الأزمة المعيشية تدفع لبنانيين إلى الانتحار... وآباء يسطون على الحليب لإطعام أطفالهم

مواطنون وعناصر من القوى الأمنية يحملون نعش علي الهق الذي قتل نفسه في بيروت (إ.ب.أ)
مواطنون وعناصر من القوى الأمنية يحملون نعش علي الهق الذي قتل نفسه في بيروت (إ.ب.أ)
TT

الأزمة المعيشية تدفع لبنانيين إلى الانتحار... وآباء يسطون على الحليب لإطعام أطفالهم

مواطنون وعناصر من القوى الأمنية يحملون نعش علي الهق الذي قتل نفسه في بيروت (إ.ب.أ)
مواطنون وعناصر من القوى الأمنية يحملون نعش علي الهق الذي قتل نفسه في بيروت (إ.ب.أ)

دفع العوز بمواطن لبناني إلى الانتحار في شارع الحمراء في بيروت أمس، وأرفق انتحاره برسالة كتب عليها «أنا مش كافر بس الجوع كافر». كما عُثر على رجل آخر كان يعاني من ضائقة اقتصادية، ميتاً في منزله، وذلك وسط تفاقم الأزمة المعيشية التي دفعت البعض إلى سرقة حاجات أساسية من المتاجر والصيدليات.
وأفضى انخفاض الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين على خلفية الأزمتين الاقتصادية والمالية إلى تدهور الأمن الاجتماعي، حسبما يقول باحثون توقفوا عند ظاهرة السطو بالسلاح للحصول على احتياجاتهم، فيما لم ينتظم بعد أي حراك كبير شبيه بحراك 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، رغم الاعتصامات والاحتجاجات المتفرقة في المناطق. وأقدم علي محمد الهق (61 سنة) على إطلاق النار من مسدس عل رأسه قرب احد المقاهي في شارع الحمراء، وسط حال ذهول المارة. وباشرت القوى الأمنية التحقيق في الحادث. وتناقل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لابن عمه يقول فيه إن الجوع دفعه للانتحار.
وأفادت شاهدة عيان بأن «الوضع كان طبيعيّاً قبل أن يسمع صوت إطلاق نار ويسقط الرجل أرضاً، من دون معرفة الأسباب»، مشيرةً إلى أنه كان يصرخ: « لبنان حر مستقل» قبل أن يطلق النار على نفسه. ووجدت على صدره ورقة كتب عليها «أنا مش كافر بس الجوع كافر».
بالتزامن، عثر على جثة مواطن آخر داخل شقته في بلدة جدرا في منطقة الشوف، وحضرت الأجهزة الأمنية والأدلة الجنائية للتحقيق. ونقلت وسائل إعلام محلية عن رئيس بلدية جدرا الأب جوزيف قزي قوله إن المتوفى البالغ من العمر37 عاماً، كان يعمل سائق حافلة نقل ركاب صغيرة، وكان يعاني من ضائقة اقتصادية.
وشهد لبنان عدة حوادث انتحار منذ انفجار الأزمة، حيث أقدم مواطن لبناني في 4 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، على الانتحار في بيروت بسبب طرده من العمل، وتراكم بعض الديون عليه، وتبعه آخر في بلدة عرسال في البقاع في 9 ديسمبر (كانون الأول) بعدما طلبت منه طفلته ألف ليرة لبنانية كي تذهب إلى المدرسة.
وأظهرت دراسة أجرتها «الدولية للمعلومات» في الشهر الماضي أن «جرائم القتل ارتفعت بنسبة 103%، ليصل عددها إلى 118 حالة، وبالتالي هناك 30 حالة قتل إضافيّة عن العام الفائت».
كما أسهم الانكماش الاقتصادي في رفع معدل السطو المسلح والسرقة التي سُجل منها 704 حالات في الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي. وأظهرت مقاطع فيديو تناقلها مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي أمس، رجلاً يأخذ حليب أطفال وحفاضات من صيدلية بقوة السلاح، وهي مقاطع تتكرر منذ تفاقم الأزمة، وتُظهر انفلاتاً في الأمن الاجتماعي تفاقم خلال الأشهر الماضية.
وتتخوف الباحثة في علم النفس الاجتماعي الدكتورة منى فياض من حالات انتحارات يمكن أن تصبح عدوى، بسبب الوضع اليائس الذي «يمكن أن يوصل إلى موجة انتحارات متفرقة أسوةً بما حصل في العالم في العام 1929»، وتُظهر تقديرات «الدولية للمعلومات» أن هناك نحو 1.1 مليون لبناني، أي 25% من اللبنانيين، يعيشون تحت خط الفقر، أي أن دخلهم لا يكفي لتوفير الغذاء.
وأعادت حادثة الانتحار في شارع الحمراء أمس، الزخم إلى الشارع رفضاً للواقع المعيشي الذي وصلت إليه البلاد، حيث خرج محتجون للتعبير عن غضبهم من تردي الأوضاع المعيشية.
وعلى الرغم من أن الاحتجاجات اتسمت باندلاعها على نطاق ضيق، فإنها تزامنت مع تحركات أخرى في بيروت والمناطق احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وعلى تردي الخدمات. وقطع محتجون طريق كورنيش المزرعة بالاتجاهين. وفي صيدا، افترش المحتجون الطريق في وسط المدينة، قبل أن يفتحها الجيش اللبناني، كما خرجت مسيرات في طرابلس. ورفع المحتجون لافتات كُتب عليها «ما أضيق العيش لولا فسحة الثورة».



غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

بعد غياب عن صنعاء دام أكثر من 18 شهراً وصل المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى العاصمة اليمنية المختطفة، الاثنين، في سياق جهوده لحض الحوثيين على السلام وإطلاق سراح الموظفين الأمميين والعاملين الإنسانيين في المنظمات الدولية والمحلية.

وجاءت الزيارة بعد أن اختتم المبعوث الأممي نقاشات في مسقط، مع مسؤولين عمانيين، وشملت محمد عبد السلام المتحدث الرسمي باسم الجماعة الحوثية وكبير مفاوضيها، أملاً في إحداث اختراق في جدار الأزمة اليمنية التي تجمدت المساعي لحلها عقب انخراط الجماعة في التصعيد الإقليمي المرتبط بالحرب في غزة ومهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي بيان صادر عن مكتب غروندبرغ، أفاد بأنه وصل إلى صنعاء عقب اجتماعاته في مسقط، في إطار جهوده المستمرة لحث الحوثيين على اتخاذ إجراءات ملموسة وجوهرية لدفع عملية السلام إلى الأمام.

وأضاف البيان أن الزيارة جزء من جهود المبعوث لدعم إطلاق سراح المعتقلين تعسفياً من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية.

صورة خلال زيارة غروندبرغ إلى صنعاء قبل أكثر من 18 شهراً (الأمم المتحدة)

وأوضح غروندبرغ أنه يخطط «لعقد سلسلة من الاجتماعات الوطنية والإقليمية في الأيام المقبلة في إطار جهود الوساطة التي يبذلها».

وكان المبعوث الأممي اختتم زيارة إلى مسقط، التقى خلالها بوكيل وزارة الخارجية وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، وناقش معهم «الجهود المتضافرة لتعزيز السلام في اليمن».

كما التقى المتحدث باسم الحوثيين، وحضه (بحسب ما صدر عن مكتبه) على «اتخاذ إجراءات ملموسة لتمهيد الطريق لعملية سياسية»، مع تشديده على أهمية «خفض التصعيد، بما في ذلك الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية باعتباره أمراً ضرورياً لإظهار الالتزام بجهود السلام».

قناعة أممية

وعلى الرغم من التحديات العديدة التي يواجهها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، فإنه لا يزال متمسكاً بقناعته بأن تحقيق السلام الدائم في اليمن لا يمكن أن يتم إلا من خلال المشاركة المستمرة والمركزة في القضايا الجوهرية مثل الاقتصاد، ووقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وعملية سياسية شاملة.

وكانت أحدث إحاطة للمبعوث أمام مجلس الأمن ركزت على اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، مع التأكيد على أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام ليس أمراً مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وأشار غروندبرغ في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

الحوثيون اعتقلوا عشرات الموظفين الأمميين والعاملين في المنظمات الدولية والمحلية بتهم التجسس (إ.ب.أ)

وقال إن العشرات بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

يشار إلى أن اليمنيين كانوا يتطلعون في آخر 2023 إلى حدوث انفراجة في مسار السلام بعد موافقة الحوثيين والحكومة الشرعية على خريطة طريق توسطت فيها السعودية وعمان، إلا أن هذه الآمال تبددت مع تصعيد الحوثيين وشن هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

ويحّمل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الجماعة المدعومة من إيران مسؤولية تعطيل مسار السلام ويقول رئيس المجلس رشاد العليمي إنه ليس لدى الجماعة سوى «الحرب والدمار بوصفهما خياراً صفرياً».