«الوطني الليبي» ينفي تدمير منظومة دفاعية قرب الجفرة

حكومة السراج تبحث عودة الشركات والاستثمارات التركية

قوات موالية لحكومة {الوفاق} في طرابلس تستعد للتحرك شرقاً نحو سرت  (رويترز)
قوات موالية لحكومة {الوفاق} في طرابلس تستعد للتحرك شرقاً نحو سرت (رويترز)
TT

«الوطني الليبي» ينفي تدمير منظومة دفاعية قرب الجفرة

قوات موالية لحكومة {الوفاق} في طرابلس تستعد للتحرك شرقاً نحو سرت  (رويترز)
قوات موالية لحكومة {الوفاق} في طرابلس تستعد للتحرك شرقاً نحو سرت (رويترز)

فيما نفى «الجيش الوطني» الليبي تدمير منظومة دفاعية قرب الجفرة، مجدداً اتهاماته لتركيا بـ«دعمها المتواصل للإرهابيين والميليشيات المسلحة من أجل السيطرة على ليبيا»، قالت قوات حكومة «الوفاق»، برئاسة فائز السراج، إنها دمرت خلال قصف جوي، أمس، منظومة دفاع في منطقة سوكنة، تزامناً مع حث اجتماع دولي الأطراف الليبية على تسهيل عمل مؤسسة النفط بعد تجاوز حجم خسائرها المالية 6.5 مليار دولار أميركي.
ونقلت وسائل إعلام محلية موالية لـ«الوفاق» عن مصدر عسكري بقواتها، أمس، أنه «تم استهداف وتدمير منظومة روسية الصنع بغارات جوية في سوكنة»، القريبة من قاعدة الجفرة الجوية التابعة لـ«الجيش الوطني» بوسط البلاد، دون تقديم المزيد من التفاصيل. لكنّ مصادر في «الجيش الوطني» نفت صحة هذه التقارير، وقالت إن مواقع الجيش الوطني لم تتعرض أمس، لأي قصف أو غارات جوية، وذلك في ظل عدم صدور أي بيان رسمي.
وبثت شعبة الإعلام الحربي بـ«الجيش الوطني» فيلماً وثائقياً بعنوان «حليف الشيطان»، عبر صفحتها الرسمية على «فيسبوك»، قالت إنه يوضح «مطامع الأتراك، ودعمهم المتواصل للمجاميع الإرهابية والميليشيات المسلحة من أجل السيطرة على ليبيا»، مشيرةً إلى ما وصفته بتاريخ طويل لتركيا في «التورط بالعمليات الإرهابية على الأراضي الليبية، بدءاً من دعمها الميليشيات بالطائرات المسيّرة، ثم المدرعات والذخائر. كما وفّرت جسراً جوياً لنقل الإرهابيين من سوريا إلى ليبيا عبر مصراتة».
في غضون ذلك، ناقش السراج خلال اجتماعه أمس، مع مسؤولي حكومته عودة الشركات والاستثمارات التركية إلى ليبيا، لافتاً في بيان له إلى بحث مشاريع البنى التحتية المتوقفة، والمتعاقد على تنفيذها مع شركات تركية ولم تُستكمل بسبب ما تمر به البلاد من ظروف استثنائية، وفي مقدمتها مشاريع الكهرباء والطاقة، إضافة للمشاريع الجديدة التي من شأنها المساهمة في تقديم خدمات فاعلة وسريعة للمواطنين، حسب تعبيره.
وأكد السراج أهمية استئناف العمل في المشاريع المتوقفة، وأن تكون هذه العودة منطلَقاً لعملية شراكة مدروسة ومتوازنة بين البلدين تشمل القطاع الخاص في ليبيا.
كان السراج قد قال إنه شارك مع روبيرت آبيلا، رئيس مالطا، خلال زيارة عمل قصيرة دامت بضع ساعات، مساء أول من أمس، في افتتاح مركز للتنسيق المشترك في مواجهة الهجرة غير المشروعة بالعاصمة المالطية فاليتا.
من جانبها، دخلت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا على خط اتهامات تقليدية، وجّهتها قوات وحكومة «الوفاق» إلى «الجيش الوطني» بزرع ألغام في عدة مناطق جنوب العاصمة طرابلس، وحذرت في بيان لها مساء أول من أمس من أن «زرع الأجهزة المتفجرة في الأحياء المدنية، وبشكل عشوائي من قِبل قوات موالية للقوات الجيش الوطني، والذي تسبب منذ مايو (أيار) الماضي في مقتل وجرح 81 مدنياً و57 من غير المدنيين، يعدّ انتهاكاً محتملاً للقانون الدولي».
إلى ذلك، شجّع خبراء فريق العمل، المعنيّ بالشؤون الاقتصادية التابع للجنة المتابعة الدولية حول ليبيا، جميع الأطراف الليبية على تسهيل أعمال المؤسسة الوطنية للنفط، مشيراً إلى أن السماح للمؤسسة باستئناف عملها الحيوي، على أساس من الشفافية والالتزام الراسخ بضمان عدم الاستخدام غير المشروع للإيرادات، «من شأنه أن يهيئ الظروف لتفاهم مشترك بين الليبيين حول التوزيع العادل لعائدات النفط والغاز».
وقالت البعثة الأممية في بيان لها أمس، إن الفريق، الذي اجتمع عبر دوائر فيديو مغلقة أول من أمس، بحضور رئيس مؤسسة النفط مصطفى صنع الله، وبمشاركة السفارة الأميركية، ووفدي مصر والاتحاد الأوروبي، وممثلين عن فرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وسويسرا وتركيا والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة، فضلاً عن الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، في إطار عملية برلين الجارية، استهدف تأكيد الدعم الكامل للمؤسسة، في الوقت الذي ترفع فيه «القوة القاهرة» في جميع أنحاء البلاد، وتستأنف عملها الحيوي نيابةً عن جميع الليبيين.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.