قلق إسرائيلي من قرار لمحكمة لاهاي بالتحقيق في «جرائم الحرب»

مداولات سرية أجراها نتنياهو لبلورة خيارات الرد على «الجنائية»

TT

قلق إسرائيلي من قرار لمحكمة لاهاي بالتحقيق في «جرائم الحرب»

رغم تقديرات الحكومة الإسرائيلية، بأن المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، ستؤجل قرارها بشأن التحقيقات في جرائم حرب ارتكبتها إسرائيل ضد الفلسطينيين لما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، أجرى رئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو، في الأسابيع الأخيرة، عدة مداولات، استعداداً لصدور قرار في غضون الأيام القليلة القادمة.
وكشفت مصادر سياسية أن هذه المداولات جاءت بهدف بلورة سلة أدوات من أجل مواجهة تحقيق من جانب المحكمة، تفضي بالتالي إلى إنشاء «مظلة دفاعية لمسؤولين إسرائيليين وضباط عسكريين ممن قد تقرر المحكمة التحقيق ضدهم».
ومن ضمن هذه الإجراءات، العمل من أجل نزع شرعية المحكمة في دول صديقة والطلب من الولايات المتحدة ممارسة عقوبات أخرى ضد المحكمة، إضافة للعقوبات التي أصدرها الرئيس دونالد ترمب في الشهر الماضي، عندما أصدر أمراً رئاسياً يقضي بفرض عقوبات اقتصادية على جهات رفيعة في المحكمة ضالعة في محاولة التحقيق، ومحاكمة جنود أميركيين يشتبه بأنهم ارتكبوا جرائم حرب في أفغانستان، أو حلفاء للولايات المتحدة، وبضمنهم إسرائيل. ويقضي الأمر الرئاسي بمصادرة أملاك تلك الجهات القضائية الدولية ومنع دخولهم هم وعائلاتهم إلى الولايات المتحدة».
المعروف أن المحكمة الدولية، ستخرج إلى عطلة سنوية في نهاية الأسبوع الحالي. وتشير التقديرات الإسرائيلية إلى أنها سترجئ قرارها إلى ما بعد العطلة، بل ربما ترجئه إلى ما بعد الانتخابات الأميركية، في نوفمبر (تشرين الثاني) القادم، بعد أن يتبين إذا كان الرئيس ترمب، سينتخب لولاية ثانية أم لا. ولكنها قررت أن تتأهب لإمكانية أخرى أيضاً، وهي أن تسارع المحكمة إلى اتخاذ قرارها قبيل العطلة. ووفقاً لصحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، فإنه مع القلق الإسرائيلي، هناك توجه لدى نتنياهو ووزير خارجيته وغيرهما من المسؤولين بأن يجابهوا المسألة بجهود سياسية حثيثة. ونقلت الصحيفة عن بعض المسؤولين، قولهم، إن «القضية في محكمة لاهاي سترافقنا لفترة طويلة وستسبب لنا صداعا كبيرا، لكن إسرائيل ليست عاجزة وثمة ما يمكن أن نفعله في هذا الصدد».
وكانت إسرائيل قد قررت في السابق مقاطعة إجراءات المحكمة الدولية ضدها، وامتنعت عن تقديم ردها بشأن التحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبتها، معتبرة أنها بذلك لا تمنح شرعية للمحكمة. ومع ذلك، أقامت اتصالات غير مباشرة معها عبر وسطاء غربيين. وينقسم المسؤولون في إسرائيل، ما بين أولئك الذين يعتقدون أن المحكمة الدولية ستتبنى موقف المدعية العامة، فاتو بنسودا، بشأن وجود صلاحية للمحكمة بالتحقيق في جرائم إسرائيلية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، خلال حرب 2014، وفي سائر الأراضي المحتلة عام 1967، وبين الذين يرون أن المحكمة سترفض موقف بنسودا أو تقرر عدم التدخل وتعيد القضية إلى المدعية. ولكنهم متفقون على أن صدور قرار مؤيد لموقف المدعية سيكون ذا أبعاد سياسية استراتيجية، تحدد فيه بشكل قاطع أن القانون الدولي يرسم حدود إسرائيل على أنها حدود 1967، وهم يعتبرون ذلك ضربة للسياسة الإسرائيلية.
وأشارت الصحيفة الإسرائيلية إلى أن مراجعة سريعة لقرارات قضاة المحكمة، تبين أنه ستكون هناك مشكلة كبيرة لإسرائيل، علماً بأن هيئة القضاة لم تتغير منذ سنوات طويلة، وأنها كانت قد قررت، في نوفمبر عام 2018، أن تعيد بنسودا النظر في قرارها بعدم فتح تحقيق في قضية أسطول الحرية من عام 2010 وقتل سلاح البحرية الإسرائيلية 10 ناشطين كانوا على متن السفينة «مافي مرمرة». وأصدر القضاة قراراً أوعزوا فيه لمسجل المحكمة بتشكيل منظومة معلوماتية والتوجه إلى الجمهور لصالح ضحايا في فلسطين، وذلك في مرحلة تقصي الحقائق الأولية. ونقلت الصحيفة عن الباحثة في معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب والرئيسة السابقة لدائرة القانون الدولي في النيابة العسكرية الإسرائيلية، بنينا شربيت - باروخ، قولها: «توجهات الهيئة القضائية ليست ودودة لإسرائيل، في أفضل الأحوال».
وقالت الصحيفة، إن التخوف في إسرائيل، هو أنه في حال قررت المحكمة الجنائية الدولية، أن لبنسودا صلاحية بدء تحقيق في جرائم حرب، فإن مسؤولين إسرائيليين سياسيين وعسكريين بمستويات مختلفة وكذلك مسؤولي الاستيطان والتهويد، سيواجهون إجراءات جنائية ضدهم، بما في ذلك مذكرات اعتقال بحقهم أو مذكرات للمثول أمام المحكمة. ولفتت الصحيفة إلى أن «بين هؤلاء المسؤولين يمكن أن يكون نتنياهو نفسه ورئيس الحكومة البديل بيني غانتس ووزير الخارجية غابي أشكنازي وعدد من الوزراء، ورؤساء أركان الجيش (الحالي والسابقون)، وغيرهم». وفي حال قررت إسرائيل مواصلة مقاطعة هذه المحكمة، ورفض التعاون معها، قد يجعلها تصدر أوامر اعتقال سرية ضد المسؤولين الإسرائيليين. ولهذا، تجري المداولات حول كيفية مواجهة هذه المتاعب.
وتوقعت الخبيرة شربيت باروخ متاعب شديدة لإسرائيل، وقالت إن «أوامر الاعتقال هي مسألة جدية، وفي حال إصدارها بسرية، تلتزم أي دولة عضو في المحكمة بتنفيذه واعتقال المشتبهين ونقلهم إلى معتقل المحكمة في لاهاي. وهناك 122 دولة عضو في المحكمة، وتضم جميع دول أوروبا الغربية تقريباً والقارة الأميركية، باستثناء الولايات المتحدة، وبعض الدول الأفريقية وأستراليا واليابان ودول أخرى في آسيا». وأوضحت أنه «لا توجد حصانة أمام المحكمة لوزراء وقادة دول، وبضمنهم أولئك الذين لا يزالون في ولايتهم. ويعني ذلك أنه إذا صدرت أوامر اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين، فإنه ستُقيد عملياً إمكانية سفرهم إلى دول كثيرة». وأوضحت أن القضايا التي ستطرح في المحكمة بشكل حاد، هي: المستوطنات، والحرب على غزة في عام 2014.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».