لأول مرة... ملك بلجيكا يعتذر للكونغو الديمقراطية عن الماضي الاستعماري

بمناسبة الذكرى الـ60 لاستقلال البلد الأفريقي

الملك فيليب ملك بلجيكا وقرينته الملكة ماتيلد (أ.ف.ب)
الملك فيليب ملك بلجيكا وقرينته الملكة ماتيلد (أ.ف.ب)
TT

لأول مرة... ملك بلجيكا يعتذر للكونغو الديمقراطية عن الماضي الاستعماري

الملك فيليب ملك بلجيكا وقرينته الملكة ماتيلد (أ.ف.ب)
الملك فيليب ملك بلجيكا وقرينته الملكة ماتيلد (أ.ف.ب)

عبر الملك فيليب، اليوم (الثلاثاء)، للمرة الأولى في تاريخ بلجيكا عن «بالغ أسفه للجروح» التي تسببت بها فترة الاستعمار البلجيكي لجمهورية الكونغو الديمقراطية.
وفي رسالة وجهت اليوم، إلى رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فليكس تشيسكيدي في مناسبة الذكرى الستين لاستقلال البلاد، كتب الملك فيليب: «أود أن أعبر عن بالغ أسفي لجروح الماضي هذه التي يستعاد ألمها اليوم عبر التمييز الذي لا يزال حاضراً في مجتمعاتنا».
وتحيي جمهورية الكونغو الديمقراطية اليوم ذكرى بطلها الوطني باتريس لومومبا الذي تحول إلى أيقونة لدى الناشطين الجدد المناهضين للاستعمار والذين يطالبون القوى الاستعمارية السابقة بتحمل المسؤولية عن ماضيها.
ودخل باتريس امري لومومبا التاريخ في 30 يونيو (حزيران) 1960 بفضل كلمته المناهضة لعنصرية المستعمرين التي ألقاها بحضور ملك بلجيكا بودوان خلال الاحتفال الرسمي الذي أعلن ولادة الكونغو. فقال: «لقد عرفنا السخرية والإهانات، وتحملنا اللطمات صباحاً وظهراً ومساء، لأننا كنا زنوجاً».
وجاءت كلمة لومومبا بصفته رئيس وزراء الرئيس جوزيف كاسا - فوبو، في سياق الرد على الملك البلجيكي الذي أشاد بإرث سلفه ليوبولد الثاني ووصفه برسول الحضارة لا «غازياً».
تزامناً، تستعد مدينة غنت البلجيكية إلى إزالة نصب تذكاري لليوبولد الثاني اليوم، إحياءً لذكرى استقلال المستعمَرة السابقة.
وفي سياق الحركة الاحتجاجية العالمية «حياة السود مهمة»، تعرضت نصب وتماثيل لبودوان وليوبولد الثاني إلى التخريب مطلع يونيو في مدينتي أنتويرب وبروكسل في بلجيكا.
وتتهم المجموعة المناهضة للاستعمار «لنصلح التاريخ» ليوبولد الثاني بقتل «ما يزيد على 10 ملايين كونغولي».
وكانت ساحة صغيرة قد دشِّنت باسم لومومبا في قلب بروكسل عام 2018، عند أبواب حي مانتون.
ويعتبر النائب في البرلمان البلجيكي، ذو الأصول الكونغولية كالفين سواريس (38 عاماً)، أن ذلك «مهم جداً لكي تضطلع بلجيكا بالمسؤولية عن ماضيها الاستعماري، ومهم جداً أيضاً لفخر ذوي الأصول الأفريقية».
وكان المسار السياسي العاصف للومومبا قد انتهى في 17 يناير (كانون الثاني) 1961، بعد ستة أشهر ونصف الشهر على خطابه المدوي.
فقد أزيح عن منصبه وتعرض للإهانة والتعذيب وأعدم على بعد نحو 50 كلم من مدينة إليزابيث فيل (مدينة لوبومباشي حالياً) على يد انفصاليي كاتانغا وعناصر يتبعون بلجيكا. وكان من يوصف بـ«شهيد الاستقلال» في الـ35 من عمره.
وغرقت الكونغو في حينه في خضم الفوضى، بين التمرد والانفصال وتدخل بلجيكا والأمم المتحدة عسكرياً.
وكان لومومبا أزيح عن منصبه في سبتمبر (أيلول) 1960.
يقول ديفيد فون ريبروك في كتابه عن الكونغو، إن «لومومبا صار في وقت قصير شهيد تصفية الاستعمار، بطل كل المضطهدين في العالم، وقديساً شيوعياً بلا مباركة الرب».
ويشير الكاتب البلجيكي الذي يعد أحد المراجع حول تاريخ الكونغو، إلى أنه حاز هذه المرتبة «بسبب نهاية حياته المأساوية أكثر من إنجاراته السياسية» خلال مشاركته في الحكم لمدة لم تتجاوز الشهرين ونصف الشهر.
وفي 2001، خلصت لجنة برلمانية بلجيكية إلى الإقرار بـ«المسؤولية الأخلاقية» لبلجيكا عن اغتيال لومومبا. وينتظر البرلمان البلجيكي لجنة جديدة مخصصة حول استعمار الكونغو ورواندا وبوروندي.
والثلاثاء، سيتم إحياء ذكرى لومومبا في بلاده، ولكن لا فعاليات مرتقبة بسبب أزمة وباء «كوفيد - 19»، فيما أعلنت السلطات تخصيص اليوم لـ«التأمل».
وفي العقد الماضي، شيد تمثال له في العاصمة كينشاسا، يُظهره ملقياً التحية بيده اليمنى.
وضمن المشهد السياسي المحلي، يمكن تلمس إرثه عبر حزب صغير «الحزب اللومومبي الموحد» الذي توفي زعيمه أنطوان غيزغا عن 93 عاماً في عام 2019، وهو كان نائباً لرئيس الوزراء في 1960. وخلفه نجله لوجي على رأس الحزب، وتوفي مطلع يونيو.
خارج هذا الحزب، تحمل شخصيات أخرى الإرث الوطني للومومبا على غرار لومبير ميندي، المتحدث السابق باسم الرئيس جوزيف كابيلا (2001 - 2019).
ويقول ميندي: «أن تكون لومومبياً اليوم يعني أن تخوض معركة حرية اختيار البلاد لشركائها الاقتصاديين استناداً إلى مصالحها». ويندد ميندي بنزعة «الاستعمار الجديد» لدى «الشركاء الغربيين» لجمهورية الكونغو الديمقراطية.
ولكن ما الذي تبقى من إرث لومومبا لدى الكونغوليين الذين تقل أعمارهم عن 20 عاماً (نحو 50 في المائة من بين أكثر من 80 مليون مواطن)؟ في الواقع، فإن سيرته تدرس «بشكل مقتضب» في المدارس الثانوية، وفق ايجيد مواسو.
ومن ناحية التاريخ، فإن المسألة تشهد تعقيدات، إذ إن إسقاط لومومبا ما كان ليحصل لولا خيانته من قبل آباء آخرين للاستقلال على غرار رئيس هيئة الأركان في حينه جوزيف موبوتو الذي سيصير في وقت لاحق الماريشال - الديكتاتور ويحكم بين 1965 و1997.
وكان الاتحاد السوفياتي كرس جانباً شيوعياً في سيرة لومومبا، عبر إطلاق اسمه على جامعة في موسكو تستقبل طلاباً أفارقة.
غير أن الأكاديمي جون أوماسومبو يوضح أن لومومبا «لم يكن شيوعياً. فهو كرر مراراً أنه قومي - وطني وليس شيوعياً».
ويندد أوماسومبو الذي ألف كتاباً عن لومومبا، بـ«البروباغندا الاستعمارية» التي تريد أن تظهره عميلاً سوفياتياً.
وهكذا، سيبقى النقاش والجدال مفتوحين حول هذه الشخصية التاريخية.



«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.