عادت قضية محتجزي معسكر «رفحاء» بقوة، أمس (الأحد)، إلى واجهة المشهد العراقي بعد قيام المئات منهم بقطع الطريق الدولية الرابطة بين بغداد ومحافظة بابل ومحاولتهم التوجه، من محافظات الوسط والجنوب، إلى العاصمة بغداد للتظاهر ضد قطع الحكومة العراقية مرتبات المقيمين منهم في خارج البلاد و«ازدواج الراتب» بالنسبة للمقيمين داخلها.
وأسهمت الخطوات التي اتخذتها القوات الأمنية لمنع «الرفحاويين» من دخول بغداد ووقوع إصابات طفيفة بين صفوفهم، في تعقيد الأمور على حكومة الكاظمي التي تلقت مجموعة بيانات مستنكرة من كتل وشخصيات سياسية ومنظمات حقوقية. وكانت حكومة الكاظمي قررت إيقاف مرتبات «الرفحاويين» المقيمين خارج العراق والسماح لبعض المقيمن في الداخل الذين يتقاضون مرتبين بالحصول على مرتب واحد فقط.
«الرفحاويون» مواطنون عراقيون لجأوا إلى مخيم «رفحاء» في المملكة العربية السعودية، خوفاً من بطش نظام الرئيس الراحل صدام حسين بعد الانتفاضة الشعبية عام 1991، هاجر قسم منهم إلى الدول الغربية والولايات المتحدة الأميركية وعاد القسم الآخر إلى البلاد بعد 2003، وتقرر شمولهم بامتيازات قانون السجناء السياسيين.
وتنظر قطاعات عراقية غير قليلة إلى شمولهم بالقانون بعدم الارتياح، وتعتبر أن حصول بعضهم على مرتبين لا ينسجم مع قواعد العدالة الاجتماعية، خصوصاً في ظل معدلات الفقر المرتفعة في البلاد وحرمان مئات الآلاف من العراقيين من أي مرتب أو فرصة عمل. وسبق أن هدد «الرفحاويون» بحمل السلاح ضد الحكومة في حال إصرارها على قطع مرتباتهم. وانقسم العراقيون حول أحقية «الرفحاويين» بالتظاهر، بين مؤيد ومعارض، ولوحظ أن أعداداً غير قليلة من الناشطين والمتظاهرين لم يتعاطفوا معهم، واعتبروا أن مظاهراتهم «غير محقة»، فيما تعاطف آخرون معهم التزاماً بمبدأ حق التظاهر الذي كفلة الدستور للجميع.
بدورها، أعربت مفوضية حقوق الإنسان المستقلة عن أسفها لما رافق مظاهرات «الرفحاويين»، وقالت في بيان أصدرته، أمس (الأحد): «تابعت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، وبأسف شديد الأحداث التي رافقت مظاهرات عدد من السجناء السياسيين ومنعهم من قبل القوات الأمنية من الدخول إلى محافظة بغداد وممارسة حقهم الدستوري في التظاهر السلمي».
وأضاف البيان أن «المفوضية تدين كل أشكال منع وتقييد حرية التظاهر والتعبير عن الرأي، وتعد ذلك انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان والمعايير الدولية، وتؤكد أن تحقيقاتها ما زالت جارية وسوف تقوم بتقديم تقرير مفصل إلى الجهات المعنية بعد إكمالها».
وطالبت المفوضية «الحكومة بالسماح للمتظاهرين بممارسة حقهم في حرية الرأي والتعبير، وفقاً للأطر القانونية ومنع أي انتهاكات توجه ضدهم والاستجابة لمطالبهم المشروعة، كما تطالب القوات الأمنية بتمكين المتظاهرين السلميين من المطالبة بحقوقهم بالطرق السلمية وحمايتهم».
أما تحالف «الفتح» الحشدي الذي عرف بمناهضته لاحتجاجات أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فاستنكر، أمس (الأحد)، ما وصفه بـ«قمع المتظاهرين»، في مداخل العاصمة بغداد، داعياً رئيس الوزراء إلى تبني ملف الاحتجاجات الشعبية بالتعاون مع البرلمان والقوى السياسية وسرعة وضع المعالجات، وإنصاف المظلومين.
وقال بيان التحالف: «يؤسفنا جداً ما تعرض له المتظاهرون القادمون من المحافظات الوسطى والجنوبية، للمطالبة بحقوقهم من أعمال عنف وقمع بالهراوات والرصاص الحي، من قبل القوات الأمنية، ما أسفر عن ذلك من سفك دماء وسقوط ضحايا، وانتهاك صارخ للدستور العراقي وما يكفله من حق لكل مواطن بالاحتجاج والتعبير عن الرأي». وأضاف: «في الوقت الذي نستنكر فيه إغلاق أبواب العاصمة بوجه هذه الشريحة المضحية ومنع دخولهم وإيصال رسالتهم للحكومة وقمعهم بقوة السلاح، فإننا نستغرب حدوث ذلك في بلد ديمقراطي، وفي ظل نظام سياسي تعددي، وبعد كل التضحيات التي قدمها شبابنا من أجل التصحيح والتغيير، وما رافقها من موقف شجاع للمرجعية والقوى الوطنية مع المطالب المشروعة وثقافة الاحتجاج السلمي».
وحمّل تحالف «الفتح» الحكومة «مسؤولية التحقيق في أحداث (اليوم الأحد)، ومحاسبة المعتدين». وحذّر من «مغبة التجاهل أو الالتفاف على صوت الشعب، لأن ذلك يفاقم الأزمات وقد ينزلق بالبلد إلى الفوضى».
بدوره، تمنى رئيس الوزراء الأسبق ورئيس ائتلاف «دولة القانون» نوري المالكي على رئيس الوزراء الكاظمي الجلوس مع المتظاهرين والنظر في مطالبهم، وكتب في تدوينة عبر «تويتر»: «العراق يمر بظروف استثنائية صعبة، أتمنى على السيد رئيس الوزراء الجلوس مع المتظاهرين المطالبين بالحقوق من أجل التوصل إلى حلول مقنعة للمشاكل التي تواجههم، وألا تتحول المظاهرات إلى أزمة إضافية، وأوكد عدم استخدام العنف في مواجهة المظاهرات، لأن ذلك من شأنه أن يجر البلاد إلى صدامات لا سمح الله».