علماء أميركيون يدرسون أسرار الأفاعي الطائرة

حركاتها تساعد في تطوير روبوتات «متموجة»

علماء أميركيون يدرسون أسرار الأفاعي الطائرة
TT

علماء أميركيون يدرسون أسرار الأفاعي الطائرة

علماء أميركيون يدرسون أسرار الأفاعي الطائرة

يستخدم خبير الأفاعي الطائرة جايك سوتشا مصطلحات علمية تفصيلية كـ«هذا الشيء الكبير الشريطي المتلوي» لوصف هذا المخلوق الطائر.
قد يكون التوصيف مناسباً ولكن لا تنخدعوا به. عندما تقلع الأفعى من شجرة تسكنُها في جنوب آسيا وتهبط على شجرة أخرى على بعد أمتار، لا يحصل هذا التموج بشكل عفوي.
نشر سوتشا، أستاذ الهندسة الطبية الحيوية والميكانيكا في جامعة فيرجينيا التقنية، وفريقه دراسة جديدة في 29 يونيو (حزيران) الماضي في دورية (Nature Physics) تدعم الفرضية القائلة إن التموجات الجوية لهذه الأفاعي هي في الحقيقة عمليات وظيفية منسقة بدقة، تعزز التوازن الديناميكي للأفعى أثناء طيرانها. وقال سوتشا: «لا يمكنني القول إن ألغاز هذه الأفاعي حُلت بالكامل ولكننا نجحنا في تعويض نقصٍ كبيرٍ في المعلومات».

«طيران» الأفاعي
يمكن القول إن الطيران هو توصيف خاطئ إلى حد ما لما تفعله هذه الأفاعي. إذ تميل هذه المخلوقات الجوية إلى السقوط أو الانزلاق الاستراتيجي، ما يعني أنها لا ترتفع كثيراً كالطيور والحشرات، لأن طيرانها يدوم لبضع ثوانٍ بسرعة 40 كلم (25 ميلا) في الساعة وتهبط دون إصابات. عندما يرى المرء هذه الأفعى تتحرك في الجو للمرة الأولى، قد يعتقد أنها وقعت عن الشجرة بالخطأ وبدأت تتماوج بشكل جنوني نتيجة ارتطامها بالأرض. ولكن الحقيقة ليست كذلك.
بعد الزحف على غصن شجرة والقفز عن الفرع، تصل الأفعى إلى الجو وتبدأ بتحريك أضلعها وعضلاتها لزيادة عرض جانبها السفلي، محولة جسدها إلى هيكل يعيد توجيه تدفق الهواء كالمظلة أو الجناح. عندها، يُظهر المقطع العرضي لجسد الأفعى أن شكله الدائري الطبيعي تحول إلى مثلث وأن جسدها بالكامل يتموج أثناء زحفه باتجاه هدفه.
وقد شاهد سوتشا ومجموعة من الباحثين عند وصوله إلى سنغافورة، أفعى تقفز عن ارتفاع 30 قدماً وتعلو على مسافة 60 قدماً في يوم خالٍ من الرياح. ووصف سوتشا الأمر قائلاً: «بدت كرياضي يبلغ هدفه».
تساءل الباحث لسنوات عما إذا كانت حركات الأفعى التموجية تلعب دوراً وظيفياً في طيرانها أو ما إذا كان الأمر لا يتعدى الحركة التقليدية نفسها التي تقوم بها الأفاعي على الأرض أو في الماء.
حمل الباحثون ومن بينهم إسحاق ييتون، باحث في مرحلة الدكتوراه في الهندسة الميكانيكية، خمس أفاعٍ طائرة إلى بناءٍ مربع الشكل مؤلف من أربع طوابق يُعرف بـ«المربع الأسود» في حرم جامعة فرجينيا التقنية يستخدمه عادة الطلاب لمشاريعهم وتجاربهم في الفنون والعلوم والهندسة، وهو مزود بنظام كاميرات راصدة للحركة السريعة.

حركات تموجية
ربط الباحثون أشرطة عاكسة للضوء تحت الأحمر بالأفاعي وصمموا برجاً عالياً مزوداً بفرع وبرجاً آخر منخفضا على شكل شجرة ليلعب دور بقعة الهبوط، ثم تركوا الأفاعي تطير.
من جهته، قال ييتون، الذي تفاجأ عندما هبطت إحدى الأفاعي بين يديه، أنه وزملاءه راقبوا أكثر من 150 حالة طيران لأفعى «كريسوبيليا بإرادايز» التي تُعرف بأفعى الجنة الطائرة، وواحدة من خمسة أنواعٍ من الأفاعي الطائرة، على مدار أسبوعٍ كامل في عام 2015.
وأضاف: «من الصعب أن نصدق أن أفعى تستطيع فعل شيء كهذا. الأمر مخيف نوعاً ما، ولكن العملية تنطوي على الكثير من التعقيد».
جمع الباحثون البيانات ثم صمموا نماذج كمبيوترية ثلاثية الأبعاد تستعرض كل زاوية من رحلة طيران الأفعى. وأوضحت النماذج أن الحركات التموجية تتضمن موجات عمودية وأفقية تتدفق بشكل متناسب، ولكن الموجات العمودية كانت تتكرر مرتين أكثر من الموجات الأفقية.
ووجد الباحثون أيضاً أن الطرف الخلفي من الأفعى يتحرك صعوداً ونزولاً بشكل عمودي على امتداد ما يُعرف بـ«المحور الظهراني المركزي»، ويهتز بشكل دائمٍ إلى الأعلى والأسفل.
أوضح ييتون أن «بعض الحيوانات تتماوج للحصول على قوة الدفع، ولكن الأفاعي الطائرة تتماوج للحفاظ على توازنها».
واستخدم الباحثون أيضاً النماذج الكمبيوترية لحذف كل التموجات أو بعضها بهدف المقارنة، ووجدوا أن الأفاعي تسقط عشوائياً وبخطورة من دون تلك التموجات، مثل صحن طائرٍ فقد قدرته على الدوران.
اعتبر الباحثون أن المعلومات التي تمخضت عن هذه الدراسة تحمل فوائد عديدة لصناعة وتطوير الروبوتات «المتموجة» ولا سيما تلك المستخدمة في مجال البحث والإنقاذ. وكما قال سوتشا، هذه المخلوقات الشريطية المتموجة بارعة في الوصول إلى الأماكن الضيقة كأنقاض الزلازل فضلاً عن أنها قادرة على الطيران من موقع إنقاذ إلى آخر. وختم قائلاً: «آمل أن أتمكن يوماً ما من تطوير روبوت متخصص بالبحث والإنقاذ بتصميم مستوحى من الأفاعي الطائرة».
- خدمة «نيويورك تايمز»



جدل أخلاقي حول «تحرير الجينوم البشري» لإنجاب أطفال معدّلين وراثياً

gettyimages
gettyimages
TT

جدل أخلاقي حول «تحرير الجينوم البشري» لإنجاب أطفال معدّلين وراثياً

gettyimages
gettyimages

أثار التغيير الأخير في إرشادات البحث الصحي الوطنية بجنوب أفريقيا الذي صدر في مايو (أيار) 2024 موجة من الجدل الأخلاقي، إذ يبدو أنه يفتح الطريق أمام استخدام تقنية تحرير الجينوم لإنجاب أطفال معدلين وراثياً مما يجعل جنوب أفريقيا أول دولة تتبنى هذ ا التوجه بشكل علني.

القصّ الجيني

ويعود السبب في الخلاف الحاد حول تحرير الجينوم البشري الوراثي (الفصّ الجيني) إلى تأثيراته الاجتماعية وإمكانياته المتعلقة بالانتقاء الجيني، ويعدُّ هذا التوجه مثيراً للاستغراب نظراً للمخاطر العالية التي تحيط بهذه التقنية.

وقد لفتت الانتباه إلى أن جنوب أفريقيا بصدد تسهيل هذا النوع من الأبحاث، كما ذكرت كاتي هاسون المديرة المساعدة في مركز علم الوراثة والمجتمع المشاركة في تأليف مقالة نشرت في 24 أكتوبر (تشرين الأول) 2024 في مجلة The Conversation.

وكان عام 2018 شهد قضية عالم صيني قام بتعديل جينات أطفال باستخدام تقنية «كريسبر» CRISPR لحمايتهم من فيروس نقص المناعة البشرية، مما أثار استنكاراً عالمياً وانتقادات من العلماء والمجتمع الدولي الذين رأوا أن هذا الاستخدام غير مبرر. وانتقد البعض سرية الطريقة، في حين شدد آخرون على ضرورة توفير رقابة عامة صارمة حول هذه التقنية ذات الأثر الاجتماعي الكبير.

معايير جديدة

ومع ذلك يبدو أن جنوب أفريقيا قد عدلت توجيهاتها للأبحاث في الصحة لتشمل معايير محددة لأبحاث تحرير الجينوم الوراثي لكنها تفتقر إلى قواعد صارمة تتعلق بالموافقة المجتمعية رغم أن التوجيهات تنص على ضرورة تبرير البحث من الناحية العلمية والطبية مع وضع ضوابط أخلاقية صارمة وضمان السلامة والفعالية. إلا أن هذه المعايير ما زالت أقل تشدداً من توصيات منظمة الصحة العالمية.

* التوافق مع القانون. وتأتي هذه الخطوة وسط انقسام في القانون بجنوب أفريقيا حيث يحظر قانون الصحة الوطني لعام 2004 التلاعب بالمواد الوراثية في الأجنة لأغراض الاستنساخ البشري. ورغم أن القانون لا يذكر تقنيات تعديل الجينات الحديثة مثل «كريسبر» فإن نصوصه تشمل منع تعديل المادة الوراثية البشرية ما يُلقي بتساؤلات حول التوافق بين القانون والتوجيهات الأخلاقية.

* المخاوف الأخلاقية. ويثير هذا التطور مخاوف واسعة بما في ذلك تأثيرات تقنية كريسبر على النساء والآباء المستقبليين والأطفال والمجتمع والنظام الجيني البشري ككل. وأثيرت تساؤلات حول إمكانية أن تكون جنوب أفريقيا مهيأة لاستقطاب «سياحة علمية»، حيث قد تنجذب مختبرات علمية من دول أخرى للاستفادة من قوانينها الميسرة.

استخدام تقنية «كريسبر»

وفي سابقة هي الأولى من نوعها في العالم وافقت الجهات التنظيمية الطبية في المملكة المتحدة العام الماضي على علاج جيني لاضطرابين في الدم.

ويعد علاج مرض «فقر الدم المنجلي» و«بيتا ثلاسيميا» أول علاج يتم ترخيصه باستخدام أداة تحرير الجينات المعروفة باسم كريسبر. ويعد هذا تقدماً ثورياً لعلاج حالتين وراثيتين في الدم وكلاهما ناتج عن أخطاء في جين الهيموغلوبين، حيث ينتج الأشخاص المصابون بمرض فقر الدم المنجلي خلايا دم حمراء ذات شكل غير عادي يمكن أن تسبب مشكلات لأنها لا تعيش طويلاً مثل خلايا الدم السليمة، ويمكن أن تسد الأوعية الدموية مما يسبب الألم والالتهابات التي تهدد الحياة.

وفي حالة المصابين ببيتا ثلاسيميا فإنهم لا ينتجون ما يكفي من الهيموغلوبين الذي تستخدمه خلايا الدم الحمراء لحمل الأكسجين في جميع أنحاء الجسم، وغالباً ما يحتاج مرضى بيتا ثلاسيميا إلى نقل دم كل بضعة أسابيع طوال حياتهم

علاج واعد لاضطرابات الدم

الموافقة عليه أخيراً في المملكة المتحدة على تحرير الجينات باستخدام طريقة مطورة من تقنية «كريسبر - كاس 9» CRISPR - Cas 9 لعلاج مرض فقر الدم المنجلي ومرض بيتا ثلاسيميا، من خلال تعديل الحمض النووي «دي إن إيه» بدقة حيث يتم أخذ الخلايا الجذعية من نخاع العظم وهي الخلايا المكونة للدم في الجسم من دم المريض.

ويتم تحرير الجينات باستخدام مقصات «كريسبر» الجزيئية بإجراء قطع دقيقة في الحمض النووي لهذه الخلايا المستخرجة واستهداف الجين المعيب المسؤول عن إنتاج الهيموغلوبين المعيب. ويؤدي هذا إلى تعطيل «الجين - المشكلة» وإزالة مصدر الاضطراب بشكل فعال ثم يعاد إدخال الخلايا المعدلة إلى مجرى دم المريض. ومع اندماج هذه الخلايا الجذعية المعدلة في نخاع العظم تبدأ في إنتاج خلايا الدم الحمراء الصحية القادرة على العمل بشكل طبيعي حيث يصبح الجسم الآن قادراً على توليد الهيموغلوبين المناسب.

وقد أظهرت هذه العملية نتائج واعدة في التجارب السريرية فقد تم تخفيف الألم الشديد لدى جميع مرضى فقر الدم المنجلي تقريباً (28 من 29 مريضاً) ولم يعد 93 في المائة من مرضى ثلاسيميا بيتا (39 من 42 مريضاً) بحاجة إلى نقل الدم لمدة عام على الأقل. ويشعر الخبراء بالتفاؤل بأن هذا قد يوفرعلاجاً طويل الأمد وربما مدى الحياة.

ويقود البروفسور جوسو دي لا فوينتي من مؤسسة إمبريال كوليدج للرعاية الصحية التابعة لهيئة الخدمات الصحية الوطنية، التجارب في المملكة المتحدة لهذا العلاج لكل من البالغين والأطفال، ويصفه بأنه اختراق تحويلي مع وجود نحو 15 ألف شخص في المملكة المتحدة مصابين بمرض فقر الدم المنجلي ونحو ألف مصابين بالثلاسيميا، إذ يمكن أن يحسن «كاسجيفي» نوعية الحياة بشكل كبير، وخاصة بالنسبة لأولئك الذين يواجهون نطاق علاج محدود.

وتُعد «كريسبر - كاس 9» واحدة من الابتكارات الرائدة التي أحدثت تحولاً في الأبحاث الطبية والأدوية رغم أن استخدامها يثير جدلاً أخلاقياً، نظراً لاحتمالية تأثير تعديل الجينات على الأجيال المقبلة. وقد مُنحت جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2020 لجنيفر دودنا وإيمانويل شاربنتييه لمساهمتهما الأساسية في اكتشاف طريقة فعالة لتحرير الجينات، أي التدخل الدقيق الذي يسمح بإدخال التعديلات المطلوبة داخل الحمض النووي بطريقة بسيطة بكفاءة وسريعة واقتصادية.