الصحافة الاستقصائية تغيب عن الكليات وتتألق على الشاشات

نشطت إثر الانتفاضة اللبنانية وشكلت مادة إعلامية دسمة

التظاهرات في لبنان دفعت الصحافة الاستقصائية لكشف ملفات الفساد في البلاد (إ.ب.أ)
التظاهرات في لبنان دفعت الصحافة الاستقصائية لكشف ملفات الفساد في البلاد (إ.ب.أ)
TT

الصحافة الاستقصائية تغيب عن الكليات وتتألق على الشاشات

التظاهرات في لبنان دفعت الصحافة الاستقصائية لكشف ملفات الفساد في البلاد (إ.ب.أ)
التظاهرات في لبنان دفعت الصحافة الاستقصائية لكشف ملفات الفساد في البلاد (إ.ب.أ)

تعد الصحافة الاستقصائية مادة إعلامية تجذب الناس لكشفها المستور وفضائح كثيرة حول ملفات فساد وجرائم إنسانية وبيئية وسياسية. أفلام سينمائية وأخرى وثائقية بنت موضوعاتها على إنجازات حققتها هذه الصحافة.
ولعل أبرز فضيحة كشفتها الصحافة الاستقصائية في أوائل سبعينات القرن الماضي، هي المعروفة بـ«ووترغيت». عندما تابع صحافيان من جريدة واشنطن بوست قرائن خلفتها سرقة في مبنى للمكاتب في «ووترغيت». وواصل الصحافيان تحرياتهما إلى أن أوصلتهما إلى البيت الأبيض. ودفعت التقارير الإخبارية الخاصة بالسرقة، الكونغرس الأميركي إلى بدء تحقيقات حثيثة أدت في نهاية الأمر إلى استقالة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون من منصبه بعد إدانته هو وكبار معاونيه عام 1974 بالتنصت على أعدائه في الحزب الديمقراطي.
في لبنان وبعيد اندلاع الثورة في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الفائت، شقت الصحافة الاستقصائية طريقها بقوة، بانية ركائزها على مطالب شعب غاضب سرقه زعماؤه وسسياسيوه. ففاضت أخبار الفساد على أنواعها حتى بات تجنيد عشرات الصحافيين الاستقصائيين لاكتشاف المخفي، لا يكفي لتغطيتها كاملة. وراحت شاشات التلفزة كما وسائل إعلام أخرى مكتوبة تتنافس على تقديم معلومات جديدة حول هذه الفضيحة وتلك. وبرز مجهود صحافي لافت لإعلاميين أخذوا على عاتقهم إكمال تحقيقاتهم وأبحاثهم رغم تهديدات كثيرة يتلقونها لترهيبهم وإيقاف وتيرة عملهم. فكما رياض قبيسي وليال سعد وليال بو موسى وغيرهم في تلفزيون «الجديد» كذلك فتح كل من ادمون ساسين ومارون ناصيف في محطة «إل بي سي آي» ملفات فساد هزت الرأي العام اللبناني. وفي محطة «إم تي في» المحلية أيضا يبرز اسم رياض طوق الذي قدم برامج تلفزيونية كثيرة تتعاطى هذا الشأن وكان أحدثها «اللائحة السوداء».
ملفات فساد تتعلق ببواخر الفيول والتهريب، عبر مرفأ بيروت وكهرباء لبنان وغيرها، سلطت الصحافة الاستقصائية الضوء عليها فحولتها إلى حديث البلد.
وهو ما أحرج المسؤولين السياسيين في لبنان ودفعهم إلى أخذ العلم والخبر والتحقيق في هذه الملفات وملاحقة خيوطها. فالصحافة الاستقصائية وفي غياب تام لمبدأ المحاسبة في الدولة اللبنانية استطاعت أن تلعب دور المخبر ورجل البوليس والمحقق في آن. فصوبت أصابع الاتهام نحو مسؤولين كبار في البلاد، مدموغة بتقارير ومعلومات وافية تكفي لتحرك الدولة اللبنانية في هذا النطاق ووضعها أمام الأمر الواقع.
وإذا ما دققنا في مشهدية الصحافة الاستقصائية في لبنان نلاحظ أنها ليست وليدة البارحة. فدورات تدريبية محلية وخارجية، إضافة إلى شبكات تعليمية تروج على وسائل التواصل الاجتماعي عززت موقعها منذ نحو 15 عاما. كل ذلك أسهم في إتقان اللعبة من قبل صحافيين بينهم من كان انطلق في العمل الاستقصائي قبل سنوات، فيما آخرون تعلموا أسسها عن كثب حديثا لترجمتها على الأرض. ومن الإعلاميين اللبنانيين الذين يعملون في مجال الصحافة الاستقصائية ويعلمون مادتها في كلية الإعلام في «الجامعة الأنطونية» ادمون ساسين في محطة «إل بي سي آي». يقول ساسين «برأيي الصحافة الاستقصائية تتضمن أسلوبا ومنهجا مغايرا تماما عن الصحافة العادية. فالأخيرة تتناول تقارير إخبارية عادية تعتمد على مصادر السلطة ومؤسسات أخرى لإنجازها. أما الاستقصائية فهي ترتكز على مبادرات وجهود فردية يتكبدها المراسل للوصول إلى حقيقة ما يخفيها عن الأعين المتورطون فيها، بغض النظر عما إذا كانوا من أركان السلطة وغيرها». وعن كيفية سير العمل الاستقصائي بشكل عام يقول: «نبدأ دائما من حالة مريبة يزودنا بها شاهد عيان أو نكتشفها خلال تحقيقات نجريها على ملف ما. ومن هنا يبدأ مشوارا صعبا، يتخلله رصد حدث ما واستخدام مخبرين وفرضيات ممكنة وشخصيات مموهة تعمل خفية للمس خطوط الفضيحة عن قرب. كما نتواصل مع الناس ونقوم بأبحاث مكثفة كي نتزود بأكبر عدد من الفرضيات والإثباتات الممكنة. وغالبا ما يسير إيقاع العمل الاستقصائي، نتيجة معلومات تصلنا من أصدقاء أو شهود عيان ومخبرين».
نجح ادمون ساسين في لفت انتباه الدولة إلى أكثر من ملف فساد. ومن إنجازاته، فتح ملفات التهريب الجمركي، والتهريب عبر معابر غير شرعية بين لبنان وسوريا. وكذلك حقق هدفه في فتح ملفات الهدر في شركة كهرباء لبنان والخاص بمخالفات الأملاك البحرية وغيرها من الموضوعات التي تحرك القضاء للبت فيها، بعد أن اعتبرها أخبارا لملاحقة المخالفين. وعما إذا شعر مرة بالإحباط لعدم تحقيقه هدفا معينا يقول: «من النقطة الأولى للعمل الاستقصائي يجب على الإعلامي التمسك بما يقوم به مهما واجه من صعوبات. وإذا لاقى العمل النتيجة المرجوة كان به، والا فأنا شخصيا أحاول الإضاءة عليه من زاوية ثانية لاستكمل ما بدأته. وأحيانا كثيرة نعم أصاب بالإحباط لأن نزيفاً معيناً لمشكلة ما يبقى مستمرا إزاء عدم تحرك السلطة لتوقيف الجناة».
وبحسب ادمون ساسين فإن هذه المادة الصحافية لا تدخل على مناهج غالبية كليات الإعلام في لبنان. وهو ما يراه أمرا خاطئا تماما. «من الضروري تعليمها في كليات الإعلام، لأنها بمثابة مادة أساسية تعلم الصحافي كشف حقائق وإصلاح منظومة بأكملها».
الإعلامي رياض قبيسي مقدم برنامج «يسقط حكم الفاسد» على شاشة تلفزيون «الجديد» استطاع من خلال عمل دؤوب اتبعه في عمله الاستقصائي الإضاءة على أكثر من ملف فساد. كما حاول مع زميلته ليال سعد وغيرها تقديم مادة دسمة للمشاهد تتمثل بسرد دقيق ومفصل لثروات رجال سياسة وزعماء في لبنان.
ويقول في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لا شك أن الصحافة الاستقصائية شهدت بعد 17 أكتوبر (تاريخ اندلاع الثورة اللبنانية) انفلاشا لم يسبق أن حققته قبله. فالناس من ناحية صارت مهتمة أكثر بملفات الفساد ومن ناحية ثانية اتبعنا طريقة لتناول الموضوعات أبسط من ذي قبل. فصارت تستقطب اهتمام المشاهد الذي راح يتلقفها بصورة أسرع. كما أن هذا النوع من البرامج يتحرك نسب مشاهدته لتتفاوت بين وقت وآخر بشكل ملحوظ ويتعلق ذلك بمدى سخونة الموضوعات المتناولة».
والمعروف أن رياض قبيسي هو من الصحافيين الاستقصائيين الأوائل في لبنان وحصد جائزة «الصحافي المتقصي» من قبل مؤسسة «تومسون فاوندايشن» البريطانية في عام 2006. وفي عام 2016 أنجز تحقيقا بإشراف شبكة أريج للصحافة الاستقصائية كشف فيه عن أسماء المسؤولين اللبنانيين في لائحة «سويس ليكس» وتوقف عند بعض الحسابات تبعا للتفاصيل التي فيها. وعن إنجازاته الحديثة في هذا المجال يقول في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لا أقف عند إنجازات معينة ففي كل مرة أرى فيها الطرف المتورط يتصبب عرقا أمامي أعد ذلك إنجازا لي». ويضيف: «أحيانا الطرف الآخر، إن كان يعرف كيفية القيام بعملية مواجهة جيدة فبإمكانه أن يحولك إلى شخص كاذب. ولذلك كلما تزود الصحافي الاستقصائي بأدلة دامغة تظهر مدى تورط هذا الشخص، يكون موقفه أفضل وأكثر ثباتا، فلا يعود للمتورط القدرة على الإنكار».
ويؤكد قبيسي أنه ليس كل من قام بتصوير سري بكاميرا خفية يمكن أن نسميه صحافيا استقصائيا. «التصوير السري يشكل نسبة 10 في المائة من عمل الاستقصاء و80 في المائة من هذا العمل يرتكز على مصادر منظورة. وهناك نسبة ضئيلة تتعلق بالعمل السري والميداني للصحافي».
وتعد آلات الكاميرا والتسجيل الصوتي، إضافة إلى وثائق رسمية والمعلومات والعمل السري، من أدوات الصحافي الاستقصائي. فهو يحملها معرضا نفسه لأخطار كثيرة لاكتشاف حقائق وفضائح مثيرة.
غياث يزبك مدير نشرات الأخبار في محطة «إم تي في» اللبنانية يؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن نسبة تقارير الصحافة الاستقصائية في لبنان لا تتجاوز الـ20 في المائة من مجمل التقارير الإخبارية الأخرى. ويتابع في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «هناك قانون سن مؤخرا في لبنان يسمح لأي مواطن لبناني الوصول إلى أي معلومة يرغب بها. فبفضل هذا القانون له الحق بالاطلاع عليها وسحبها من أي مؤسسة رسمية وخاصة. ولكن المشكلة الأساسية التي نعاني منها تكمن بما نسميه «لبنان المطيف». فيصطدم الصحافي أو أي شخص آخر يرغب بالحصول على معلومة ما بشخصيات طائفية تقف بالمرصاد لمن يتجاوز صلاحياته معها، ضاربة عرض الحائط بالقانون. وهو ما ينعكس على المعلومات الخاصة برجال السياسة الموزعين على طوائف مختلفة». ويرى غياث يزبك أن تحايلا واستقواء يمارس على طالب المعلومة من قبل تلك الأطراف مما يشكل حاجزا لإكمال تقرير استقصائي معين.
«هذه المشكلة يمكن التخلص منها إذا ما كان الصحافي يتمتع بعلاقات قوية ومعارف قادرة على تخطي هذه الحواجز». ويوضح يزبك في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «فإذا أتتك المعلومة من ضابط مخابرات أو وزير أو نائب قد تستطيع تحقيق إنجاز ما في تقرير استقصائي، ودون ذلك فالحظ لن يكون حليفك. فلا زلنا في لبنان بعيدين كل البعد عن تقديم تقرير صحافي استقصائي بفضل مجهود فردي كما يجري في بلدان الغرب». وعن الدور الذي تلعبه التقارير الإخبارية المرتكزة على الصحافة الاستقصائية في نشرات الأخبار يقول: «إنها النشرة الإخبارية بحد ذاتها سيما إذا كانت تكشف عن فضائح وجرائم مختلفة غير معلن عنها، وللسلطة يد فيها. ويعزز أهمية هذه التقارير، معطيات صحيحة ترتكز على الكثير من البحث والتحري، وكذلك على أرقام ومعلومات ترفع من شأن التقرير وتزيد من أهميته. فتكون بمثابة قرائن مدموغة لا لبس فيها تفيدنا بأخبار استثنائية وحقيقية فادحة».



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.