«كورونا» ينقل إعلام شمال شرقي سوريا إلى الفضاء الافتراضي... فهل انفكت القيود؟

الإعلامية زوزان بركل أثناء إعدادها تقريراً مرئياً عن حياة البدو الرحل في عين العرب
الإعلامية زوزان بركل أثناء إعدادها تقريراً مرئياً عن حياة البدو الرحل في عين العرب
TT

«كورونا» ينقل إعلام شمال شرقي سوريا إلى الفضاء الافتراضي... فهل انفكت القيود؟

الإعلامية زوزان بركل أثناء إعدادها تقريراً مرئياً عن حياة البدو الرحل في عين العرب
الإعلامية زوزان بركل أثناء إعدادها تقريراً مرئياً عن حياة البدو الرحل في عين العرب

في ربيع 2013 وبعد مرور عامين على انطلاقة الحراك المعارض لنظام الحكم بسوريا وتغير المشهد الإعلامي؛ أطلق نشطاء وصحافيون مركزاً إعلامياً من مدينة عين العرب بريف حلب، أو «كوباني» بحسب تسميتها الكردية، التي تقع أقصى شمال سوريا، حمل اسم «برجاف» أو عين الحقيقة بالعربية، تحت شعار «همّ الناس همّنا». والصحافي فاروق حجي مصطفى، الذي يعمل بمجال الكتابة منذ 20 عاماً، كتب خلالها في صحف عربية، بينها جريدة «الحياة» اللندنية وصحف «النهار» و«المستقبل» اللبنانية ومجلة «الآداب العربية» إلى جانب مواقع سورية وكردية، هو مؤسس وصاحب فكرة المركز، ولدى حديثه إلى صحيفة «الشرق الأوسط» عن بدايات التأسيس، يقول مديرها التنفيذي: «جاءت فكرة التأسيس في مارس (آذار) 2013، بهدف بلورة واقع إعلامي موضوعي بالمناطق الكردية التي كانت تطغى عليها الصحافة الحزبية»، مشيراً أنهم توجهوا إلى مشاركة الناس همهم وقضاياهم اليومية ونقل صورة الواقع كما هي، مضيفاً: «نحن منظمة مستقلة غير ربحية نعمل نحو صحافة مجتمعية حيادية».
شبكة «برجاف» تخاطب جمهورها عبر موقع إلكتروني وجريدة شهرية، صدر منها 36 عدداً، ومجلة دورية، وصفحات على منصات السوشيال ميديا ومواقع التواصل الاجتماعي، كما أصدرت مجموعة من الكتيبات والكراسات والدراسات، إضافة إلى تنظيم دورات وورشات عمل في مجال بناء القدرات والتنمية وقضايا الديمقراطية والمجتمع المدني. وأوضح حجي مصطفى: «لكل حقل مساره وتحدياته، نحرص على اتباع طرق المنهج المهني والحرفية، فالهدف العام لعملنا الصحافي المادة المستوحاة من الواقع، وإدخال الوسائل الجديدة ومواكبة تطورات العصر»، وأضاف أنهم عقدوا عشرات الورشات، واستهدفوا جيل الشباب الموهوبين: «لقد دربنا جيلاً شاباً جديداً على أهمية القصة الخبرية والتوجه نحو الصحافة الاستقصائية والبحث عن المصادر الموثوقة في كتابة التقارير».
فيما نقلت رنا عمر، وهي مديرة البرامج لدى المركز، أنهم نظموا كثيراً من الأنشطة على مستوى الإعلام وتمكين المرأة، وشاركوا في الحملات والمناشدات الإنسانية بتوجيه خطابات ونداءات إلى مكتب المبعوث الأممي للأزمة السورية، غير بيدرسن، وهيئات الأمم المتحدة، بغية تسليط الضوء على مناطق شمال وشرق سوريا التي تعاني من ظروف قاسية جراء استمرار الحرب التي دخلت عامها العاشر.
ولم تخفِ رنا أن جائحة كورونا انعكست سلباً على خطط وأنشطة المركز، ولفتت قائلة: «فُرض علينا نظام عمل مختلف، أبرز سماته أنه (أونلاين) بالتواصل مع فريق العمل، لكنه لم يمنعنا من مواصلة نشاطنا، وعقدنا سلسلة من اللقاءات مع نشطاء المجتمع المدني عبر برنامج الزووم»، وأخبرت أن التحديات التي رافقت انتشار الفيروس والمصاعب الكبيرة في التنقل والسفر، «إلا أننا نعتبر استمرارنا وقدرتنا على الصمود هو أكبر نجاح لنا، نطمح دائماً أن نكون صدى للناس في مناطقنا، وأن نكون بقدر شعارنا (همّ الناس همنا)».
تعمل زوزان بركل مراسلة وصحافية مع «برجاف» منذ عامين؛ حيث أنهت دراستها الجامعية سنة 2016 وتخرجت من كلية الإعلام، لتكون أول تجربة إعلامية لها، وعن بداية عملها تقول: «بداية كانت هناك صعوبات كثيرة، أبرزها أن العمل الميداني والمراسلة والتصوير بحاجة إلى خبرة وتعلم، وهي أمور جديدة بالنسبة لي، لكنني خضت أول تجربة إعلامية».
وتسلط الضوء عبر عدسة الكاميرا والأفكار التي تتناولها من الشارع، بالتركيز على مواضيع تتعلق بالمجتمع المحلي القريبة من اهتمامات الناس، وتستضيف شخصيات ثقافية وسياسية وقيادات مجتمعية، وتطرح المواضيع الخدمية وتتحدث عن التجارب النجاحة وتسرد قصصهم، وحصد تقرير مرئي لها عن عيد نوروز القومي لدى الأكراد نحو نصف مليون مشاهدة، وقالت: «موادي تلقى تفاعلاً كبيراً من المتابعين، فمادة حياة البدو الرحل بالمنطقة شاهدها ربع مليون شخص، وتقرير ثانٍ عن صناعة المعجنات المحلية تابعه أكثر من 200 ألف مع مئات التعليقات والمشاركات». وترى زوزان أن مهمة الصحافيين مع انتشار جائحة كورونا عالمياً لا تقل أهمية عن دور الأطباء والممرضين الذين كانوا في الخطوط الأمامية، وعلقت قائلة: «لعب الإعلاميون دوراً حاسماً في اطلاع عموم الناس على ما يتعلق بالفيروس والجهود التي تبذلها الحكومات، ولقد أثروا بشكل عملي على المتابعين»، وكونها تعمل مع وسيلة إعلامية محلية كان لا بد لها من مواكبة الحدث ونشر الأخبار والتقارير الصحافية، وعلقت لتقول: «أغلب متابعي (برجاف) من كوباني ومنبج ومدينتي الرقة ودير الزور والجزيرة، فأي خبر ينشر يتفاعل معه الجميع وتأتينا تعليقات أن الخبر الذي ننشره على صفحاتنا له مصداقية».
وتعمل في المناطق الكردية شمال شرقي سوريا، عشرات من الجهات الإعلامية والإذاعات والصحف والمجلات المطبوعة والدوريات الخاصة، لتؤسس إعلاماً محلياً موجهاً للجمهور باللغتين الكردية والعربية، ويشير الصحافي فاروق حجي مصطفى إن مركز «برجاف» ينشر محتواه باللغة العربية، ويستهدف كل السوريين لعكس رؤاهم بشكل غير منحاز، وقال: «نبحث عن الحقيقة من خلال إبراز صورة الجميع في التقارير والمواد الصحافية، لأن (برجاف) عين الشمال المتنوع والمتعدد ونهتم بالدرجة الأولى بقضايا الناس ونرغب أن نكون منصة لكل السوريين».
وتقول رنا عمر إن عمل المركز يخدم تفعيل الحوار المحلي السوري للوصول إلى منصات وطنية فاعلة، تهدف إلى «إتاحة حياة عامة غير مكبِلة لدور المواطنين، ولا تقيد حرياتهم، وتكون بمثابة فرصة للنشطاء والسياسيين والإعلاميين وأصحاب الكفاءات لإبراز دورهم عبر منصاتنا».
وأعربت زوزان بركل عن سعادتها بالظهور أمام عدسة كاميرا، أطلت على جمهورها عبر شبكة محلية، وقالت: «أعمل لصالح جهة كردية محلية، أركز على معاناة الناس ومطالبهم وأشياء قريبة منهم، ورغم أنها مهنة المتاعب فقد تورطت فيها، وهي ورطة جميلة للغاية».



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.