوانتر موضحا أن باريس «تدفع باتجاه موقف أكثر تشددا إزاء تركيا»، واستشرف «ردا تركيا مؤكدا على ذلك»، لكن من غير إعطاء تفاصيل بشأنه.
وكشف المسؤول العسكري الفرنسي عن جانب مما تسعى إليه بلاده، وهو من جهة «وضع أعضاء الحلف الأطلسي أمام مسؤولياتهم» في الرد على تركيا. ومن جهة ثانية «دفع الأوروبيين لتكوين جبهة موحدة» لدفع الحلف لموقف «لا غموض فيه»، وأيضا «إفهام الأتراك» حزم الجانب الأوروبي ودفع «أنقرة» لاستخلاص النتائج.
وخلال الساعات القليلة الماضية، كان الملف الليبي - التركي - المتوسطي الشغل الشاغل لكبار المسؤولين الفرنسيين، بدءا بالرئيس إيمانويل ماكرون، وصولا إلى وزيري الخارجية والدفاع وانتهاء برئيس الأركان، حيث شدد الأول في كلمته إلى القوات المسلحة بمناسبة العيد الوطني على «التحديات» الجيوسياسية التي تواجهها فرنسا وبلدان الاتحاد الأوروبي في المتوسط، ومنها زعزعة استقرار ليبيا، والهجرة والتهريب والوصول إلى الموارد الطبيعية.
وبالنظر لدخول «قوى جديدة» إلى اللعبة المتوسطية، في إشارة واضحة لتركيا وروسيا، رأى ماكرون ضرورة أن «تعيد أوروبا تحديد دورها ومكانتها هناك، دون سذاجة أو تهادن، إذ لا يمكننا القبول بأن تبني قوى أخرى مستقبلنا».
وبخصوص ليبيا تحديدا، اعتبر ماكرون أن «استقرارها أساسي لأمن أوروبا ومنطقة الساحل»، ورأى أن الحل يمر عبر «الاستئناف الفوري للمفاوضات ولحوار سياسي، بغية التوصّل إلى وقف لإطلاق النار». وقال إنه «يجب وضع حدّ لتدفّق كميّات هائلة من الأسلحة والمرتزقة إلى هذا البلد».
من جانبها، دعت فلورانس بارلي، وزيرة الدفاع الفرنسية، في حديث صحافي لإذاعة «فرنس إنفو» الإخبارية «القوى الأجنبية» إلى الامتناع عن التدخل في النزاع الليبي وجعله أكثر تعقيدا، وجددت التذكير بأهمية ليبيا واستقرارها بالنسبة لفرنسا وأوروبا. كما هاجمت بارلي السياسة التركية فيها وفي مياه المتوسط، ودعت للحوار وتغليب الحل السياسي، باعتبار أن «الحل العسكري غير ممكن».
وحقيقة الأمر فإن الموقف الفرنسي لم يعد بحاجة إلى توضيح أكثر. لكن الملموس أن جهود الأوساط الفرنسية، الساعية لتشكيل جبهة أطلسية وأوروبية للضغط على ليبيا، لم تتقدم كثيرا حتى اليوم. فمن جهة الاتحاد الأوروبي، ثمة وعي لكون سياسات تركيا الأحادية «تتعارض مع المصالح الأوروبية» وفق ما قاله وزير خارجية الاتحاد عقب اجتماع نظرائه الأوروبيين في بروكسل أول من أمس، والذي أكد أن هناك «دعما كبيرا لإعداد التدابير الملائمة للرد على تحديات تركيا». إلا أنه في الوقت عينه، اعترف بـ«صعوبة التوصل إلى موقف أوروبي مشترك» لجهة الخيارات والإجراءات، التي يتعين على الاتحاد اتخاذها من أجل دفع تركيا لتغيير أدائها في ليبيا وفي مياه المتوسط الشرقي. ويبدو بوضوح وجود انقسامات أوروبية عميقة بهذا الخصوص، مردها بالدرجة الأولى، بحسب مصادر دبلوماسية في باريس، «الخوف من ردة فعل تركية شبيهة بما فعلته أنقرة نهاية فبراير (شباط) الماضي» عندما أرسلت آلاف النازحين واللاجئين على أراضيها إلى الحدود التركية - اليونانية للضغط على أوروبا وابتزازها. يضاف إلى ذلك أن دولا أوروبية لا تريد إغضاب واشنطن، التي يبدو أنها تغض الطرف عن الأنشطة التركية، والتي ترى أنها مفيدة لجبه تنامي الحضور الروسي في ليبيا وفي المتوسط. وثالثا، لا تريد البلدان الأوروبية القطيعة مع شريك تعتبره «أساسيا داخل الحلف الأطلسي».
أما على الجبهة الأطلسية، فإن إعلان باريس تجميد مشاركتها في عملية «سي غارديان» البحرية الأطلسية في المتوسط، بانتظار أن تتحقق شروط طرحتها «تأكيد الالتزام بحظر السلاح إلى ليبيا، والتزام أنقرة بالأصول في التعامل، وعدم استخدام الإحداثيات الأطلسية في مهمات غير أطلسية»، لم يحدث الهزة التي كانت تتوقعها فرنسا. فمن جهة، تواصلت «سي غارديان»، ومن جهة ثانية لم يستجب التحقيق الذي طلبته باريس في الحادثة البحرية لتطلعاتها، لأنه لم يتضمن انتقادا لتركيا. ورغم ذلك، ما زالت باريس تسعى لتوسيع الجبهة المناهضة للحضور التركي في ليبيا، بالتشديد على أن التهديد المترتب عليه يتناول مصالح أوروبا ككل، واستقرار المتوسط.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».