«القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» تجني ثروة طائلة عن طريق اتجارها في المخدرات

مختار بلمختار ملقب بـ«السيد مارلبورو» لشهرته في تهريب السجائر

«القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» تجني ثروة طائلة عن طريق اتجارها في المخدرات
TT

«القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» تجني ثروة طائلة عن طريق اتجارها في المخدرات

«القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» تجني ثروة طائلة عن طريق اتجارها في المخدرات

ليس تنظيم داعش الإرهابي، الوحيد في العالم الذي يحصد ثروات طائلة جراء نشاطات إجرامية، فتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» نجح بتكديس أموال ضخمة نتيجة انخراطه في أنشطة، كتهريب وتجارة المخدرات وعمليات الخطف.
تُعد عمليات التهريب العمود الفقري المالي للجماعات المتطرفة التي تسيطر إقليميا واقتصاديا على منطقة شاسعة من الصحراء الأفريقية، مما يوفر لها حرية تامة لتنفيذ عدد من الأنشطة غير المشروعة. وفي طليعة هذه الجماعات يأتي تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، وهي جماعة مسلحة متشددة تمتد تحركاتها في الصحراء وبلدان الساحل الأفريقي. نشأ هذا التنظيم عن «الجماعة الإسلامية المسلحة» سابقا التي عارضت بعنف العلمانية في الجزائر في التسعينات. وبحلول عام 1998 رفض الكثير من قادة «الجماعة الإسلامية المسلحة» الممارسات الوحشية التي كانت تُمارس، مثل قطع الرؤوس، وانفصلوا لتأسيس «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» وفقا لدراسة نشرها «مجلس العلاقات الخارجية» (CFR) ليعودوا لاحقا وينضموا إلى تنظيم القاعدة في عام 2000. ويطلقوا على أنفسهم تسمية «القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي».
وتتمثل أهداف «القاعدة في المغرب الإسلامي» في القضاء على النفوذ الغربي في شمال أفريقيا، والإطاحة بحكومات تعد «مرتدة» بما فيها حكومات الجزائر وليبيا ومالي وموريتانيا والمغرب وتونس، وإقامة عوضا عنها أنظمة أصولية «وفقا لمجلس العلاقات الخارجية». وتنقسم هذه المجموعة إلى «كتائب» عدة تقودها شخصيات بارزة، مثل الجزائري عبد المالك دروكدال المعروف أيضا باسم أبو مصعب عبد الودود، ومختار بلمختار الذي يعد من الأعضاء المؤسسين للجماعة قبل أن ينشق عنها في أواخر عام 2012 وينشئ منظمته الخاصة المعروفة باسم كتيبة «الملثمون». ووفقا لمجلس العلاقات الخارجية «يُعتقد أن بلمختار هو العقل المدبر وراء أزمة الرهائن في يناير (كانون الثاني) 2013 في منشأة الغاز الطبيعي عين أميناس في شرق الجزائر، التي أودت بحياة ما لا يقل عن 38 من المدنيين. وفي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، أعلنت جماعة مسلحة جديدة تطلق على نفسها اسم (جنود الخلافة في الجزائر) انشقاقها عن (القاعدة في المغرب الإسلامي) وأقسمت الولاء لـ(داعش) الذي يقاتل في سوريا والعراق».
ومع الوقت، تحولت هذه المجموعات إلى عصابات تعتمد على التهريب لتمويل نشاطها الجهادي؛ تسلط داليا غانم الباحثة في مركز كارنيغي في حديث لـ«الشرق الأوسط» الضوء على مصادر متعددة تستعملها هذه الجماعات للحصول على تمويل: «منها ضرائب المرور التي تؤمّن للمهربين حق المرور، والاتجار بالمخدرات وتهريب السجائر وتهريب النفط والغاز والسيارات والكحول، فضلا عن تسهيل اللجوء غير الشرعي عبر القوارب للوصول إلى أوروبا، وأخيرا عمليات الخطف».
وقد يكون تهريب المخدرات النشاط الأهم لدى هذه الجماعات؛ فبعد أن أُخضِعت الطرق القديمة عبر منطقة البحر الكاريبي لمراقبة مشددة، تزايد تهريب الكوكايين على متن القوارب والطائرات إلى غرب أفريقيا ليجري لاحقا تهريبه عبر الصحراء إلى أوروبا مرورا بمالي ومناطق أخرى تسيطر عليها «القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي» وجماعات إرهابية إسلامية أخرى. ويشير مجلس العلاقات الخارجية إلى أن «القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي» تضمن تهريب المخدرات وتؤمن مسلكا ساحليا حيويا بين الموردين في أميركا اللاتينية والأسواق الأوروبية.
وفي هذا السياق، أشارت مقالة نشرت في صحيفة «غارديان» البريطانية في شهر سبتمبر (أيلول) إلى شجاعة وجرأة الجماعات الجهادية في المنطقة الواقعة تحت سيطرة «القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي». ودائما نقلا عن صحيفة «غارديان»، تقدم الجماعات المسلحة رواتب مرتفعة جدا لتهريب الكوكايين الآتي من أميركا الجنوبية مرورا بمالي والنيجر وتشاد وليبيا. وتتميز مالي بخصائص مهمة لمهربي المخدرات، بما أنها تشكل محطة ملائمة في منتصف الطريق فضلا عن غياب حكومة قوية في البلاد، وعدم اللجوء إلى أي تكنولوجيا متطورة لوضع حد لمحاولات التهريب. «تأتي المخدرات من كولومبيا وفنزويلا وتمر عبر غانا وغينيا بيساو لتصل إلى موريتانيا ونيجيريا والسنغال ومالي. والكل يتذكر طائرة (بوينغ الكوكايين)، كما سمتها وسائل الإعلام التي سقطت في عام 2009 بينما كانت مقبلة من فنزويلا إلى مالي وعلى متنها 10 آلاف طن من الكوكايين، وتم العثور على حطامها قرب غاو شمال شرقي مالي. في النهاية، تدخل المخدرات إلى القارة الأوروبية عبر الجزائر والمغرب»، وفق «غارديان».
إلى ذلك، أشار مقال آخر نشر العام الماضي في الصحيفة البريطانية «صنداي تلغراف»، إلى أن تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي فرض «رسما» بقيمة 2000 دولار على كل كيلوغرام من المخدرات يجري تهريبه. وبذلك، يحصد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي والجماعات الإرهابية المتحالفة معه، الملايين من الدولارات كل عام من خلال توفير «مرافقة» مسلحة لتجار تهريب المخدرات عبر الصحراء. ووفقا لتقديرات مكتب الأمم المتحدة لمراقبة المخدرات(UNODC) يمر نحو 35 طنا من الكوكايين عبر غرب أفريقيا كل عام.
فضلا عن ذلك، تتضمن النشاطات المربحة الأخرى غير المشروعة التي تعتمدها هذه الجماعات الاتجار بالأسلحة وبالعربات والسجائر لدرجة جعلت بلمختار يحصل على لقب «السيد مارلبورو». كما أنه في أعقاب الحملة الجوية على ليبيا لحلف الناتو عام 2011. شهدت المنطقة الخاضعة لسيطرة «القاعدة في المغرب الإسلامي» تدفقا كبيرا للأسلحة سمح لها بالاستفادة من هذه التجارة بشكل كبير.
جنى تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي والكثير من حلفائه، مثل مجموعة بلمختار، المال أيضا من عمليات الخطف والمطالبة بالفديات. «إلا أنه من الصعب جدا تقدير المبالغ التي وصلت إلى أيديهم، لأن الحكومات عموما لا تعترف بها وعادة تنفي دفع الفديات»، وفق غانم. ففي عام 2013. دفعت فرنسا مبلغا يصل إلى 25 مليون يورو (أي 34 مليون دولار) فدية لتنظيم القاعدة لإطلاق سراح 4 فرنسيين احتجزوا رهائن لمدة سنة في منطقة الساحل الأفريقي، وفقا لمصادر كانت مقربة من العملية. وفي ذلك الوقت، نفى وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لو دريان دفع أي مبلغ من المال لتأمين الإفراج عن بيير ليجراند ودانيال لرب وتييري دول ومارك فيريه. أما مبالغ الفدية «فتتراوح عادة بين 5 إلى 10 ملايين دولار لكل رهينة اعتمادا على جنسيتها»، تقول غانم.
وعمليات الخطف هذه ليس مصدرا مهما للأموال فحسب، إنما تسهل أيضا تبادل السجناء، وتزرع الخوف في نفوس المؤسسات الأجنبية الموجودة في المنطقة. وفي هذا السياق، صرح ديفيد كوهين نائب وزير الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية في أكتوبر (تشرين الأول) 2012 أن الخطف مقابل فدية يمثل اليوم «التهديد الأخطر في تمويل الإرهاب». وتأتي الأرقام التي قدمتها غانم لتؤكد على هذه المقولة؛ ففي عام 2004، سُجّلت نحو 11 حادثة خطف في المنطقة، في حين ارتفع عددها في عام 2008 إلى 59 حالة.
تمكنت «القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي» من غسل وتبييض أموالها المكتسبة من الخطف والاتجار غير المشروع عبر استثمارات في العقارات والأراضي، خاصة في الجزائر وشمال مالي. وتؤكد غانم أن قوة استثمار تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي تتفوق على الحكومة نفسها.
أما لمحاربة تمدد هذا التنظيم الإجرامي ونشاطات التهريب، يمكن اتخاذ مبادرات عدة بدءا من جمع المعلومات الاستخباراتية، وصولا إلى وضع آليات تنظيمية ورقابية فاعلة وإدارة عمليات تسجيل الشركات والأعمال بشكل دقيق ومنظم.
كما ينبغي على بلدان الساحل الأفريقي أن تحسّن التنسيق فيما بينها في مكافحة الإرهاب وغسل الأموال، بما أن تعاونها يبقى ناقصا في الوقت الراهن، كما عليها أن تعزز تعاونها مع نظرائها الأوروبيين. فخلال أحداث عين أميناس في يناير 2013 في الجزائر لم تسمح السلطات الجزائرية بتدخل الأطراف المعنية كفرنسا واليابان من بين غيرها من البلدان، بما أنها اعتبرت أن مبدأ السيادة متقدم على أي مبدأ آخر. يصب هذا التباعد في نهاية المطاف في مصلحة الجماعات الإرهابية لأنها تعلم جيدا كيف يعمل وكيف يفكر «عدوها»، من دون أن يكون العكس صحيحا.



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».