الموجة الثانية من «كوفيد ـ 19» تبطئ تعافي الاقتصاد الأميركي

«غولدمان ساكس» يخفض توقعاته بشأن النمو وسط زيادة الإصابات

عاد «كورونا» ليلقي بظلاله مرة أخرى على وتيرة النمو لأكبر اقتصاد في العالم (أ.ب)
عاد «كورونا» ليلقي بظلاله مرة أخرى على وتيرة النمو لأكبر اقتصاد في العالم (أ.ب)
TT

الموجة الثانية من «كوفيد ـ 19» تبطئ تعافي الاقتصاد الأميركي

عاد «كورونا» ليلقي بظلاله مرة أخرى على وتيرة النمو لأكبر اقتصاد في العالم (أ.ب)
عاد «كورونا» ليلقي بظلاله مرة أخرى على وتيرة النمو لأكبر اقتصاد في العالم (أ.ب)

بينما بدأ الاقتصاد الأميركي يتجه نحو التعافي، عاد فيروس «كورونا» ليلقي بظلاله مرة أخرى على وتيرة النمو لأكبر اقتصاد في العالم. واضطر كثير من الولايات إلى تأجيل أو إلغاء خطط رفع قيود الإغلاق، وسط زيادة عدد الإصابات بشكل متسارع. وأصدر كثير من المدن في الولايات الواقعة غرب البلاد أوامر بإعادة إغلاق المطاعم والحانات، مما وضع علامات استفهام حول قدرة الاقتصاد الأميركي على التعافي وسط استمرار انتشار الوباء.
وخفض بنك «غولدمان ساكس» من توقعاته بشأن النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة في ظل الموجة الثانية من فيروس «كورونا»، التي بدأ يشهدها كثير من الولايات خلال الأسبوعين الماضيين. وتوقع البنك أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 25 في المائة في الربع الثالث، انخفاضاً عن تقديراته السابقة التي تنبأ فيها بنمو نسبته 33 في المائة خلال الفترة نفسها. ويرجع الانخفاض في المقام الأول إلى المخاوف من أن زيادة حالات الإصابة بالفيروسات في ولايات مثل فلوريدا وتكساس وأريزونا، ستبطئ وتيرة إعادة فتح الاقتصاد.
وقال البنك في بيان أمس: «على مدى الأسابيع القليلة الماضية، ساءت حالة (كوفيد) في الولايات المتحدة بشكل كبير، لدرجة أن الولايات المتحدة أصبحت الآن بارزة بشكل ملحوظ في هذا الصدد بين الاقتصادات المتقدمة. من الصعب الاعتراف بمدى استجابة الولايات المتحدة في الأسابيع المقبلة». وأضاف البنك أن أداء «الأسهم الأميركية» ليس جيداً مقارنة بمنافسيها العالميين، حيث إن الدولة «تعمل بشكل سيئ على المدى القريب» بسبب خطط إعادة الفتح المتسرعة.
وقال جان هاتزيوس، كبير الاقتصاديين في البنك، في بيان أمس: «الزيادة الحادة في الإصابات المؤكدة بالفيروس التاجي في الولايات المتحدة أثارت مخاوف من أن الانتعاش قد يتوقف قريباً». رغم ذلك، فإنه حتى إذا صحت توقعات «غولدمان ساكس»، فسيكون ذلك أكبر معدل نمو ربع سنوي تشهده البلاد منذ عام 1947، عندما ارتفعت وتيرة التصنيع بسبب الحرب العالمية الثانية.
وشهدت الولايات المتحدة 340 ألف حالة إصابة جديدة بالفيروس خلال الأسبوع الماضي فقط، بزيادة 13.4 في المائة، كما ارتفع معدل الوفيات بنسبة 2.9 في المائة. وأدت الحالات المتزايدة إلى إعادة النظر في تدابير إعادة الفتح التي تؤثر على الأعمال التجارية مثل المطاعم والحانات. فقد خفضت تكساس سعة المطاعم من 75 في المائة إلى 50 في المائة، بينما أمرت كاليفورنيا المطاعم بالإغلاق في 19 مقاطعة. وما زال تناول الوجبات محظوراً داخل المطاعم في نيوجيرسي ومدينة نيويورك.
وتبدو المؤشرات الاقتصادية التي تصدر من المؤسسات الحكومية والخاصة متباينة بعض الشيء في دلالاتها الاقتصادية. فرغم الموجة الثانية من «كورونا»، فإن بيانات وزارة العمل قد أظهرت أن الاقتصاد أضاف 4.8 مليون وظيفة جديدة في يونيو (حزيران) الماضي، وانخفض معدل البطالة إلى 11.1 في المائة، كما بدأ قطاع التصنيع والبناء يتعافى بشكل سريع بعد معاناته من أسوأ تراجع منذ الأزمة المالية.
وارتفعت طلبات الرهن العقاري لشراء المنازل الفردية بنسبة 15 في المائة، مقارنة بالأسبوع نفسه من العام الماضي، وفقاً لبيانات «جمعية المصرفيين للرهن العقاري». كما استمر عدد المسافرين عبر المطارات في الزيادة الطفيفة منذ بدأت الولايات رفع قيود الإغلاق، وفقاً لبيانات من إدارة أمن النقل الأميركي.
أما فيما يتعلق بقطاع السياحة، فقد استمر معدل الإشغال الفندقي بالولايات المتحدة في الارتفاع وأصبح الآن 46 في المائة، وفقاً لبيانات «مؤسسة أبحاث الضيافة العالمية (إس تي آر)». وشهدت وجهات، مثل بوسطن وأورلاندو وفلوريدا وجزيرة أواهو في هاواي، بعضاً من أدنى معدلات الإشغال، بسبب عودة ارتفاع حالات الإصابة بالفيروس التاجي.
ولم يكن قطاع المطاعم بعيداً أيضاً عن التعافي تدريجياً، حيث شهدت حجوزات المطاعم زيادة ملحوظة منذ بداية يونيو الماضي، وذلك بعد أن تراجعت إلى الصفر أواخر شهري مارس (آذار) وأبريل (نيسان) الماضيين.
على الجانب الآخر، ارتفع العجز التجاري الأميركي للشهر الثالث على التوالي في مايو (أيار) الماضي، مع استمرار تفشي الفيروس التاجي في التأثير على التجارة العالمية. وأفاد تقرير لوزارة التجارة الأميركية بأن العجز التجاري ارتفع إلى 54.6 مليار دولار؛ أي بنسبة 9.7 في المائة خلال مايو، وهو أعلى مستوى منذ ديسمبر (كانون الأول) 2018. وانخفضت الصادرات الأميركية إلى 144.5 مليار دولار، بتراجع نسبته 4.4 في المائة خلال مايو، وهو أدنى مستوى منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2009.
في المقابل؛ انخفضت الواردات إلى 199.1 مليار دولار، بنسبة 0.9 في المائة، وهو أدنى مستوى منذ يوليو (تموز) 2010. بشكل خاص، ارتفع العجز التجاري للولايات المتحدة مع الصين إلى 27.9 مليار دولار، بنسبة 7.3 في المائة خلال مايو. ومنذ بداية العام؛ انخفض العجز الإجمالي للولايات المتحدة في تجارة السلع والخدمات بنسبة 9.1 في المائة، ليستقر عند 223.4 مليار دولار، مقارنة مع 245.7 مليار دولار، في الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى مايو 2019. وبلغ إجمالي التجارة الأميركية (الصادرات بالإضافة إلى الواردات) 343.6 مليار دولار، بانخفاض 28 في المائة عن مايو 2019.



هيمنة الأسهم الأميركية تزداد قوة مع فوز ترمب

بورصة نيويورك للأوراق المالية (وكالة حماية البيئة)
بورصة نيويورك للأوراق المالية (وكالة حماية البيئة)
TT

هيمنة الأسهم الأميركية تزداد قوة مع فوز ترمب

بورصة نيويورك للأوراق المالية (وكالة حماية البيئة)
بورصة نيويورك للأوراق المالية (وكالة حماية البيئة)

تواصل الأسهم الأميركية تعزيز تفوقها على منافسيها العالميين، ويعتقد العديد من المستثمرين أن هذه الهيمنة قد تزداد إذا تمكن الرئيس المنتخب دونالد ترمب من تنفيذ برنامجه الاقتصادي بنجاح، دون الانجرار إلى حرب تجارية شاملة أو تفاقم العجز الفيدرالي.

وحقق مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» زيادة تفوق 24 في المائة في عام 2024، مما جعله في الصدارة بين مؤشرات الأسهم في أوروبا وآسيا والأسواق الناشئة. وبمعدل 22 ضعفاً للأرباح المستقبلية المتوقعة، فإن علاوته مقارنة بمؤشر «إم إس سي آي» للأسواق من أكثر من 40 دولة، تعد الأعلى منذ أكثر من عقدين، وفقاً لبيانات «إل إس إي جي». وعلى الرغم من أن الأسهم الأميركية قد تفوقت على نظيراتها العالمية لأكثر من عقد من الزمان، فإن الفجوة في التقييم قد اتسعت هذا العام بفضل النمو الاقتصادي المتين والأرباح القوية للشركات، لا سيما في قطاع التكنولوجيا، حيث ساعدت التطورات المثيرة في مجال الذكاء الاصطناعي على تعزيز أسهم شركات رائدة مثل «إنفيديا».

ويعتقد بعض المشاركين في السوق أن أجندة ترمب الاقتصادية، التي تشمل تخفيض الضرائب، وتخفيف القيود التنظيمية، وحتى فرض الرسوم الجمركية، قد تعزز من تفوق الولايات المتحدة، متفوقة على المخاوف المتعلقة بتأثيراتها المزعزعة المحتملة على الأسواق وزيادة التضخم.

وقال رئيس استراتيجية الأسهم الأميركية في بنك «باركليز»، فينو كريشنا: «نظراً للتوجهات المؤيدة للنمو في هذه الإدارة الجديدة، أعتقد أنه سيكون من الصعب مواجهة الأسهم الأميركية، على الأقل في عام 2025». وكانت هناك مؤشرات على تزايد تفضيل المستثمرين للأسهم الأميركية مباشرة بعد الانتخابات التي جرت في 5 نوفمبر (تشرين الثاني)، عندما استقبلت صناديق الأسهم الأميركية أكثر من 80 مليار دولار في الأسبوع الذي تلا الانتخابات، في حين شهدت صناديق الأسهم الأوروبية والأسواق الناشئة تدفقات خارجة، وفقاً لبنك «دويتشه».

ويعد «مورغان ستانلي»، و«يو بي إس» لإدارة الثروات العالمية، ومعهد الاستثمار «ويلز فارغو» من بين المؤسسات التي توصي بزيادة الوزن للأسهم الأميركية في المحافظ الاستثمارية أو تتوقع تفوقها في العام المقبل.

محرك الأرباح

أحد المحركات الرئيسية لقوة الأسهم الأميركية هو ميزة أرباح الشركات الأميركية، حيث من المتوقع أن ترتفع أرباح شركات «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 9.9 في المائة هذا العام وبنسبة 14.2 في المائة في 2025، وفقاً لبيانات «إل إس إي جي». وفي المقابل، من المتوقع أن ترتفع أرباح الشركات في مؤشر «ستوكس 600» الأوروبي بنسبة 1.8 في المائة هذا العام وبنسبة 8.1 في المائة في 2025.

وقال كبير الاستراتيجيين الاستثماريين في «ستيت ستريت غلوبال أدفايزر»، مايكل أرون: «الولايات المتحدة تظل المنطقة الجغرافية التي تحقق أعلى نمو في الأرباح وأكبر قدر من الربحية على مستوى العالم».

ويسهم الدور المهيمن للشركات التكنولوجية العملاقة في الاقتصاد الأميركي، وأوزانها الكبيرة في مؤشرات مثل «ستاندرد آند بورز 500»، في تعزيز هذا النمو. إذ تبلغ القيمة السوقية لأكبر خمس شركات أميركية («إنفيديا» و«أبل» و«مايكروسوفت» و«أمازون دوت كوم» وألفابت) أكثر من 14 تريليون دولار، مقارنة بحوالي 11 تريليون دولار لجميع شركات «ستوكس 600»، وفقاً لبيانات «إل إس إي جي».

وعلى نطاق أوسع، من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الأميركي بنسبة 2.8 في المائة في 2024 وبنسبة 2.2 في المائة في 2025، مقارنة بنسبة 0.8 في المائة هذا العام و1.2 في المائة في العام المقبل لمجموعة من حوالي 20 دولة تستخدم اليورو، وفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي.

وقد تساعد خطط ترمب لزيادة الرسوم الجمركية على الواردات الولايات المتحدة في تعزيز هذا التفوق، رغم المخاطر التي قد تترتب على ذلك، وفقاً لما قاله مايك مولاني، مدير أبحاث الأسواق العالمية في «بوسطن بارتنرز»، الذي يفضل الأسهم الأميركية. وقال مولاني: «إذا فرض ترمب رسوماً جمركية تتراوح بين 10 في المائة و20 في المائة على السلع الأوروبية، فإنهم سيتأثرون أكثر منا بشكل نسبي».

وقد دفع تحكم الجمهوريين في السلطة في واشنطن، ما يسهل على ترمب تنفيذ أجندته، اقتصاديي «دويتشه بنك» إلى رفع توقعاتهم لنمو الاقتصاد الأميركي في 2025 إلى 2.5 في المائة مقارنة بـ 2.2 في المائة.

وبينما من المتوقع أن تعزز تخفيضات الضرائب وإلغاء القيود التنظيمية النمو الاقتصادي، فإن الهوامش الضيقة نسبياً في الكونغرس الأميركي وحساسية الإدارة تجاه ردود الفعل السوقية قد تحدان من نطاق بعض السياسات «المتطرفة»، مثل الرسوم الجمركية، كما ذكر البنك في تقريره الأخير.

من جانبه، يتوقع «يو بي إس» لإدارة الثروات العالمية أن يصل مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» إلى 6600 في العام المقبل، مدفوعاً بالتطورات في مجال الذكاء الاصطناعي، وانخفاض أسعار الفائدة، وتخفيضات الضرائب، وإلغاء القيود التنظيمية. وأغلق المؤشر عند 5948.71 يوم الخميس. مع ذلك، قد تؤدي حرب تجارية شاملة مع الصين ودول أخرى إلى التأثير سلباً على نمو الاقتصاد الأميركي وزيادة التضخم. وفي سيناريو يتم فيه فرض دول ردود فعل على الرسوم الجمركية الأميركية الواسعة، قد ينخفض مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» إلى 5100، رغم أن الأسهم العالمية ستتراجع أيضاً، وفقاً لتوقعات «يو بي إس».

ويمكن أن تكون بعض القطاعات في السوق أكثر عرضة لتأثيرات سياسات ترمب، حيث أدت المخاوف بشأن خطط تقليص الفائض البيروقراطي إلى تراجع أسهم شركات المقاولات الحكومية الأسبوع الماضي، بينما تراجعت أسهم شركات الأدوية بعد اختيار ترمب للمشكك في اللقاحات روبرت ف. كينيدي جونيور لقيادة وزارة الصحة والخدمات الإنسانية.

كما قد تثير التخفيضات الضريبية الواسعة القلق بشأن زيادة الدين الأميركي. وقد أسهمت المخاوف المتعلقة بالعجز في تراجع بيع السندات الحكومية الأميركية مؤخراً، مما دفع عائد سندات الخزانة الأميركية لمدة 10 سنوات إلى أعلى مستوى له في خمسة أشهر الأسبوع الماضي.

وفي الوقت نفسه، قد تصبح الفجوة في التقييم بين الولايات المتحدة وبقية العالم واسعة لدرجة تجعل الأسهم الأميركية تبدو باهظة الثمن، أو قد تصبح الأسهم الدولية رخيصة للغاية بحيث لا يمكن تجاهلها. ومع ذلك، في الوقت الراهن، تظل الاتجاهات طويلة المدى لصالح الولايات المتحدة، مع ارتفاع مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بأكثر من 180 في المائة مقارنة بارتفاع بنسبة 50 في المائة تقريباً لمؤشر «ستوكس» في أوروبا على مدار العقد الماضي. وقال رئيس استراتيجيات الأصول المتعددة في «روبيكو»، كولين غراهام: «الزخم شيء رائع. إذا كان لديك شيء يستمر في التفوق، فإن المستثمرين سيتبعون الأموال».