عادت العاصمة السودانية الخرطوم بخجل إلى «زحامها» المعتاد، بعد ساعات من إعلان «لجنة الطوارئ الصحية»، تخفيف الحظر الصحي والإغلاق الكامل، الذي كان مفروضاً في البلاد للحد من تفشي جائحة «كورونا»، وسط مخاوف من موجة ثانية قد تكون أشدّ حدةً من الموجة الأولى التي بلغ عدد الذين أصيبوا بفيروس «كوفيد - 19» فيها نحو عشرة آلاف شخص، تعافى منهم نحو خمسين في المائة، مع أكثر من ستمائة حالة وفاة، بحسب آخر التقارير الصادرة عن وزارة الصحة.
وقال وزير الإعلام المتحدث باسم الحكومة، فيصل محمد صالح، في مؤتمر صحافي، مساء أول من أمس (الثلاثاء)، إن رفع الحظر التدريجي «لا يعني أن جائحة (كورونا) قد انتهت»، ودعا المواطنين إلى عدم الاستهانة بالجائحة، والالتزام بقواعد التباعد، بما في ذلك وضع واقيات الفم والأنف (الكمامات)، ومواصلة غسل الأيدي بالماء والصابون، واتباع توجيهات السلطات الصحية. وبحسب جولة قامت بها «الشرق الأوسط» في أنحاء الخرطوم، بدت الفرحة على وجوه الناس الذين حرمتهم الإجراءات الصحية من أعمالهم، لا سيما ذوي المهن غير المنظمة، من باعة جائلين وصانعات شاي، وباعة خضراوات وفاكهة في الطرقات، وسائقي وسائط النقل العام (الجوكية) منهم على وجه الخصوص.
وأول ما يلفت المراقب سحب الشرطة لـ«ارتكازاتها» من جسور المدينة، وعبور السيارة والسيارات دون أن يوقفهم أحد، إضافة إلى الزيادة اللافتة في حركة السير والسيارات، بعد أن كانت مقصورة على أصحاب «تراخيص المرور»، منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي.
وأعلنت لجنة الطوارئ الصحية تنظيماً جديداً لسياسات التباعد الصحية، رفعت بموجبها ساعات الحظر لتبدأ من الساعة السادسة مساء حتى الخامسة صباحاً، مع فتح الجسور أمام حركة السير طوال ساعات النهار.
وتقرّرت عودة المؤسسات الحكومية تدريجياً للعمل ابتداء من الأحد المقبل، مع السماح بممارسة الأعمال، بيد أن السلطات الصحية أبقت على حظر صالات المناسبة والتجمعات حتى نهاية أغسطس (آب) المقبل، وبقاء المؤسسات التعليمية مغلقة حتى إشعار آخر، على أن يجلس تلاميذ الأساس للامتحان النهائي، الأسبوع المقبل، وأن يحدد امتحان الشهادة السودانية في وقت لاحق.
وتقول فتحية (بائعة شاي) إنها كادت تطلق زعرودة حين سمعت برفع الحظر الصحي، فهرعت سريعاً إلى «شجرتها» وسط الخرطوم لتعدّ الشاي والقهوة والمشروبات الساخنة لزبائنها، وأضافت: «الحمد لله انتهى الحظر، والذي عانينا فيه ما عانينا، انقطع مصدر رزقنا خلاله، لكننا صمدنا وصبرنا عليه بالموجود وغير الموجود».
ووفقاً لإحصائيات رسمية، تسعى الحكومة الانتقالية لتقديم معونات نقدية مباشرة لنحو ثمانين في المائة من المواطنين، بيد أنها لم تستطع إيصال تلك المعونات إلاّ لأعداد محدودة خلال فترة الحظر، فيما لعبت منظمات مجتمع مدني وتقاليد التكافل الاجتماعي المحلية دوراً في تخفيف آثار الحظر على كثير من الأسر الفقيرة، التي عانت معاناة كبيرة من حالة الإغلاق الشامل، وفتحية وصاحباتها وكثيرون مثلها دفعوا ثمن الحظر من معاشهم، ولم تبلغهم معونات وزارة المالية.
ورغم اعتراض وزير الصحة أكرم علي التوم، على قرار تخفيف الحظر، ومطالبته باستمرار الإغلاق الكامل لمدة أسبوعين مع تشديده، وإغلاق المعابر البرية والجوية والبحرية، فإن لجنة الطوارئ الصحية قررت تخفيف إجراءات الحظر، والانتقال من حظر كامل إلى حظر جزئي يستمرّ ليلاً، مع إعلان سلطات الطيران المدني إعادة فتح مطار الخرطوم أمام حركة الطيران الأسبوع المقبل.
القرار (على ما يبدو) جعل الوزير يستشيط غضباً، فينشر تقريره إلى لجنة الطوارئ الصحية على صفحة وزارته الرسمية على «فيسبوك»، ما جعل الكثيرين ينظرون إلى الأمر باعتباره «عدم اتساق» بين مكونات الحكومة، ومحاولة من الوزير للظهور بمظهر «الحريص»، مقابل الانتقادات التي وُجّهت له لمشاركته في مظاهرات 30 يونيو (حزيران) الماضي، وصمت وزارته أمام دعوات التظاهر التي تُعد «كسراً» لسياسة التباعد المتبعة في البلاد.
ويُخشى، على نطاق واسع، من موجة جديدة لتفشي الوباء في البلاد، لا سيما بعد السماح بعودة آلاف العالقين إلى البلاد، والسماح لهم بالرجوع إلى مناطقهم دون إجراءات حجر صحي، ومن زيادة عدد الإصابات خلال الأسبوع المقبل بسبب التقارب الذي شهدته مدن البلاد خلال المواكب المليونية التي جرى تسييرها رغم أنف السياسات الصحية.
وتخشى تقارير صحافية من تفاقم الأزمات في البلاد، التي تعاني أزمة اقتصادية حادة وشحّاً في الوقود والدواء ودقيق القمح مع ارتفاع أسعارها، من تفاقم الأزمة التي كان يحول «الحظر» دون بروزها، ومن تفجُّر موجة احتجاجات قد تربك أعمال الحكومة، فيما تتفاءل تقارير أخرى بأن تؤدي عودة الأعمال لتخفيف الضائقة.
الخرطوم تفيق من «الغيبوبة» وتستعيد زحامها المعهود
الخرطوم تفيق من «الغيبوبة» وتستعيد زحامها المعهود
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة