تراكم الأزمات يربك اللبنانيين... واحتجاجات يومية تنذر بالانفجار

الدولار سجل أعلى مستوياته ويقترب من 10 آلاف ليرة

من الاحتجاجات على تدهور الظروف المعيشية في بيروت (إ.ب.أ)
من الاحتجاجات على تدهور الظروف المعيشية في بيروت (إ.ب.أ)
TT

تراكم الأزمات يربك اللبنانيين... واحتجاجات يومية تنذر بالانفجار

من الاحتجاجات على تدهور الظروف المعيشية في بيروت (إ.ب.أ)
من الاحتجاجات على تدهور الظروف المعيشية في بيروت (إ.ب.أ)

بعد ليلة من التحركات الشعبية المتنقلة في مختلف المناطق، عاد المحتجون، اليوم (الخميس)، إلى الشارع في لبنان معبرين عن غضبهم من الوضعين الاقتصادي والاجتماعي مع تسجيل سعر صرف الدولار أعلى مستوياته وتجاوزه 9 آلاف ليرة.
وتركزت تحركات ساعات النهار في العاصمة بيروت حيث أقفل عدد من الطرق قبل أن يعمد الجيش إلى فتحها، بينما كانت شركة الكهرباء محطة للمعتصمين في قاديشا شمالاً وصيدا جنوباً، احتجاجاً على التقنين القاسي للتيار الكهربائي، وعلى الغلاء وارتفاع الأسعار، وتفلت سعر صرف الدولار.
لكن هذه التحركات، التي باتت شبه يومية ورغم شمولها عدداً من المناطق، لا تزال محدودة مقارنة بالمعاناة التي يرزح تحتها الشعب اللبناني المنشغل بمواجهة أزماته المتلاحقة، وتعكس الإرباك الذي يعيشه المواطنون والخوف من المجهول بانتظار الانفجار من مكان ما.
إذ؛ وفيما كانت الرسوم التي فرضت على خدمة «واتساب» قد فجرّت الانتفاضة الشعبية في 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 واستمرت أسابيع طويلة، كان الجميع يعتقد أن ارتفاع سعر صرف الدولار إلى مستويات غير مسبوقة، سيشكل المرحلة الثانية من الانتفاضة، وهو ما لم يحدث. وأتى قبل يومين قرار وزارة الاقتصاد برفع سعر ربطة الخبز، ليظن اللبنانيون أنه كفيل بعودة الناس إلى الشارع، حتى إن السلطة نفسها كانت تترقّب انتفاضة جديدة مع هذا القرار، وهو ما نقل عن وزير الداخلية محمد فهمي، محذراً وزير الاقتصاد من الخطوة التي رأى أنها مشابهة لقرار رسم «واتساب»، وقد تؤدي مجدداً إلى إشعال الشارع، لكن رد الفعل اقتصر أيضاً على وقفات احتجاجية وإقفال طرق في مناطق معينة.
من هنا؛ بات يطرح السؤال حول السبب الذي يحول دون تجدد الانتفاضة بشكل أكبر، مع تفاقم الأزمات وتراكمها، خصوصاً أن الحد الأدنى للأجور بات يقدر فقط بنحو 78 دولاراً أميركياً.
الأستاذ الجامعي والناشط السياسي باسل صالح يرى أن اللبنانيين يعيشون اليوم حالة من الترقب والإرباك، مع تأكيده أن الانفجار آتٍ لا محالة وأنه سيكون في المرحلة المقبلة أكثر عنفاً مما شهدته الشوارع في 17 أكتوبر الماضي. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «مع الأزمات المتراكمة التي لم يعد اللبناني قادراً على استيعابها، بات يعيش حالة من الضياع والتشتت على مختلف الصعد»، مضيفاً: «وفيما البعض منشغل بتأمين لقمة العيش والقلق على المستقبل، بدأ البعض الآخر يبحث عن أي وسيلة للهجرة والخروج من البلد».
ويلفت صالح إلى أن «هناك سبباً جوهرياً لهذا الإرباك، وهو غياب البديل الفعلي من كل المجموعات التي شاركت في التحركات الشعبية، خصوصاً مع الضربات المتتالية التي تصيب المجتمع، وارتباط الأزمة الداخلية في مكان ما بالأزمة الخارجية، وما تتركه من انعكاسات على لبنان».
لكن، ورغم ذلك، يؤكد صالح أنه «لا يمكن القول إن التحركات الشعبية توقفت؛ إنما قد تهدأ في مكان وتنشط في مكان آخر»، واصفاً إياها بـ«الموجات الصغيرة، بحيث إنها لا تغيب مثلاً عن منطقتي طرابلس والبقاع»، مشيراً في الوقت نفسه إلى «غياب وسائل الإعلام عن التغطية التي حاولت أن تظهر نفسها؛ في الفترة الأولى من تحركات أكتوبر، كأنها رأس حربة الثورة، لتعود بعدها وتنكفئ لمصالح سياسية وغيرها».
ويرى صالح أن «هذه الموجات الصغيرة لا شك في أنها ستؤدي، مع توقع اتجاه الوضع نحو الأسوأ، إلى موجة أكبر ستكون هي نقطة التحول والانفجار؛ حيث ستكون المواجهة والعنف أكبر مما شهده لبنان في المرحلة السابقة، وستصل إلى المربعات الأمنية للطوائف والأحزاب»، مضيفاً: «مناصرو الأحزاب والطوائف لن يقدروا على تحمل الوضع، وما تقوم به السلطة اليوم لضبط الشارع لن يصمد طويلاً، بعدما بات راتب العسكري نحو مائة دولار، وراتب أستاذ الجامعة اللبنانية 500 دولار». من هنا؛ يؤكد أن «الحكومة التي حاولت إيهام الناس أنها مستقلة، لن تصمد طويلاً، وهي إما ستنفجر من الداخل نتيجة الخلافات بين فريقها الواحد بسبب سياسة المحاصصة، وإما على وقع الانفجار في الشارع الذي لم يعد بعيداً».



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».