هل ينتقل الفيروس التاجي فعلاً بالهواء؟

موظفون يصنعون كمامات في مكسيكو سيتي (إ.ب.أ)
موظفون يصنعون كمامات في مكسيكو سيتي (إ.ب.أ)
TT

هل ينتقل الفيروس التاجي فعلاً بالهواء؟

موظفون يصنعون كمامات في مكسيكو سيتي (إ.ب.أ)
موظفون يصنعون كمامات في مكسيكو سيتي (إ.ب.أ)

تنتشر التهابات الجهاز التنفسي بشكل عام بثلاث طرق، هي الاتصال المباشر، ومن القطرات، ومن الجسيمات المحمولة جواً.
فالقطرات هي جزيئات صغيرة من المخاط أو اللعاب، تأتي من فم أو أنف الشخص عند السعال أو العطاس أو الكلام، ويتراوح حجمها من 5 ميكرومترات (أو الميكرون وهو واحد بالمليون من المتر) إلى مئات الميكرونات في القطرة؛ حيث تسقط معظمها - وخصوصاً الكبيرة منها - على الأرض في غضون ثوانٍ، ولا تسافر عادة أكثر من متر أو مترين. أما انتقال الفيروس بالهباء الجوي أو «الإيروسول»، فيحدث بسبب الجسيمات المحمولة جواً والمعروفة باسم نوى القطيرات، وهي جزء من المخاط أو اللعاب، حجمها أصغر من 5 ميكرومترات. وينتج الناس نوى القطيرات عندما يتكلمون، ولكنها يمكن أن تتكون عندما تتبخر القطيرات الصغيرة، وتتقلص بالحجم لدرجة أنها تبدأ في الطفو قبل أن تسقط على الأرض. وينتج الناس الآلاف من هذه النوى الصغيرة في الثانية أثناء الكلام، ويمكن أن تحتوي الجسيمات المتطايرة على فيروسات حية تطفو في الهواء لساعات، ويصبح من السهل استنشاقها. وإذا ما احتوت على فيروسات حية، فيمكن أن تصيب الناس بالمرض.
في وقت مبكر من الوباء، كان الخبراء في مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، ومنظمة الصحة العالمية، أكثر قلقاً بشأن انتشار الفيروس التاجي عن طريق السطوح الملوثة غير الحية، ومن القطرات الكبيرة؛ لكن البحوث الحديثة زادت الأدلة على حدوث انتقال الفيروس في الهواء. وبدأت المنظمات توصي بأن يرتدي السكان عامة الأقنعة بكل أنواعها؛ لكن بالنسبة للأشخاص الذين يمارسون حياتهم ويتساءلون عن كيفية إعادة فتح المناطق العامة في جميع أنحاء العالم، يبقى السؤال: ما مدى أهمية انتقال الفيروس في الهواء؟

الجدل حول أقنعة الوجه
ما زال موضوع أقنعة الوجه أو الكمامات موضع نقاش خلال جائحة «كوفيد- 19». ففي بداية تفشي الوباء كان عديد من المسؤولين الحكوميين والسلطات الصحية لا يشجعون الناس على ارتداء الأقنعة، ويدَّعون أنه لا يوجد دليل مؤكد على أن ارتداءها سوف يمنع انتشار الفيروس بين عامة الناس. ثم بعد ذلك بدأت الحكومات تدريجياً تطلب أو توصي المواطنين بارتداء الكمامات في الأماكن العامة. وفي يونيو (حزيران) الماضي، أوصت منظمة الصحة العالمية باستخدام أقنعة الوجه على نطاق واسع، كوسيلة لمنع انتقال الفيروس التاجي؛ لكن بعض المخاوف أُثيرت من تشجيع الناس على ارتداء الأقنعة، إذ حذرت عدة حكومات مواطنيها من ارتدائها خشية أن تمنح الناس شعوراً زائفاً بالأمان؛ خصوصاً بعد أن اتجهت بعض الحكومات إلى تخفيف إجراءات الحجر الصحي تدريجياً.

أنواع الأقنعة وفعاليتها
هناك ثلاثة أنواع أساسية لأقنعة الوجه:
الأول يتمثل في أقنعة «N95» المصممة لتصفية الهباء الجوي (الإيروسول)، وهي الجسيمات التي يقل قطرها عن 5 ميكرومترات، وكذلك القطرات المحمولة في الهواء، وعادة ما تصنع من مواد صناعية، مثل البوليستر والبولي بروبيلين. وهذه الأقنعة قادرة على تصفية ما لا يقل عن 95 في المائة من كل القطرات الكبيرة والهباء الجوي.
أما النوع الثاني فهو الأقنعة الطبية أو الجراحية، وهي أقنعه فضفاضة تستخدم لمرة واحدة، ومصنوعة من ثلاث طبقات أو أكثر من المواد الصناعية، يمكنها تصفية الجسيمات الكبيرة المحمولة جواً. ولكن بعض الهباء الجوي يمكن أن يتسرب من خلالها أو من أطرافها.
أما النوع الثالث فيشمل الأقنعة النسيجية أو أقنعة القماش، وهي أقنعة محلية الصنع تتنوع في تركيبها وفعاليتها بناء على طريقة صنعها، وليست لها القدرة على منع تسرب الهباء الجوي والهواء الذي يحتوي على الجسيمات الصغيرة، والقادر على التدفق من أطراف الوجه.
يقول كريس كنيون، رئيس وحدة الأمراض المنقولة جنسياً بمعهد الطب المداري بمدينة أنتويرب البلجيكية، إن الدول التي نجحت في إبطاء معدل انتشار فيروس «كورونا» المستجد، ومعظمها دول آسيوية، فرضت على مواطنيها ارتداء أقنعة الوجه في الأماكن العامة. وقد توالت البحوث التي تدعم استخدام كل أنواعها الثلاثة، على الرغم من اختلاف جودتها. وأحد أكثر الأبحاث شمولاً نشر في مجلة «ذي لانسيت» في 27 يونيو 2020، من قبل مجموعة من الباحثين بقيادة هوغلر شونيمان؛ حيث قاموا بتقييم منهجي لـ172 دراسة قائمة على الملاحظة، تم إجراؤها في أماكن الرعاية الصحية، وتبحث في تأثير التباعد الجسدي وأقنعة الوجه. وأظهرت النتائج أن أجهزة التنفس «N95» توفر حماية بنسبة 96 في المائة من العدوى، بينما وفَّرت الأقنعة الجراحية (أو أقنعة قابلة لإعادة الاستخدام مصنوعة من 12 إلى 16 طبقة من القطن أو الشاش) حماية بنسبة 67 في المائة. في حين أن البحث عن أقنعة القماش محدود أكثر بكثير، فقد أثبتت مجموعة من الباحثين في الولايات المتحدة برئاسة سوبراتك غوها، في دراسة نشرت في مجلة الجمعية الكيميائية الأميركية (ACS) في أبريل (نيسان) 2020 أنه في المختبر يمكن للأقنعة متعددة الطبقات المصنوعة من مواد هجينة مثل القطن والحرير تصفية ما يصل إلى 90 في المائة من الجسيمات التي يتراوح حجمها بين 300 نانومتر و6 ميكرومترات، بشرط عدم وجود فجوات حول القناع، والتي غالباً ما توجد عند ارتداء الأقنعة الجراحية أو أقنعة القماش.
وقد خلص الباحثون إلى أن الاستخدام الواسع النطاق لأقنعة الوجه مع عمليات الإغلاق، قد يساعد في منع موجات العدوى في المستقبل. كما أوصت كريستين كوهلر، أستاذة الصحة البيئية والهندسة في جامعة «جونز هوبكنز» في الولايات المتحدة، بارتداء «N95» لكافة العاملين في الرعاية الصحية. أما بالنسبة للناس في الأماكن العامة، فلا يزال ارتداء قناع القماش هو الطريق الصحيح.
ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يجب أن تحتوي أقنعة النسيج بشكل مثالي على ثلاث طبقات على الأقل: طبقة داخلية مصنوعة من مادة ماصة (مثل القطن)، وطبقة خارجية بمواد مقاومة للماء (مثل البوليستر)، وطبقة وسطية (مصنوعة من مادة ماصة أو مادة مقاومة للماء) لتعمل كمرشح.
وعلى الرغم من وجود أدلة تدعم استخدام الأقنعة لوقف انتشار الفيروس التاجي، يبقى عديد من الأسئلة، مثل ما إذا كان الفيروس التاجي ينتشر عبر الهباء الجوي، أو فقط من خلال قطرات الجهاز التنفسي الأكبر. هناك أيضاً القليل من الأبحاث حول فعالية أقنعة الوجه، وخصوصاً أقنعة القماش في وقف انتشار «كوفيد- 19» في إطار المجتمع.


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

حالة تأهب مع وصول الإعصار «شيدو» إلى أرخبيل مايوت الفرنسي

بلدة ساحلية في مايوت تترقب وصول الإعصار (أ.ف.ب)
بلدة ساحلية في مايوت تترقب وصول الإعصار (أ.ف.ب)
TT

حالة تأهب مع وصول الإعصار «شيدو» إلى أرخبيل مايوت الفرنسي

بلدة ساحلية في مايوت تترقب وصول الإعصار (أ.ف.ب)
بلدة ساحلية في مايوت تترقب وصول الإعصار (أ.ف.ب)

ضرب الإعصار «شيدو» صباح اليوم السبت أرخبيل مايوت الفرنسي في المحيط الهندي حيث أُعلنت حالة التأهب القصوى مع توقع اشتداد الرياح المصاحبة له والتي تجاوزت سرعتها 180 كيلومترا في الساعة.

وضرب الإعصار جزيرة بوتيت تير في شرق الأرخبيل حيث يخشى أن تصل سرعة الرياح «إلى 200 و230 كلم/ساعة»، بحسب آخر نشرة للأرصاد الجوية الفرنسية، متوقعة رياحا مدمرة أشد من تلك التي صاحبت الإعصار «كاميسي» عام 1984.

وتسببت الرياح بانقطاع الكهرباء مع سقوط أعمدة كهرباء واقتلاع أشجار وتطاير أسقف منازل مصنوعة من الصفيح.

غيوم في سماء مايوت (أ.ف.ب)

وفي مدينة أوانغاني، قال رئيس البلدية يوسف أمبدي إنه يخشى «الأسوأ... لا يمكننا الخروج ولكن ما نشاهده يفوق الوصف».

ومنذ الصباح الباكر، أصدرت السلطات تحذيرا أرجوانيا وهو ما يعني لزوم جميع السكان منازلهم وعدم الخروج بما يشمل أجهزة الطوارئ والأمن وجميع عناصر الإنقاذ.

وقالت فاطمة التي تعيش في ماجيكافو-كوروبا وما زالت تذكر الإعصار الذي ضرب جزر القمر المجاورة عندما كانت طفلة «نحن خائفون جدا».

وتوقعت هيئة الأرصاد الجوية الفرنسية أمطارا شديدة الغزارة مع خطر تشكل السيول والفيضانات وارتفاع أمواج البحر التي يمكن أن يكون لها آثار كبيرة على الساحل.

وحُظرت حركة المرور على الطرق العامة في جزيرتي غراند تير وبوتيت تير، وأغلق مطار دزاوودزي منذ مساء الجمعة.

ويتوقع خبراء الأرصاد الجوية الفرنسية تحسنا في الأحوال الجوية خلال اليوم، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.