الأزمات تلاحق اللبنانيين من الخبز إلى المحروقات

خبير اقتصادي: الوضع الصعب بات يهدد بأعمال عنف

مظاهرة وسط بيروت نهار الجمعة الماضي احتجاجاً على سياسات الحكومة (إ.ب.أ)
مظاهرة وسط بيروت نهار الجمعة الماضي احتجاجاً على سياسات الحكومة (إ.ب.أ)
TT

الأزمات تلاحق اللبنانيين من الخبز إلى المحروقات

مظاهرة وسط بيروت نهار الجمعة الماضي احتجاجاً على سياسات الحكومة (إ.ب.أ)
مظاهرة وسط بيروت نهار الجمعة الماضي احتجاجاً على سياسات الحكومة (إ.ب.أ)

على وقع ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء والذي لامس أمس، عتبة الـ8000 ليرة للدولار مع عدم وجود أي بوادر توحي بإمكانيّة ضبطه، بات المواطن اللبناني ينتقل من أزمة إلى أخرى. فمع استمرار انقطاع الكهرباء لساعات طويلة واضطرار المواطنين في بعض المناطق للعودة إلى الشمع بسبب تقنين اشتراك المولدات إثر شحّ مادة المازوت، وبعد انقطاع الاتصالات الخلوية التابعة لشركة «تاتش» في الهرمل وقرى القضاء بسبب عدم توافر مادة المازوت لتشغيل محطات الإرسال، ظهرت أمس أزمة الخبز.
وبين أزمة المحروقات وأزمة الخبز أزمات كثيرة تثقل كاهل المواطن، منها الارتفاع الجنوني للأسعار وفقدان أدوية الأمراض المزمنة من الأسواق واتجاه التجار إلى إغلاق محالهم والتوقف عن البيع.
«يبدو أنّ قدرنا أن نقف بالصف ونذلّ لشراء حاجياتنا الأساسية» تقول إحدى السيدات وهي تنتظر شراء ربطة الخبز من أحد أفران بيروت، مضيفة في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «منذ يومين وقفنا بالصف لتأمين البنزين واليوم نقف من أجل الخبز وغيرنا يقف من أجل الحصول على الدولار، تماما كما كنّا نفعل أيام الحرب».
رحلة الحصول على ربطة الخبز لم تكن سهلة بالنسبة للعديد من المواطنين ولهذه السيدة كما تقول، فهي سألت في أكثر من خمسة محال وفرنين حتى وجدت ضالتها أخيراً، وفي هذا الإطار تقول: «تطلّب الحصول على ربطة الخبز ساعة كاملة، بين الانتقال من منطقة إلى أخرى وانتظار دوري هنا، غيري انتظر أكثر».
المشكلة ليست بتأمين الخبز فقط بل بتأمين كلّ شيء، يقول أحد المواطنين وهو يشتري حاجياته من دكان صغير، مضيفاً أنّ «الأسعار باتت كالبورصة تتغيّر كلّ ساعة، وطبعاً في ارتفاع مستمر، فكيلو الأرز المصري الذي كان أجوده بـ1500 ليرة بات اليوم النوع السيئ منه بـ3500، أما علبة الجبنة المبسترة التي كانت بـ2500 باتت بحدود الـ12 ألفاً».
شكاوى المواطنين متشابهة. فهم يتحدثون عن غلاء فاحش في أسعار السلع، ذلك أن كلّ شيء يسعّر على أساس سعر الدولار، ما دفع المواطنين لتقنين استهلاك اللحم الأحمر والتعويض عنه بالدجاج، واعتماد آلية جديدة للتسوق وهي الذهاب إلى أكثر من محل للاطلاع على الأسعار ومن ثمّ شراء الأرخص من كلّ محل. إزاء هذا الواقع تعمد الدولة إلى اتخاذ إجراءات محدودة منها على سبيل المثال إيجاد سلة غذائية مدعومة وتحديد سعر الصرف لاستيراد اللحم وخلق منصة تنظّم عمل الصرافين، إلّا أنّ هذه الإجراءات لا ترتقي إلى مصاف الحلول، حسب الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي، الذي شبّه الإجراءات المجتزأة بإعطاء مريض بحال حرجة نصف حبة بانادول.
وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» استغرب يشوعي طريقة تعامل الحكومة مع الأزمات، ولا سيما الحديث عن رفع الدعم عن المحروقات بحجة التهريب، معتبراً أن رفع الدعم ليس حلاً وأنّ اعتماد قسائم للفقراء سيخلق سوقاً سوداء عدا المحسوبيات والأحزاب التي ستتحكم بتوزيع هذه القسائم تماماً كما تُدار كل الأمور في لبنان.
وطالب يشوعي بضبط الحدود البحرية والبرية والجوية، بدلاً من التفكير برفع الدعم قائلاً: «فلينتشر الجيش على الحدود، ويمنع التهريب عبر الحدود البرية، وليمسك بالمرافئ وتحديداً مرفأ بيروت ويمنع التهرب من دفع الضرائب الجمركية، وكذلك المطار، ويعيد الأموال المهدرة المغيبة للخزينة». وأضاف أنّ «الحكومة الجديدة لم تبدأ بطريقة صحيحة»، فبدلاً من التفكير بطرق «تضخ رساميل بالعملة الأجنبية لا تكون على شكل ديون وتخفيض الإنفاق الإداري وإقرار موازنات من دون عجز ووضع سياسات للدين العام، عمدت إلى إعلان إفلاس لبنان». واعتبر يشوعي أنّ لبنان بات «مفتوحاً على كل الاحتمالات ذات الطابع العنفي»، لأنه «لا يمكن قمع الجوع والعوز لمدة طويلة».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.