المضاربات تعصف مجدداً بـ«دولار بيروت» نزولاً وصعوداً

مواطنون أمام محل لتصريف العملة في بيروت الشهر الماضي (أ.ب)
مواطنون أمام محل لتصريف العملة في بيروت الشهر الماضي (أ.ب)
TT

المضاربات تعصف مجدداً بـ«دولار بيروت» نزولاً وصعوداً

مواطنون أمام محل لتصريف العملة في بيروت الشهر الماضي (أ.ب)
مواطنون أمام محل لتصريف العملة في بيروت الشهر الماضي (أ.ب)

لم تدم غبطة اللبنانيين طويلاً بالتحسن الملموس الطارئ على سعر صرف الليرة وتعميم إشاعات عن إمكانية اختراق عتبة 5 آلاف ليرة نزولاً إزاء الدولار الأميركي؛ إذ شهدت أسواق التداولات الموازية في بداية الأسبوع استهلاك كامل التقدم «الاصطناعي» الذي تم ترويجه في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، وعادت العملة الخضراء لتحلق عند مستوى 8 آلاف ليرة بعد ظهر أمس، مع تسجيل تقلّص واضح في عرض الدولار النقدي (البنكنوت).
ورجحت مصادر مصرفية لـ«الشرق الأوسط» حصول عمليات مضاربة عكسية عبر إشاعة معلومات لا تستند إلى عوامل موضوعية عن انخفاض دراماتيكي في سعر الدولار مقابل الليرة، وذلك بهدف حفز بعض المدخرين في المنازل والمتاجرين غير المحترفين بالعملات على عرض العملة الصعبة. وتمت المغالاة في استثمار تحركات وإشارات سياسية غير مؤكدة النتائج بشأن دعم خارجي وشيك، وتضخيم «الكميات» الواردة من الدولار النقدي بحوزة الوافدين إلى لبنان عقب إعادة تشغيل مطار بيروت، فضلاً عن استغلال إقفال محال الصرافة المرخصة والمصارف في العطلة الأسبوعية لتزخيم الطلب على الليرة في السوق السوداء.
ولاحظ مسؤول مصرفي أن تراخي السلطة النقدية في إعادة ضبط السوق الموازية، بعدما أوكلت خلال الأسابيع الأخيرة، بطلب رئاسي، إلى الصرافين مهام تتعدى خصائص مهنتهم وأعمالهم، وبالأخص لجهة وضع الشروط الخاصة بصرف الدولار المدعوم وتولي عمليات تحويلات إلى الخارج لصالح الأفراد والتجار وسواهم، يساهم في توليد تفاعلات غير مرغوبة في الأسواق المالية. وأشار في هذا الإطار إلى «التفلت» في المبادلات النقدية وتزخيم خروجها عن القواعد المألوفة، بحيث تتحكم نسبة لا تتجاوز 10 في المائة من العمليات اليومية بمستويات التسعير، ثم تتمدد الفوضى إلى أسواق الاستهلاك، حيث يتم تحميل المستوى الأعلى للدولار في السوق السوداء على أسعار معظم السلع المستوردة وجزئياً على السلع المحلية.
وعدّ المسؤول المصرفي أن التصويب الجزئي الذي جرى عبر إعادة توكيل المصارف بإدارة الجزء الأكبر من محفظة الدولار المدعوم، والذي يوفره البنك المركزي بسعر 3900 ليرة لصالح مستوردي سلة السلع الغذائية والأساسية التي أقرتها وزارة الاقتصاد، ساهم فعلياً في كبح الطلب الحقيقي والمبرر على الدولار لدى الصرافين المرخصين وأشاع أجواء أقل توتراً في السوق الموازية، بخلاف ما كانت تعكسه صفوف الانتظار الطويلة التي تحتشد أمام شركات الصرافة يومياً من هلع وتحريك للطلب على العملة الخضراء. لكن هذا العامل تقني بحت بطبيعته وآلية تنفيذه ولا يتم تصنيفه عاملاً مؤثراً في تغيير جدي في اتجاه حركتي العرض والطلب، ومن الضروري رفده بتحفيز عودة الأعمال المصرفية تدريجياً إلى طبيعتها، لأن المصارف ملزمة باحترام منظومات محاسبية ورقابية شفافة تجاه السلطة النقدية.
في المقابل، فإن تكاثر صعوبات تقدم المفاوضات الجارية مع خبراء صندوق النقد الدولي والهادفة خصوصاً إلى تأمين برنامج تمويل مالي ميسر لمعاونة الحكومة على معالجة الفجوة المالية الكبيرة التي تفشت إلى أزمات متعددة طالت كل مفاصل الإنتاج والعمل والتشغيل، يولّد عوامل سلبية صريحة للضغط على النقد الوطني، لا سيما في ظل إيصاد الأبواب الإقليمية والدولية بوجه الحكومة اللبنانية وتعثر خطواتها في الملف الإصلاحي رغم إدراك الجميع أن هذا الملف الحيوي هو الخيار الوحيد لفتح نوافذ الدعم الخارجي، وهو الشرط اللازم أصلاً للحصول على مساندة صندوق النقد.
ويعاني اللبنانيون من «دوار» لا ينقطع في تتبع يوميات الدولار وتنوع أسعاره بين «مدعوم بالكامل» و«نصف مدعوم» و«سوقي» و«متفلت». فالسعر الرسمي البالغ 1515 ليرة لكل دولار، لا يزال صمام الأمان الوحيد لمنع التضخم من بلوغ أرقام فلكية وتعريض الأمن الاجتماعي لهزات عنيفة. فهذا السعر يغطي، بصفة خاصة، مستوردات البلاد من القمح والمحروقات والأدوية وبعض المستلزمات الطبية المهمة. ويتم تمويله حصراً، والذي يقدر أن يصل إلى 5 مليارات دولار هذا العام، من احتياطات البنك المركزي البالغة حالياً نحو 20 مليار دولار. أما دعم السلع الأساسية والغذائية فيتم بسعر 3900 ليرة لكل دولار، إنما من خلال التحويلات الواردة عبر شركات الأموال غير المصرفية والتي يلزمها البنك المركزي بتسليم أصحاب الحقوق بدل التحويلات بالليرة بالسعر عينه. وهو أيضاً السعر المعتمد للصرف من الودائع الدولارية لدى المصارف والمسماة اصطلاحاً «لولار».
ويقدّر أن التحويلات الواردة عبر المؤسسات غير المصرفية تناهز 5 ملايين دولار يومياً في معدل وسطي. وثمة إشارات إلى تراجع مطرد في حجم هذه المبالغ بسبب ما يصفه أصحاب الحقوق من ظلم يقع عليهم جراء التحويل الإلزامي للدولار بنصف قيمته السوقية، علماً بأن المستفيدين هم غالباً من عائلات لبنانيين عاملين في الخارج. وتتراوح تحويلاتهم بين 500 و2000 دولار شهرياً. وقد اختاروا هذه الوسيلة لتوفير جزء من العمولات، وأضيف إليها حالياً التخوف من حجز التحويل لدى المصرف، علماً بأن البنك المركزي يلزم المصارف بالدفع النقدي للتحويلات الجديدة المسماة بدورها «Fresh Money».



تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
TT

تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)

وضع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سيناريو متشائماً لتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن إذا ما استمر الصراع الحالي، وقال إن البلد سيفقد نحو 90 مليار دولار خلال الـ16 عاماً المقبلة، لكنه وفي حال تحقيق السلام توقع العودة إلى ما كان قبل الحرب خلال مدة لا تزيد على عشرة أعوام.

وفي بيان وزعه مكتب البرنامج الأممي في اليمن، ذكر أن هذا البلد واحد من أكثر البلدان «عُرضة لتغير المناخ على وجه الأرض»، ولديه أعلى معدلات سوء التغذية في العالم بين النساء والأطفال. ولهذا فإنه، وفي حال استمر سيناريو تدهور الأراضي، سيفقد بحلول عام 2040 نحو 90 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي التراكمي، وسيعاني 2.6 مليون شخص آخر من نقص التغذية.

اليمن من أكثر البلدان عرضة لتغير المناخ على وجه الأرض (إعلام محلي)

وتوقع التقرير الخاص بتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن أن تعود البلاد إلى مستويات ما قبل الصراع من التنمية البشرية في غضون عشر سنوات فقط، إذا ما تم إنهاء الصراع، وتحسين الحكم وتنفيذ تدابير التنمية البشرية المستهدفة.

وفي إطار هذا السيناريو، يذكر البرنامج الأممي أنه، بحلول عام 2060 سيتم انتشال 33 مليون شخص من براثن الفقر، ولن يعاني 16 مليون شخص من سوء التغذية، وسيتم إنتاج أكثر من 500 مليار دولار من الناتج الاقتصادي التراكمي الإضافي.

تحذير من الجوع

من خلال هذا التحليل الجديد، يرى البرنامج الأممي أن تغير المناخ، والأراضي، والأمن الغذائي، والسلام كلها مرتبطة. وحذّر من ترك هذه الأمور، وقال إن تدهور الأراضي الزائد بسبب الصراع في اليمن سيؤثر سلباً على الزراعة وسبل العيش، مما يؤدي إلى الجوع الجماعي، وتقويض جهود التعافي.

وقالت زينة علي أحمد، الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، إنه يجب العمل لاستعادة إمكانات اليمن الزراعية، ومعالجة عجز التنمية البشرية.

تقلبات الطقس تؤثر على الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية في اليمن (إعلام محلي)

بدورها، ذكرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) أن النصف الثاني من شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي يُنذر بظروف جافة في اليمن مع هطول أمطار ضئيلة في المناطق الساحلية على طول البحر الأحمر وخليج عدن، كما ستتقلب درجات الحرارة، مع ليالٍ باردة مع احتمالية الصقيع في المرتفعات، في حين ستشهد المناطق المنخفضة والساحلية أياماً أكثر دفئاً وليالي أكثر برودة.

ونبهت المنظمة إلى أن أنماط الطقس هذه قد تؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وتضع ضغوطاً إضافية على المحاصيل والمراعي، وتشكل تحديات لسبل العيش الزراعية، وطالبت الأرصاد الجوية الزراعية بضرورة إصدار التحذيرات في الوقت المناسب للتخفيف من المخاطر المرتبطة بالصقيع.

ووفق نشرة الإنذار المبكر والأرصاد الجوية الزراعية التابعة للمنظمة، فإن استمرار الظروف الجافة قد يؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وزيادة خطر فترات الجفاف المطولة في المناطق التي تعتمد على الزراعة.

ومن المتوقع أيضاً - بحسب النشرة - أن تتلقى المناطق الساحلية والمناطق الداخلية المنخفضة في المناطق الشرقية وجزر سقطرى القليل جداً من الأمطار خلال هذه الفترة.

تقلبات متنوعة

وبشأن تقلبات درجات الحرارة وخطر الصقيع، توقعت النشرة أن يشهد اليمن تقلبات متنوعة في درجات الحرارة بسبب تضاريسه المتنوعة، ففي المناطق المرتفعة، تكون درجات الحرارة أثناء النهار معتدلة، تتراوح بين 18 و24 درجة مئوية، بينما قد تنخفض درجات الحرارة ليلاً بشكل حاد إلى ما بين 0 و6 درجات مئوية.

وتوقعت النشرة الأممية حدوث الصقيع في مناطق معينة، خاصة في جبل النبي شعيب (صنعاء)، ومنطقة الأشمور (عمران)، وعنس، والحدا، ومدينة ذمار (شرق ووسط ذمار)، والمناطق الجبلية في وسط البيضاء. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع حدوث صقيع صحراوي في المناطق الصحراوية الوسطى، بما في ذلك محافظات الجوف وحضرموت وشبوة.

بالسلام يمكن لليمن أن يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب (إعلام محلي)

ونبهت النشرة إلى أن هذه الظروف قد تؤثر على صحة الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية، وسبل العيش المحلية في المرتفعات، وتوقعت أن تؤدي الظروف الجافة المستمرة في البلاد إلى استنزاف رطوبة التربة بشكل أكبر، مما يزيد من إجهاد الغطاء النباتي، ويقلل من توفر الأعلاف، خاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة.

وذكرت أن إنتاجية محاصيل الحبوب أيضاً ستعاني في المناطق التي تعتمد على الرطوبة المتبقية من انخفاض الغلة بسبب قلة هطول الأمطار، وانخفاض درجات الحرارة، بالإضافة إلى ذلك، تتطلب المناطق الزراعية البيئية الساحلية التي تزرع محاصيل، مثل الطماطم والبصل، الري المنتظم بسبب معدلات التبخر العالية، وهطول الأمطار المحدودة.

وفيما يخص الثروة الحيوانية، حذّرت النشرة من تأثيرات سلبية لليالي الباردة في المرتفعات، ومحدودية المراعي في المناطق القاحلة، على صحة الثروة الحيوانية وإنتاجيتها، مما يستلزم التغذية التكميلية والتدخلات الصحية.