شاشة الناقد: Hidden Away

مشهد من «مخفي»‫
مشهد من «مخفي»‫
TT

شاشة الناقد: Hidden Away

مشهد من «مخفي»‫
مشهد من «مخفي»‫

Hidden Away
إخراج: ‪جورجيو ديريتي ‬
سيرة حياة | إيطاليا | تمثيل: إيليو جرمانو، وأوليفر إيوي، وأورييتا نوتاري.
تقييم الناقد: (وسط)

يسرد «مخفي» سيرة حياة فنان إيطالي ولد في عام 1899 باسم أنطونيو ليغابو. لم يكن - في التقييم الفني - ذلك الرسام الذي استحق أكثر من الشهرة الوجيزة التي حققها في مطلع القرن الماضي؛ لكن الفيلم يريد أن يطرحه كفنان مغمور يستحق إنجاز فيلم حوله، وذلك من دون دخول مجال تقييم أعماله. ما نشاهده له من رسومات تبدو انطباعات بدائية التكوين وبلا فن. يسجل الفيلم أن رأي بعض المحتفين به كان مخالفاً للسائد من الآراء حوله، خلال حياته وبعدها؛ لكنه لا يصرف أي وقت فعلي لبحث هذه الناحية.
في المقابل، يعترف الفيلم بأن حياة أنطونيو ليغابو بقيت غير مستقرة نفسياً وعاطفياً حتى موته. ومع أن ليس كل من أمسك بالريشة أو امتلك هواية فنية وكان مصاباً بحالة نفسية هو عبقري (كما كان حال فان كوغ مثلاً)، إلا أن غاية المخرج الإيطالي جيورجيو ديريتي هي إلقاء نظرة تعاطفية وتفاهمية على تلك الشخصية التي لا نعرف عنها داخل الفيلم أكثر مما يعرضه المخرج علينا.
يبدأ المخرج فيلمه بمطرقة مونتاجية لبطله شاباً تزوره الذكريات التي تتقاطع ومشاهده الآنية على الشاشة. ويواصل حمل مطرقته هذه بأسلوب عرض مدهم وخالٍ - مثل لوحات بطله - من التأمل أو البحث الفني الموازي لأي بحث آخر. نتعرف على مساحات قليلة (لكنها دالة) من حياته: وُلد في زيوريخ، وانتقل صغيراً بعد وفاة والدته (ذات الأصول الإيطالية) وثلاثة من أبنائها في حادثة تسمم إلى رعاية عائلة أخرى. هذه الرعاية فقدت أسبابها عندما أقدمت أمه بالتبني على طلب تهجيره إلى إيطاليا. هناك وجد نفسه وحيداً؛ لا من حيث تصرفاته المتوترة والحادة فقط؛ بل من حيث إنه لم يكن يعرف الإيطالية مطلقاً.
«مخفي» فيلم تقريري يوجه مشاهديه صوب ما يختاره المخرج من معلومات ومن تكوين شخصية وتركيب نفسياتها. لقطاته قصيرة ومشاهده كذلك؛ خصوصاً في الساعة الأولى من العرض. لاحقاً يسمح الفيلم لنفسه بمساحات أكثر هدوءاً، ولو أنه يواصل اختيار مشاهد لا علاقة فعلية لها بالحدث أو لا تضيف شيئاً لما سبق. هذا ممنهج بسيناريو مبني على حياة الرسام، بسرد لا يهدف لعكس تلك الحياة بأمانة؛ بل لخلق أحداث مستوحاة منها، وخلق هالة أكثر مما تستحق. هذا ما يجعل المشاهد يتساءل عما قد تكون الشخصية وأحداثها فعلياً عليه، وعما قد لا تكون.


مقالات ذات صلة

«الهنا اللي أنا فيه»... فيلم كوميدي يُراهن على صراع الزوجات

يوميات الشرق صناع الفيلم خلال العرض الخاص بالقاهرة (حساب ياسمين رئيس على «فيسبوك»)

«الهنا اللي أنا فيه»... فيلم كوميدي يُراهن على صراع الزوجات

بخلطة تجمع بين الكوميديا والمشكلات الزوجية يراهن فيلم «الهنا اللي أنا فيه» على شباك التذاكر في الصالات السينمائية مع طرحه اعتباراً من الأربعاء 18 ديسمبر.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق لعبت بطولة فيلم «ذنوب مخفية» للمخرج سيرج الهليّل (تمارا حاوي)

تمارا حاوي تشارك في «ذنوب مخفية» ضمن «مهرجان بيروت للأفلام القصيرة»

تجد تمارا الأفلام القصيرة ترجمة لصُنّاع السينما الجريئة. وتؤكد أن عرض فيلم «ذنوب مخفية» في بيروت، شكّل محطة مهمة، بعد تنقُّله في مهرجانات عالمية.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا.

انتصار دردير (جدة)
يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)

شاشة الناقد: جود سعيد يواصل سعيه لتقديم البيئة الرّيفية في سوريا

عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)
عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)
TT

شاشة الناقد: جود سعيد يواصل سعيه لتقديم البيئة الرّيفية في سوريا

عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)
عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)

سلمى التي تحارب وحدها

(جيد)

يواصل المخرج السوري جود سعيد سعيه لتقديم البيئة الرّيفية في سوريا من خلال أحداث معاصرة يختار فيها مواقف يمتزج فيها الرسم الجاد للموضوع مع نبرة كوميدية، بالإضافة إلى ما يطرحه من شخصيات ومواقف لافتة.

وهذا المزيج الذي سبق له أن تعامل معه في فيلمي «مسافرو الحرب» (2018)، و«نجمة الصباح» (2019) من بين أفلام أخرى تداولت أوضاع الحرب وما بعدها. في «سلمى» يترك ما حدث خلال تلك الفترة جانباً متناولاً مصائر شخصيات تعيش الحاضر، حيث التيار الكهربائي مقطوع، والفساد الإداري منتشرٌ، والناس تحاول سبر غور حياتها بأقلّ قدرٍ ممكن من التنازل عن قيمها وكرامتها.

هذا هو حال سلمى (سُلاف فواخرجي) التي نجت من الزلزال قبل سنوات وأنقذت حياة بعض أفراد عائلتها وعائلة شقيقتها وتعيش مع والد زوجها أبو ناصيف (عبد اللطيف عبد الحميد الذي رحل بعد الانتهاء من تصوير الفيلم). أما زوجها ناصيف فما زال سجيناً بتهمٍ سياسية.

هذه انتقادات لا تمرّ مخفّفة ولا ينتهي الفيلم بابتسامات رِضى وخطب عصماء. قيمة ذلك هي أن المخرج اختار معالجة مجمل أوضاعٍ تصبّ كلها في، كيف يعيش الناس من الطبقة الدنيا في أسرٍ واقعٍ تفرضه عليها طبقة أعلى. وكما الحال في معظم أفلام سعيد، يحمل هذا الفيلم شخصيات عدة يجول بينها بسهولة. سلمى تبقى المحور فهي امرأة عاملة ومحرومة من زوجها وعندما تشتكي أن المدرسة التي تُعلّم فيها بعيدة يجد لها زميل عملاً في منزل رجل من الأعيان ذوي النفوذ اسمه أبو عامر (باسم ياخور) مدرّسة لابنته. لاحقاً سيطلب هذا منها أن تظهر في فيديو ترويجي لأخيه المرّشح لانتخابات مجلس الشعب. سترفض وعليه ستزداد حدّة الأحداث الواردة مع نفحة نقدية لم تظهر بهذه الحدّة والإجادة في أي فيلمٍ أخرجه سعيد.

«سلمى» هو نشيدٌ لامرأة وعزفٌ حزين لوضع بلد. النبرة المستخدمة تراجي - كوميدية. التمثيل ناضج من الجميع، خصوصاً من فواخرجي وياخور. وكعادته يعني المخرج كثيراً بتأطير مشاهده وبالتصوير عموماً. كاميرا يحيى عز الدين بارعة في نقلاتها وكل ذلك يكتمل بتصاميم إنتاج وديكورٍ يُثري الفيلم من مطلعه حتى لقطاته الأخيرة. هذا أنضج فيلم حققه سعيد لليوم، وأكثر أفلامه طموحاً في تصوير الواقع والبيئة وحال البلد. ثمة ثغرات (بعض المشاهد ممطوطة لحساب شخصيات ثانوية تتكرّر أكثر مما ينبغي) لكنها ثغراتٌ محدودة التأثير.

لقطة من «غلادياتير 2» (باراماونت بيكتشرز)

Gladiator II

(جيد)

ريدلي سكوت: العودة إلى الحلبة

السبب الوحيد لعودة المخرج ريدلي سكوت إلى صراع العبيد ضد الرومان هو أن «غلاديايتر» الأول (سنة 2000) حقّق نجاحاً نقدياً وتجارياً و5 أوسكارات (بينها أفضل فيلم). الرغبة في تكرار النجاح ليس عيباً. الجميع يفعل ذلك، لكن المشكلة هنا هي أن السيناريو على زخم أحداثه لا يحمل التبرير الفعلي لما نراه وإخراج سكوت، على مكانته التنفيذية، يسرد الأحداث بلا غموض أو مفاجآت.

الواقع هو أن سكوت شهِد إخفاقات تجارية متعدّدة في السنوات العشر الماضية، لا على صعيد أفلام تاريخية فقط، بل في أفلام خيال علمي (مثل Alien ‪:‬ Covenant في 2017)، ودرامية (All the Money in the World في العام نفسه) وتاريخية (The Last Duel في 2021)؛ آخر تلك الإخفاقات كان «نابليون» (2023) الذي تعثّر على حسناته.

يتقدم الفيلم الجديد لوشيوس (بول ميسكال) الذي يقود الدفاع عن القلعة حيث تحصّن ضد الجيش الروماني بقيادة الجنرال ماركوس (بيدرو باسكال). لوشيوس هو الأحق بحكم الإمبراطورية الرومانية كونه ابن ماكسيموس (الذي أدّى دوره راسل كراو في الفيلم السابق)، وهو ابن سلالة حكمت سابقاً. يُؤسر لوشيوس ويُساق عبداً ليدافع عن حياته في ملاعب القتال الرومانية. يفعل ذلك ويفوز بثقة سيّده مكرينوس (دنزل واشنطن) الذي لديه خطط لاستخدام لوشيوس ومهارته القتالية لقلب نظام الحكم الذي يتولاه شقيقان ضعيفان وفاسدان.

هذا كلّه يرد في الساعة الأولى من أصل ساعتين ونصف الساعة، تزدحم بالشخصيات وبالمواقف البطولية والخادعة، خصوصاً، بالمعارك الكبيرة التي يستثمر فيها المخرج خبرته على أفضل وجه.

فيلم ريدلي سكوت الجديد لا يصل إلى كل ما حقّقه «غلاديايتر» الأول درامياً. هناك تساؤل يتسلّل في مشاهِد دون أخرى فيما إذا كان هناك سبب وجيه لهذا الفيلم. «غلاديايتر» السابق كان مفاجئاً. جسّد موضوعاً لافتاً ومثيراً. أفلام سكوت التاريخية الأخرى (مثل «مملكة السماء» و«روبِن هود») حملت ذلك السبب في مضامينها ومفاداتها المتعددة.

لكن قبضة المخرج مشدودة هنا طوال الوقت. مشاهدُ القتال رائعة، والدرامية متمكّنة من أداءات ممثليها (كوني نيلسن وبيدرو باسكال تحديداً). في ذلك، سكوت ما زال الوريث الشّرعي لسينما الملاحم التاريخية التي تمزج التاريخ بالخيال وكلاهما بسمات الإنتاجات الكبيرة.

عروض تجارية.