مولر: روجر ستون لا يزال مداناً بارتكاب جناية

دافع عن تحقيقه في التدخل الروسي بعد قرار ترمب تخفيف عقوبة صديقه

المحقق الخاص السابق روبرت مولر (أرشيفية - أ.ف.ب)
المحقق الخاص السابق روبرت مولر (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

مولر: روجر ستون لا يزال مداناً بارتكاب جناية

المحقق الخاص السابق روبرت مولر (أرشيفية - أ.ف.ب)
المحقق الخاص السابق روبرت مولر (أرشيفية - أ.ف.ب)

دافع المحقق الخاص السابق روبرت مولر بشدة عن تحقيقه بشأن العلاقة بين روسيا وحملة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الرئاسية لعام 2016.
وكتب في مقال رأي بصحيفة «واشنطن بوست» أمس (السبت)، إن التحقيق كانت له «أهمية قصوى». وأكد أن حليف ترمب، روجر ستون، «لا يزال مداناً بارتكاب جناية» رغم قرار الرئيس الأميركي تخفيف عقوبة السجن عنه.
وتابع مولر: «أشعر بأنني مضطر للرد على الادعاءات الواسعة بأن تحقيقنا غير شرعي وأن دوافعنا كانت غير صحيحة، وعلى الادعاءات المحددة بأن روجر ستون كان ضحية لمكتبنا... لقد تمت مقاضاة وإدانة ستون لأنه ارتكب جرائم فيدرالية. ما زال متهماً بارتكاب جناية».
وكانت افتتاحية الصحيفة بمثابة أول بيان علني من مولر بشأن تحقيقه منذ ظهوره في الكونغرس في يوليو (تموز) من العام الماضي.
كان ستون مستشاراً سابقاً للحملة الانتخابية للرئيس الأميركي دونالد ترمب، وقد أُدين في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 بارتكاب سبع جرائم بما في ذلك عرقلة العدالة، والكذب على الكونغرس.
وخفف ترمب العقوبة الصادرة بحق مستشاره وصديقه منذ فترة طويلة روجر ستون، ليجنّبه السجن بعد إدانته بالكذب تحت القسم أمام نواب الكونغرس خلال التحقيق في مزاعم تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية عام 2016.
ومثّل قرار ترمب تخفيف العقوبة عن ستون (67 عاماً) قبل أيام فقط من موعد دخوله السجن، أبرز تدخل للرئيس الجمهوري لحماية صديق في قضية جنائية وأحدث واقعة يلجأ فيها إلى استخدام العفو لمساعدة حليف.
وندد الديمقراطيون بالإجراء ووصفوه بأنه تعدٍّ على سيادة القانون، حسبما أفادت وكالة «رويترز» للأنباء.
وقال الرئيس على «تويتر» إن «حملة ملاحقة غير قانونية استهدفت روجر ستون كان ينبغي ألا تحدث مطلقاً. الجانب الآخر هم المجرمون، بما في ذلك حقيقة تجسس بايدن وأوباما على حملتي بشكل غير قانوني...».
وبدأت صداقة الناشط السياسي الجمهوري المحنك مع ترمب منذ عشرات السنين. وكان من المقرر أن يسلم ستون نفسه يوم الثلاثاء لسجن اتحادي في جيسوب بولاية جورجيا ليبدأ قضاء عقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات وأربعة أشهر.
واختار ترمب، الذي يسعى لإعادة انتخابه في الثالث من نوفمبر، تخفيف العقوبة عن ستون، وهو ما يعني عدم شطب الإدانة الجنائية، بدلاً من العفو الكامل.
وظهر ستون من منزله في فورت لودرديل بولاية فلوريدا الليلة الماضية، بعد إعلان تخفيف عقوبته، واضعاً كمامة كُتب عليها «الحرية لروجر ستون». وقال: «هذا كابوس فظيع عندما تدرك أن هذا التحقيق ليس له على الإطلاق أي سند شرعي أو قانوني، لقد كان حملة ملاحقة»، مستخدماً بعض نفس الكلمات التي استخدمها ترمب ضد ممثلي الادعاء والديمقراطيين الذين قاموا بالتحقيق في دور موسكو في الانتخابات الأميركية التي جرت في 2016.
وكان ستون من بين عدة مساعدين لترمب وُجهت إليهم اتهامات بارتكاب جرائم في التحقيق الذي أجراه المحقق الخاص السابق روبرت مولر، والذي وثّق التدخل الروسي لدعم ترشيح ترمب في 2016.
وانتقد البيت الأبيض تحقيق مولر وممثلي الادعاء في قضية ستون قائلاً إن اليسار وحلفاءه في وسائل الإعلام يحاولون منذ سنوات تقويض رئاسة ترمب.
ووجد تحقيق مولر اتصالات مكثفة بين حملة ترمب والروس.
واتسم رد فعل الجمهوريين في الكونغرس بالصمت إلى حد كبير مع ترحيب حفنة من حلفاء ترمب بهذا الإجراء.
ولكن السيناتور ميت رومني، وهو الجمهوري الوحيد الذي صوّت بالموافقة على إدانة ترمب في محاكمته بمجلس الشيوخ، ندد بهذا الإجراء على «تويتر» قائلاً: «فساد تاريخي غير مسبوق: رئيس أميركي يخفف الحكم الصادر على شخص أدانته هيئة محلفين بالكذب من أجل حماية نفس الرئيس».
وقالت نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب، في بيان أمس (السبت)، إن «الكونغرس سيتخذ إجراء لمنع هذا النوع من المخالفات الصريحة. هناك حاجة لتشريع يضمن ألا يستطيع رئيس العفو أو تخفيف الحكم الصادر على شخص شارك في حملة تستر لحماية ذلك الرئيس من المحاكمة الجنائية».
وكان ستون قد أُدين بالكذب على لجنة المخابرات بمجلس النواب بشأن محاولاته الاتصال بموقع «ويكيليكس» الإلكتروني الذي سرّب رسائل بريد إلكتروني ذات تأثير ضار بشأن حملة منافسة ترمب في انتخابات 2016 الديمقراطية هيلاري كلينتون، خلص مسؤولو المخابرات الأميركية إلى أن متسللين روسيين سرقوها.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟