الموجز اليومي للرئيس الأميركي: ماذا نعرف عن وثيقة المخابرات عالية السرية؟

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث من البيت الأبيض في واشنطن (أ.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث من البيت الأبيض في واشنطن (أ.ب)
TT

الموجز اليومي للرئيس الأميركي: ماذا نعرف عن وثيقة المخابرات عالية السرية؟

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث من البيت الأبيض في واشنطن (أ.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث من البيت الأبيض في واشنطن (أ.ب)

ألقى الجدل الأخير حول ما يعرفه الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن المخابرات الأميركية بظلال جديدة على كيفية اطلاعه - أو أي رئيس آخر - على المعلومات السرية للغاية.
وأكد مسؤول عسكري لـ«إيه بي سي نيوز»، أن ضباط المخابرات الروسية عرضوا مبالغ مالية لمقاتلي «طالبان» لقتل القوات الأميركية في أفغانستان خلال العام الماضي، وسط محادثات سلام لإنهاء الحرب التي استمرت 18 عاماً هناك.
وكان أعضاء الكونغرس الغاضبون يطالبون بإجابات حول من يعرف أي معلومات عن الأمر، والأهم من ذلك، ما إذا كان ترمب قد اطلع على الأمر أم لا.
ونفى البيت الأبيض ما نقلته صحيفة «نيويورك تايمز» عن اطلاع الرئيس خطياً على معلومات المخابرات. ويجادل مساعدو الرئيس بأنه لم يتم التحقق من التقرير، وبينما يقولون على وجه التحديد إنه لم يتم إخباره شفهياً، إلا أنهم كانوا غامضين حول ما إذا كان قد تم تقديم المعلومات إلى الرئيس بشكل مكتوب، فيما يسمى ملخص الرئيس اليومي.
وبدلاً من ذلك، حوّل مسؤولو الإدارة غضبهم تجاه التسريبات.
وقالت مديرة وكالة المخابرات المركزية، جينا هاسبيل، في بيان «عند تطوير تقييمات المخابرات، غالباً ما تتطلب التقارير التكتيكية الأولية معلومات إضافية ووقتاً للتحقق من صحتها. بشكل عام، تتم مشاركة معلومات حماية القوة الأولية في جميع أنحاء مجتمع الأمن القومي - ومع حلفاء الولايات المتحدة - كجزء من جهودنا المستمرة لضمان سلامة قوات التحالف في الخارج».
وتابعت «تظهر التسريبات وتعطل العمل الحاسم بين الوكالات لجمع المذنبين ومحاسبتهم».
ووصف أربعة من كبار مسؤولي المخابرات السابقين لشبكة «إيه بي سي نيورز» الطريقة الدقيقة المتمثلة في إحاطة الرئيس بالمعلومات وكيفية تجميع الوثيقة السرية ستة أيام في الأسبوع.
* ما هو الموجز الرئاسي اليومي (بي دي بي)؟
وصف وزير الدفاع السابق ومدير وكالة المخابرات المركزية في عهد الرئيس باراك أوباما، ليون بانيتا، الموجز بأنه «مهم للغاية».
وقال بانيتا لشبكة «إيه بي سي نيوز»، «إنها ليست طريقة جيدة لبدء يومك... يمكن أن يضع الكثير من القلق في رأسك من خلال القراءة عن جميع التهديدات المحتملة التي تواجهها البلاد».
ولعل أشهر موجز هو الذي نشرته لجنة 11/ 9 في عام 2004، عنوان «بن لادن مصمم على ضرب الولايات المتحدة».
وقد تم تبادل المعلومات الاستخباراتية مع الرئيس السابق جورج دبليو بوش في 6 أغسطس (آب) 2001، أي قبل أكثر من شهر من تنفيذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول).

وفي حين أنه من النادر أن يطلع الجمهور على هذا الموجز، يمكن إرجاع أصول الوثيقة إلى الرئيس السابق جون كينيدي، الذي أراد أن يكون على اطلاع على القضايا الخارجية والداخلية.
وقال بروس ريدل، مسؤول الأمن القومي السابق، إنه حتى اليوم، فإن الموجز لديه الهدف نفسه الذي كان يخدمه في الستينات.
وأوضح ريدل «في إدارة كينيدي، كان يطلق عليه اسم قائمة المخابرات الخاصة بالرئيس، أو المخلل... إن الغرض هو في الواقع نفس ما كان عليه في إدارة كينيدي - إعطاء الرئيس ملخصاً قصيراً وموجزاً لأهم المعلومات الاستخباراتية».
وأكد أن ضباط المخابرات يعملون الآن على مدار الساعة لإعداد الوثيقة.
من جهته، قال ستيفن ب. سليك، الضابط السابق في عمليات وكالة المخابرات المركزية وعضو مجلس الأمن القومي، إن الوثيقة موجهة لشخص واحد فقط.
وتابع سليك، مدير مشروع دراسات الاستخبارات بجامعة تكساس في أوستن، «إنه مجرد جمع لأهم المعلومات والتحليلات الاستخباراتية التي تعتقد المحكمة الجنائية الدولية أنه يجب مشاركتها مع الرئيس».
وقال سليك، إن الوثيقة هي في نهاية المطاف مسؤولية مدير المخابرات الوطنية، لكنها مليئة بمعلومات وكالة المخابرات المركزية، «التي تقوم بصياغة وتنسيق معظم المقالات التي يتم وضعها».
وأفاد جاويد علي، مسؤول الأمن القومي السابق وعضو مجلس الأمن القومي، بأنه من المفترض أن يجمع الموجز جميع المعلومات المتاحة لكبار المسؤولين.
وأشار علي، الأستاذ الزائر في جامعة ميشيغان «من المفترض نظرياً أن يكون الموجز منتجاً متعدد الوظائف... يجب أن يدمج وجهات نظر مختلفة وتقارير استخبارية، ولا ينبغي أن تكون العلمية عبارة عن مجرد وكالة واحدة تُبلغ باستمرار كبار المسؤولين عما يحدث في العالم».
وشدد سليك على أن كل رئيس مختلف، ولكل رئيس أسلوبه وطريقته الخاصة التي يفضل أن يتم استخدامها في الوثيقة التي يطلع عليها.
* إحاطة شخصية
بالإضافة إلى نسخة عادية من «بي دي بي»، والتي قال ليونيل بانيتا إنها تختلف في طول الصفحة بناءً على اليوم ومعلومات الاستخبارات، يحصل المسؤولون على موجز شخصي للإجابة عن أسئلتهم.
وقال بانيتا «سيأتي ملخص من وكالة المخابرات المركزية ويلخص العناصر الأساسية في الموجز ويرد على الأسئلة».
وأشار ريدل إلى إنه عندما يتم اطلاع الرئيس على الموجز، عادة ما يكون مدير وكالة المخابرات المركزية ومدير المخابرات الوطنية في الغرفة.
وشدد بانيتا على أن أي معلومات حيوية حول الخصوم الرئيسيين مثل روسيا والصين موجودة دائماً في موجز الإحاطة.
وقال بانيتا، إن أي معلومات استخباراتية، حتى وإن لم يتم التحقق منها بشكل كامل، حول الروس الذين يعرضون مكافأة لـ«طالبان» لقتل الجنود الأميركيين مثلاً، ستكون «شيئاً مهماً» يجب أن يعرفه الرئيس.


مقالات ذات صلة

فريق ترمب يريد الوصول إلى «ترتيب» بين روسيا وأوكرانيا من الآن

العالم عناصر من خدمة الطوارئ الأوكرانية تخمد حريقاً شب في مبنى نتيجة قصف روسي على دنبيرو (خدمة الطوارئ الأوكرانية - أ.ب)

فريق ترمب يريد الوصول إلى «ترتيب» بين روسيا وأوكرانيا من الآن

أعلن مايك والتز، المستشار المقبل لشؤون الأمن القومي الأميركي، أن فريق ترمب يريد العمل منذ الآن مع إدارة الرئيس بايدن للتوصل إلى «ترتيب» بين أوكرانيا وروسيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ ترمب متوسطاً ابنته إيفانكا وابنه دونالد جونيور خلال اتجاههم إلى طائرة الرئاسة 4 يناير 2021 (أ.ف.ب)

نجل ترمب أسهم في تشكيل حكومة والده الجديدة

استكمل الرئيس المنتخب دونالد ترمب ترشيحات حكومته الجديدة، بإعلان رئيسة مركز «أميركا فيرست بوليسي إنستيتيوت»، بروك رولينز وزيرةً للزراعة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية ترمب ونتنياهو يتصافحان في «متحف إسرائيل» بالقدس يوم 23 مايو 2017 (أ.ب)

فريق ترمب للشرق الأوسط... «أصدقاء لإسرائيل» لا يخفون انحيازهم

اختصر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب سياسته المحتملة في الشرق الأوسط باختياره المبكر شخصيات لا تخفي توجهها اليميني وانحيازها لإسرائيل.

علي بردى (واشنطن)
شؤون إقليمية صورة نشرتها «الخارجية الإيرانية» من لقاء الوزير عباس عراقجي وعلى يمينه المتحدث إسماعيل بقائي مع رؤساء التحرير الأسبوع الماضي

إيران وأوروبا تجتمعان لمحادثات نووية في جنيف الجمعة

تعتزم إيران إجراء محادثات نووية مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي يوم 29 نوفمبر (تشرين الثاني) في جنيف.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
الولايات المتحدة​ بروك رولينز مرشحة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب لمنصب وزير الزراعة (أ.ب)

ترمب يرشح المعاونة السابقة بالبيت الأبيض بروك رولينز لمنصب وزير الزراعة

قال الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إنه سيرشح المعاونة السابقة بالبيت الأبيض بروك رولينز لشغل منصب وزير الزراعة في إدارته المقبلة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

يمثل الصعود العسكري للصين، وبخاصة برنامج تحديث ترسانتها النووية، هاجساً قوياً لدى دوائر صناعة القرار والتحليل السياسي والاستراتيجي في الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل التقارب المزداد بين بكين، وموسكو التي تلوح بمواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب على خلفية الحرب التي تخوضها حالياً في أوكرانيا.

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، يتناول ستيفن سيمبالا أستاذ العلوم السياسية في جامعة براندواين العامة بولاية بنسلفانيا الأميركية، ولورانس كورب ضابط البحرية السابق والباحث في شؤون الأمن القومي في كثير من مراكز الأبحاث والجامعات الأميركية، مخاطر التحالف المحتمل للصين وروسيا على الولايات المتحدة وحلفائها.

ويرى الخبراء أن تنفيذ الصين لبرنامجها الطموح لتحديث الأسلحة النووية من شأنه أن يؤدي إلى ظهور عالم يضم 3 قوى نووية عظمى بحلول منتصف ثلاثينات القرن الحالي؛ وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين. في الوقت نفسه، تعزز القوة النووية الصينية المحتملة حجج المعسكر الداعي إلى تحديث الترسانة النووية الأميركية بأكملها.

وأشار أحدث تقرير للجنة الكونغرس المعنية بتقييم الوضع الاستراتيجي للولايات المتحدة والصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى ضرورة تغيير استراتيجية الردع الأميركية للتعامل مع بيئة التهديدات النووية خلال الفترة من 2027 إلى 2035. وبحسب اللجنة، فإن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والقيم التي يستند إليها يواجه خطر نظام الحكم المستبد في الصين وروسيا. كما أن خطر نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا يزداد، وينطوي على احتمال نشوب حرب نووية.

ولمواجهة هذه التحديات الأمنية، أوصت اللجنة الأميركية ببرنامج طموح لتحديث الترسانة النووية والتقليدية الأميركية، مع قدرات فضائية أكثر مرونة للقيام بعمليات عسكرية دفاعية وهجومية، وتوسيع قاعدة الصناعات العسكرية الأميركية وتحسين البنية التحتية النووية. علاوة على ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى تأمين تفوقها التكنولوجي، وبخاصة في التقنيات العسكرية والأمنية الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وتحليل البيانات الكبيرة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.

ولم يقترح تقرير اللجنة أرقاماً دقيقة للأسلحة التي تحتاجها الولايات المتحدة ولا أنواعها، لمواجهة صعود الصين قوة نووية منافسة وتحديث الترسانة النووية الروسية. ورغم ذلك، فإن التكلفة المرتبطة بتحديث القوة النووية الأميركية وبنيتها التحتية، بما في ذلك القيادة النووية وأنظمة الاتصالات والسيطرة والدعم السيبراني والفضائي وأنظمة إطلاق الأسلحة النووية وتحسين الدفاع الجوي والصاروخي للولايات المتحدة، يمكن أن تسبب مشكلات كبيرة في الميزانية العامة للولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، فالأمر الأكثر أهمية هو قضية الاستراتيجية الأميركية والفهم الأميركي للاستراتيجية العسكرية الصينية والروسية والعكس أيضاً، بما في ذلك الردع النووي أو احتمالات استخدامه الذي يظهر في الخلفية بصورة مثيرة للقلق.

في الوقت نفسه، يرى كل من سيمبالا صاحب كثير من الكتب والمقالات حول قضايا الأمن الدولي، وكورب الذي عمل مساعداً لوزير الدفاع في عهد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، أنه من المهم تحديد مدى تنسيق التخطيط العسكري الاستراتيجي الروسي والصيني فيما يتعلق بالردع النووي والبدء باستخدام الأسلحة النووية أو القيام بالضربة الأولى. وقد أظهر الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، تقارباً واضحاً خلال السنوات الأخيرة، في حين تجري الدولتان تدريبات عسكرية مشتركة بصورة منتظمة. ومع ذلك فهذا لا يعني بالضرورة أن هناك شفافية كاملة بين موسكو وبكين بشأن قواتهما النووية أو خططهما الحربية. فالقيادة الروسية والصينية تتفقان على رفض ما تعدّانه هيمنة أميركية، لكن تأثير هذا الرفض المشترك على مستقبل التخطيط العسكري لهما ما زال غامضاً.

ويمكن أن يوفر الحد من التسلح منتدى لزيادة التشاور بين الصين وروسيا، بالإضافة إلى توقعاتهما بشأن الولايات المتحدة. على سبيل المثال، حتى لو زادت الصين ترسانتها النووية الاستراتيجية إلى 1500 رأس حربي موجودة على 700 أو أقل من منصات الإطلاق العابرة للقارات، سيظل الجيش الصيني ضمن حدود معاهدة «ستارت» الدولية للتسلح النووي التي تلتزم بها الولايات المتحدة وروسيا حالياً. في الوقت نفسه، يتشكك البعض في مدى استعداد الصين للمشاركة في محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، حيث كانت هذه المحادثات تجري في الماضي بين الولايات المتحدة وروسيا فقط. ولكي تنضم الصين إلى هذه المحادثات عليها القبول بدرجة معينة من الشفافية التي لم تسمح بها من قبل بشأن ترسانتها النووية.

وحاول الخبيران الاستراتيجيان سيمبالا وكورب في تحليلهما وضع معايير تشكيل نظام عالمي ذي 3 قوى عظمى نووية، من خلال وضع تصور مستقبلي لنشر القوات النووية الاستراتيجية الأميركية والروسية والصينية، مع نشر كل منها أسلحتها النووية عبر مجموعة متنوعة من منصات الإطلاق البرية والبحرية والجوية. ويظهر التباين الحتمي بين الدول الثلاث بسبب الاختلاف الشديد بين الإعدادات الجيوستراتيجية والأجندات السياسة للقوى الثلاث. كما أن خطط تحديث القوة النووية للدول الثلاث ما زالت رهن الإعداد. لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة وروسيا ستواصلان خططهما لتحديث صواريخهما الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة بأجيال أحدث من منصات الإطلاق في كل فئة، في حين يظل الغموض يحيط بخطط الصين للتحديث.

ورغم أن الولايات المتحدة تمتلك ترسانة نووية تتفوق بشدة على ترسانتي روسيا والصين، فإن هذا التفوق يتآكل بشدة عند جمع الترسانتين الروسية والصينية معاً. فالولايات المتحدة تمتلك حالياً 3708 رؤوس نووية استراتيجية، في حين تمتلك روسيا 2822 رأساً، والصين 440 رأساً. علاوة على ذلك، فالدول الثلاث تقوم بتحديث ترساناتها النووية، في حين يمكن أن يصل حجم ترسانة الأسلحة النووية الاستراتيجية الصينية إلى 1000 سلاح بحلول 2030.

ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو: إلى أي مدى ستفقد الولايات المتحدة تفوقها إذا واجهت هجوماً مشتركاً محتملاً من جانب روسيا والصين مقارنة بتفوقها في حال التعامل مع كل دولة منهما على حدة؟ ولا توجد إجابة فورية واضحة عن هذا السؤال، ولكنه يثير قضايا سياسية واستراتيجية مهمة.

على سبيل المثال، ما الذي يدفع الصين للانضمام إلى الضربة النووية الروسية الأولى ضد الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)؟ ولا بد أن نتخيل سيناريو متطرفاً، حيث تتحول الأزمات المتزامنة في أوروبا وآسيا إلى أزمات حادة، فتتحول الحرب الروسية - الأوكرانية إلى مواجهة بين روسيا وحلف «الناتو»، في الوقت الذي تتحرك فيه الصين للاستيلاء على تايوان، مع تصدي الولايات المتحدة لمثل هذه المحاولة.

وحتى في هذه الحالة المتطرفة، لا شك أن الصين تفضل تسوية الأمور مع تايوان بشروطها الخاصة وباستخدام القوات التقليدية. كما أنها لن تستفيد من الاشتراك في حرب بوتين النووية مع «الناتو». بل على العكس من ذلك، أشارت الصين حتى الآن بوضوح تام إلى روسيا بأن القيادة الصينية تعارض أي استخدام نووي أولاً في أوكرانيا أو ضد حلف شمال الأطلسي. والواقع أن العلاقات الاقتصادية الصينية مع الولايات المتحدة وأوروبا واسعة النطاق.

وليس لدى الصين أي خطة لتحويل الاقتصادات الغربية إلى أنقاض. فضلاً عن ذلك، فإن الرد النووي للولايات المتحدة و«الناتو» على الضربة الروسية الأولى يمكن أن يشكل مخاطر فورية على سلامة وأمن الصين.

وإذا كان مخططو الاستراتيجية الأميركية يستبعدون اشتراك روسيا والصين في توجيه ضربة نووية أولى إلى الولايات المتحدة، فإن حجم القوة المشتركة للدولتين قد يوفر قدراً من القوة التفاوضية في مواجهة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

وربما تدعم الصين وروسيا صورة كل منهما للأخرى بوصفها دولة نووية آمنة في مواجهة الضغوط الأميركية أو حلفائها لصالح تايوان أو أوكرانيا. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فمن المرجح أن توفر «الفجوة» بين أعداد الأسلحة النووية غير الاستراتيجية أو التكتيكية التي تحتفظ بها روسيا والصين والموجودة في المسرح المباشر للعمليات العسكرية، مقارنة بتلك المتاحة للولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي، عنصر ردع ضد أي تصعيد تقليدي من جانب الولايات المتحدة ضد أي من الدولتين.

أخيراً، يضيف ظهور الصين قوة نووية عظمى تعقيداً إلى التحدي المتمثل في إدارة الاستقرار الاستراتيجي النووي. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع تطوير سياسات واستراتيجيات إبداعية لتحقيق استقرار الردع، والحد من الأسلحة النووية، ودعم نظام منع الانتشار، وتجنب الحرب النووية. ولا يمكن فهم الردع النووي للصين بمعزل عن تحديث قوتها التقليدية ورغبتها في التصدي للنظام الدولي القائم على القواعد التي تفضلها الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا. في الوقت نفسه، فإن التحالف العسكري والأمني بين الصين وروسيا مؤقت، وليس وجودياً. فالتوافق بين الأهداف العالمية لكل من الصين وروسيا ليس كاملاً، لكن هذا التحالف يظل تهديداً خطيراً للهيمنة الأميركية والغربية على النظام العالمي.