سيرة عارف البغدادي... سيرة الدولة العراقية

ضياء الخالدي يمزج بينهما في روايته الأخيرة

سيرة عارف البغدادي... سيرة الدولة العراقية
TT

سيرة عارف البغدادي... سيرة الدولة العراقية

سيرة عارف البغدادي... سيرة الدولة العراقية

التزييف والاختراع هما التيمتان الأقرب لصيغة الاحتمال في رواية ضياء الخالدي الأخيرة (1958 حياة محتملة لـ«عارف البغدادي»)، الصادرة عن دار «نابو» للنشر والتوزيع. فكل شيء يجري تخيله على سبيل الاحتمال؛ يدخل في هذا الأمر التاريخ والحياة والموت، والأشخاص الحقيقيين التاريخيين والمخترعين ممن شكلوا، باتفاقهم أو اختلافهم، السيرة المحتملة لعارف البغدادي.
وفي مطلع الألفية الثالثة، وفي التسعين من عمره، يحاول عارف البغدادي تلمس طريقه وسط صخب الناس المحتفلين برأس السنة الجديدة، فيفتتح سيرته المقترحة بمشهد يفارق تاريخ اللحظة الحقيقية، لحظة ما حصل واقعاً وتاريخاً: يشهد عارف البغدادي نجاة بغداد من تاريخها الفعلي القريب: تاريخ الانقلابات وسحل الناس في الشوارع، تاريخ الحروب والتمرد الكردي المستمر، تاريخ الأخوة الأعداء والأحزاب المتقاتلة، فلا أثر فعلياً لتاريخ المدينة.
تظهر بغداد بعيني عارف مدينة زاهية تدخل الألفية الثالثة بشوارع حديثة وناطحات سحاب ومترو؛ يجد الكاتب مشهده صادماً، فيضطر إلى التعقيب في الهامش بقوله: «لم يعرف العراق قطار المترو حتى زمن طباعة هذه الرواية». وهذا التدخل ستلجأ إليه الرواية باستمرار، وكأنها تستخدم الهوامش لتشدد على قوة الاحتمال الذي تعارضه الهوامش، بتذكيرها بالتاريخ الفعلي المفارق. يبدأ البغدادي بتذكر سيرته المحتملة الصادمة بمفارقة تدعي أن الاحتمال يمكن أن يصنع سرداً تاريخياً مختلفاً. لكن كيف يمكن للاحتمال أن يكون بديلاً عن الذاكرة؟ في الأصل، نحن نتذكر حدثاً وقع في الماضي، ولا معنى للتذكر بلا ماضٍ حدث وتحقق على وجه اليقين، ثم نتحدث بعد ذلك عن استعمالات الذاكرة والنسيان. تفترض الرواية منطقاً مختلفاً كلياً، فهي رواية سيرة، وهي رواية ذاكرة محتملة، لكنها كذلك رواية يختلط فيها الاحتمال بالتاريخ، الواقع بالتخيل، الصدق والكذب في منطقة واحدة.

الوقائع الشخصية والتاريخ
في عام 1910، يولد عارف صبيح البغدادي في محلة الحيدر خانة، وسط بغداد القديمة. وهذا التاريخ ذو دلالة مهيمنة على أحداث الرواية برمتها، فبعد إحدى عشرة سنة، ستتأسس الدولة العراقية الحديثة (1921). ويعني هذا أن عارف البغدادي هو ابن الدولة العراقية التي ستتشكل بعد ولادته بعقد، وأن سيرته المحتملة هي سيرة مختصرة لظهور وتشكل الدولة في العراق.
الرواية تدمج بين السيرتين، حتى كأننا إزاء سيرة واحدة، عمادها الاحتمال وافتراض ما لم يتحقق، وهي تنطلق من الوقائع الشخصية لتُصحح «تحتمل» تاريخاً مختلفاً للبلاد ودولتها. وفي هذا السياق، ثمة انتصار ضمني لمأثرة الفرد الأعزل في مواجهة وقائع تاريخية - سياسية كبرى. فعنوان الرواية الرئيس «1958»، مثلاً، يمهد الأمر أمام القارئ، فيفترض -ربما- أن مقولة الاحتمال المخالفة لتاريخ البلاد الموثق سيبدأ فعلها ابتداء من عام 1958، وهو عام شهد واقعة تاريخية كبرى غيرت مسار الحياة في العراق، إنه انقلاب العسكر على الملكية الحاكمة والمؤسسة للدولة العراقية. هذا ما يقوله العنوان، غير أن الرواية تسرف في التلاعب حتى بعنوانها.
فإذا كان عارف البغدادي قد رضخ، في البدء، لرغبة عائلته بالالتحاق بالكلية العسكرية، فإن تحقيق هذه الرغبة سيثمر دراما أخرى «محتملة» تعصف بحياة عارف، إذ ستؤدي إلى نشوء علاقة صداقة جمعته بـ«غازي»، ملك العراق المنتظر، ثم إن مصرع غازي، بعد تتويجه، سيعصف بحياة عارف، ويدفعه بعيداً عن بغداد بهجرة قسرية تنتهي بطرده من تركيا، وحرمانه من زوجته وولده.
ولا بأس، غير أن الرواية تضطر لذكر أمور تخالف فرضيتها الأولى القائلة، ضمناً في الأقل، إن اختراع تاريخ مختلف لبلاد اشتهرت بتاريخ دامٍ، منها مثلاً العلاقة «المتخيلة» بين النقيب -آنذاك- عبد الكريم قاسم، ورئيس الوزراء العراقي المنتحر عبد المحسن السعدون، وهو ما لا يؤيده التاريخ الحقيقي للبلاد، لكنه تلاعب آخر يتصل برغبة الكاتب وروايته باختراع تاريخ مختلف. وعلى أي حال، فإن توثيق الرواية لتاريخ الاحتمال بعام 1958 تثلمه وقائع أخرى تتلاعب بها الرواية، فتعيد تخيلها وموضعتها ضمن تاريخ البلاد.
وفي الحقيقة، لا يوازي أهمية تاريخ ولادة عارف البغدادي سوى تاريخ موته عام 2000. وهو زمن السرد، وزمن تذكر واختراع وقائع السيرة المحتملة أيضاً. هذه الأهمية تشي بها بداية الرواية، فالمشهد الذي تبدأ الرواية به، وسط بغداد الزاهية المحتفلة بنجاتها من تاريخها الدامي، يمهد السبيل لواقعة أخرى مخالفة كلياً للمشهد الاحتفالي المبهج.
ينتهي المشهد باستدعاء الملك فيصل الثاني عارف البغدادي لقصر الرحاب، ثم نعرف أن سبب الاستدعاء متعلق برؤيا تلح على ابنته الأميرة عالية. وتتصل الرؤيا بحدث جلل محوره مشهد بصري يتكرر في يقظة الأميرة، كما لو أنه يحصل أمامها بوتيرة ثابتة؛ يختص المشهد بإبادة عائلتها المالكة في أثناء انقلاب على حكم أبيها وعائلته، وهو مما تنكرت الرواية له، وافترضت عدم حصوله.
تحكي الأميرة رؤاها لعارف، بغياب الملك، وعندما نصل إلى لحظة مكاشفة الأميرة لأبيها الملك بحقيقة رؤياها، نكون قد وصلنا إلى لحظة قتل الأميرة اغتيالاً. لكن للأميرة ورؤاها دوراً آخر أكثر أهمية وفاعلية في الرواية. ويتعلق هذا الدور بما يمثله عام 2000 من أهمية خاصة تنفتح على مشهد بغداد المحتفلة بالألفية الجديدة، وبنجاتها المفترضة «المحتملة» من تاريخها الحقيقي، وهو ذاته زمن السرد الذي نشهد فيه رغبة عارف البغدادي باستعادة وتذكر سيرته. فما علاقة رؤيا الأميرة المهلكة لعائلتها وحكمها بسيرة عارف البغدادي؟

عارف البغدادي ورؤيا الأميرة عالية
تنمو وتتشكل قصة الرؤيا، ومعها قصة الأميرة عالية ذاتها، بصفتها قصة مضادة للسيرة المحتملة لعارف وبلاده. وإن شئت الحق، قل إن قصة الرؤيا تمثل الذاكرة الحقيقية المقابلة لذاكرة عارف التي تتلاعب بالأحداث، والتاريخ وتفاصيله، مع أنها تظل جزءاً أصيلاً من الذاكرة المحتملة التي تروي السيرة.
ولا بأس، فالاحتمال لا يتقاطع كلياً مع الواقع وتاريخه، إنما يجري تصحيح المسار باحتمال الرؤية المختلفة للتاريخ ومسارات السيرة. وفي حكاية الرؤيا وصاحبتها، نعثر على ملامح وتفاصيل تُفيد بأن القصة المحتملة للأميرة لا تفارق الواقع كلياً، فهي ذاكرة النص الحقيقية التي تتضاد مع ذاكرة عارف، وترغب في استمرار بتصحيح السيرة برمتها.
فإذا كان عارف البغدادي، كما تقول لنا سيرته، هو الابن الشرعي للدولة العراقية، بصفته وتاريخه وأسرته البغدادية، فإن قصة الأميرة تنمو جوارها، وتكون جزءاً مما أهملته السيرة. تولد الأميرة بعد انتظار سبعة عشر عاماً من زواج الملك. حتى ولادتها لا تحصل في بغداد، إنما تولد في لندن بعد مشقة وانتظار. وما إن تتلبس بها الرؤيا المهلكة حتى تتكامل وظائف قصة الرؤيا المقابلة لقصة البغدادي وسيرته.
نحن هنا إزاء مقابلة تتكتم عليها الرواية قدر ما أمكنها الأمر، فالشقاء في قصة الأميرة عالية هو المقابل للمشاهد الاحتفالية الصاخبة حيناً في سيرة عارف البغدادي، بل هو المقابل الأهم لتزييف السيرة، سيرة عارف المندمجة بسيرة بلاده. وبموتها اغتيالاً، تعود السيرة لرتابة الواقع وحديته، إذ يعود عارف محطماً من رحلته مع عائلته في تركيا.
ومثلما سمع بولادة عالية من الراديو، هناك في تركيا، يسمع ويشاهد الآن اغتيال عالية، وفي تركيا أيضاً. تنتصر واقعية العنف والقتل في نهاية المطاف، فالأميرة لم تمت ميتة ربها، إنما تحقيقاً لرؤياها المرعبة: الموت اغتيالاً.
وفي الختام، فإن الاحتمال، وإعادة سرد وقائع تاريخ كامل بمنطق يغاير ما حصل بصورة فعلية، يستجيب لتمنيات وآمال عريضة تراود أغلب العراقيين بأن يستفيقوا، فيجدوا أن تاريخاً مختلفاً هو ما تحقق فعلاً وحقيقة. وهي أمنية، مجرد أمنية.
وهو يستجيب كذلك لمنطق السرد واشتغالاته باختلاق واقع مختلف. وهو منطق القصة في عالم مختلف، يرغب أبناؤه برؤية وكتابة تاريخ مختلف، ولا بأس. لكن الاحتمال يتعثر بإشكالية اللغة السردية التي تُفيد في منطق المقال السيري أكثر من فائدتها في التمثيل السردي لعالم الشخصيات. وهي ذاتها مشكلة رواية الكاتب ضياء الخالدي السابقة (قتلة) المهمة ولا شك؛ في الروايتين، تدمج اللغة السردية عوالم الشخصيات حتى كأننا إزاء شخصية واحدة.
- كاتب أكاديمي من العراق



وفاة الملحن المصري محمد رحيم تصدم الوسط الفني

الملحن المصري محمد رحيم (إكس)
الملحن المصري محمد رحيم (إكس)
TT

وفاة الملحن المصري محمد رحيم تصدم الوسط الفني

الملحن المصري محمد رحيم (إكس)
الملحن المصري محمد رحيم (إكس)

تُوفي الملحن المصري محمد رحيم، في ساعات الصباح الأولى من اليوم السبت، عن عمر يناهز 45 عاماً، إثر وعكة صحية.

وكان رحيم تعرض لذبحة صدرية منذ أشهر، تحديداً في يوليو (تموز) الماضي، دخل على أثرها إلى العناية المركزة، حسبما أعلنت زوجته أنوسة كوتة، مدربة الأسود.

وكان رحيم قد أعلن اعتزاله مهنة الفن والتلحين في فبراير (شباط) الماضي، وتعليق أنشطته الفنية، وبعدها تراجع عن قراره ونشر مقطع لفيديو عبر حسابه الرسمي على «فيسبوك»، قال فيه حينها: «أنا مش هقولكم غير إني بكيت بالدموع من كتر الإحساس اللي في الرسائل اللي بعتوهالي وهتشوفوا ده بعينكم في ندوة، خلاص يا جماعة أنا هرجع تاني علشان خاطركم إنتوا بس يا أعظم جمهور وعائلة في العالم، وربنا ميحرمناش من بعض أبداً».

ونعى تركي آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه في السعودية، رحيم، وكتب عبر موقع «فيسبوك»، اليوم السبت: «رحم الله الملحن محمد رحيم وغفر الله له، عزائي لأهله ومحبيه، خبر حزين».

ورحيم من مواليد ديسمبر (كانون الأول) 1979. درس في كلية التربية الموسيقية، وبدأ مسيرته بالتعاون مع الفنان حميد الشاعري، وأطلق أول أغانيه مع الفنان المصري عمرو دياب «وغلاوتك»، ثم قدم معه ألحاناً بارزة منها أغنية «حبيبي ولا على باله». كما تعاون رحيم مع العديد من الفنانين، ومنهم: محمد منير، وأصالة، وإليسا، ونوال الزغبي، وأنغام، وآمال ماهر، ونانسي عجرم، وروبي، وشيرين عبد الوهاب، ومحمد حماقي، وتامر حسني، وغيرهم.

كما نعى رحيم عدد من نجوم الفن والطرب، وكتب الفنان تامر حسني عبر خاصية «ستوري» بموقع «إنستغرام»: «رحل اليوم صاحب أعظم موهبة موسيقية في التلحين في آخر 25 سنة الموسيقار محمد رحیم. نسألكم الدعاء له بالرحمة والفاتحة»، وأضاف: «صلاة الجنازة على المغفور له بإذن الله، صديقي وأخي محمد رحيم، عقب صلاة الظهر، بمسجد الشرطة بالشيخ زايد، إنا لله وإنا إليه راجعون».

منشور الفنان تامر حسني في نعي رحيم

وكتب الفنان عمرو دياب عبر حسابه الرسمي على «إكس»، اليوم السبت: «أنعى ببالغ الحزن والأسى رحيل الملحن المبدع محمد رحيم».

وكتبت الفنانة أنغام عبر موقع «إكس»: «خبر صادم جداً رحيل #محمد_رحيم العزيز المحترم الزميل والأخ والفنان الكبير، لا حول ولا قوة إلا بالله، نعزي أنفسنا وخالص العزاء لعائلته».

وكتبت الفنانة أصالة عبر موقع «إكس»: «يا حبيبي يا رحيم يا صديقي وأخي، ومعك كان أحلى وأهم أعمال عملتهم بمنتهى الأمانة بموهبة فذّة الله يرحمك يا رحيم».

كما كتب الشاعر المصري تامر حسين معبراً عن صدمته بوفاة رحيم: «خبر مؤلم جداً جداً جداً، وصدمة كبيرة لينا كلنا، لحد دلوقتي مش قادر أستوعبها وفاة أخي وصديقي المُلحن الكبير محمد رحيم، لا حول ولا قوة إلا بالله».

كما نعته المطربة آمال ماهر وكتبت عبر موقع «إكس»: «لا حول ولا قوة إلا بالله. صديقي وأخي الغالي الملحن محمد رحيم في ذمة الله. نسألكم الدعاء».

وعبرت الفنانة اللبنانية إليسا عن صدمتها بكلمة: «?what»، تعليقاً على نبأ وفاة رحيم، في منشور عبر موقع «إكس»، من خلال إعادة تغريد نبأ رحيله من الشاعر المصري أمير طعيمة.

ونعته إليسا في تغريدة لاحقة، ووصفته بالصديق الإنسان وشريك النجاح بمحطات خلال مسيرتها ومسيرة كثير من زملائها.

ونشرت الفنانة اللبنانية نوال الزغبي مقطع فيديو به أبرز الأعمال التي لحنها لها رحيم، منها أول تعاون فني بينهما وهي أغنية «الليالي»، بالإضافة لأغنية «ياما قالوا»، وأغنية «صوت الهدوء»، التي كتب كلماتها رحيم. وكتبت الزغبي عبر «إكس»: «الكبار والمبدعون بيرحلوا بس ما بيموتوا».

ونشرت الفنانة اللبنانية نانسي عجرم صورة تجمعها برحيم، وكتبت عبر موقع «إكس»: «ما عم صدق الخبر». وكتبت لاحقا: «آخر مرة ضحكنا وغنّينا سوا بس ما كنت عارفة رح تكون آخر مرة». رحيم قدم لنانسي عدة أعمال من بينها «فيه حاجات» و«عيني عليك»، و«الدنيا حلوة»، و«أنا ليه».

ونشرت المطربة التونسية لطيفة عدة صور جمعتها برحيم عبر حسابها بموقع «إكس»، وكتبت: «وجعت قلبي والله يا رحيم... ده أنا لسه مكلماك ومتفقين على شغل... ربنا يرحمك ويصبر أهلك ويصبر كل محبينك على فراقك».

وكتبت الفنانة أحلام الشامسي: «إنا لله وإنا إليه راجعون، فعلاً خبر صادم ربي يرحمه ويغفر له».

كما نعته الفنانة اللبنانية هيفاء وهبي وكتبت عبر «إكس»: «وداعاً الفنان الخلوق والصديق العزيز الملحن المبدع #محمد_رحيم».

وشارك الفنان رامي صبري في نعي رحيم وكتب عبر حسابه الرسمي بموقع «إكس»: «خبر حزين وصدمة كبيرة لينا».

وشاركت الفنانة بشرى في نعي رحيم، وكتبت على «إنستغرام»: «وداعاً محمد رحيم أحد أهم ملحني مصر الموهوبين في العصر الحديث... هتوحشنا وشغلك هيوحشنا».

وكان رحيم اتجه إلى الغناء في عام 2008، وأصدر أول ألبوماته بعنوان: «كام سنة»، كما أنه شارك بالغناء والتلحين في عدد من الأعمال الدرامية منها «سيرة حب»، و«حكاية حياة».