إيران تعزز رواية «الخطأ البشري» في سقوط الطائرة الأوكرانية

المدعي العام العسكري نفى فرضية تعرضها لهجوم إلكتروني

فرق الإنقاذ تبحث عن أشلاء الضحايا بموقع سقوط الطائرة الأوكرانية المنكوبة قرب طهران في يناير الماضي (أ.ب)
فرق الإنقاذ تبحث عن أشلاء الضحايا بموقع سقوط الطائرة الأوكرانية المنكوبة قرب طهران في يناير الماضي (أ.ب)
TT

إيران تعزز رواية «الخطأ البشري» في سقوط الطائرة الأوكرانية

فرق الإنقاذ تبحث عن أشلاء الضحايا بموقع سقوط الطائرة الأوكرانية المنكوبة قرب طهران في يناير الماضي (أ.ب)
فرق الإنقاذ تبحث عن أشلاء الضحايا بموقع سقوط الطائرة الأوكرانية المنكوبة قرب طهران في يناير الماضي (أ.ب)

عززت إيران، أمس، بتفاصيل جديدة، روايتها الرسمية عن «خطأ بشري» في إسقاط طائرة أوكرانية بصاروخين من دفاعات «الحرس الثوري»، ما أدى إلى كارثة بمقتل 176 شخصاً، في يناير (كانون الثاني) الماضي، بعد لحظات قليلة من مغادرة مطار الخميني الدولي.
وقال المدعي العام العسكري الإيراني، غلام عباس تركي، إن وحدة «الحرس الثوري» التي أسقطت الرحلة «752» الأوكرانية «لم يكن لديها إذن» بإطلاق الصاروخين.
ويأتي إعلان التفاصيل الجديدة في وقت يسود فيه ترقب دولي بشأن الصندوقين الأسودين للطائرة الأوكرانية.
وكانت إيران قد أنكرت في البداية إسقاط الطائرة جراء صاروخ، لكن معلومات استخباراتية، إضافة إلى ضغوط الشارع الإيراني، دفعا بالقوات الجوية في «الحرس الثوري» إلى إعلان مسؤوليتها عن إسقاط الطائرة.
وشهدت إيران احتجاجات في المدن الكبرى بعد غضب شعبي من تغيير الرواية الرسمية، بعد 72 ساعة من إعلان السلطات سقوط الطائرة نتيجة «عيب فني».
وقال تركي، في لقاء جمعه بأسر ضحايا الطائرة الأوكرانية، إنه طلب لقاء الرئيس الإيراني حسن روحاني لمناقشة تعويضات الضحايا.
وسرد تركي نتائج التحقيق حول إسقاط الطائرة أثناء تأهب إيراني إثر إطلاق صواريخ على قاعدتين في الأراضي العراقية، تضم قوات أميركية رداً على مقتل القيادي في «الحرس الثوري» قاسم سليماني. وأصر على حدوث «خطأ بشري» في إسقاط الطائرة. ونقلت وكالات إيرانية عنه قوله إن الطائرة أسقطت بصاروخين، أحدهما «كان من الممكن تفاديه».
وقال تركي إن عملية التحقيق الإيراني شملت اعتقال 5 أشخاص في البداية بقرار قضائي، قبل أن يطلق سراح 3 منهم بكفالة مالية بعد التحقيق، مشيراً إلى أن 3 آخرين قيد الاعتقال حالياً في القضية نفسها، دون أن يكشف عن طبيعة دورهم في إسقاط الطائرة.
واستبعد المسؤول الإيراني سيناريو إصابة الطائرة بأشعة ليزر أو موجات كهرومغناطيسية، لافتاً إلى أن الخبراء الإيرانيين لم يتوصلوا إلى أدلة حتى الآن على حدوث حريق أو انفجار سبق إصابة الطائرة بالصاروخين. كما أشار إلى عدم وجود أدلة تؤكد تعرض أنظمة الصواريخ والرادار الإيراني إلى هجوم إلكتروني أو سيبراني، مضيفاً أنهم لم يعثروا على أدلة حول وجود عمل تخريبي وتجسس في الطائرة.
وأكد المسؤول الإيراني وجود آثار شظايا الصاروخين على حطام الطائرة، موضحاً في الوقت ذاته أنها انفجرت على أثر اصطدامها بالأرض. وزاد المدعي العام العسكري أن الطائرة أقلعت بتأخير بسبب زيادة الوزن يفوق المعايير التقنية وهو ما يعود إلى تزودها بالوقود.
وقال إن المنظومة المتنقلة التي أطلقت الصاروخين، كان «قد أعيد تنشيطها» بسبب الأوضاع الميدانية ولم تتمكن من العثور على الشمال الواقعي بدقة، وأعاد التأكيد على وقوع «الخطأ البشري» عندما «أخفقت» المنظومة في الهدف باختلاف 105 درجات؛ وهو ما شكل «سلسلة من الأخطاء» على حد وصفه. وفي وقت سابق؛ قالت السلطات الإيرانية إن الصاروخين أطلقا بعدما أخطأ مسؤول الرادار في التمييز بين الطائرة وصاروخ «كروز».
وذكر تركي أن مسؤول الوحدة «أرسل مواصفات الهدف لمركز التنسيق (بين القطاعين العسكري والمدني للطيران)، لكنه لم يتلق رداً»، مضيفاً أنه «أطلق النار قبل تلقيه الرد وتبادل الرسائل، في وقت لم يستغرق فيه قطع الاتصال سوى ثوان». ونوه بأن صاروخين أطلقا على الطائرة الأوكرانية، وأضاف: «لم يؤثر أحد الصاروخين مباشرة على الطائرة وانفجر الصاروخ الثاني على بعد قليل منها»، لافتاً إلى أن 26 ثانية فقط فصلت بين إطلاق الصاروخين، وقال: «من المؤسف أن مسؤول الوحدة لم يطلب إذناً لإطلاق الصاروخ الثاني».
و‌‌‌حاول المسؤول الإيراني أن يدافع عن «تعاون» بلاده مع الأطراف الدولية بعد إسقاط الطائرة، عندما أشار إلى وصول 47 محققاً ضمن وفد أوكراني إلى موقع تحطم الطائرة غداة إصابتها في ضواحي طهران. ووصف مستوى تعاون البلدين منذ ذلك الحين بـ«الجيد».
وقال تركي: «الصندوقان الأسودان تضررا، وقراءتهما فيها تعقيدات تقنية» وذلك في إشارة إلى احتمال نقل إيران الصندوقين الأسودين إلى دولة ثالثة، يتوقع أن تكون فرنسا، لتحليل بياناتهما.



اليوم التالي في غزة... دعوة «حماس» لتبني مقترح «الإسناد المجتمعي» تلقى «تحفظاً»

مواطنون فلسطينيون يبحثون عن ضحايا في موقع غارة جوية إسرائيلية على منزل بغزة (رويترز)
مواطنون فلسطينيون يبحثون عن ضحايا في موقع غارة جوية إسرائيلية على منزل بغزة (رويترز)
TT

اليوم التالي في غزة... دعوة «حماس» لتبني مقترح «الإسناد المجتمعي» تلقى «تحفظاً»

مواطنون فلسطينيون يبحثون عن ضحايا في موقع غارة جوية إسرائيلية على منزل بغزة (رويترز)
مواطنون فلسطينيون يبحثون عن ضحايا في موقع غارة جوية إسرائيلية على منزل بغزة (رويترز)

دعوات جديدة من «حماس» بشأن «لجنة إدارة قطاع غزة» في اليوم التالي من الحرب، تطالب حركة «فتح» والسلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس، بالتجاوب مع جهود تشكيلها، بينما تحفظت الأخيرة ودعت لأن تكون الحكومة هي مَن تدير من دون القبول بأي لجان تفصل القطاع عن الضفة.

هذا التباين الذي يأتي بعد نحو شهر من اتفاق مبدئي رعته القاهرة بعد جولتين في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني) الماضيين، بشأن تشكيل «لجنة الإسناد المجتمعي» لإدارة قطاع غزة والمعبر الحدودي مع مصر على أن تكون من التكنوقراط، وبمرسوم من الرئيس الفلسطيني، يكشف عن وجود «خلافات ورفض غير معلن من (السلطة)» بحسب تقديرات خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط».

ويتوقع الخبراء أن تبذل مصر جهوداً إضافية باعتبار الفكرة قائمة بالأساس لمنع أي ذرائع من إسرائيل في اليوم التالي للحرب، تعطل انسحابها من القطاع، بدعوى رفض وجود «حماس» بالحكم.

وتحدثت «حماس» في بيان صحافي، الجمعة، عن أنها «خلال الأشهر الأخيرة تعاملت بإيجابية مع مبادرة الأشقاء في مصر المدعومة عربياً وإسلامياً لتشكيل (لجنة الإسناد المجتمعي) لإدارة شؤون قطاع غزة بشكل مؤقت، وأن تكون مرجعيتها السياسية المرسوم الرئاسي الفلسطيني، والتأكيد على أن قطاع غزة، هو جزء أصيل من الجغرافيا السياسية الفلسطينية».

فلسطيني يقوم بإجلاء طفل جريح بعد غارة إسرائيلية على الزوايدة وسط قطاع غزة (أ.ب)

حركة «حماس» التي سبق أن أعلنت في أوائل ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أنها وافقت على تشكيل اللجنة، قالت في البيان، إنها «قطعت شوطاً مهماً مع الإخوة في حركة (فتح) برعاية الأشقاء في مصر لتشكيلها». وأضافت أنها «تواصلت وتوافقت مع عدد من القوى والفصائل والشخصيات والفعاليات الوطنية إلى مجموعة من الأسماء المقترحة من ذوي الكفاءات الوطنية والمهنية، وتم تسليمها إلى الأشقاء في مصر».

وأعربت «حماس» في البيان ذاته عن أملها من «(فتح) والسلطة التجاوب مع جهود تشكيل (لجنة الإسناد المجتمعي) في إطار النظام السياسي الفلسطيني والعمل من خلال الإجماع الوطني ومشروعيته السياسية».

كما تحدث مصدر فلسطيني مقرب من السلطة لـ«الشرق الأوسط»، السبت، عن أن «الرئيس الفلسطيني يقف في موقف المتحفظ على تشكيل تلك (اللجنة)، خشية أن تتسبب في فصل غزة»، وبالتالي «لم يوقع على مرسوم بشأنها رغم إنجاز تفاهمات تلك (اللجنة) منذ أوائل ديسمبر الماضي»، و«لم يعلن ذلك علناً، وأبدى ذلك عبر تسريبات صدرت من متحدثين عدة، تعبر عن التحفظ بشأن صدور المرسوم»، متوقعاً استمرار جهود إضافية من القاهرة لإنهاء الانقسام على نحو يحفظ حقوق الشعب الفلسطيني.

في حين تحفظ متحدث باسم حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح»، منذر الحايك، على بيان «حماس»، في تصريحات نقلها إعلام فلسطيني، السبت، قائلاً إن «تشكيل أي لجنة لا توحد الجغرافيا أو الديموغرافيا الفلسطينية أمر خاطئ»، مشيراً إلى أن «منظمة التحرير وذراعها التنفيذية (السلطة الوطنية الفلسطينية)، هي صاحبة الولاية القانونية على الضفة والقطاع».

ودعا الحايك «(حماس) أن تفهم أن هناك مؤامرة على غزة، وأن تدرك تماماً خطورة الموقف»، متسائلاً: «لماذا لا تخرج (حماس) ببيان وتقول إن الحكومة الفلسطينية هي التي تمثل الكل الفلسطيني؟ ولماذا نشكل لجاناً لا تخدم الكل الفلسطيني؟ وتُفرق الضفة عن القطاع في وقت توجد فيه حكومة فلسطينية معترف بها فلسطينياً وعربياً ودولياً».

امرأة فلسطينية تنعي أحد أفراد أسرتها الذي قُتل بقصف إسرائيلي في خان يونس (أ.ف.ب)

وبرأي المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، فإن الفكرة قدمت من القاهرة لتشكيل «لجنة» في أكتوبر الماضي، ونوقشت في نوفمبر، ونضجت في ديسمبر، بهدف سحب مبررات إسرائيل وذرائعها بعدم تسليم السلطة لـ«حماس» أو لـ«فتح» والبقاء بالقطاع، ووصفها بأنها «فكرة خارج الصندوق (أي متميزة) ونوقشت بشكل مطول و«تم التأكيد على أنها ستصدر بمرسوم وتكون تحت إدارة (السلطة) لإبعاد أي تخوفات بشأنها».

ويعتقد أن عدم إنجاز اتفاق بشأن «اللجنة» يعود إلى «عدم صدور مرسوم من الرئيس الفلسطيني، دون إعلان رسمي عن سبب ذلك التحفظ أو طبيعية الخلافات».

في حين يرى المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، أنه ليست هناك إشكالية في تكوين «لجنة الإسناد» بقدر ما المشكلة في رغبة «حماس» في الاستمرار جهة حاكمة في قطاع غزة، وتستخدم «اللجنة» غطاءً، مؤكداً أنها لو لديها جدية كان ينبغي أن تعلن رسمياً أنها انسحبت من حكم القطاع وتمنح الأمر لـ«السلطة» حتى تحبط أي ذرائع تهدد الوحدة الفلسطينية أو تزيد من عمر مخططات نتنياهو للبقاء في غزة.

ويرى أن المشكلة ليست في فجوات يجب سدها بين «السلطة» و«حماس»، مؤكداً أن الأخيرة «يهمها الحصول حتى آخر لحظة على ضمانة للبقاء بالحكم في اليوم التالي للحرب، كما أن بنيامين نتنياهو حريص على البقاء لآخر لحظة بالسلطة».

جنود إسرائيليون داخل قطاع غزة (رويترز)

ولم ترد قيادات من «حماس»، ومحسوبون عليها، على طلب التعليق لـ«الشرق الأوسط»، كما لم تعلن القاهرة عن موقف رسمي بشأن نتائج رعايتها لجولة المحادثات التي رعتها بين حركتي «فتح» و«حماس».

ويفترض أن «اللجنة» حال أقرت كانت ستتبع السلطة الفلسطينية، وتتضمّن شخصيات مستقلة، وتتولى مهمة إدارة الشؤون المدنية، وتوفير المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، وتوزيعها في القطاع، وإعادة تشغيل معبر رفح الحدودي مع مصر، والشروع في إعادة إعمار ما دمّرته الحرب الإسرائيلية، وفق مصادر فلسطينية تحدثت سابقاً لـ«الشرق الأوسط».

ويأتي ذلك الغموض بشأن مسار «اللجنة» في ظل حضور جديد لقضية اليوم التالي لانتهاء الحرب في غزة على طاولة مناقشات إسرائيل، في ظل موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي الرافض لوجود «حماس» بالسلطة نهائياً.

فلسطينيون يقودون سياراتهم بين أنقاض المنازل المدمرة في أعقاب عملية عسكرية إسرائيلية في خان يونس (إ.ب.أ)

وتحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، عن اجتماع وزاري، عقد الخميس، تناول قضايا من أبرزها، اليوم التالي للحرب، تحت عنوان مناقشة «مسألة توزيع المساعدات الإنسانية»، وذلك بعد أيام من تحذيرات كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من أن إسرائيل ستعود إلى ما كانت عليه الأوضاع قبل 7 أكتوبر 2023 إذا لم تجد بديلاً لحكم «حماس».

وبتقدير مطاوع فإن اليوم التالي للحرب سيكون الشغل الشاغل لجميع الأطراف، خصوصاً مع احتمال عقد اتفاق هدنة، متوقعاً أن تواصل القاهرة جهودها لإنهاء الانقسام والبحث عن حلول، مضيفاً: «لكن مصالح (حماس) ونتنياهو من تتحكم وتعطل أي مسار».

ووفق الرقب فإن الكرة حالياً في ملعب «السلطة»، متوقعاً أن تواصل القاهرة جهودها مجدداً لسد الفجوات المحتملة في اتفاق «لجنة الإسناد» لسد أي ذرائع إسرائيلية قد تظهر مع حلول اليوم التالي للحرب.