تمدد جبهة النصرة يهدد الخطط الأميركية لدعم المعارضة السورية المعتدلة

البلد نحو التقسيم بين قوات المتطرفين والنظام مع اختفاء المعتدلين

مؤيدون لجبة النصرة يشاركون في مظاهرة احتجاجية ضد الرئيس السوري بشار الأسد في حلب (أ.ف.ب)
مؤيدون لجبة النصرة يشاركون في مظاهرة احتجاجية ضد الرئيس السوري بشار الأسد في حلب (أ.ف.ب)
TT

تمدد جبهة النصرة يهدد الخطط الأميركية لدعم المعارضة السورية المعتدلة

مؤيدون لجبة النصرة يشاركون في مظاهرة احتجاجية ضد الرئيس السوري بشار الأسد في حلب (أ.ف.ب)
مؤيدون لجبة النصرة يشاركون في مظاهرة احتجاجية ضد الرئيس السوري بشار الأسد في حلب (أ.ف.ب)

يبسط أحد الأجنحة الرئيسية لتنظيم القاعدة في سوريا سيطرته على منطقة كانت تقع حتى وقت قريب تحت سيطرة المعارضة المعتدلة التي تتعرض للانهيار، وهو أمر يهدد الخطط الأميركية التي تهدف إلى تشكيل قوة جديدة من المعارضين من أجل مكافحة المتطرفين.
فتقوم جبهة النصرة باطراد بتعزيز مراكزها باعتبارها أكبر قوة عسكرية في شمال غربي سوريا منذ أن نجحت خلال الشهر الماضي في طرد أكبر حركتي تمرد مدعومتين من الغرب من محافظة إدلب. وقام التنظيم باجتياح مجموعة من البلدات والقرى في جميع أنحاء المحافظة، وقام بتأمين طرق الإمداد إلى تركيا المجاورة، وربما يكون قد مهد الطريق لإنشاء «إمارة» إسلامية - وهي الكيان المنافس لكيان «داعش» الذي أعلن خلال الصيف الماضي نفسه تحت اسم «تنظيم الدولة الإسلامية» في مناطق شمال شرقي سوريا وغرب العراق.
وتتسبب التهديدات الناجمة عن اتساع وجود هذا الجناح التابع لتنظيم القاعدة في زيادة تعقيد الجهود التي تقودها الولايات المتحدة بهدف احتواء وتدمير تنظيم داعش الذي يعتبر أكثر قوة الآن، وكذلك منافسا شرسا لتنظيم جبهة النصرة الذي طرد موالين لتنظيم القاعدة من أراضيه خلال الصيف الماضي.
وإذا استمر القتال في سوريا في مساره الحالي، فقد تتعرض البلاد خلال وقت قريب لتقسيم كامل بين قوات متطرفين وقوات تابعة لنظام الأسد، وهو ما يؤدي لترك المعارضة المعتدلة دون أرض، وترك الولايات المتحدة دون حلفاء في بلد مهم من الناحية الاستراتيجية، بحسب قادة للمعارضة ومحللين.
وفي الوقت نفسه، ما زالت جارية صياغة خطط البنتاغون الخاصة بتدريب وتجهيز قوة مكونة من خمسة آلاف معارض في شمال سوريا من أجل مقاتلة تنظيم داعش. وتم تحديد موقع جنوب العاصمة التركية، أنقرة، على أنه قاعدة لتدريب أول فوج من المعارضين يبلغ عدده 2000، وحصلت المعارضة على موعد الأول من فبراير (شباط) لبدء التدريبات الأولى، وفقا لممثلي المعارضة السورية.
ولكن حتى الآن لم يلتق المسؤولون الأميركيون الآن بقادة المعارضة السورية لمناقشة هذا البرنامج، حيث لا يزالون يتناقشون مع تركيا بشأن أي الجماعات التي سيتم اختيارها، ولم ينتهوا بعد من صياغة الأسئلة التي ينبغي طرحها في عملية الفحص.
من جانبه، قال الجنرال جون كيربي، المتحدث باسم البنتاغون، يوم الخميس إن المسؤولين ما زالوا ينتظرون الحصول على التمويل لتنفيذ البرنامج. وتم بالفعل التصريح بالتمويل في وقت لاحق من ذلك اليوم بعد موافقة الكونغرس على مشروع قانون تفويض الدفاع.
وقال يزيد صايغ، الذي يعمل في مركز «كارنيغي للشرق الأوسط» في بيروت، إنه مع حلول الوقت الذي تتم فيه العملية قد لا تكون هناك أي معارضة معتدلة لتحصل على المساعدة. وأضاف قائلا إن السياسة «تفترض استمرار وجود معارضة معتدلة داخل سوريا. ولكن حقيقة فإن صعود تنظيم جبهة النصرة يثير الشكوك حول هذه الأفكار. فعندما تصبح هذه الأمور موجودة على أرض الواقع، ستكون جبهة النصرة قد وصلت إلى مستوى من السيطرة يجعل من هذه السياسة أمرا غير ذي جدوى».
ويقول قادة للمعارضة إنه لا تزال هناك حياة في الجيش السوري الحر، وهو الاسم الجامع الذي تستخدمه الجماعات المعتدلة، حتى في الوقت الذي يحارب فيه من أجل بقائه على جبهتين، ضد الحكومة وضد تنظيم داعش. وساعد برنامج سري تديره الاستخبارات المركزية الأميركية لمساعدة المعارضين المعتدلين في إيقاف تقدم القوات الحكومية التي كانت تهدد بإخراجهم من حلب، التي تعتبر أهم معاقلهم، وتقع إلى الشرق من إدلب.
وقال مسؤولون أميركيون إنهم يبحثون تطوير هذا البرنامج في ضوء الانتكاسات الأخيرة، وأقروا بالحاجة إلى ما وصفه أحد المسؤولين بـ«زيادة الشعور بالعجلة».
ولكن في حين يقول بعض قادة المعارضة إنهم تلقوا وعودا بزيادة الموارد، يقول آخرون إنه تم إيقاف دعمهم منذ الهجوم الذي شنه تنظيم جبهة النصرة. ويقول جميعهم إن المساعدات محدودة بأي حال، ولم تبلغ أبدا ما يكفي لضمان بقائهم. وقال خالد صالح، المتحدث باسم حركة حزم، أكبر متلق للدعم الأميركي، والتي طردتها جبهة النصرة من مقرها في إدلب الشهر الماضي «إذا كان الدعم المقدم لنا سيظل على نفس مستوياته في السابق، فإن المعارضين المعتدلين سيختفون خلال فترة تتراوح بين ثلاثة إلى ستة أشهر».
ولا تزال حركة حزم تواصل القتال في حلب، إلى جانب جماعات معتدلة أخرى تدعمها الولايات المتحدة مثل جيش المجاهدين، الذي تم فحصه مؤخرا للحصول على مساعدات من الاستخبارات المركزية الأميركية، وتلقيه تدريبا وأسلحة قدمتها الولايات المتحدة، بما في ذلك الصواريخ المضادة للدبابات من طراز «تاو»، وفقا لأبو عبد السلام، أحد قادة الجماعة. وقال إن الدعم لا يكفي.. «نحن على الخط الفاصل بين الحياة والموت، ومناعتنا منخفضة. إذا اجتاحنا مرض خطير، لن نتمكن من البقاء أحياء».
انهزم المعتدلون في محافظة حيوية من الناحية الاستراتيجية مثل إدلب الواقعة على الحدود مع تركيا، وأقر هو وغيره من القادة الآخرين بهذه الهزيمة.
ولا تسيطر جبهة النصرة، التي نشأت في البداية بوصفها جناحا سوريا من تنظيم داعش في العراق، قبل أن تتطور إلى كيان سوري منفصل بعد انفصال تنظيم داعش عن تنظيم القاعدة، على كل الأراضي في المحافظة. فلا يزال هناك العديد من الجماعات المعتدلة الصغيرة، وكذلك عدة تشكيلات إسلامية كبرى تجسر الفجوة بين المعتدلين والمتطرفين. لكن أغلبها يقبل هيمنة جبهة النصرة، على الأقل في الوقت الراهن، من خلال البقاء على الحياد أو تشكيل تحالفات، بحسب أبو محمد، أحد قادة جماعة «أنصار الشام» الصغيرة، التي اختارت أن تكون على الحياد في الحرب بين جبهة النصرة وغيرها من الجماعات المعارضة بدلا من التعرض لخطر الإبادة.
وقال من مكتب جماعته الذي يقع في بلدة أنطاكية بجنوب تركيا «الوضع في إدلب صعب للغاية الآن. كل الجماعات المتبقية التابعة للجيش السوري الحر تخشى من أن يتم طردها». ورغم أن جبهة النصرة تابعة رسميا لتنظيم القاعدة، فقد حظيت بسمعة طيبة بين السوريين باعتبارها القوة الأكثر فعالية في محاربة الأسد. كما أنها ميزت نفسها بالوجود الأكثر انضباطا والأكثر التزاما بالمبادئ في المجتمعات المحلية عن كتائب الجيش السوري الحر التي تكون جامحة في كثير من الأحيان، وترتكب أفعالا إجرامية صريحة أحيانا.
وامتنعت الجماعة حتى الآن عن التطبيقات المتطرفة للشريعة مثل «داعش»، ورغم أن جبهة النصرة أعلنت أن هدفها هو إنشاء «إمارة» إسلامية لمنافسة «داعش»، فإنها لم تقم بذلك حتى الآن، ربما خوفا من التسبب في إثارة ردود فعل غاضبة بين السوريين الذين يتمثل أهم هدف لهم في التخلص من نظام الأسد وإرساء نظام أكثر ديمقراطية.
ويقول سوريون إن الاعتقاد بأن الضربات الجوية الأميركية تساعد الأسد على البقاء في السلطة أدى إلى زيادة التعاطف مع جبهة النصرة على حساب الجماعات المدعومة من الغرب. ويقول قادة للمعارضة إنه لا مفر من أن تهجم جبهة النصرة على المعتدلين بعد أن أعلن الرئيس أوباما برنامج التدريب والتسليح في شهر يوليو (تموز)، وهو ما تسبب في وجود حافز للاستغناء عن الجماعات المدعومة من الولايات المتحدة قبل الحصول على الدعم.
وقال أرون لوند، الذين يقوم بتحرير مدونة «سوريا في أزمة» لصالح مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي «لقد أصبح مصيرهم الفشل عندما استهدفت الضربات الجوية الأميركية مواقع جبهة النصرة في اليوم الأول للحرب الجوية في سوريا، وهو ما يشير إلى أن الجماعة كانت بالفعل على قائمة الاستهداف الأميركية». وأضاف «جبهة النصرة ليست غبية. فهم يعرفون أن (داعش) ستكون هي البداية، ثم يأتي الدور عليهم».
* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»



انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
TT

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم ومنتسبيه شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية، وتنفيذ زيارات لمقابر القتلى، إلى جانب الاستيلاء على أموال صندوق دعم المعلمين.

وبالتوازي مع احتفال الجماعة بما تسميه الذكرى السنوية لقتلاها، أقرَّت قيادات حوثية تتحكم في العملية التعليمية بدء تنفيذ برنامج لإخضاع مئات الطلبة والعاملين التربويين في مدارس صنعاء ومدن أخرى للتعبئة الفكرية والعسكرية، بحسب ما ذكرته مصادر يمنية تربوية لـ«الشرق الأوسط».

طلبة خلال طابور الصباح في مدرسة بصنعاء (إ.ب.أ)

ومن بين الانتهاكات، إلزام المدارس في صنعاء وريفها ومدن أخرى بإحياء ما لا يقل عن 3 فعاليات تعبوية خلال الأسبوعين المقبلين، ضمن احتفالاتها الحالية بما يسمى «أسبوع الشهيد»، وهي مناسبة عادةً ما يحوّلها الحوثيون كل عام موسماً جبائياً لابتزاز وقمع اليمنيين ونهب أموالهم.

وطالبت جماعة الحوثيين المدارس المستهدفة بإلغاء الإذاعة الصباحية والحصة الدراسية الأولى وإقامة أنشطة وفقرات تحتفي بالمناسبة ذاتها.

وللأسبوع الثاني على التوالي استمرت الجماعة في تحشيد الكوادر التعليمية وطلبة المدارس لزيارة مقابر قتلاها، وإرغام الموظفين وطلبة الجامعات والمعاهد وسكان الأحياء على تنفيذ زيارات مماثلة إلى قبر رئيس مجلس حكمها السابق صالح الصماد بميدان السبعين بصنعاء.

وأفادت المصادر التربوية لـ«الشرق الأوسط»، بوجود ضغوط حوثية مُورِست منذ أسابيع بحق مديري المدارس لإرغامهم على تنظيم زيارات جماعية إلى مقابر القتلى.

وليست هذه المرة الأولى التي تحشد فيها الجماعة بالقوة المعلمين وطلبة المدارس وبقية الفئات لتنفيذ زيارات إلى مقابر قتلاها، فقد سبق أن نفَّذت خلال الأعياد الدينية ومناسباتها الطائفية عمليات تحشيد كبيرة إلى مقابر القتلى من قادتها ومسلحيها.

حلول جذرية

دعا المركز الأميركي للعدالة، وهو منظمة حقوقية يمنية، إلى سرعة إيجاد حلول جذرية لمعاناة المعلمين بمناطق سيطرة جماعة الحوثي، وذلك بالتزامن مع دعوات للإضراب.

وأبدى المركز، في بيان حديث، قلقه إزاء التدهور المستمر في أوضاع المعلمين في هذه المناطق، نتيجة توقف صرف رواتبهم منذ سنوات. لافتاً إلى أن الجماعة أوقفت منذ عام 2016 رواتب موظفي الدولة، بمن في ذلك المعلمون.

طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

واستحدث الحوثيون ما يسمى «صندوق دعم المعلم» بزعم تقديم حوافز للمعلمين، بينما تواصل الجماعة - بحسب البيان - جني مزيد من المليارات شهرياً من الرسوم المفروضة على الطلبة تصل إلى 4 آلاف ريال يمني (نحو 7 دولارات)، إلى جانب ما تحصده من عائدات الجمارك، دون أن ينعكس ذلك بشكل إيجابي على المعلم.

واتهم البيان الحقوقي الحوثيين بتجاهل مطالب المعلمين المشروعة، بينما يخصصون تباعاً مبالغ ضخمة للموالين وقادتهم البارزين، وفقاً لتقارير حقوقية وإعلامية.

وأكد المركز الحقوقي أن الإضراب الحالي للمعلمين ليس الأول من نوعه، حيث شهدت العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء إضرابات سابقة عدة قوبلت بحملات قمع واتهامات بالخيانة من قِبل الجماعة.

من جهته، أكد نادي المعلمين اليمنيين أن الأموال التي تجبيها جماعة الحوثي من المواطنين والمؤسسات الخدمية باسم صندوق دعم المعلم، لا يستفيد منها المعلمون المنقطعة رواتبهم منذ نحو 8 سنوات.

وطالب النادي خلال بيان له، الجهات المحلية بعدم دفع أي مبالغ تحت مسمى دعم صندوق المعلم؛ كون المستفيد الوحيد منها هم أتباع الجماعة الحوثية.