الباسيج الإيراني.. تصدير للجماعات المسلحة أم صنع للإرهاب؟

ميزانيته خاصة لا تعرض على البرلمان.. ولا تملك أي مؤسسة دستورية حق الرقابة عليه مما يجعله فوق القانون

نجحت هذه الوحدات العسكرية في قمع الحركة الخضراء، التي اندلعت بعد التلاعب الذي وقع في نتائج الانتخابات الرئاسية لسنة 2009 التي فاز بها الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد
نجحت هذه الوحدات العسكرية في قمع الحركة الخضراء، التي اندلعت بعد التلاعب الذي وقع في نتائج الانتخابات الرئاسية لسنة 2009 التي فاز بها الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد
TT

الباسيج الإيراني.. تصدير للجماعات المسلحة أم صنع للإرهاب؟

نجحت هذه الوحدات العسكرية في قمع الحركة الخضراء، التي اندلعت بعد التلاعب الذي وقع في نتائج الانتخابات الرئاسية لسنة 2009 التي فاز بها الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد
نجحت هذه الوحدات العسكرية في قمع الحركة الخضراء، التي اندلعت بعد التلاعب الذي وقع في نتائج الانتخابات الرئاسية لسنة 2009 التي فاز بها الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد

تتعلق القضية هنا بواحدة من الآليات الجديدة القديمة الإيرانية لخلخلة الاستقرار السياسي وخلق جيوب مذهبية ذات ولاء خارجي تجعل من بعض الدول العربية دولا عاجزة يسودها الاقتتال الداخل، المذهبي والطائفي. وقد اتخذت هذه الآلية بعدا استراتيجيا في التعامل الدولي الإيراني تجاه الدول العربية منذ بداية الثمانينات من القرن الـ20؛ وكان القصد من ذلك استنبات بيئات ملائمة لتفريخ جماعات مسلحة بآيديولوجية دينية ومذهبية شيعية مرتبطة بولاية الفقيه. من هنا اخترنا التطرق للباسيج وطبيعة تأثيراتها في بعض التحولات بالمنطقة العربية وأفريقيا.
«الباسيج» كلمة إيرانية يقصد بها «التعبئة» أو «قوات التعبئة الشيعية»، ويرأسها حاليا العميد محمد رضا نقدي؛ وقد أسسها الخميني منذ 1979 لتكون جيشا تابعا لمرشد الثورة. وهي وحدات عسكرية تتكون من متطوعين من الرجال والنساء التابعين للحرس الثوري الإيراني. وقد شاركت «الباسيج» في الحرب العراقية الإيرانية، كما لعبت دورا مهما في قضايا داخلية وخارجية. فقد نجحت هذه الوحدات العسكرية في قمع الحركة الخضراء، التي اندلعت بعد التلاعب الذي وقع في نتائج الانتخابات الرئاسية لسنة 2009 التي فاز بها الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد. وظهرت فيه «قوات التعبئة الشيعية» باعتبارها صمام أمان النظام السياسي الإيراني، والجهاز العسكري الأول المخول له على المستوى الداخلي مهمة الدفاع عن الجمهورية والثورة وقيمها الدينية.
ولعل هذا الوضع الاستثنائي هو ما يفسر الدور السياسي والاجتماعي للباسيج. فانتماء «التعبئة» للحرس الثوري متعها بميزانية خاصة لا تعرض على البرلمان، ولا تملك أي مؤسسة دستورية حق الرقابة على تصرفات «الباسيج» المالية. كل هذا جعل منها هيئة فوق القانون، بل إن كثيرا من المعارضين لهذه الفئة العسكرية يعتبرونها دولة داخل دولة، خاصة أن دورها يمتد كذلك للعمل المخابراتي ومراقبة الهيئات السياسية والمجتمع المدني.
فإذا رجعنا لأحداث مايو (أيار) عام 2009 نجد أن اللواء محمد علي جعفري، القائد بالحرس الثوري، أكد أن «فئة الباسيج لا تمارس عملا عسكريا، ويجوز لها أن تشارك في العمل السياسي»، وأن مشاركة «قوات التعبئة الشيعية» في العمل السياسي حق من حقوق الدستورية لتلك المجموعة، أما مهدي كروبي، الذي كان مرشحا للرئاسة، فقد انتقد الدور المزدوج «للتعبئة»، معتبرا ذلك عملا غير مقبول وتدخلا للجيش في السياسة، و«سوء أخلاق سياسيا».
ولم تكن هذه هي المرة الأخيرة التي يتعرض فيها دور «الباسيج» للنقد والنقاش السياسي العام بإيران. ففي 22 أكتوبر (تشرين الأول) 2014 عارض الرئيس الإيراني، حسن روحاني، محاولة لتوسيع صلاحيات «التعبئة» الذي تضمنه مشروع قانون بمجلس الشورى من اقتراح التيار المحافظ. غير أن ما يجب التنبه له ليس الاختلاف الشكلي القائم بين المحافظين والمعتدلين بشأن «الباسيج»، بل اتفاق الطرفين على ضرورة تقوية هذه الفئة العسكرية والزيادة من أعدادها وتمكينها من لعب دور كبير على مستوى تصدير الثورة، وتشكيل جماعات مسلحة موالية لإيران في الدول التي تضم الشيعة.
ومما يثبت ذلك عدم تغير إيران لاستراتيجية توسيعها لعضوية هذه الفئة، سواء على مستوى العدد، أو على مستوى فتحها في وجه شيعة العالم، خاصة الشيعة العرب. فقد كانت هذه الفئة محدودة العدد، لكن السنوات الأخيرة شهدت تقوية غريبة من نوعها للباسيج حيث انتقلت من 9 ملايين عضو سنة 2009 إلى نحو 20 مليون عضو سنة 2014.
وكنتيجة للجهود الإيرانية في حشد وتدريب شيعة العالم، لم يعد من الغريب اليوم أن نسمع بقوات «الحشد الشعبي» بالعراق، و«بأنصار الله ولجانهم الشعبية المسلحة» باليمن، وميليشيات «الجيش الشعبي» بسوريا. فلم يعد مخفيا على أحد الدور الذي تلعبه إيران في حماية النظام السياسي السوري من خلال «الباسيج»، وقد أكد محمد رضا نقدي، قائد قوات التعبئة الشعبية «الباسيج»، أن «ملايين الإيرانيين مستعدون للذهاب إلى سوريا وغزة وهم يراجعوننا لهذا الغرض». من جهة أخرى، استطاعت إيران من خلال استئجارها لعدد من الجزر الإريترية، أن توصل مختلف الأسلحة للمتمردين الحوثيين باليمن، وأن تنشئ معسكرات تدريب لهم هناك.
فبعد أن اعتبرت إيران خلق «حزب الله» اللبناني نجاحا مبهرا في تصدير الثورة المسلحة، تأتي هذه المستجدات اليمنية والعراقية والسورية لتؤكد أن تكوين الجماعات المسلحة ودعمها هو رأس حربة السياسة الإيرانية الجديدة القديمة، خاصة أن القانون المنظم للباسيج يسمح «ويدعو» لاستقبال متطوعين وتدريبهم في إيران شريطة انتمائهم للمذهب الشيعي، وأن يكون ولاؤهم اعتقاديا للمرشد. وقد ترتب على هذا تأطير «الباسيج» والحرس الثوري الإيراني لآلاف المتطوعين من دول مجلس التعاون الخليجي ولبنان واليمن وأفغانستان. كما أعلن في يوليو (تموز) 2014 عن تشكيل ميليشيات شيعية باكستانية تحت اسم «أفواج حيدر الكرار» التي تلقت تدريباتها الأولى بمدينة قم.
وتماشيا مع استراتيجيتها في بناء النفوذ في المناطق الجيوستراتيجية الدولية، تواصل إيران عملها العسكري والسياسي شرق أفريقيا خاصة بتنزانيا وكينيا والكونغو مستغلة بعض التداخل اللغوي بين لغة السواحل مع الفارسية؛ أما في نيجيريا المنطقة الأكثر أهمية لإيران فقد استطاعت إيران بناء نفوذ استخباراتي مؤثر ساعدها في ذلك وجود تنظيمات شيعية بشمال نيجيرية مثل حركة أحمد الزكزكي الشيعية. أما غرب أفريقيا فقد استغلت إيران مجهودات التجار اللبنانيين الشيعة والدعم الذي تلقوه من موسى الصدر والمجلس الأعلى الشيعي من خلال زيارته في الستينات من القرن الـ20 لبعض دول المنطقة لتخلق وتطور علاقات وثيقة هناك.
إذا كان من الطبيعي أن تحافظ كل دولة على مصالحها الاستراتيجية في منتظم دولي متحول، فإنه من الطبيعي أن يكون ذلك وفقا للأعراف والقانون الدولي. غير أن المتتبع للسياسة الإيرانية القائمة على تصدير نموذج «الباسيج» واستنباته داخل مجموعة من الدول العربية، لا بد أن يتساءل عن مدى تشبث إيران بالسلام الإقليمي، وعن صحة نواياها تجاه الجماعات الإرهابية المتناسلة بالشرق الأوسط. هل إيران فعلا بريئة من تهمة صناعة الإرهاب والحركات الإرهابية؟ وهل إيران فعلا دولة لها مصلحة في الوقوف ضد «داعش»؟
عوض أن تتباهى إيران بامتداد نفوذها في العالم العربي ليشمل أربع عواصم هي بغداد ودمشق وبيروت وأخيرا صنعاء، أو أن يخرج نائب قائد الحرس الثوري بتاريخ 2014/11/5 ليقول إن نفوذ إيران امتد ليشمل دولا بشمال أفريقيا؛ عوض كل ذلك أصبح من اللازم على إيران تغيير سياسة تصدير الثورة المسلحة وصنع الإرهاب، وتبني سياسة حسن الجوار مع دول مجلس التعاون الخليجي ومختلف الدول العربية؛ حينما ستقوم إيران بهذا العمل الإنساني والدبلوماسي الدولي، وقت ذاك ستكون الجمهورية الإيرانية دولة تراعي المشترك الإسلامي الذي يجمعها مع العرب.

* أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس في الرباط



تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
TT

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)

غداة الزيارة المريبة التي قام بها الوالي العثماني المنحول إردوغان إلى تونس، علا صوت الكثير من الأحزاب التونسية والاتحادات العامة للشغل وغيرها من جماعات المجتمع المدني بالرفض لأن تكون تونس ممراً أو مستقراً لنقل «الدواعش» من سوريا إلى ليبيا بواسطة تركيا عبر بلادهم».
المطالب المتقدمة تعني أمراً واحداً، وهو يقين الشرفاء والنبلاء من الشعب التونسي بأن بعض من نوايا إردوغان الحقيقية بالنسبة لليبيا موصول بإعادة إنتاج التنظيم الإرهابي الأشرس في العقود الأخيرة (داعش)، وربما في طبعة جديدة أسوأ مما شهده العالم في العراق وسوريا خلال النصف الثاني من العقد الماضي.
أسئلة كثيرة تطل برأسها من نافذة الأحداث المتسارعة عن أحوال «داعش» وعن الفوضى والارتباك اللذين تتسبب فيهما تركيا في ليبيا، وفي الوسط تسعى لنقل معركتها إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وإلى العمق الأفريقي لأهداف سنأتي على تفصيلها.
علامة الاستفهام الأولى في هذا الحديث: «ما هو وضع الدواعش في الوقت الحاضر في موطن النشوء الأول ومن حول بلاد الشام التاريخية؟».
الجواب نجده بالتفصيل والأرقام عند هارون ي زيلين، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وعنده أنه في عام 2019 قدر البنتاغون أن ما بين 14 و18 ألف من مقاتلي تنظيم «داعش» لا يزالون في العراق وسوريا، والتساؤل ما الذي يفعلونه هناك؟
بلا شك مواصلة العمل كتنظيم إرهابي متمرد يكرس أعضاؤه جل وقتهم لمحاولة تهريب السجناء، وربما إعادة السيطرة على الأراضي، ومن خلال حرب استنزاف يعتقدون أنهم سيرهقون أعداءهم، كما أنهم يستفيدون من أي مساحات لا تسيطر عليها الحكومة المركزية أو يلعبون على وتر خطوط الصدع السياسية أو العرقية أو الدينية آملين في استغلالها لصالحهم.
> هل لدى التنظيم حتى الساعة مقدرة مالية على إدارة شؤونه بنفسه والإنفاق على عملياته الإرهابية؟
ــــ من الواضح أن الدواعش لا يزالون قابضين على ثروة تقدر بنحو 300 مليون دولار، ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2019، فإن «داعش» استثمر مجدداً أمواله في أعمال مشروعة، وربما بأسماء وهمية لا علاقة لها بأعضائه الإرهابين، أي من خلال عناصر نائمة، وذلك عبر العقارات، ووكلاء السيارات، ويوجد عدد منها في تركيا وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية التي صنفت أفراداً من تنظيم «داعش» وشركات تحويل وصرافة على لائحة الإرهاب.
> ماذا تعني تلك البيانات المتقدمة؟
ــــ باختصار غير مخل، تشير إلى أن التنظيم لا يزال باقياً وفاعلاً، وأن الأيادي التركية السوداء تقف وراءه في أقصى الشرق، وها هي تجد فرصة غير مسبوقة ليعبر المتوسط جهة الغرب ويحل برحاله في ليبيا.
لم ينس إردوغان للحظة واحدة أنه في الشرق من ليبيا، توجد مصر الكنانة التي أسقطت مشروعه في عام 2013؛ فقد خيل له أنه قد أضحى الخليفة الجديدة بعد سنوات الربيع المغشوش؛ ولهذا فإن ملامح وعلامات الانتقام من مصر لا تغيب عن ناظريه، وقد حاول كثيراً استخدام الطابور الخامس من الإخوان المسلمين في مصر في زعزعة استقرار المحروسة وأخفق؛ ولهذا فقد بدا واضحاً أن الرجل المقهور يود نقل معركته إلى الداخل المصري بالاقتراب الكبير والمؤثر والفاعل؛ الأمر الذي لا يغيب عن أعين صقور المؤسسة العسكرية المصرية التي تقف له بالمرصاد.
وجد إردوغان ضالته المنشودة في جماعة الوفاق المنحلة، التي هي مزيج من الإخوان المسلمين والدواعش و«القاعدة» والجماعات الإرهابية كافة الشاردة والواردة، ومن خلال عمليات لوجيستية تتضح ساعة بعد أخرى، يمضي في إحياء التنظيم القاتل وله في ذلك أيضاً مأربان، أحدهما جهة الشمال والآخر ناحية الجنوب...ماذا عن ذلك؟
أما الشمال، فالمقصود به أوروبا، حيث العداء التاريخي المستحكم من تركيا تجاه أوروبا، وإردوغان يشعر بالغدر والخيانة من جراء رفض الاتحاد الأوروبي قبوله تحت سقفه؛ ولهذا أطلق تصريحات ذات طبيعة دوجمائية أكثر من مرة، حاول بها تفعيل مشاعر ديماجوجية في وسط الأتراك ليكتسب شعبية، رغم أن الأمر ارتد عليه مؤخراً بالسلب.
يسعى إردوغان من تأصيل وجود «الدواعش» على الشاطئ المتوسطي المواجه لأوروبا إلى استخدام الإرهاب الأصولي كأحدى أوراق نفوذه ضد ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والبرتغال، وقبلهما اليونان وقبرص، وهو أمر ليس بجديد عليه، فقد صرح قبل فترة بأنه قادر على فتح بوابات الوصول إلى أوروبا أمام اللاجئين والدواعش لإغراق أوروبا، وربما إحراقها بنيران الدواعش ومن لفّ لفّهم.
إردوغان أيضاً له مأرب آخر يتصل بعمق القارة الأفريقية، وهو يدرك أن ما فقده من أوهام الخلافة في الشرق الأوسط، ربما يجد له صدى في وسط أفريقيا، حيث يغيب الأمن كثيراً عن بعض الدول من جهة، ولا سيما المفككة اجتماعياً، وحيث تنتشر جماعات الإرهاب المشابهة من «حركة الشباب» و«بوكو حرام» وما شابه، وغالبيتها قد أعلنت ولاءها وانضواءها تحت راية تنظيم «داعش» الإرهابية وليس الإسلامية قبل نحو عامين.
والشاهد، أن إردوغان لا ينشئ فرعاً جديداً لـ«داعش» في ليبيا، وإنما يسعى لإيقاظ المؤتلفة قلوبهم، إن جاز التعبير، أولئك الذين هم دواعش في الباطن وإن أبدوا خلاف ذلك في العلن، والمعروف أن الأرضية الأصولية الإخوانية في ليبيا كانت قد انتهزت فرصة الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، حيث أقام المقاتلون مثل سوريا والعراق حكماً دينياً، غير أنه وفي عام 2016 استطاعت قوات الحكومة ومقاتلون من مصراتة بدعم من القوات الأميركية الخاصة وطائرات «إف 16» إخراج مقاتلي التنظيم من سرت في ديسمبر (كانون الأول) 2016.
في ذلك الهجوم قُتلت أعداد كبيرة من المتشددين، في حين هرب البقية إلى الجنوب بحثاً عن ملاجئ آمنة، وأقاموا معسكرات تدريب استخدموها للسطو على شاحنات النفط، وحصلوا على موارد من خلال التهريب، وهرب بعضهم إلى النيجر، حيث انضموا إلى فرع التنظيم هناك. ورغم عددهم القليل فإنهم استمروا في هجماتهم السريعة.
مؤخراً، وحتى قبل التدخل الإردوغاني المسموم، بدأ القلق يتزايد في سرت مرة أخرى، حيث تم اعتقال عشرة أشخاص يشتبه بتعاطفهم مع التنظيم، منهم مهندسة عثر على جهاز لاسلكي في بيتها، كما قبض على رجل قابل أعضاء في «خلية نائمة»، وأقاموا حاجز تفتيش خارج المدينة لإظهار أنهم لا يزالون فيها.
> هل بدأت مرحلة إحياء «داعش» ليبيا بشكل رسمي الأيام الأخيرة وبدعم علني من تركيا لا يواري ولا يداري أهدافه الآثمة؟
ــــ من الواضح أن ذلك كذلك، ولا سيما في ضوء ما رصده «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في سوريا، والذي أشار قبل أيام إلى أن الفصائل السورية الموالية لتركيا قد افتتحت هناك مراكز تسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا.
> هل بدأ الحشد «الداعشي» التركي طريقه إلى ليبيا بالفعل؟
ــــ الشاهد، أنه، ومن أسف، قد بدأ عشرات الأشخاص يقصدون تلك المراكز للالتحاق بالمعارك في ليبيا للعمل تحت الحماية التركية هناك، كما نقلت مصادر محلية قولها إن الفصائل الموالية لتركيا تشجع الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية، وتقدم مغريات ورواتب مجزية تراوح بين 1800 و2000 دولار أميركي لكل مسلح شهرياً، علاوة عل تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة.
ولعل الذين تابعوا الأسبوع الماضي تصريحات المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري قد وقر لديهم أن عجلة إحياء تنظيم «داعش» في ليبيا قد دارت بالفعل، وذلك من خلال الأصابع المشبوهة للمخابرات التركية التي تقوم بنقل عناصر التنظيم، عطفاً على القادمين والمنتمين الجدد والذين هم في غالبيتهم مرتزقة ومؤدلجون أصوليون، والنوعان معاً، ولا سيما من أعضاء «جبهة النصرة» من سوريا إلى ليبيا عبر مطار جربة في تونس، الأمر الذي يعود بنا إلى الحديث عن تونس مرة جديدة، ويربط بينها وبين ما يجري في ليبيا.
> هل تعرّض التونسيون إلى خدعة كبرى في اختيارهم الأخير؟
ــــ مهما يكن من أمر ساكن القصر الرئاسي، إلا أن المؤكد أن حزب «النهضة التونسي» ليس إلا وجهاً آخر من أوجه الإخوان المسلمين في تونس، وهو أحد فروع التنظيم الدولي لـ«الإخوان» المسلمين المنتشر حول العالم، يأتمر بأمرهم، ويتوجه كيفما يعنّ لبوصلتهم.
هنا يصبح من الحقيقي التسليم بالمعلومات التي رصدها الجيش الليبي من استخدام مطارات تونس لغرض إنشاء «داعش» جديدة على الأراضي الليبية، ومنها مطار جربة، حيث تم إنزال مجموعات إرهابية في تونس، وتم نقلهم إلى ليبيا عن طريق الجبل الغربي، ومطار مصراتة وزواره، ومعتيقة تحديداً التي استقبلت أعداداً كبيرة من «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش».
في هذا السياق، يبقى من الطبيعي أن تنهض آمال «الدواعش» في تونس في الفترة المقبلة، أولئك الذين سيصبحون الجسر الواصل بين تونس وليبيا؛ الأمر الذي حذر منه البرلمان التونسي السابق قبل عودة النهضة الكارثية مرة أخرى، لكن في ظل السيطرة الإخوانية التونسية الأخيرة يكاد يكون الأمل سراباً في إعادة ضبط وتموضع «الدواعش» التونسيين.
حين نشير إلى أن دواعش ليبيا قد بدأوا مرحلة مغاير آخذة في التصاعد الإرهابي المؤلم، فإننا لا نرجم بالغيب، بل من خلال أدلة ليس آخرها الفيديو الذي أذاعوه نهار الخامس من ديسمبر 2019، وفيه ذبح لمواطنين ليبيين بينهم موظفون حكوميون سقطوا أسرى في أيدي التنظيم، ومشاهد بشعة لعمليات إعدام جماعية بالرصاص، في منطقة الفقهاء جنوب ليبيا.
الفيديو بثته وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم «داعش» حمل اسم «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم»، استمر نحو 31 دقيقة وأظهر معاملة مشينة من عناصر التنظيم للأسرى الذين وقع اختطافهم، أو المواطنين الذين تم اعتقالهم خلال عملياته الإرهابية على بلدة الفقهاء، حيث وثقت مقاطع عملية إعدام جماعية لأشخاص مكبلين رمياً بالرصاص على رؤوسهم.
الأسئلة الجوهرية في هذا السياق، هل ستبقى أوروبا مكتوفة الأيدي أمام تركيا وهي تعيد سيرة حروب القرون الوسطى من جديد، وهل ستكتفي بدور المشاهد بعد أن أسقطت نظام القذافي ولم يكن لها خطة لليوم التالي؟
ثم فيما يخص أميركا، لماذا يتسم موقفها بالميوعة السياسية، وهل يخشى إردوغان من التورط في الأزمة الليبية عسكرياً وهو في عام الانتخابات ولديه من الإشكاليات الداخلية ما يكفي؟
ألا تعد خطط إردوغان نوعاً من تهديد السلم العالمي، الأمر الذي يستوجب التنادي إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالاتحاد من أجل السلم قبل أن يستفحل الضرر ويتحول المشهد إلى حرب إقليمية؟
ثم ما هو الدور الروسي في ليبيا وهي التي تسعى لاستعادة نفوذها هناك، وهل سيقدر لها قطع الطريق على الآغا العثمانلي بطريق مشابهة لما فعلته مع الدواعش في سوريا؟