احتفل مدير التصوير الفذ فيتوريو ستورارو بعيد ميلاده الثمانين قبل عشرة أيام وسط عائلته الكبيرة التي تضم أولاداً وأحفاداً وتلك الأكبر التي تضم متابعين وعشاق الصورة السينمائية المتجلية بمزج بديع بين العلم والفن.
صاحب ثلاثة أوسكارات 47 جائزة أخرى وقرابة 60 فيلماً سينمائياً و11 فيلماً تلفزيونياً. أوسكاراته الثلاثة تحققت عندما صوّر لفرنسيس فورد كوبولا رائعته Apocalypse Now سنة 1978 وحين صوّر لوورن بيتي فيلمه الأثير Reds (سنة 1981) ثم عندما صوّر للإيطالي الراحل برناردو برتولوتشي The Last Emperor بعد ست سنوات (1987).
- مع برتولوتشي
حلم باكراً بأن يصبح سينمائياً. مثل بطل فيلم «سينما باراديزو» (أخرجه جوسيبي تورناتوري سنة 1988) كان يلتزم غرفة عرض الأفلام معظم الوقت. ذلك أن والده كان عارض أفلام (بروجكشنيست) وكان فيتوريو يتسلل إلى حجرة أبيه ليراقب الأفلام من القمرة الصغيرة مستمتعاً.
ما لبث أن تحوّل الهوى إلى عشق وستورارو لا يجد ذلك غريباً على الإطلاق: «كل ابن يحاول تقليد أبيه. والدي كان عارض أفلام. والد برتولوتشي كان شاعراً، لذلك كتب برتولوتشي الشعر قبل أن يصبح مخرجاً».
أنجز لبرتولوتشي العديد من أفلامه. فبدأ من سنة 1970 صور له «استراتيجية العنكبوت» و«الممتثل» (The Coformist) و«آخر تانغو في باريس» (1972) ثم «1900» سنة 1976 و«لا لونا» (1979) و«الإمبراطور الأخير» (1987) و«السماء الساترة» (1990) وصولاً إلى «بوذا الصغير» (1993).
وكان استحوذ على ثقة برتولوتشي عندما اقترح عليه خلال تصوير «الممتثل» طريقة تصوير لتقديم الواقع كما لو كان خيالاً في المشاهد الخارجية. قال له إن الفيلم يتحدث عن صراع رجل في الفترة الفاشية بين أن يمتثل للنظام أو يخرج عنه: «نستطيع أن نصور المشاهد الداخلية واقعياً. الخارجية ستبدو كما لو كانت خيالية ترمز لحالة الحيرة التي تنتاب بطل الفيلم (جان - لوي ترتنيا)».
برتولوتشي أُعجب بالاقتراح وسمح لستورارو تنفيذه الذي لاحقاً ما ذكر ذلك الحوار وقال: «الفكرة ليست فكرة إلا بعد دراستها ومعاينتها ثم اقتراحها على المخرج. إذا وافق عليها باتت مهمّة مدير التصوير الفعلية».
بعد نجاح «1900» عالمياً ازداد الطلب على ستورارو هوليوودياً. صوّر «أغاثا» لمايكل أبتد (تم تصويره سنة 1979 في بريطانيا لكنه إنتاج أميركي) و«سفر الرؤيا الآن» لكوبولا (في العام ذاته). ذلك الفيلم ذو التصوير المعقد كان بداية تعاون مع كوبولا شملت «واحد من القلب» (1981) و«تاكر: الرجل وحلمه» والجزء الذي أخرجه كوبولا من ثلاثية «حكايات نيويوركية» (1989).
للممثل - المخرج وورن بيتي صور له ثلاثة أفلام هي «ردز» (1981) و«دِك ترايسي» (1990) و«بولوورث» (1998). كذلك صوّر «لايدهوك» (رتشارد دونر، 1985) و«عشتار» (إيلين ماي، 1987) وللإسباني كارلوس ساورا صوّر له تحفته «غويا في بوردو» (1999) وبعد عشر سنوات صوّر له «أنا، دون جيوڤاني».
- مصدر إلهام
والمخرج العربي الوحيد الذي تعامل مع ستورارو هو الجزائري رشيد بن حجّي وذلك سنة 2000 عندما أنجز فيلماً بعنوان «ميركا» (Mirka). وطلبه وودي ألن أكثر من مرّة. في السنوات الأربع الأخيرة مثلاً صوّر له «كافيه سوسيتي» (2016) و«ووندر ويل» (2018) وانتهى في خريف العام الماضي من تصوير فيلم آخر لآلن هو «يوم ماطر في نيويورك».
حال زوال محنة كورونا سيلتقي ستورارو بالمخرج ساورا لتصوير سيرة حياة الموسيقار «باخ». هذا المشروع شبيه بتلك التي دوّنتها السينما عن فنانين من التاريخ الغابر. وستورارو يحب هذا النوع. في إحدى المرّات التي التقينا فيها معه، من خلال ندوات «جمعية هوليوود للمراسلين الأجانب»، ذكر إن استلهاماته مختلفة لكن الكثير منها ترده من فن الرسم. على ذلك أكد أن لكل فيلم مصدره:
«أحياناً ما يأتي الإلهام من لوحة فنية. أحياناً من كتاب. أحياناً أخرى من السيناريو نفسه». وروى أنه خلال تصوير «الممتثل» مع برتولوتشي في المشاهد التي تقع في باريس، ذكر له المخرج الراحل بأنه عاد لتوّه من مشاهدة فيلم لوكينو فيسكونتي «الملعونون» (تصوير باسكوالينو دي سانتيس وأرماندو نانوتزي):
«قال لي إنه فيلم مذهل واقترح علي أن أشاهد الفيلم. قلت له لا أعتقد أنني أريد ذلك. سأشاهده فيما بعد لأن لدي مفهوماً جيداً لفيلمنا ولا أريد أن أضع نفسي تحت تأثير مفهوم مختلف».
حكايته مع فرنسيس فورد كوبولا لا تقل إثارة. رحلته الأولى معه بالطائرة الصغيرة كانت مخيفة حسب كلماته، إذ دخلت غيوماً سوداء وأخذت الطائرة تعلو وتهبط وتترنح: «حاول كوبولا التخفيف عنا ببعض النكات… لكننا كنا متوترين وخائفين».
في حديث أسبق مع كوبولا تم في مهرجان «كان» في منتصف التسعينات أخبر المخرج هذا الناقد بأن اختياره لستورارو كمدير تصوير «سفر الرؤيا الآن» تم لإعجابه بتصويره لفيلم برتولوتشي «الممتثل»: «جاءني ستورارو متسائلاً عن سبب اختياره. قال لي، لماذا أنا وليس غوردون ويليس. قلت له: لا تخف. لدي فيلمان لأحقان مع ويليس. قال: لكني لم أصوّر فيلما حربياً من قبل. قلت له: هذا الفيلم ليس فيلماً حربياً، بل يقع خلال الحرب».
أحد مديري التصوير الذين يرفعون القبعة تحية لستورارو روبرت رتشردسون (مدير التصوير المفضل لدى كونتِن تارنتينو) الذي قال عنه: «لم يعلمني ستورارو الشغل على الضوء والظلال فقط، بل على كيفية التعامل مع المخرج أيضاً».
7:57 دقيقة
فيتوريو ستورارو... ذكريات ومواقف رسام بالكاميرا
https://aawsat.com/home/article/2367266/%D9%81%D9%8A%D8%AA%D9%88%D8%B1%D9%8A%D9%88-%D8%B3%D8%AA%D9%88%D8%B1%D8%A7%D8%B1%D9%88-%D8%B0%D9%83%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D9%85%D9%88%D8%A7%D9%82%D9%81-%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%85-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%B1%D8%A7
فيتوريو ستورارو... ذكريات ومواقف رسام بالكاميرا
سعى إليه كوبولا وبيتي وآخرون
- بالم سبرينغز: محمد رُضا
- بالم سبرينغز: محمد رُضا
فيتوريو ستورارو... ذكريات ومواقف رسام بالكاميرا
مقالات ذات صلة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة