توافق نادر بين «فتح» و«حماس» في مواجهة «الضم»

مسيرة احتجاجية في رام الله على مخطط إسرائيل لضم الضفة (أ.ف.ب)
مسيرة احتجاجية في رام الله على مخطط إسرائيل لضم الضفة (أ.ف.ب)
TT

توافق نادر بين «فتح» و«حماس» في مواجهة «الضم»

مسيرة احتجاجية في رام الله على مخطط إسرائيل لضم الضفة (أ.ف.ب)
مسيرة احتجاجية في رام الله على مخطط إسرائيل لضم الضفة (أ.ف.ب)

وضعت حركتا «فتح» و«حماس» الخلافات جانباً، وأعلنتا بداية مرحلة جديدة في مواجهة مشروع الضم الإسرائيلي لأجزاء من الضفة الغربية، في خطوة بدت مفاجئة.
وقال جبريل الرجوب، أمين سر اللجنة المركزية لحركة «فتح» في مؤتمر صحافي مشترك مع نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» صالح العاروري عبر «الفيديو كونفرنس»: «إن الحركتين اتفقتا على تبني موقف فلسطيني موحد ضد مخطط الضم الإسرائيلي». وأضاف أنهما ستواجهان معاً كل مشروعات الضم التي يسعى الاحتلال لتطبيقها، بدعم من الولايات المتحدة. وتابع: «نريد أن نفتح صفحة جديدة في العلاقات بيننا. حان الوقت لنتعاون فيما بيننا أمام (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو الفاشي». وأكد الرجوب الذي كان يتحدث من رام الله، أن الاستراتيجية المقبلة ستكون موحدة في الضفة الغربية وقطاع غزة، للتصدي لهذه المخططات، محذراً من أن المشروع الوطني برمته مهدد الآن.
وشكَّل المؤتمر الذي أعلن عنه قبل ساعات قليلة فقط، مفاجأة للفلسطينيين وكذلك للإسرائيليين، بعد محاولات عديدة للتقارب لم تسفر عن نتائج إيجابية. وجرت محادثات هادئة وسرية بين الطرفين انتهت باتفاق على استراتيجية موحدة ضد الضم، وحاز ذلك موافقة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس المكتب السياسي لـ«حماس» إسماعيل هنية.
وركز الجانبان أمس على مشروع الدولة الفلسطينية والمقاومة الشعبية في مواجهة إسرائيل، وهي من المرات النادرة التي توافق فيها حركة «حماس» حركة «فتح» على فكرة الدولة في حدود 1967، واتباع نهج المقاومة الشعبية بعدما كانتا على خلاف حولهما.
وجدد الرجوب رفض الكل الفلسطيني لضم أي شبر من الأراضي الفلسطينية، باعتبار ذلك بمثابة رصاصة الرحمة على مشروع الدولة الفلسطينية. وحدد «المقاومة الشعبية» نهجاً حالياً في مواجهة مشروع الضم. وقال إن ذلك تم بمعرفة ومباركة كل أعضاء اللجنة المركزية لحركة «فتح»، وأعضاء المكتب السياسي لحركة «حماس»؛ لكنه ترك الباب مفتوحاً لأي تطورات إذا نفذت إسرائيل فعلاً عملية الضم.
وأضاف المسؤول الفلسطيني: «إذا أعلن الاحتلال الضم فسنتعامل مع الموقف، وستتحرك قوانا. لن نرفع الراية البيضاء، ولن نعاني وحدنا، لن نموت وحدنا. نحن أيضاً مقاتلون، والوضع سيكون صعباً على السلم الإقليمي والعالمي».
ورد العاروري الذي كان يتحدث من بيروت، بالتأكيد على بدء مرحلة جديدة. وقال: «رسالتنا الواضحة والقوية لشعبنا وعدونا وللعالم من خلال المؤتمر، أننا موحدون ضد الضم، وهذا موقف كل قيادة (حماس)، وقد أصدر المكتب السياسي بياناً أكد فيه موقفه الذي ينسجم مع الموقف الوطني الشامل». وتابع: «موضوع الضم هو مستوى من الخطورة غير مسبوق؛ لأن الاحتلال إذا استطاع أن يمرر موضوع الضم فسيستمر، والمعيار فيه أن الضفة الغربية بالنسبة للاحتلال هي جزء من مجاله الاستراتيجي». وأردف: «يجب عدم السماح بتمرير هذه الخطوة؛ لأن هذا الإجراء إنهاء لأي مشروع للدولة الفلسطينية، ونحن نرفض ذلك مهما كان، والمواقف الوطنية كلها لم تقبل التنازل في هذا المجال». وشدد الثقة «بالأخ أبو مازن والإخوة في (فتح)، بأنهم لن يتقبلوا فكرة التنازل والقبول بحلول وسط».
وقال العاروري مخاطباً الفلسطينيين: «أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي. وكل المسائل التي فيها خلافات نتجاوزها ولا نقف عندها، لمصلحة اتفاق استراتيجي جوهري». كما وجه رسالة للاحتلال، في ألا يستخف بعزيمة الشعب الفلسطيني في الدفاع عن حقوقه. واختتم كلامه بالتشديد على العمل معاً في كل الميادين: «وأـن نعزز بعضنا لمواجهة (صفقة القرن) ومشروع الضم».
وشكَّل المؤتمر الذي جمع الرجوب بالعاروري منعطفاً مهماً في معركة الفلسطينيين ضد الضم، وهو منعطف حاز اهتماماً واسعاً في إسرائيل؛ لكن من غير المعروف ما إذا كانت الوحدة الميدانية ستقود إلى اتفاق أشمل ينهي الانقسام. وأعلن إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» دعم الجهود المبذولة لإنجاز الوحدة الفلسطينية. وقال في بيان صادر عن مكتبه، إن الشعب الفلسطيني شهد اليوم خطوة متقدمة نحو تحقيق وحدة الموقف، والجهد الوطني الفلسطيني لمواجهة العدو.
وأيَّدت فصائل فلسطينية خطوات «فتح» و«حماس»؛ لكن مسؤولين ووسائل إعلام إسرائيلية وصفته بـ«التطور الخطير».
وقال المحلل في القناة «12» العبرية، إيهود يعاري، إن التعاون الذي بدأ اليوم بين «فتح» و«حماس» مهما كان محدوداً، هو تطور خطير في نظر إسرائيل، إن السرعة التي تم بها التوصل إلى هذا الاتفاق، فاجأت المنظومة الأمنية الإسرائيلية. كما دعا قائد الجيش في منطقة شمال الضفة، روعي تسويغ، المستوطنين إلى توخي الحيطة والحذر خلال الفترة المقبلة. وتساءلت وسائل إعلام إسرائيلية إذا ما كان التوحد ضد «إسرائيل العدو» قد ينتج انتفاضة جديدة أم لا.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».