في لبنان... الشموع تفقد رومانسيتها وتتحوّل إلى ملجأ

تهافت اللبنانيون في الأيام الأخيرة على شراء الشموع بشكل لافت. وسجلت بعض محال التعاونيات في ضواحي العاصمة بيروت نفاد كميات كبيرة منها. وتعود أسباب هذه الأزمة التي بدأت تطلّ برأسها على الأسواق اللبنانية، لانتشار أخبار مفادها أن لبنان سيغرق قريباً بالعتمة وستكون الشموع مصدر الإنارة الوحيد المتاح.
وتفيد هذه الأخبار التي تتناقلها وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي بأنّ الحكومة تواجه أزمة في تأمين مادة الفيول لتشغيل معامل الكهرباء، وكذلك مادة المازوت التي يحتاجها أصحاب المولدات الكهربائية. وهذه الأخيرة تعد بمثابة البدل عن ضائع أثناء تطبيق دوام تقنين التيار يومياً في جميع المناطق اللبنانية.
تضاعفت أسعار الشموع على أنواعها بحيث بلغ سعر الكيلوغرام الواحد منها نحو 12 ألف ليرة مقابل 5 آلاف في الأيام القليلة الماضية. وراح اللبناني يشتري الشموع بكميات مضاعفة وصلت إلى 10 كيلوغرامات للبيت الواحد في اليومين الأخيرين خوفاً من نفادها من الأسواق.
ويقول أنطوان عون أحد أصحاب معامل الشمع في لبنان وأكبرها، إنّ ما يتداوله اللبنانيون من أخبار في هذا الموضوع من شأنه أن يتسبب بأزمة شمع من دون أسباب ملموسة. فهم يتوقعون حصول مشكلة قبل حدوثها ويتصرفون على هذا الأساس. ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لا أزمة شموع في لبنان والكميات المستوردة لصناعتها تكفي حاجات السوق لشهر وأكثر». ويتابع في: «ولكننا في اليومين الأخيرين لمسنا تزايداً في طلبات المحلات الكبرى على الشمع. وهذا الأمر من شأنه أن يدفعنا كتجار إلى استيراد كميات أكبر من الخارج. فالناس تناقلت عبر مواقع التواصل الاجتماعي أخباراً عن إمكانية وقوع أزمة، وانتشرت كالنار في الهشيم، سيما أنّ اللبناني سبق وعاش أزمات متشابهة».
ويؤكد عون أنّ لبنان لم يعانِ من أزمة شمع حتى في عز أيام الحرب. «حينها لم يكن هناك من اشتراكات مع موزعي مولدات الكهرباء، كما كنا نعاني من نقص حاد في كميات الفيول، ورغم كل ذلك لم تحدث أي أزمة. فالمعامل المصنعة للشمع في لبنان لديها القدرة على تلبية طلبات الأسواق».
وفي لبنان تتوزع معامل ومصانع الشمع على عدد من المناطق لتشمل بيروت والشمال والجنوب. أمّا عددها فيقارب الـ75 مصنعاً وهي تستطيع إغراق الأسواق اللبنانية بالشمع طالما مادة البارافين الأساسية في صنع الشموع مؤمنة ويمكن استيرادها من الخارج. وتعمل بعض المعامل يدوياً وتكون صغيرة في غالبيتها، بينما ترتكز مصانع أخرى على ماكينات خاصة تسرّع في كميات وأحجام صناعاتها. «حتى الساعة لم يعانِ أصحاب مصانع ومعامل الشموع من مشكلة في استيراد مادة البارافين. ونشتريها عادة من بلدان عديدة تتقدمها الصين تليها مصر وتركيا واليونان». يقول عون في معرض حديثه.
تصل نسبة الاستهلاك اليومي للشمع في لبنان إلى نحو الطن. وتتوزع الكمية الأكبر من هذه النسبة على أماكن العبادة والكنائس. كما تشهد هذه الصناعة رواجاً في مناسبات حفلات الزفاف. «حالياً تراجع استهلاك الشموع الخاصة بديكورات حفلات الزفاف لتشكل 2 في المائة فقط من مجمل أسواق الشمع». يعلق عون الذي يرى في تراجع إقامة هذه الحفلات كساداً لأسواق الشمع. ويرى أنّ ارتفاع أو هبوط أسعار الشمع يرتبط ارتباطاً مباشراً بأسعار برميل النفط. «مادة البارافين تصنع من النفط ويتراوح سعر الطن الواحد منها ما بين 1100 و2000 دولار».
وتختلف أنواع الشمع، فمنها العسلي والنباتي وشمع الخرنوب واللانولين (يتراوح لونه بين البني والبرتقالي)، وغيرها من الشموع التي تنحت يدوياً أو تصب في قوالب خاصة. وبينها ما يحترق ويذوب بسرعة وترتكز صناعته على استخدام كمية كبيرة من الزيوت، وأخرى تقاوم بنورها لفترات أطول بسبب خيوطها القطنية السميكة وجودة مادة البارافين المستخدمة فيها. «مدة صلاحية الشمعة واستمرار نورها لوقت أطول يتعلق بعملية صناعتها. كما أنّ هناك أنواع بارافين من الصنف الجيد وأخرى بالعكس يمكن شراؤها بأسعار منخفضة فلا تفي بالحاجات المطلوبة».
أما كلود قسطنطين صاحبة مصنع «بيت الشمع» فتشير إلى أنها لم تلحظ أي اختلاف في الطلب على كميات الشمع التي تصنعها. وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «أعتقد أن هناك مبالغة في الموضوع فصحيح أني أتلقى اتصالات كثيرة يسألونني فيها عن مدى توفر الشمع بالكيلوهات ولكن أحداً لم يأتِ فعلياً ليشتري بالكميات المتداول فيها».
من جانبه، يقول فارس عون، وهو صاحب مصنع شمع خاص بالديكورات، إن الشموع في مصنعه لا تزال تحافظ على أسعارها إلى حدٍ ما، مع حصول زيادات لا تذكر. ويتابع: «تسعيراتنا تلحق سعر الدولار في لبنان، وفي حال شهد ارتفاعاً كبيراً في الأيام القليلة المقبلة قد نضطر إلى زيادة أسعارنا».
والمعروف أن اللبنانيين يستخدمون الشموع في جلسات رومانسية وفي المطاعم والبيوت، وبينها ما يصدر روائح عطرة لتغيير أجواء الهواء. ويروج هذا النوع من الشموع بعد أن أخذ من الفواكه وخشب الأرز والصنوبر والمستكة عنواناً له. فتعبق روائحها تاركة بأثرها الإيجابي على من يشتمّها من الضيوف وزوار المحال والبيوت التي تستخدمها.
وتلجأ بعض ربات المنازل إلى استخدام الشمع لإبعاد الذباب عن موائد الطعام. فيما تركن إليها شريحة أخرى لتعطير منزلها وإخفاء روائح الطبخ.