ألم يحِن الأوان لتوحيد المصطلحات النقدية والفكرية؟

نقد معرفي أم شعرية إدراكية

ألم يحِن الأوان لتوحيد المصطلحات النقدية والفكرية؟
TT

ألم يحِن الأوان لتوحيد المصطلحات النقدية والفكرية؟

ألم يحِن الأوان لتوحيد المصطلحات النقدية والفكرية؟

تواجه الثقافة العربية الحديثة اليوم، بفعل مجموعة من العوامل الموضوعية والذاتية، عدداً لا يحصى من الإشكاليات المعرفية؛ منها كيفية التعامل مع النظريات الأدبية الجديدة وتطبيقها على مستوى الممارسة النقدية والتنظير النقدي، وما تمخض عن ذلك من هذا الدفق الذي لا ينقطع من المصطلحات والمفاهيم المترجمة أو الموضوعة. وتبرز الحاجة الماسة اليوم لضبط هذه المصطلحات النقدية وتوحيدها تجنباً للوقوع في أخطاء معرفية جسيمة تشتت أذهان القراء وتغطي على الدلالة الحقيقية لهذا المصطلح أو ذاك.
ومن المصطلحات الحديثة التي بدأت تشيع وتنتشر في ثقافتنا العربية خلال العقد الأخير، وتنظم حولها المؤتمرات، وتصدر بحقها المؤلفات مصطلح النقد المعرفي، أو العرفاني أو العرفني. ولو عدنا إلى أصل المصطلح في اللغات الأجنبية ومنها الإنجليزية والفرنسية لوجدناه يحيلنا إلى مصطلح «Cognitive Poetics»، الذي يمكن ترجمته بالشعرية الإدراكية، كما يمكن ترجمة مصطلح «Cognitive Criticism» بالنقد الإدراكي، وذلك لوجود فروقات كبيرة بين المصطلحات المتقاربة في هذا المجال منها: المعرفة (Knowledge)، والإدراك (Cognition)، والفهم (Perception) وغيرها.
لقد سبق أن أصدر الدكتور الأزهر الزناد، أستاذ اللسانيات في جامعة منوبة التونسية كتاباً مهماً حول هذا الموضوع هو «نظريات لسانية عرفنية»، عام 2010، وقد رجح الباحث مصطلح «عرفنة» و«العرفان» على بقية المصطلحات؛ ومنها «الإدراك»، مع أنه قدم تصوراً علمياً شاملاً لطبيعة هذا الاتجاه ودلالته وتطبيقاته، ذلك أن مفهوم العرفان مفهوم فلسفي وصوفي يرتبط بتلقي المعرفة عن طريق الحدس. ونتذكر جيداً تقسيم الدكتور محمد عابد الجابري للأنظمة المعرفية العربية إلى عرفانية وبرهانية وبيانية. وهذا الأمر المثير للبس، وجدناه أيضاً في مبحث الدكتور محمود خليف خضير الحياني (من جامعة الموصل) في كتابه «النقد المعرفي للنص الأدبي: مقاربة في النظرية والأصول والمفاهيم» الصادر عام 2018. وكان الكتاب بعيداً كل البعد عن مفهوم النقد الإدراكي، واكتفى بتقديم مفاهيم عامة ومقدمات موسوعية عن علاقة النقد بالمعرفة دون أن يقترب من المفهوم المطروح للنقاش.
لكني من جانب آخر، وجدت دراسة مهمة لأكاديمية عراقية من جامعة القادسية هي الدكتورة وحيدة صاحب حسن، توقفت بالتفصيل أمام أهم اتجاهات النقد الإدراكي، لكنها مع ذلك وقعت في مطب الترجمة من خلال توظيف مصطلح النقد المعرفي، كما نجد ذلك في ورقتها البحثية «النقد الأدبي المعرفي المعاصر: الأصول، المرجعيات، المفهوم» المنشور عام 2018، وأعجبني منها ضبط الباحثة للمفهوم وعرضها للمفاهيم المتاخمة لهذ المصطلح، مثل perception وcognition، حيث عبرت عن قناعتها برفض مفهوم الإدراك وتفضيلها لمصطلح المعرفة، مع أنها أشارت بوضوح إلى بقية الترجمات المقترحة، ومنها مقترح الدكتور الأزهر الزناد بتفضيل العرفنة تارةً والعرفان تارةً أخرى.
ومن الكتب المهمة التي ترجمت إلى اللغة العربية كتاب الناقد بيتر ستوكويل الموسوم «Cognitive Poetics- An Introduction» وترجمته الدقيقة «الشعرية الإدراكية: مقدمة». وقد ترجمته د.سلوى سليمان نقلي عام 2010 تحت عنوان «مقدمة في النقد الشعري المعرفي». ومن هنا نرى أن المترجمة لم تقتصر على ترجمة المصطلح بالمعرفي بدل الإدراكي بل أضافت له كلمة الشعرية، فأصبح المصطلح «النقد المعرفي الشعري»، ويبدو أنها تابعت الخطأ الشائع في ترجمة كتاب «الشعرية» (Poetics) بـ«فن الشعر»، وهي ترجمة تسبب تشوشاً في تلقي القارئ.
وقد سبق للناقد د. إبراهيم بن منصور التركي أن نشر دراسة مبكرة في هذا المجال عام 2006 في صحيفة «الرياض»، تحت عنوان «من النقد الثقافي إلى النقد المعرفي»، أشار فيه إلى أهمية النقد الثقافي، وأشاد بإنجازات الدكتور عبد الله الغذامي في هذا الميدان، لكنه عبر عن اعتقاده بأن ما سماه النقد المعرفي - ويقصد به الإدراكي، بدأ يزاحم النقد الثقافي. وكشف الناقد عن إدراك واسع للمفهوم.
وكانت جامعة عباس لغرور في الجزائر قد نظمت مؤتمراً دولياً تحت عنوان «النقد الثقافي استراتيجية النقد المعرفي» في فبراير (شباط) 2015، شارك فيها عدد من الباحثين الذين فحصوا فيها مستويات التماثل والتباين بين النقدين الثقافي والمعرفي.
لكن الإنجاز الأهم في التعريف بهذا الاتجاه النقدي الجديد، يتمثل في إقدام مجلة «فصول» المصرية على إصدار عدد موسوعي شامل صيف 2017 يحمل الرقم 100 من المجلة ضم العشرات من الدراسات الموضوعة والمترجمة؛ منها دراسات لرموز النقد الإدراكي. وقد لاحظنا في هذا العدد تعارضاً وتفاوتاً في ترجمة المصطلح، فبعض الدراسات مالت إلى ترجمته بالنقد المعرفي وأخرى بالعرفاني أو العرفني، لكن بعضها الآخر فضل مصطلح «النقد الإدراكي»، كما أن أسرة تحرير المجلة قد اختارت في غلاف المجلة الأول مصطلح «الإدراكيات»، في مقابل مصطلح العلوم الإدراكية (Cognitive Sciences) الذي أدرجته على غلافها الأخير. وبذا فما أتمناه أن يكون هذا الاختيار من قبل المجلة دعوة إلى جميع المترجمين والباحثين لاعتماد مصطلح «النقد الإدراكي» بديلاً عن المصطلحات المجاورة الأخرى التي يروج لها الآن في الدراسات الأكاديمية.
وقبل هذا وذاك، بات من حق القارئ علينا أن نعرفه على دلالة المصطلح وأصوله ومرجعياته في النقد الحديث. يمكن الاتفاق مبدئياً مع الناقدين رينيه ويلبك وأوستن وارين في كتابهما «نظرية الأدب»، على أن مناهج النقد تنقسم إلى قسمين؛ هما مناهج النقد الداخلي (Intrinsic) أو النصي (Textual)، وهي التي تعنى بالبنى الداخلية والشكلية للنص الأدبي وتمثلها معظم اتجاهات نقد الحداثة وما بعد الحداثة مثل البنيوية والتفكيكية، فضلاً عن مدرسة الشكلانيين الروس ومدرسة براغ، وهي تجمع على القول إنه لا يوجد شيء خارج النص، وترفض فحص أي من عناصر السياق الخارجي مثل المؤلف والقارئ والمجتمع والتاريخ والميثولوجيا وغيرها، والاكتفاء بالنص بوصفه بنية محايثة مكتفية بذاتها. أما القسم الثاني فيضم المناهج الخارجية (Extrinsic) أو السياقية (Contextual) التي تعنى بفحص دور المؤلف والقارئ وتأثير التاريخ والبنية الاجتماعية والثقافية في تشكل النص وبنائه، دون أن تهمل كلياً البنية النصية الداخلية.
ترى أين يمكن أن نضع النقد الإدراكي أو المعرفي هذا؟ إنه يقع ضمن المناهج الخارجية أو السياقية، وذلك لأنه يعني أساساً بفحص ردود أفعال القارئ الذهنية والعقلية عند تلقي النص الأدبي والأثر الفني، ومعنى ذلك أن هذا المنهج يقع خارج إطار القسم الأغلب من مناهج النقد الحداثي وما بعد الحداثي، بوصفه نقداً سياقياً يعنى بكيفية فك القارئ لشفرات النص الأدبي، وهو في هذا قريب إلى حد «نقد استجابة القارئ»، الذي مثلته كتابات الناقدين الألمانيين ياوس وايزر، كما أنه ينتمي إلى الدراسات النفسية، فالنقد الإدراكي يتعلق بعمل الدماغ، والعمليات الذهنية التي تدور في داخل دماغ المتلقي بوصفه قارئاً للنص.
وكان بيتر ستوكويل قد أشار في كتابه «الشعرية الإدراكية: مقدمة»، إلى أن الشعرية الإدراكية هي طريقة جديدة للتفكير تنطوي على تطبيق اللسانيات الإدراكية وعلم النفس على النصوص الأدبية. وأشار ستوكويل إلى ظهور نماذج تسلط الضوء على قضية الإبداع منها المخططات الذهنية (Scenario) والأطر أو المدارات المعرفية والأنساق الذهنية (Schemas) والبنى الكبرى (Macrostructures). وتذهب كاترين فوكس إلى أن العلوم الإدراكية تضم التخصصات التي تتعلق بمختلف جوانب النشاط الحسي والفكري التي بواسطتها يتعرف بها الإنسان على العالم من حوله من خلال علوم مختلفة مثل بيولوجيا الأعصاب، وعلم النفس، والذكاء الصناعي، ونظرية الاتصال، وفلسفة العقل وغيرها.
وبين ميهايو أنطونتش أن العلوم العرفانية ظهرت في سبعينات القرن الماضي بوصفها ردة فعل لمهاجمة سلوكية وبنيوية الخمسينات والستينات، ومثلت قطيعة شرعية مع النظرة القائلة إن الذهن البشري لوحة فارغة. وتستدرك لازريا بيليخوفا من أوكرانيا أن اللسانيات الإدراكية تذهب إلى أن اللغة ليست نتاج بنى خاصة في الدماغ، وإنما هي نتاج كفاية إدراكية عامة يستعملها البشر في تفكيرهم وتجربتهم.
ومن الجدير بالذكر أن أول من اجترح مصطلح الشعرية الإدراكية هو الناقد روفن تسور (Reuven Tsur) عام 1971 الذي أعلن أن هدف هذه النظرية هو الكشف عن العلاقة بين بنية نص ما، والخصائص الإنسانية الكامنة فيها، وكذلك استقصاء العمليات الوسيطة التي تدور في عقل القارئ، وقد طبق هذا الناقد نظريته هذه في دراسة الشعر والإيقاع والوزن وغير ذلك. وقد برز بعد ذلك عدد كبير من النقاد والباحثين الذين درسوا مختلف الجوانب المتعلقة بتطبيق العلوم الإدراكية في مجال دراسة الدلالة والأسلوب والاستعارة واللسانيات وغير ذلك، أمثال جورج لاكوف (George Lakoff) ومارك تيرنر ومارك جونسن وجيمس برلن ولندا فلاور وبيتر ماكسويل، وعشرات غيرهم.
يبقى السؤال الأهم: لماذا نصر على تفضيل مصطلح الإدراكي على المعرفي؟
تبين الدراسات الخاصة بالوعي والإدراك والمعرفة وجود مستويات مختلفة لا يمكن الخلط بينها بسهولة. فقد أصبح مفهوم الإدراك مؤسسة قائمة بذاتها ووجدت له معاجم ومؤلفات وموسوعات خاصة؛ منها انسكلوبيديا الإدراك التي حررها Nadal في أميركا.
أما مفهوم المعرفة (knowledge) فيحتل موقعاً أعلى في دراسات الوعي الإنساني، ويختلف نوعياً عن مفهوم الإدراك (cognition)، وأمامي الآن دراسة باللغة الإنجليزية تقع في 54 صفحة مخصصة للتمييز بين مصطلحي المعرفة والإدراك، ويمكن مراجعتها على صفحات الشبكة العنكبوتية بيسر؛ وهي: Knowledge and Cognition , Najib Callaos، ويشير فيها الباحث إلى أن هدفه هو محاولة تقديم أنموذج منهجي و«سبرنطيقي» للتمييز بين مفهومي المعرفة والإدراك.
وأخيراً فأود التأكيد على أهمية تلقي ومتابعة وتداول المفاهيم والمصطلحات النقدية والفكرية الجديدة، لكن من المهم أيضاً الاتفاق على وحدة هذه المصطلحات تجنباً للخلط واللبس والاضطراب في عملية التلقي. ونتذكر جيداً أن كثيراً من هذه المصطلحات قد استقرت في المعاجم النقدية الاصطلاحية إلى حد كبير مثل البنيوية التي كانت تسمى أحياناً الهيكلية والتفكيكية التي اقترح بعضهم ترجمتها بالتقويضية والشعرية التي كانت تترجم بفن الشعر، مثلما حدث مع كتاب أرسطو المهم عن الشعرية.
وتقع على عاتق المؤسسات الأكاديمية والثقافية والمجلات والمواقع الرصينة أن تحرص على توحيد المصطلح وضبطه وتحديد حمولاته الفكرية والمعرفية والمفاهيمية خدمة للثقافة العربية، وتعميقاً لآليات المثاقفة والتواصل في الفكر الإنساني.
-ناقد عراقي



أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر
TT

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر، شارك فيها نحو 40 شاعراً ومجموعة من النقاد والباحثين، في الدورة التاسعة لمهرجان الشعر العربي، الذي يقيمه بيت الشعر بالأقصر، تحت رعاية الشيح سلطان القاسمي، حاكم الشارقة، وبالتعاون بين وزارة الثقافة المصرية ودائرة الثقافة بالشارقة، وبحضور رئيسها الشاعر عبد الله العويس، ومحمد القصير مدير إدارة الشئون الثقافية بالدائرة.

نجح المؤتمر في أن يصنع فضاء شعرياً متنوعاً وحميمياً، على طاولته التقت أشكال وأصوات شعرية مختلفة، فكان لافتاً أن يتجاور في الأمسيات الشعرية الشعر العمودي التقليدي مع شعر التفعيلة وقصيدة النثر وشعر العامية، وأن يتبارى الجميع بصيغ جمالية عدة، وتنويع تدفقها وطرائق تشكلها على مستويي الشكل والمضمون؛ إعلاء من قيمة الشعر بوصفه فن الحياة الأول وحارس ذاكرتها وروحها.

لقد ارتفع الشعر فوق التضاد، وحفظ لكل شكلٍ ما يميزه ويخصه، فتآلف المتلقي مع الإيقاع الصاخب والنبرة الخطابية المباشرة التي سادت أغلب قصائد الشعر العمودي، وفي الوقت نفسه كان ثمة تآلف مع حالة التوتر والقلق الوجودي التي سادت أيضاً أغلب قصائد شعر التفعيلة والنثر، وهو قلق مفتوح على الذات الشعرية، والتي تبدو بمثابة مرآة تنعكس عليها مشاعرها وانفعالاتها بالأشياء، ورؤيتها للعالم والواقع المعيش.

وحرص المهرجان على تقديم مجموعة من الشاعرات والشعراء الشباب، وأعطاهم مساحة رحبة في الحضور والمشاركة بجوار الشعراء المخضرمين، وكشف معظمهم عن موهبة مبشّرة وهمٍّ حقيقي بالشعر. وهو الهدف الذي أشار إليه رئيس المهرجان ومدير بيت الشعر بالأقصر، الشاعر حسين القباحي، في حفل الافتتاح، مؤكداً أن اكتشاف هؤلاء الشعراء يمثل أملاً وحلماً جميلاً، يأتي في صدارة استراتيجية بيت الشعر، وأن تقديمهم في المهرجان بمثابة تتويج لهذا الاكتشاف.

واستعرض القباحي حصاد الدورات الثماني السابقة للمهرجان، ما حققته وما واجهها من عثرات، وتحدّث عن الموقع الإلكتروني الجديد للبيت، مشيراً إلى أن الموقع جرى تحديثه وتطويره بشكل عملي، وأصبح من السهولة مطالعة كثير من الفعاليات والأنشطة المستمرة على مدار العام، مؤكداً أن الموقع في طرحه الحديث يُسهّل على المستخدمين الحصول على المعلومة المراد البحث عنها، ولا سيما فيما يتعلق بالأمسيات والنصوص الشعرية. وناشد القباحي الشعراء المشاركين في المهرجان بضرورة إرسال نصوصهم لتحميلها على الموقع، مشدداً على أن حضورهم سيثري الموقع ويشكل عتبة مهمة للحوار البنّاء.

وتحت عنوان «تلاقي الأجناس الأدبية في القصيدة العربية المعاصرة»، جاءت الجلسة النقدية المصاحبة للمهرجان بمثابة مباراة شيقة في الدرس المنهجي للشعر والإطلالة عليه من زوايا ورؤى جمالية وفكرية متنوعة، بمشاركة أربعة من النقاد الأكاديميين هم: الدكتور حسين حمودة، والدكتورة كاميليا عبد الفتاح، والدكتور محمد سليم شوشة، والدكتورة نانسي إبراهيم، وأدارها الدكتور محمد النوبي. شهدت الجلسة تفاعلاً حياً من الحضور، برز في بعض التعليقات حول فكرة التلاقي نفسها، وشكل العلاقة التي تنتجها، وهل هي علاقة طارئة عابرة أم حوار ممتد، يلعب على جدلية (الاتصال / الانفصال) بمعناها الأدبي؛ اتصال السرد والمسرح والدراما وارتباطها بالشعر من جانب، كذلك الفن التشكيلي والسينما وإيقاع المشهد واللقطة، والموسيقي، وخاصة مع كثرة وسائط التعبير والمستجدّات المعاصرة التي طرأت على الكتابة الشعرية، ولا سيما في ظل التطور التكنولوجي الهائل، والذي أصبح يعزز قوة الذكاء الاصطناعي، ويهدد ذاتية الإبداع الأدبي والشعري من جانب آخر.

وأشارت الدكتورة نانسي إبراهيم إلى أن الدراما الشعرية تتعدى فكرة الحكاية التقليدية البسيطة، وأصبحت تتجه نحو الدراما المسرحية بكل عناصرها المستحدثة لتخاطب القارئ على مستويين بمزج جنسين أدبيين الشعر والمسرح، حيث تتخطى فكرة «المكان» بوصفه خلفية للأحداث، ليصبح جزءاً من الفعل الشعري، مضيفاً بُعداً وظيفياً ديناميكياً للنص الشعري.

وطرح الدكتور محمد شوشة، من خلال التفاعل مع نص للشاعر صلاح اللقاني، تصوراً حول الدوافع والمنابع الأولى لامتزاج الفنون الأدبية وتداخلها، محاولاً مقاربة سؤال مركزي عن تشكّل هذه الظاهرة ودوافعها ومحركاتها العميقة، مؤكداً أنها ترتبط بمراحل اللاوعي الأدبي، والعقل الباطن أكثر من كونها اختياراً أو قصداً لأسلوب فني، وحاول، من خلال الورقة التي أَعدَّها، مقاربة هذه الظاهرة في أبعادها النفسية وجذورها الذهنية، في إطار طرح المدرسة الإدراكية في النقد الأدبي، وتصوراتها عن جذور اللغة عند الإنسان وطريقة عمل الذهن، كما حاول الباحث أن يقدم استبصاراً أعمق بما يحدث في عملية الإبداع الشعري وما وراءها من إجراءات كامنة في الذهن البشري.

وركز الدكتور حسين حمودة، في مداخلته، على التمثيل بتجربة الشاعر الفلسطيني محمود درويش، ومن خلال هذا التمثيل، في قصائد درويش رأى أنها تعبّر عن ثلاثة أطوار مرّ بها شعره، مشيراً إلى أن ظاهرة «الأنواع الأدبية في الشعر» يمكن أن تتنوع على مستوى درجة حضورها، وعلى مستوى ملامحها الجمالية، عند شاعر واحد، عبر مراحل المسيرة التي قطعها، موضحاً: «مما يعني، ضِمناً، أن هذه الظاهرة قابلة لأن تتنوع وتتباين معالمها من شاعر لآخر، وربما من قصيدة لأخرى».

ورصدت الدكتورة كاميليا عبد الفتاح فكرة تلاقي الأجناس الأدبية تاريخياً، وأشارت، من خلال الاستعانة بسِجلّ تاريخ الأدب العربي، إلى أن حدوث ظاهرة التداخل بين الشعر وجنس القصة وقع منذ العصر الجاهلي، بما تشهد به المعلقات التي تميزت بثرائها الأسلوبي «في مجال السردية الشعرية». ولفتت إلى أن هذا التداخل طال القصيدة العربية المعاصرة في اتجاهيها الواقعي والحداثي، مبررة ذلك «بأن الشعراء وجدوا في البنية القصصية المساحة الكافية لاستيعاب خبراتهم الإنسانية». واستندت الدكتورة كاميليا، في مجال التطبيق، إلى إحدى قصائد الشاعر أمل دنقل، القائمة على تعدد الأصوات بين الذات الشعرية والجوقة، ما يشي بسردية الحكاية في بناء الحدث وتناميه شعرياً على مستويي المكان والزمان.

شهد المهرجان حفل توقيع ستة دواوين شعرية من إصدارات دائرة الثقافة في الشارقة للشعراء: أحمد عايد، ومصطفى جوهر، وشمس المولى، ومصطفى أبو هلال، وطارق محمود، ومحمد طايل، ولعب تنوع أمكنة انعقاد الندوات الشعرية دوراً مهماً في جذب الجمهور للشعر وإكسابه أرضاً جديدة، فعُقدت الندوات بكلية الفنون الجميلة في الأقصر، مصاحبة لافتتاح معرض تشكيلي حاشد بعنوان «خيوط الظل»، شارك فيه خمسون طالباً وطالبة. وكشف المعرض عن مواهب واعدة لكثيرين منهم، وكان لافتاً أيضاً اسم «الأصبوحة الشعرية» الذي أطلقه المهرجان على الندوات الشعرية التي تقام في الفترة الصباحية، ومنها ندوة بمزرعة ريفية شديدة البساطة والجمال، وجاءت أمسية حفل ختام المهرجان في أحضان معبد الأقصر وحضارة الأجداد، والتي امتزج فيها الشعر بالأغنيات الوطنية الراسخة، أداها بعذوبة وحماس كوكبة من المطربين والمطربات الشباب؛ تتويجاً لعرس شعري امتزجت فيه، على مدار أربعة أيام، محبة الشعر بمحبة الحياة.