نموذج أدق للتنبؤ بنوبات الطقس الحادة

علماء «كاوست» يطورونه بمساعدة «شاهين 2»

نموذج أدق للتنبؤ بنوبات الطقس الحادة
TT

نموذج أدق للتنبؤ بنوبات الطقس الحادة

نموذج أدق للتنبؤ بنوبات الطقس الحادة

تمكن فريق من الباحثين، وبمساعدة الحاسوب الفائق «شاهين 2»، التابع لجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، من تطوير نموذج ‎إحصائي يمكن الاستفادة منه لرسم صورة أفضل للطبيعة المتغيرة لنوبات الطقس الحادة، عبر مناطق جغرافية أكثر اتساعاً، مما يساعد خبراء المناخ على التنبؤ بالظاهر الجوية بالغة الشدة، والتخطيط لمواجهة أي كوارث محتملة قد تنجم عن تلك الحالات.
جدير بالذكر، أن هذا النموذج الحديث يعد امتداداً لجهود وأبحاث الجامعة في تطوير نماذج للتنبؤ بالأحداث المناخية القاسية منذ عدة سنوات. فقد تمكن باحثو «كاوست» في السابق من إعادة تحليل الحالة الجوية فوق البحر الأحمر على مدار 14 عاماً (اعتبارا من عام 2000م وحتي عام 2014م) والذي يعد أحد أعلى وأدق التحليلات من نوعها في المنطقة.

طقس حاد
وتمثل الأحداث الطبيعية والمناخية غير المتوقعة أحد أسس البحوث متعددة التخصصات التي يتم إجراؤها بالجامعة حتى الآن. ومثال على ذلك ما حدث في مدينة جدة السعودية في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) 2009، حيث شهدت المدينة هطول ما يزيد عن 140 مليمتراً من الأمطار خلال ثماني ساعات فقط مما تسبب في أكثر من 100 حالة وفاة وخسائر اقتصادية تفوق المائة مليون دولار.
كما أظهرت نوبات الطقس الحادة المتزايدة حول العالم، مثل الجفاف والفيضانات، الحاجة إلى معلومات يمكن أن تساعد في التخطيط والاستعداد الجيد لمواجهة تلك الأحداث. ورغم تسجيل قدر ضخم من البيانات المناخية يومياً حول العالم، فإن استخلاص المعلومات المهمة الخاصة بالأحداث المتطرفة، يضع أعباءً ضخمة على قدرة المعالجة الحاسوبية، ويقتصر على تحليل مواقع قليلة فحسب.
في هذا الصدد نجح كل من الدكتور رافاييل هوسر، أستاذ علوم الرياضيات والحساب التطبيقية المساعد في «كاوست»، والدكتورة دانيلا كاسترو - كاميلو، طالبة أبحاث ما بعد الدكتوراه، في تطوير نموذج حاسوبي إحصائي أكثر كفاءة، لمواجهة هذه التحديات.
وبحسب كاميلو فإن أحد أهم التحديات الرئيسية تتمثل في وصف العلاقة بين ملاحظات الطقس المتطرف، مثل تغيرات سقوط الأمطار فوق مناطق عديدة. ويمكن للنماذج والطرق الحالية التعامل فقط مع عدد محدود من المواقع، في المرة الواحدة، كما أنها ليست مرنة بالقدر الكافي لتمييز كل الديناميكيات المختلفة، التي نراها في بيانات هطول الأمطار.
ولكي يتمكن الباحثان من توقع معدل تكرار وحجم أحد أحداث الطقس المتطرف في منطقة ما على نحو دقيق، ركزا على «البنية الاعتمادية»، التي تصف مدى قوة ارتباط البيانات في مواقع مختلفة ببعضها بعضاً، بالإضافة إلى طريقة ارتباطها.
وتوضح كاميلو قائلة: «كلما أصبحت الأحداث المناخية أكثر تطرفاً، تصبح أيضاً أقل اعتمادية وارتباطاً. هذا السلوك معروف جيداً في البيانات المناخية، لكن النماذج الكلاسيكية لا يمكنها وصف هذه السمة، بينما نموذجنا قادر على ذلك».

حاسوب فائق
ويسمح النموذج الذي وضعه كاسترو - كاميلو وهوسر بتقدير البنية الاعتمادية من كل محطة قياس، ثم إدراجها بكفاءة عبر المحطات المتوزعة في شبكة مكانية دقيقة، باستخدام برنامج حاسوبي فائق، للتنبؤ بنوبات الطقس الحادة.
وتقول كاسترو – كاميلو: «إن التحديات الرئيسية في هذه الدراسة كانت في الواقع حاسوبية، ولحسن الحظ سُمح لنا باستخدام الحاسوب الفائق شاهين 2 التابع لـ(كاوست)، والذي مكننا من الحصول على النتائج في بضعة أيام، بدلاً من الشهور التي كنا سنضطر لانتظارها، إذا استخدمنا حاسوباً عادياً».
تمكن الباحثان، باستخدام المنهج الجديد، من تحليل الأحداث شديدة القسوة في بيانات هطول الأمطار عبر 48 ولاية أميركية متجاورة، بإجمالي 1218 محطة طقس، وهو نطاق قياس غير مسبوق لمثل هذا التحليل. ولقد وجد الباحثان أن الديناميكيات التي تحكم أحداث هطول الأمطار الغزيرة تختلف بشدة عبر الأقاليم، وحددا بوضوح كبير مناطق محددة تكون فيها مستويات الخطورة المتزامنة لهطول الأمطار أكثر تكراراً.
واختتمت كاسترو - كاميلو بقولها: «يمكن استخدام منهجنا مع أنواع أخرى من البيانات المناخية، حيث تم تطويره خصيصاً للتعامل مع المشكلات متعددة الأبعاد، التي تشمل محطات قياس عديدة».



«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً