نزيف القيادات الشبابية الأفغانية مستمر

قائمة طويلة من الذين قتلوا أثناء محاولتهم تقديم يد العون لوطنهم

صورة الناشطة الأفغانية فاطمة خليل تغطي كفنها قبل دفنها السبت الماضي عقب تفجير سيارتها (نيويورك تايمز)
صورة الناشطة الأفغانية فاطمة خليل تغطي كفنها قبل دفنها السبت الماضي عقب تفجير سيارتها (نيويورك تايمز)
TT

نزيف القيادات الشبابية الأفغانية مستمر

صورة الناشطة الأفغانية فاطمة خليل تغطي كفنها قبل دفنها السبت الماضي عقب تفجير سيارتها (نيويورك تايمز)
صورة الناشطة الأفغانية فاطمة خليل تغطي كفنها قبل دفنها السبت الماضي عقب تفجير سيارتها (نيويورك تايمز)

مع حصولها على وظيفة داخل مفوضية حقوق الإنسان الأفغانية، وهي في الـ24. كانت فاطمة خليل قد قطعت شوطاً كبيراً خلال رحلة انتقالها من فتاة صغيرة لاجئة، أوشكت على الموت لحظة ولادتها، بعدما غادرت القابلة قبل أن تقطع الحبل السري.
امتلكت فاطمة القدرة على الحديث بـ6 لغات، بجانب تعمقها في الدراسات الدينية، وتخرجت في الجامعة الأميركية في آسيا الوسطى. ومع هذا، فإن أكثر ما يتذكرها به أصدقاؤها أنها كانت امرأة شابة شديدة الثقة، لكنها في الوقت ذاته حساسة، وحملت بداخلها عشقاً كبيراً تجاه الحياة. وكانت تحرص على ارتداء ملابس زاهية، وتحديداً فستاناً برتقالياً في يوم ذكرى ميلادها، ولطالما تفوقت على الجميع في الرقص، لكنها كانت تخشى الظلام.
وعندما سقطت فاطمة قتيلة، وسائق يدعى أحمد جاويد فولاد (41 عاماً)، السبت، في تفجير جديد من التفجيرات المتكررة التي تستهدف المدنيين في كابل، ساد عاصمة البلاد شعور بالصدمة. وفي ظل فترة يسودها الغموض والشكوك من عمر الوطن، جسدت فاطمة الأمل البراق في جيل بأكمله يخرج من رحم الدماء.
وعلى مدار الأعوام الـ18 التي سادتها أعمال العنف منذ إسقاط نظام جماعة «طالبان»، نشأ جيل كامل من الشباب الأفغاني مع حريات وفرص تبدو مهددة اليوم بسبب إمكانية عودة المتمردين إلى الحكم. وفي تلك الأثناء، تسحب الولايات المتحدة بالفعل قواتها إلى خارج البلاد، بعد اتفاق أبرمته هذا العام مع «طالبان».
وقبل بداية مفاوضات التشارك في السلطة بين الحكومة و«طالبان»، كان حمام الدماء قد تفاقم بالفعل. ويشكل كثيرون ممن يجري استهدافهم عناصر الحياة الجديدة التي بدأت تترسخ جذورها منذ عام 2001، صحافيين وعلماء دين معتدلين وشخصيات ثقافية ونشطاء، ونساء يتولين أدواراً عامة.
من ناحيتها، قالت شهرزاد أكبر، رئيسة المفوضية الأفغانية المستقلة لحقوق الإنسان: «باعتبارها امرأة أفغانية، من مجتمع ذكوري، فإن ما أصبحت عليه فاطمة يتطلب قدراً كبيراً من الشجاعة. ومجرد أن تدرك أن لديها عقلها الخاص، أمر يتطلب شجاعة كبيرة، فالمرأة هنا يجري إخبارها كل يوم أنها لا تملك عقلاً ولا رأياً، لكن فاطمة كان لديها رأي في كل شيء. في الواقع، تنشئة فتاة مثل فاطمة يتطلب مجموعة مختلفة من العوامل معاً، كثير منها لا يتوافر إلا بمحض الصدفة، كي تتمكن نهاية الأمر من تنشئة شخصية على هذا النحو. وبعد ذلك، يختفي كل هذا ببساطة».
جدير بالذكر هنا أن فاطمة ولدت في باكستان لأسرة من اللاجئين الذين فروا من فصل مبكر من سلسلة العنف التي عصفت بأفغانستان طوال 40 عاماً، وهي الابنة السادسة لمدرسين سابقين. وفي كويتا بباكستان، فتح والدها متجر بقالة، وكان يكسب بالكاد ما يعينه على سداد احتياجات أسرته يوماً فيوماً. وقالت شقيقتها، ليما، إن القابلة رحلت قبل نهاية عملية ولادة فاطمة، غاضبة من عجز الأسرة عن سداد كامل أجرها.
وقالت ليما، التي تدرس حالياً لنيل درجة الدكتوراه في الولايات المتحدة، ولم تتمكن من حضور مراسم دفن شقيقتها بسبب القيود المفروضة على السفر في ظل تفشي وباء فيروس «كورونا»: «لم تقطع الحبل السري، وإنما كانت أمي من فعل ذلك، ودائماً ما كنا نمزح معها بأن الطبيبة هربت بعيداً، بينما هي لم تولد بشكل كامل بعد».
ورغم تنقل الأسرة من مكان لآخر عدة مرات، تفوقت فاطمة في المدرسة. وقد بدأت تعليمها داخل مدرسة للاجئين في باكستان، أسستها جمعية خيرية سعودية. وبعد عودة أسرتها إلى أفغانستان تخرجت في مدرسة ثانوية دولية تركية في كابل، والتي ارتادتها بناءً على منحة نالتها.
وبحلول وقت تخرجها في الجامعة الأميركية في آسيا الوسطى في قيرغيزستان، مع تخصصها في مجالي دراسات الأنثروبولوجيا وحقوق الإنسان، كانت تتقن العربية والأردية والإنجليزية والروسية ولغتي البشتو والدارية الأفغانيتين.
وكان أصدقاؤها وأقاربها يطلقون عليها ناتاشا، اسم التدليل الذي أطلقته عليها والدتها. وكانت تحظى بحب وتدليل الجميع. وكانت تتميز بثقة كبيرة في النفس وصراحة شديدة، لكن خلال الجدالات السياسية المحتدمة، كانت تتجاوز الخلاف بالاعتماد على روحها المرحة وأسلوبها الساحر.
وعبر منشوراتها على شبكات التواصل الاجتماعي، يبدو جلياً شعورها بالاشمئزاز والإحباط إزاء مكانة المرأة في المجتمع وعلى الساحة السياسية، وانشغال الناس المفرط بمظهر النساء ولباسهن. إلا أن هذا القتال أمدها في الوقت ذاته بطاقة كبرى. وتطلعت نحو أول سفيرة أفغانية لدى الأمم المتحدة كمثل أعلى لها. وعملت باستمرار على تقديم العون إلى رئيستها في العمل من خلال إنجاز مشروعات بناءة بمجال الآليات الدولية لحقوق الإنسان.
وقالت خالدة صالح، التي التقتها عندما تقاسمتا غرفة داخل المدرسة التركية، وربطت صداقة طوال العمر بينهما: «حاولت أن تعيش حياة بعيداً عن قيود المجتمع والتقاليد. وأحياناً، كان الناس يسيئون الحكم عليها بسبب ذلك. وبهدوء وصبر كانت تعود إليهم وتحاول إقناعهم بأن قطعة من القماش لا تحدد شخصية فرد ما ولا ما في قلبه».
داخل الجامعة الدولية، كانت جزءاً من جيل من الشابات الأفغانيات اللائي نجحن في تنمية شعور قوي بالثقة بالنفس، وتخلصن من بعض من هوية الضحية وخطاب المظلومية. وكانت دوماً متفوقة بين أقرانها. وحملت بداخلها عشقاً خاصاً لقصيدة مايا أنغلو «وما أزال أصعد». وحثّت صديقاتها على كتابة كلمات القصيدة كوشم على أجسادهن. وعن ذلك، قالت بناظير نورزاد، التي التقتها خلال سنوات الجامعة: «كانت ترى أن القصيدة تحكي قصة حياة كل منا بصورة ما».
وبعد التخرج العام الماضي، كانت فاطمة تفكر في الشروع مباشرة في السعي لنيل الماجستير، لكن شقيقتها ليما شجعتها على اكتساب بعض الخبرة العملية أولاً.
وبحلول وقت توجهها إلى المفوضية الأفغانية المستقلة لحقوق الإنسان للتقديم لوظيفة منسقة مساعدات دولية، كانت قد عقدت مقابلات عمل داخل كثير من المنظمات الوطنية والدولية بالفعل، بما في ذلك الولايات المتحدة. وفي ذلك الوقت، كانت أكبر (32 عاماً) قد تولت للتوّ رئاسة المفوضية، وسعت في إجراء إصلاحات لتحسين مستوى تمويل المنظمة.
وخلال المقابلة، تحدثت أكبر إلى فاطمة بصراحة تامة، وأخبرتها أن المفوضية تعاني حالة من الفوضى وتواجه مشكلات كبيرة على صعيد علاقاتها مع المانحين، وأن فاطمة ربما لا تحصل على راتبها لمدة شهرين. وقبلت فاطمة الوظيفة.
وفي رسالة بعثتها فاطمة إلى أكبر عبر البريد الإلكتروني، قالت: «خضت كثيراً من المقابلات، ودائماً كان من يجرون المقابلة يحاولون تصوير منظمتهم باعتبارها الأفضل على مستوى البلاد، لكنك كنت الشخص الوحيد الذي قال إن هناك كثيراً من التحديات التي تواجهها المفوضية. ولذلك، شعرت أنني قد أضطلع بدور مفيد أكبر معكم».
وعندما وارى جسدها التراب، السبت، في واحدة من مقابر كابل القديمة، بكاها أصدقاؤها وزملاؤها، بينما تحدث والدها عن إخلاصها.
وقال أمام قبرها: «لم تكن ابنتي فحسب ـ لقد كانت تناضل من أجل هذا البلد. في التاريخ، لطالما كانت هناك حروب، لكن حرب الاغتيالات تلك والتفجيرات الانتحارية هي الأشد حقارة وخسة على الإطلاق».
* «نيويورك تايمز»



موظفة سابقة في «هارودز» تتهم الفايد بالاتجار بالبشر

محمد الفايد (أ.ف.ب)
محمد الفايد (أ.ف.ب)
TT

موظفة سابقة في «هارودز» تتهم الفايد بالاتجار بالبشر

محمد الفايد (أ.ف.ب)
محمد الفايد (أ.ف.ب)

في سياق الاتهامات الأخيرة المثيرة للجدل ضد الملياردير الراحل محمد الفايد، رفعت موظفة سابقة دعوى قضائية أمام محكمة فيدرالية في الولايات المتحدة، تتهم فيها الفايد بالاتجار بالبشر والانتهاك الجنسي. وفقاً لصحيفة «نيويورك تايمز».

وزعمت الموظفة، التي تشير إليها وثائق المحكمة باسم جين دو، حفاظاً على سرية هويتها، أنها كانت ضحية لسوء المعاملة والانتهاك الجسدي في أثناء عملها في متجر «هارودز» الشهير، الذي امتلكه الفايد منذ عام 1985 حتى عام 2010. وتشير الدعوى إلى أن شقيق الفايد، علي، قد تكون لديه أدلة على هذه الانتهاكات.

علي الفايد (نيويورك تايمز)

وقالت دو، المقيمة في الولايات المتحدة، إنها تعرّضت للاغتصاب والانتهاك بشكل ممنهج، مضيفةً أن علي الفايد، البالغ من العمر 80 عاماً، كان على علم بتلك الانتهاكات ويملك أدلة عليها. وأوضحت الوثيقة المقدَّمة للمحكمة أن علي قد يكون شاهداً رئيسياً في هذا الملف، إذ ورد أنه كان على علم بالنشاطات غير القانونية التي تُتهم بها الشركة.

تأتي هذه الدعوى ضمن سلسلة متزايدة من الادعاءات ضد الفايد، التي أشارت إلى استخدام «هارودز» واجهةً لاستدراج النساء الشابات للعمل هناك واستغلالهن. وقد شبّه البعض جرائم الفايد المزعومة بجرائم مشاهير متهمين بالتحرش الجنسي مثل هارفي واينستين وجيفري إبستين، مشيرين إلى وجود نمط مماثل من الانتهاكات.

الفايد وُصف بـ«الوحش» خلال مؤتمر صحافي عقده الفريق القانوني (أ.ف.ب)

وتسعى دو إلى جمع أدلة من علي الفايد لتقديمها في دعوى قضائية أخرى في المملكة المتحدة. وأضافت في التماسها، أن التحقيقات يجب أن تتناول الخلل النظامي الذي سمح بوقوع هذه الانتهاكات لسنوات طويلة، مما أدّى إلى إفلات المتهمين من المحاسبة.

في سياق آخر، أشارت هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) مؤخراً إلى تقارير من عشرات الموظفين السابقين في «هارودز» الذين أفادوا بتعرضهم لانتهاكات مماثلة. وقد أثارت تلك التقارير ضجة في الأوساط البريطانية، حيث دعت إلى إعادة النظر في ثقافة العمل السائدة داخل المتجر البريطاني ومساءلة المسؤولين عن هذه الانتهاكات.

«هارودز» تشعر بصدمة واستياء بشأن اعتداءات ارتكبها الفايد (أ.ف.ب)

وأضافت المحامية ليندا سينغر، التي تمثل دو، أن شهادة علي الفايد ستكون حاسمة، ليس فقط من أجل قضية موكلتها، بل أيضاً لمساعدة ضحايا آخرين في المطالبة بحقوقهم ومحاسبة كل من ساهم أو أخفى هذه الانتهاكات.