حي فقير مكتظ ينتصر على الفيروس قاهر النظام الصحي الهندي

هنود يخضعون لفحص «كورونا» في مومباي (رويترز)
هنود يخضعون لفحص «كورونا» في مومباي (رويترز)
TT

حي فقير مكتظ ينتصر على الفيروس قاهر النظام الصحي الهندي

هنود يخضعون لفحص «كورونا» في مومباي (رويترز)
هنود يخضعون لفحص «كورونا» في مومباي (رويترز)

حقق حي فقير مكتظ في قلب موباي، العاصمة المالية للهند، انتصاراً على فيروس «كورونا» الذي قهر النظام الصحي في البلاد وجعلها رابع أكثر بلد تضرراً منه.
فعندما تم اكتشاف أول حالة إصابة بمرض «كوفيد - 19» الناتج عن الإصابة بفيروس كورونا في حي دارافي الفقير، وهو مكان أقرب إلى متاهة مليئة بالأكواخ ذات الغرفة الواحدة، كان علماء الأوبئة يخشون من أن يخرج المرض عن نطاق السيطرة.
ويعيش نحو مليون شخص داخل ميل مربع واحد (2.6 كيلومتر مربع)، يعيش كثير منهم مقابل الحصول على أجر يومي، ويتشاركون حمامات عامة. وتنام الأسر هناك في غرف مساحتها 2.5×2.5 متر، كما تعج الأزقة بالمواطنين، في مشهد يجعل من مسألة التباعد الاجتماعي أمراً مستحيلاً.
ولكن بعد مرور نحو ثلاثة أشهر من ظهور المرض هناك، يبدو أن السلطات في مومباي قد نجحت في تحقيق معجزة، أو على الأقل حصلت على مهلة غير متوقعة للتعامل مع الأزمة.
وبعد تسجيل 491 حالة إصابة بالمرض في أبريل (نيسان) الماضي، ثم تسجيل 1216 إصابة في مايو (أيار)، لم يتم تسجيل سوى 274 إصابة و6 حالات وفاة في دارافي خلال أول أسبوعين من يونيو (حزيران). ونقلت وكالة الأنباء الألمانية قول علماء الأوبئة، إن «واحداً من أكبر الأحياء الفقيرة في آسيا، تمكن من احتواء الفيروس حتى في ظل تصاعد أعداد الإصابات في أماكن أخرى في مومباي وفي أجزاء أخرى من الهند».
ولكن من الممكن أن يقدم كيفية حدوث ذلك - من عمل شاق وتفكير استباقي، وحتى شجاعة من جانب المسؤولين والأطباء والمتطوعين - دروساً في إدارة أزمة الفيروس لباقي المجتمعات الفقيرة المكتظة حول العالم.
وقال رامانان لاكسمينارايان، مؤسس مركز ديناميكيات الأمراض والاقتصاد والسياسة في واشنطن، إن «حي دارافي نجح في تطبيق إجراءات رائعة من حيث تتبع وعزل وحجر المصابين... إنه من المحتمل أن تكون الجغرافيا المدمجة قد أتاحت مستوى أكبر من التنسيق مما كان الوضع عليه في أماكن أخرى. إلا أنه ما زال من السابق لأوانه إعلان أي انتصار».
وقد شهد دارافي حتى الآن تسجيل أكثر من 2000 حالة إصابة وأكثر من 75 حالة وفاة في المجمل، وهي نسب أقل بكثير من باقي أنحاء مومباي، وهي مدينة ضخمة يعيش بها نحو 20 مليون شخص، وأصبحت مركز تفشي المرض في الهند.
وقد قهر الفيروس نظام الصحة العامة في مومباي، حيث اضطرت المستشفيات التي تجاوزت طاقتها الاستيعابية الحد الأقصى لها، إلى رفض استقبال المرضى. ويشار إلى أن الهند تأتي في المركز الرابع بين دول العالم (بعد الولايات المتحدة والبرازيل وروسيا) من حيث عدد الإصابات، ما يزيد من الضغط على رئيس الوزراء ناريندرا مودي، من أجل احتواء تسجيل الإصابات وتخفيف قيود الإغلاق المفروضة في البلاد بصورة أكبر من أجل إصلاح الاقتصاد الذي عانى بسبب تداعيات أزمة تفشي الوباء.
وأعلنت وزارة الصحة الهندية أمس (الأحد)، تسجيل 24850 حالة إصابة جديدة بفيروس كورونا خلال الـ24 ساعة الماضية. وذكرت شبكة «إن دي تي في» الهندية أنه بذلك يبلغ إجمالي حالات الإصابة بالفيروس في الهند 673 ألفاً و165 حالة. وتعد الهند بذلك رابع أكثر دولة تضرراً من فيروس كورونا بعد الولايات المتحدة الأميركية والبرازيل وروسيا.
كما سجلت الهند 613 حالة وفاة خلال الـ24 ساعة الماضية، ليبلغ بذلك إجمالي حالات الوفاة 19268 حالة.
ويشار إلى أن هذا يعد اليوم التاسع على التوالي الذي تسجل فيه الهند حصيلة إصابات يومية بفيروس كورونا تتجاوز أكثر من 18 ألف حالة.
ومنذ اكتشاف أول حالة إصابة بالمرض في دارافي في الأول من أبريل، التي كانت لصاحب محل ملابس (56 عاماً)، الذي توفي في اليوم نفسه، ركز مسؤولو المدينة على خمس مناطق اعتبروها عالية الخطورة بسبب حالات الإصابة الأولية والتاريخ المرضي للمصابين. وقامت المدينة بتخصيص 2450 فرداً من العاملين في قطاع الصحة، للعمل في دارافي فقط.
وقد أغلقت أغلب العيادات الخاصة في مومباي بسبب نقص معدات الحماية، ولكن في دارافي، تعاونت المدينة مع الأطباء الخصوصيين، وهم مقدمو الرعاية الصحية الرئيسيون في المنطقة ولديهم علاقات منذ فترة طويلة مع مرضاهم، الذين يشملون العمال المهاجرين وغيرهم من العمال وأصحاب المتاجر.
وغادر نحو 100 ألف من العمال المهاجرين وأسرهم، دارافي، بعد الإعلان عن إغلاق البلاد، ما أدى إلى تقليل عدد السكان بعض الشيء. وفي الأسبوع الثاني من أبريل، قام المسؤولون والأطباء الخصوصيون بفحص 47 ألفاً و500 شخص في المناطق عالية الخطورة. وقد ثبتت إصابة 20 في المائة من بين هؤلاء الذين أبلغوا عن ظهور أعراض عليهم، بمرض «كوفيد - 19»، وتم عزلهم فوراً.
وقال أنيل باتشانيكار، وهو طبيب خاص ورئيس جمعية محلية للأطباء: «منحنا ذلك بداية مثالية... فلو كانت (تلك الحالات) تسللت إلى باقي السكان، لكان الأمر قد تحول إلى خراب كبير».
ويقوم المسؤولون والأطباء بالتنقل في ممرات دارافي الضيقة والمزدحمة، وهم يرتدون مجموعات من الأدوات الوقائية للجسم بالكامل، في ظل درجات حرارة ونسب رطوبة عالية في مومباي، حيث يقومون بطرق أبواب بيوت السكان وإجراء اختبارات لهم في منازلهم بدءاً من الساعة التاسعة من صباح كل يوم.
وقال: «عندما كنا نتنقل في دارافي، بدأنا أيضاً في تثقيف المواطنين بشأن المرض، وأخبرناهم بأن الإصابة بالفيروس ليست جريمة».
وبالنسبة إلى باتشانيكار (60 عاماً) الذي عمل في دارافي لمدة 35 عاماً، فإن ما يقوم به من عمل شاق قد تسبب أيضاً في وجود مخاطر على أفراد أسرته.
ويشار إلى أنه مع تخفيف القيود المفروضة في الهند، يحذر المسؤولون من أن المعركة لم تنتهِ بعد. كما يشكل بدء هطول الأمطار الموسمية السنوية تحديات جديدة، تتضمن تفشي الملاريا وحمى الضنك، ما قد يؤدي إلى زيادة إنهاك النظام الصحي في البلاد.



أوضاع متردية يعيشها الطلبة في معاقل الحوثيين

طلبة يمنيون في مناطق سيطرة الحوثيين يتعرضون للشمس والبرد والمطر (الأمم المتحدة)
طلبة يمنيون في مناطق سيطرة الحوثيين يتعرضون للشمس والبرد والمطر (الأمم المتحدة)
TT

أوضاع متردية يعيشها الطلبة في معاقل الحوثيين

طلبة يمنيون في مناطق سيطرة الحوثيين يتعرضون للشمس والبرد والمطر (الأمم المتحدة)
طلبة يمنيون في مناطق سيطرة الحوثيين يتعرضون للشمس والبرد والمطر (الأمم المتحدة)

قدَّم تقرير أممي حديث عن أوضاع التعليم في مديرية رازح اليمنية التابعة لمحافظة صعدة؛ حيثُ المعقل الرئيسي للحوثيين شمالي اليمن، صورة بائسة حول الوضع الذي يعيش فيه مئات من الطلاب وهم يقاومون من أجل الاستمرار في التعليم، من دون مبانٍ ولا تجهيزات مدرسية، بينما يستخدم الحوثيون كل عائدات الدولة لخدمة قادتهم ومقاتليهم.

ففي أعماق الجبال المرتفعة في المديرية، لا يزال الأطفال في المجتمعات الصغيرة يواجهون التأثير طويل الأمد للصراعات المتكررة في المحافظة، والتي بدأت منتصف عام 2004 بإعلان الحوثيين التمرد على السلطة المركزية؛ إذ استمر حتى عام 2010، ومن بعده فجَّروا الحرب الأخيرة التي لا تزال قائمة حتى الآن.

الطلاب اليمنيون يساعدون أسرهم في المزارع وجلب المياه من بعيد (الأمم المتحدة)

وفي المنطقة التي لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال رحلة برية تستغرق ما يقرب من 7 ساعات من مدينة صعدة (مركز المحافظة)، تظل عمليات تسليم المساعدات والوصول إلى الخدمات الأساسية محدودة، وفقاً لتقرير حديث وزعته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)؛ إذ بينت المنظمة فيه كيف يتحمل الأطفال بشكل خاص وطأة الفرص التعليمية المحدودة، والمرافق المدرسية المدمرة.

مدرسة من دون سقف

وأورد التقرير الأممي مدرسة «الهادي» في رازح باعتبارها «مثالاً صارخاً» لتلك الأوضاع، والتي لا تزال تخدم مئات الطلاب على الرغم من الدمار الذي تعرضت له أثناء المواجهات بين القوات الحكومية والحوثيين، أثناء التمرد على السلطة المركزية؛ حيث تُركت هياكل خرسانية من دون سقف أو جدران.

ويؤكد مدير المدرسة -وفق تقرير «اليونيسيف»- أنها منذ أن أصيبت ظلت على هذه الحال، من ذلك الوقت وحتى الآن. ويقول إنهم كانوا يأملون أن يتم بناء هذه المدرسة من أجل مستقبل أفضل للطلاب، ولكن دون جدوى؛ مشيراً إلى أن بعض الطلاب تركوا الدراسة أو توقفوا عن التعليم تماماً.

مدرسة دُمّرت قبل 15 سنة أثناء تمرد الحوثيين على السلطة المركزية (الأمم المتحدة)

ويجلس الطلاب على أرضيات خرسانية من دون طاولات أو كراسي أو حتى سبورة، ويؤدون الامتحانات على الأرض التي غالباً ما تكون مبللة بالمطر. كما تتدلى الأعمدة المكسورة والأسلاك المكشوفة على الهيكل الهش، مما يثير مخاوف من الانهيار.

وينقل التقرير عن أحد الطلاب في الصف الثامن قوله إنهم معرضون للشمس والبرد والمطر، والأوساخ والحجارة في كل مكان.

ويشرح الطالب كيف أنه عندما تسقط الأمطار الغزيرة يتوقفون عن الدراسة. ويذكر أن والديه يشعران بالقلق عليه حتى يعود إلى المنزل، خشية سقوط أحد الأعمدة في المدرسة.

ويقع هذا التجمع السكاني في منطقة جبلية في حي مركز مديرية رازح أقصى غربي محافظة صعدة، ولديه مصادر محدودة لكسب الرزق؛ حيث تعمل أغلب الأسر القريبة من المدرسة في الزراعة أو الرعي. والأطفال -بمن فيهم الطلاب- يشاركون عائلاتهم العمل، أو يقضون ساعات في جلب المياه من بعيد، بسبب نقص مصادر المياه الآمنة والمستدامة القريبة، وهو ما يشكل عبئاً إضافياً على الطلاب.

تأثير عميق

حسب التقرير الأممي، فإنه على الرغم من التحديات والمخاوف المتعلقة بالسلامة، يأتي نحو 500 طالب إلى المدرسة كل يوم، ويحافظون على رغبتهم القوية في الدراسة، في حين حاول الآباء وأفراد المجتمع تحسين ظروف المدرسة، بإضافة كتل خرسانية في أحد الفصول الدراسية، ومع ذلك، فإن الدمار هائل لدرجة أن هناك حاجة إلى دعم أكثر شمولاً، لتجديد بيئة التعلم وإنشاء مساحة مواتية وآمنة.

واحد من كل 4 أطفال يمنيين في سن التعليم خارج المدرسة (الأمم المتحدة)

ويشير تقرير «يونيسيف»، إلى أن للصراع وانهيار أنظمة التعليم تأثيراً عميقاً على بيئة التعلم للأطفال في اليمن؛ حيث تضررت 2426 مدرسة جزئياً أو كلياً، أو لم تعد تعمل، مع وجود واحد من كل أربعة طلاب في سن التعليم لا يذهبون إلى المدرسة، كما يضطر الذين يستطيعون الذهاب للمدرسة إلى التعامل مع المرافق غير المجهزة والمعلمين المثقلين بالأعباء، والذين غالباً لا يتلقون رواتبهم بشكل منتظم.

وتدعم المنظمة الأممية إعادة تأهيل وبناء 891 مدرسة في مختلف أنحاء اليمن، كما تقدم حوافز لأكثر من 39 ألف معلم لمواصلة تقديم التعليم الجيد، ونبهت إلى أنه من أجل ترميم أو بناء بيئة مدرسية أكثر أماناً للأطفال، هناك حاجة إلى مزيد من الموارد.